السودان

انتهاكات كارثية.. كيف أثر شهر من الصراع في السودان على الحقوق الأساسية لمواطنيه؟

تتصاعد المخاوف من تردي الأوضاع الإنسانية في السودان ضمن الصراع العنيف بين الجيش والدعم السريع؛ صراع قارب الشهر وخلف وراءه مئات الضحايا وآلاف الجرحى، مع تضرر كبير في القطاع الصحي، وانقطاع المياه والكهرباء، ونقص المواد الغذائية، وسط حالة عجز دولي عن التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الطرفين.

لقد عانى السودان منذ استقلاله في 1956 من ثورات وحروب أهلية ونزاعات قبلية وغيرها من الأزمات التي قوضت حقوق الشعب السوداني في الحصول على وطن يوفر له السلامة والأمن ويضمن له أبسط حقوقه الإنسانية، حتى وصل الصراع الحالي وقوض كل الآمال في تحسين الأوضاع وتحقيق الاستقرار المأمول؛ فلقد وصل الأمر إلى أزمة إنسانية حقيقية تتفاقم يومًا بعد يوم؛ إذ نزح ملايين الأشخاص من ديارهم، وأصبحوا بحاجة إلى الغذاء والماء والرعاية الطبية في مناطق تواجه تحديات وأزمات داخلية مرهقة، مما يزيد من حدة الأزمة وتوسيع نطاقها خارج حدود السودان نفسه. 

وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 10 ملايين شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، هذا بالإضافة إلى امتداد هذه التأثيرات السلبية إلى المنطقة؛ فلقد أثار الصراع مخاوف من صراع إقليمي أوسع، وأدى بالفعل إلى زيادة التوترات بين السودان وجيرانه. وستركز هذه الورقة على الحقوق البسيطة للإنسان التي قوضها هذا الصراع مثل: الحق في الغذاء، وحق الحصول على الخدمات والرعاية الطبية اللازمة، وتقويض الحق حتى في الحصول على الأمن والسلامة، هذا بالإضافة إلى حقوق اللاجئين وأزمات النزوح التي سببها هذا الصراع العنيف. 

تقويض الحق في الغذاء

لقد شهد السودان ازديادًا مطردًا في مستويات انعدام الأمن الغذائي؛ إذ أظهرت التقديرات الأممية أن ربع سكان البلاد يعانون من الجوع الشديد بين يونيو وسبتمبر الماضي 2022، واستأثرت مناطق شمال وغرب ووسط دارفور والخرطوم وكسلا والنيل الأبيض بأعلى عدد من الأشخاص الذين عانوا من الجوع الشديد. وكان يعاني ما وصل إلى 11.7 مليون شخص من الانعدام الشديد للأمن الغذائي، بالإضافة إلى 4 ملايين طفل وامرأة في السودان يحتاجون إلى خدمات التغذية المنقذة للحياة خلال العام الحالي، في ظل انتشار سوء التغذية الحاد بسبب: عدم كفاية المواد الغذائية، وارتفاع معدل انتشار الأمراض، وتهالك خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. 

وانطلاقا مما سبق، كان الوضع الإنساني في السودان خطيرًا بالفعل وأصبح الآن كارثيًا، بالإضافة إلى الزيادة المطردة لأعداد اللاجئين القادمين من جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا نظرًا لتردي الأوضاع في هذه المناطق فبل اشتعال القتال بين الأطراف المتنازعة.

وعلى الرغم من كفالة السودان لكافة الاتفاقيات الدولية التي تضمن الأمن لفرق السلامة والإغاثة للمنظمات الدولية إلا أنه في ظل هذا الصراع ليس هناك أية ضمانات للفرق التي تعمل في هذا الشأن؛ فلقد اضطر برنامج الغذاء العالمي إلى تعليق عملياته مؤقتًا في السودان بعد مقتل ثلاثة من موظفيه في كبكابية بشمال دارفور يوم 15 أبريل الماضي. وعبرت سيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي ، في بيان لها بأن: “برنامج الأغذية العالمي ملتزم بمساعدة الشعب السوداني الذي يواجه انعدام الأمن الغذائي الشديد ، لكن لا يمكننا القيام بعملنا المنقذ للحياة إذا لم يتم ضمان سلامة وأمن فرقنا وشركائنا”. وهو أمر طبيعي حتى لا تزداد أعداد الضحايا والمفقودين؛ فالواجب أن تلتزم الأطراف المتحاربة بالنصوص الدولية والمعاهدات بما يضمن السلامة والأمن لموظفين الإغاثة فالمدنيين ليسوا طرفا في الصراع الدائر.

الحق في الحصول على الخدمات الطبية:

يعاني السودان من  كارثة صحية حقيقية؛ نتيجة استمرار الاشتباكات في البلاد، فلقد صرح هيثم محمد إبراهيم وزير الصحة السوداني مؤخرًا بأن 125 مستشفى في الخرطوم قد تأثرت جراء الاشتباكات، وتضررت أنظمة الكهرباء والماء فيها، بالإضافة إلى نقص كبير في المعدات اللازمة لمستشفيات الأورام.

ولا يزال العديد من السودانيين محاصرين في المستشفيات من دون كهرباء أو مياه، بينما يتم إجلاء مرضى آخرين يحتاجون إلى رعاية طبية؛ فوفقا لموظفين في القطاع الطبي فهم يعانون منذ بداية الاشتباكات ضغوطًا نفسية هائلة بسبب نقص الطعام والشراب، فضلًا عن الخوف من الاشتباكات والقصف العشوائي المستمر في المناطق المحيطة بالمستشفيات، هذا وأكدت نقابة الأطباء السودانية  أنه هناك نحو 70% من مستشفيات العاصمة باتت خارج الخدمة، حيث تم إغلاق العديد منها، في حين تعاني المستشفيات المتبقية من نقص شديد في الكوادر والاحتياجات الطبية والمحاليل والحقن، إضافة إلى انقطاع الكهرباء.

ولقد أصدرت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانيين بيانًا عاجلًا دعت فيه إلى حماية المنشآت الصحية في السودان بعد تضرر مستشفيات عدة خلال الاشتباكات بين القوات المسلحة والدعم السريع، فأكثر المستشفيات تضررًا هي تلك القريبة من مقر الجيش في العاصمة السودانية.  وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير يوم 28 أبريل، إن المنظمة تحققت من 25 هجومًا على مؤسسات الرعاية الصحية منذ بدء القتال!

إن ما يحدث في السودان داخل المستشفيات هو انتهاك صريح لكل معاني الإنسانية وخرق واضح لكافة المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحتى المواثيق الخاصة بالتعامل في الأوقات الطارئة والاستثنائية بالتزام كافة أطراف الصراع بتقديم الخدمات الطبية والسماح لموظفي الإغاثة بالوصول للجرحى والمصابين وهو ما يتنافى مع الأخلاقيات الدولية. 

الحق في الحصول على الأمن والسلامة:

لقد عرف فقهاء القانون الدولي الهدنة بأنها “وقف العمليات الحربية بين طرفي القتال بناء على اتفاق المتحاربين”، وهي إجراء يحمل الطابع السياسي إلى جانب الصفة العسكرية، ويلجأ إليه المتحاربون عادة بوصفه مقدمة لإيجاد أساس لعقد صلح بينهما. ولكن الوضع في النزاع السوداني مختلف جدًا، حتى أن السائد على المشهد هو خرق كافة الهدن التي تم الاتفاق عليها؛ فحتى الآن تم خرق 7 هدن منذ اندلاع الأزمة في منتصف الشهر الماضي.

وعلى الرغم من أن الأساس من وضع الهدن هو محاولة التوصل إلى حلول لإنهاء الخلافات بين الأطراف المتنازعة، فإن الوضع في السودان أكثر تعقيدًا؛ فلقد تمثلت الهدن كغرض إنساني لوقف العنف بين الطرفين-مؤقتا- وذلك للسماح للمنظمات الإغاثية بالقيام بمهامها، وإنشاء ممرات إنسانية لتأمين فرار الضحايا المدنيين وعلى الرغم من ذلك تم اختراقها! 

ووفقًا للمادة 3 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان “فلكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه” وهو ما تم تقويضه في السودان بل تجاوز الأمر ذلك ووصل إلى عدم احترام الهدن في انتهاك صريح لاتفاقيات جنيف 1949 والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة. 

أزمة النزوح وأوضاع اللاجئين الحالية في السودان

كشفت مفوضية اللاجئين عن فرار ما لا يقل عن 800 ألف لاجئ من مناطق الاشتباكات في السودان بحثًا عن مكان آمن إثر تفاقم حدة القتال، فاعتبارًا من 28 أبريل، كانت أهم التحركات عبر الحدود حتى الآن من اللاجئين السودانيين إلى تشاد ومصر، وعبر لاجئون سودانيون أيضًا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، هذا بالإضافة إلى استقبال السودان نفسه عددًا من اللاجئين من الدول المحيطة؛ إذ يستضيف نحو مليون لاجئ من إقليم تيجراي في إثيوبيا بعدما عانى على مدى عامين اشتباكات مسلحة بين الجيش الفيدرالي وعناصر من الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. 

ذلك فضلًا عن لاجئي جنوب السودان، فترجح التقديرات الأممية دخول ما يصل إلى 170 ألف شخص، بينهم 125 ألف سبق لهم اللجوء إلى الشمال. جدير بالذكر أن اللاجئين فروا  إلى السودان بحثًا عن الأمان وهم حاليا اضطروا للعودة قسرا إلى بلادهم بما يزيد من أعباء السودان والدول المحيطة به.

هذا في ظل معاناة السودان نفسه من أزمات نزوح داخلية قبل اندلاع الأزمة الأخيرة،  فلقد أجبرأكثر من 334 ألف على النزوح داخل البلاد وهو عدد يتجاوز كافة عمليات النزوح التي ارتبطت بالنزاع في السودان منذ 2022 مما يفاقم الأزمة  بصورة كبيرة. 

ومما يعمق الأزمة كون دارفور واحدة من أكثر المناطق تضررًا من العنف وارتفاع مستوى الجريمة، حتى قبل اندلاع الاشتباكات الحالية. وقد تساعد الأعمال القتالية الحالية في إشعال التوترات العرقية والطائفية القائمة من قبل حول الأراضي والوصول إلى الموارد، وأن تؤدي إلى إحداث المزيد من موجات النزوح، وسوف يكون لذلك تداعيات كارثية على منطقة تواجه أصلًا نزوحًا كبيرًا للسكان.

إن نزوح السكان بهذه الأعداد الضخمة سيكون له آثار واسعة النطاق على المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدول المضيفة، خاصة في ظل معاناة هذه الدول في الوقت الحالي من أزمات عديدة؛ فهي تعاني من الجفاف، أو تعاني صراعات مسلحة، أو تواجه الفقر والغلاء وانعدام الأمن الغذائي. وهناك تخوف كبير من بدء موسم الأمطار في تشاد، وما يسببه عادة من قطع وسائل المواصلات في الأقاليم الحدودية النائية في البلاد التي تستضيف نحو 600 ألف لاجئ من دول الجوار المختلفة. وجنوب السودان بحسب الأمم المتحدة يوجد بها أكثر من 2.3 مليون نازح داخلي، وما يقرب من ثلاثة أرباع السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ويعيش نحو 2.2 مليون مواطن من جنوب السودان كلاجئين في البلدان المجاورة، ناهيك عن الظروف القاسية التي يمر بها اللاجئون السودانيون كل يوم والتي لها آثار نفسية شديدة عليهم. 

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار هو ضرورة حتمية لإتاحة الفرصة أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى من هم في أمس الحاجة إليها، وكذلك للسماح للأشخاص الذين يحاولون الفرار من القتال بالقيام بذلك على نحو آمن. ذلك فضلًا عن وجود ضمانات تسمح بحماية المدنيين بمن فيهم اللاجئين والنازحين، وكذلك ضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية المدنية، في أزمة أكثر المتضررين منها هم المواطنون السودانيون.

سلمى عبد المنعم

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى