الحوار الوطني

إرهاصات مناقشة قانون مجلس النواب بالحوار الوطني

يعد قانون مجلس النواب واحدًا من أبرز القضايا الحاضرة على طاولة نقاشات الحوار الوطني، إلى حد تصدره أولى جلسات المحور السياسي في الحوار الوطني على الإطلاق؛ فقد تعالت النداءات خلال الفترة الأخيرة لإجراء تعديلات لإلغاء العمل بنظام القوائم المغلقة المطلقة الجاري العمل به منذ يوليو 2020، والتعديل إلى نظام القوائم النسبية، بدعوى انها تقوض التعددية الحزبية بالبرلمان، وتحرم الأحزاب السياسية الصغيرة والمستقلة من التمثيل البرلماني. لذا سنلقي مزيدًا من الضوء على أبرز الفوارق بين النظامين وأوجه التمايز بين كل منهما. 

صدارة الحوار 

تنطلق الأحد 14 مايو الجاري أولى الجلسات النقاشية للحوار الوطني، ليكون نقطة الانطلاق من خلال المحور السياسي، بحيث تعقد في ذلك اليوم أربع جلسات، تخصص جلستان منهما لمناقشة النظام الانتخابي لمجلس النواب، وهي ضمن الموضوعات المدرجة على جدول أعمال لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي. 

ويعد قانون مجلس النواب أحد أهم القوانين التي تنظم العملية الانتخابية في مصر؛ إذ يتضمن العديد من الأحكام التي تحدد: شروط الترشح، وطريقة التصويت، وعملية الفرز والإعلان عن النتائج. وقد مر قانون مجلس النواب بعدة تعديلات تشريعية جوهرية، بما يعكس التزام السلطات المصرية بتطوير العملية الانتخابية وتحسينها وتوفير بيئة انتخابية حرة ونزيهة للجميع.

ففي الخامس من يونيو 2014، صدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 46 لسنة 2014 بإصدار قانون مجلس النواب، والذي أقر في مادته الثانية بإلغاء القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب والقانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى. وأقر تشكيل أول مجلس نواب بعد العمل بالدستور الصادر في الثامن عشر من يناير 2014 من (540) عضوًا، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر، ويجوز لرئيس الجمهورية تعيين ما لا يزيد على (5%) من الأعضاء. على أن توزع المقاعد بواقع (420) مقعدًا بالنظام الفردي، و(120) مقعدًا بنظام القوائم المغلقة المطلقة. ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما، على أن تقسم الجمهورية إلى عدد (4) دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم، يخصص لدائرتين منهما عدد (15) مقعدًا لكل منها، ويخصص للدائرتين الأخريين عدد (45) مقعدًا لكل منها.

إلا أنه وقبل انطلاق الدورة البرلمانية السابقة جرى إجراء بعض التعديلات على قانون مجلس النواب، ليصدر القانون رقم 140 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014، وقانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، والقانون رقم 198 لسنة 2017 بشأن الهيئة الوطنية للانتخابات، والذي صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الأول من يوليو 2020، بعد موافقة البرلمان عليه بأغلبية الثلثين.

وكان من أبرز التعديلات التي تمت على قانون مجلس النواب أن يُشكل مجلس النواب من (568) عضوًا، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر، وذلك بدلا من 540 بالقانون السابق عليه، على أن يخصص للمرأة ما لا يقل عن 25% من إجمالي عدد المقاعد، التزامًا بالمادة 102 من الدستور المعدل في 2019، ويجوز لرئيس الجمهورية تعيين عدد من الأعضاء في مجلس النواب لا يزيد على 5%. على أن يتم توزيع المقاعد مناصفة بين النظامين الفردي والقوائم، ليكون انتخاب مجلس النواب بواقع (284) مقعدًا بالنظام الفردي، و(284) مقعدًا بنظام القوائم المغلقة المطلقة. ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما. على ان تقسم الجمهورية إلى عدد من الدوائر تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، وعدد (4) دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم، يخصص لدائرتين منهما عدد (42) مقعدًا لكل منهما، ويخصص للدائرتين الأخريين عدد (100) مقعد لكل منها.

وتنقسم الدوائر الأربعة بنظام القوائم -وفقًا للكثافة السكانية بالمحافظات- إلى: 

  • أولًا، دائرة قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا: وتضم 6 محافظات هي “القاهرة والقليوبية والدقهلية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ” بإجمالي 100 مقعد.
  • ثانيًا، دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد: وتضم 11 محافظة وهي “الجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط والوادي الجديد وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان والبحر الأحمر”، بإجمالي 100 مقعد.
  • ثالثًا، دائرة قطاع شرق الدلتا: وتضم 7 محافظات “الشرقية ودمياط وبورسعيد والإسماعيلية والسويس وشمال سيناء وجنوب سيناء” بإجمالي 42 مقعدًا.
  • رابعًا، دائرة قطاع غرب الدلتا: وتضم 3 محافظات وهي: “الإسكندرية والبحيرة ومطروح”، بإجمالي 42 مقعدًا.

وأكد القانون في مادته الخامسة أنه يجب أن تتضمن كل قائمة انتخابية عددًا من المترشحين يساوي العدد المطلوب انتخابه في الدائرة وعددًا من الاحتياطيين مساويًا له. ويتعين أن تتضمن كل قائمة مخصص لها عدد (42) مقعدًا الأعداد والصفات الآتية على الأقل: (ثلاثة مرشحين من المسيحيين، مترشحان اثنان من العمال والفلاحين، مترشحان اثنان من الشباب، مترشح من الأشخاص ذوي الإعاقة، مترشح من المصريين المقيمين في الخارج)، على أن يكون من بين أصحاب هذه الصفات أو من غيرهم (21) امرأة على الأقل.

كذلك يتعين أن تتضمن كل قائمة مخصص لها عدد (100) مقعد الأعداد والصفات الآتية على الأقل: (تسعة مترشحين من المسيحيين، ستة مترشحين من العمال والفلاحين، ستة مترشحين من الشباب، ثلاثة مترشحين من الأشخاص ذوي الإعاقة، ثلاثة مترشحين من المصريين المقيمين في الخارج.)، على أن يكون من بين أصحاب هذه الصفات أو من غيرهم (50) امرأة على الأقل.

مطالب بالتعديل

وعلى الرغم من حداثة عمر تطبيق النظام المختلط (الذي يجمع بين النظامين الفردي والقوائم)، بعد أن كانت تعتمد الانتخابات لعقود على النظام الفردي للترشح، إلا أن خلال الآونة الأخيرة تعالت النداءات المطالبة بإجراء بعض التعديل على قانون مجلس النواب، وبخاصة نظام القوائم، للتحول من نظام القوائم المغلقة إلى القوائم النسبية. 

بداية هناك فارق كبير بين نظامي “القوائم” و”الفردي” سواء على مستوى الترشح أو حتى الانتخاب؛ فالنظام الفردي يقسم لدوائر انتخابية صغيرة، ويقوم الناخب باختيار مرشحيه بالدائرة على حسب المقاعد المتاحة بكل مركز إداري، فيقوم الناخبون بالتصويت لمرشح واحد فقط لكل مقعد انتخابي، ويٌعلن انتخاب المترشح الحاصل على الأغلبية المطلقة للأصوات الصحيحة التي أعطيت في الانتخاب بالدائرة الانتخابية، فإن لم تتوفر الأغلبية المنصوص عليها (في القانون) لأى من المترشحين أو لبعضهم أعيد الانتخاب بين المترشحين الحاصلين على أعلى الأصوات الصحيحة، ويُحدد عددهم بضعف عدد المقاعد التي تٌجرى عليها الإعادة.

أما في نظام القوائم المطلقة فيختار فيها الناخب إحدى القوائم الانتخابية المتنافسة –بما تتضمنه من مرشحين يمثلون أحزاب وتحالفات سياسية مختلفة أو حتى مستقلين- ضمن الدائرة الانتخابية التي يضمها التقسيم والتي تشمل عدة محافظات، ويكون الانتخاب للقائمة بشكل كامل وليس لمرشح بعينه، وإنما يختارون القائمة التي تمثل أفضل تمثيل لرؤيتهم السياسية والبرامجية، أي أن اختيار رمز القائمة يضمن نجاح كل المرشحين بها. ويعلن فوز القائمة التي حصلت على الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة، وإن لم تتوفر الأغلبية المنصوص عليها في (القانون) لأي من القوائم في الدائرة الانتخابية أعيد الانتخاب بين القائمتين اللتين حصلتا علي أكبر عدد من الأصوات، ويعلن انتخاب القائمة الحاصلة علي أكبر عدد من الأصوات الصحيحة.

أما في نظام القائمة النسبية، فيختار الناخب قائمة تتضمن عددًا من المرشحين، والقائمة التي تحصل على أغلبية الأصوات لا تحصل على كافة المقاعد لهذه الدائرة وإنما عدد من المقاعد يتناسب مع نسبه ما تحصل عليه من أصوات. ويمكن أن تأخذ القائمة النسبية أحد شكلين: إما المغلقة أو المفتوحة. 

القائمة المغلقة، هي قائمة ثابتة لا يمكن للناخب تغيير ترتيب المرشحين الذي تم اعتماده من الحزب، بينما القائمة المفتوحة يتمكن الناخب من الاقتراع للأفراد المفضلين المرشحين على القوائم، حيث يقوم الناخب بالاقتراع لمرشح فرد أو لعدة مرشحين حتى يكتمل ملء كافة المقاعد ويتم جمع الأصوات التي حصل عليها مرشحو الحزب الواحد لتشكيل مجموع أصوات الحزب، وبناء على هذا المجموع يتم توزيع المقاعد على الأحزاب بحيث تكون نسبه المقاعد التي يحصل عليها الحزب قريبة من نسبة مجموع الأصوات التي فاز بها مرشحو الحزب.

والفارق الأساسي بين القوائم المغلقة والقوائم المفتوحة هي عند توزيع المقاعد علي المرشحين؛ إذ توزع المقاعد في نظام القوائم المغلقة بناء علي ترتيب الأسماء في القائمة التي قدمها الحزب ، أما نظام القائمة المفتوحة فتوزع فيه المقاعد حسب ترتيب الأصوات التي نالها المرشحون وقد يكون مختلفا عن التوزيع الذي اقترحه الحزب.

وعلى الرغم من أن نظام القائمة المغلقة المطلقة –المعمول به حاليًا وفق قانون رقم 140 لسنة 2020- له عدة مزايا نسبية مثل: تعزيز الاستقرار السياسي، وتسهيل عملية الإدارة؛ حيث يصبح من السهل على الحكومة تنفيذ برنامجها الانتخابي بشكل أسرع وأكثر فعالية نظرًا لأنه لا يتطلب التوافق بين عدة الأحزاب، كما إنه يحفز الناخبين على التصويت؛ حيث يجد الناخبون أنهم يصوتون للحزب أو للقائمة التي تتبنى منهجًا واضحًا. إلا إنه نال عدة انتقادات خلال السنوات الأخيرة إلى حد الدفع بأن يتصدر قائمة الموضوعات المقترح مناقشتها خلال جلسات الحوار الوطني. 

ومن أهم الانتقادات التي وجهت لنظام القائمة المغلقة المطلقة أنها تقلص الفرص المتاحة للأحزاب الصغيرة والمستقلة؛ حيث تحتاج الأحزاب الصغيرة والمستقلة إلى حصولها على عدد كبير من الأصوات للفوز بمقاعد في البرلمان، فهو يهدر الأصوات ولا يحقق تمثيل التيارات السياسية كافة؛ حيث يتجاهل كافة القوى التي حصلت على 49% من التصويت، وهو ما قد يتعارض مع مبدأ التعددية الحزبية. فيما يراه البعض إنه نظام تعيين مُقنع، ويقلل الاختيارات المتاحة للناخبين؛ حيث يتم تحديد المرشحين بواسطة الحزب المسيطر على القائمة وليس الناخبين. هذا إلى جانب إنه يمكن أن يؤدي إلى فشل البرلمان في تمثيل جميع فئات المجتمع، وبالتالي فشل البرلمان في تمثيل مصالح الجميع.

على الجانب الآخر، يعدد مؤيدو نظام القائمة النسبية مزاياها بأنها تضمن تمثيلًا أكبر للأحزاب والقوى السياسية الصغيرة والمستقلة؛ حيث يحصل الحزب أو القائمة الحاصلة على عدد قليل من الأصوات على فرصة للحصول على مقعد في البرلمان، وبالتالي يتم تمثيل المصالح المختلفة لجميع الأحزاب. بجانب أنها تعزز الشفافية والشرعية، حيث يتم حساب الأصوات بشكل دقيق ويتم توزيع المقاعد وفقًا للأصوات التي حصلت عليها القوائم المختلفة. وكذلك توفر خيارات متعددة للناخبين خاصة لو أتيحت لهم فرصة إعادة ترتيب أولوية المرشحين المدرجين بالقائمة.

وعلى الرغم من المزايا التي يتمتع بها نظام القائمة النسبية، فإنه يعاني بعض مواطن القصور، فقد تكون القوائم النسبية أقل ارتباطًا بالمنطقة التي يمثلها الناخب، مما قد يشعر الناخبين بأن المرشحين في القائمة النسبية لا يمثلونهم وليس لديهم دراية بمصالحهم بشكل مباشر. على الجانب الآخر، قد يؤدي إلى تشتيت الأصوات على عدة قوائم، وهذا قد يؤدي إلى تصعيب مهمة الأحزاب والقوى الصغيرة والمستقلة. كذلك تثار حولها تخوفات أن تطغى المصالح الحزبية على المصلحة العامة، ويتراجع مستوى الحوار بالبرلمان إلى الحد الذي قد يجعل اتخاذ قرار برلماني بشأن أحد الأمور يتطلب التوفيق والتفاوض بين الأحزاب والقوى المختلفة، مما قد يتسبب في تأخير اتخاذ القرارات البرلمانية، ويزيد من عدم الاستقرار السياسي.

مجمل القول، إنه على الرغم من وجود مزايا وعيوب لكل نوع من القوائم الانتخابية، فإن الهدف الرئيس هو ضمان تمثيل جميع الفئات في المجتمع وتعزيز الشفافية والشرعية؛ فالهدف الأساسي من العملية الانتخابية هو تمثيل إرادة الشعب المصري في البرلمان، من خلال انتخابات يشارك فيها جميع الأحزاب والمرشحين بمناخ سياسي يسوده الاحترام والنزاهة، فالعملية الانتخابية في مصر تعد أحد أهم الأحداث السياسية الرئيسية التي تشهدها البلاد، وتمثل فرصة للشعب المصري للاختيار والتعبير عن إرادته السياسية، بشكل نزيه وشفاف وحر. 

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى