تطورات ومسارات الأزمة السودانية.. خبراء وباحثون يطرحون رؤاهم على هامش ورشة عمل بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ورشة عمل يوم الاثنين الموافق 8 مايو 2023 تحت عنوان: “ماذا يحدث في السودان.. الأوضاع في السودان والسياسة المصرية” تناولت مستجدات المشهد السوداني السياسية والعسكرية والإنسانية، وتأثيرات الأزمة المتعددة سواء داخل السودان أو على دول الجوار والمنطقة بوجه عام، فضلًا عن الجهود المبذولة لحل الأزمة والمقاربات الواجب اتباعها للوصول إلى هذ الحل.
وعلى هامش هذه الورشة، أكد السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، أن الأوضاع في السودان الآن متأزمة ومتدهورة على كافة المستويات، فالعملية السياسية متأزمة، والاقتصاد في حالة تدهور، وهناك أوضاع إنسانية سيئة بشكل غير مسبوق. مشددًا على أن معالجة الأزمة تقتضي أن يكون هناك دور للأطراف السودانية والمجتمع الدولي بشكل شامل، وخاصة دول الجوار ودول الإقليم المهتمة والمعنية بالسودان، فضلًا عن الأمم المتحدة باعتبار أن العملية السياسية بدأت بالأساس بدور شرعي قانوني للأمم المتحدة بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي.
وأضاف أنه سيتعين على المجتمع الدولي أن يُضافر جهوده للتوصل إلى حل للأزمة السودانية، على أن تتفق وتطلعات الشعب السوداني فيما يتعلق بأن يكون هناك نظام حكم ديمقراطي، مع وجوب أن تكون الفترة الانتقالية أيضًا ذات أولوية وقيادة ديمقراطية سليمة، وهذا ما يصبو إليه السودانيون.
من جانبه، أوضح السفير محمد الشاذلي، سفير مصر الأسبق بالسودان، أن هناك عوارًا داخل السودان؛ فهذا البلد منذ استقلاله وهو في حالة تقاتل داخلي، بدأ في الجنوب، حتى انفصل عنه، ثم اشتعلت الحرب في دارفور وفي أماكن أخرى مثل “كردفان والشرق وجبال النوبة”. ولا يمكن أن يستمر بلد طوال تاريخه يتقاتل شعبه مع بعضهم البعض. لافتًا إلى البلاد قد وصل الآن إلى مرحلة أن الجيش الذي كان صمام الأمن الذي يحافظ على تماسك الدولة، انقسم وأصبح يتقاتل مع بعضه البعض، وهذه أمور يجب أن يكون لها أولوية في موضوع الحل.
أما السفير محمد أنيس، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق، فحذر مما وصفه بالخطر الكبير الذي يواجه السودان الآن، وتتعرض له دول المنطقة المحيطة بالسودان؛ وهو أن تتحول حالة عدم الاستقرار إلى حالة مزمنة، وبالتالي ينبغي التعامل مع الأزمة الحالية على أنها تملك خصائص قد تحولها إلى أزمة طويلة المدى ذات تأثير كبير، يدفع ثمنها المدنيون بالأساس، وتُخفض فيها محاولات الوساطة والحل.
وتابع أنه من هنا توجد حاجة إلى التركيز الشديد على إنجاح محاولات احتواء الموقف بتأكيد وقف إطلاق النار وتعزيزه، وتطوير العناصر المختلفة المرتبطة بوقف العدائيات، بما في ذلك استمرار عمليات الإغاثة والحماية لموظفي الإغاثة، وفى نفس الوقت فتح الأفق نحو حل طويل المدى، يعيد الاستقرار والحكم المدني الديمقراطي إلى الخرطوم.
وأوضح “أنيس”، أن الوضع في السودان يتطلب أخذ لحظة تفكير تنظر إلى المنظور التاريخي وإلى سيناريوهات المستقبل، وسنجد فيه أن السودان يعاني منذ أكثر من سبعين عامًا من حالة عدم استقرار دائمة، بل يصل الحد إلى أن بعض الكتاب يطلقون على السودان “نموذج الدولة الفاشلة” من حيث عدم قيامها بالوظائفالرئيسةللدولة من ناحية: الاستقرار السياسي، والأمن الداخلي، وتوفير الغذاء، وفرص ممارسة النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد أن عدة ظواهر تتحدى متخذ القرار في السودان، إحداها عدم استقرار العلاقة المدنية العسكرية وذلك موضوع قديم لا يتصل بالأحداث الأخيرة فقط، ولكنه متأصل في التاريخ الحديث للسودان، مشيرًا إلى أن هناك نقطة أخرى تتمثل في علاقة العملية التشاركية الديمقراطية في السودان وعلاقة المركز (الخرطوم وما حولها) بالهامش السوداني في المناطق والولايات البعيدة عن الخرطوم، وكيفية توزيع الموارد وفرص المشاركة السياسية بين هذه الأطراف.
وعلى صعيد متصل بجذور الأزمة، شخّص الباحث السوداني صلاح خليل هذه الجذور قائلًا: “يبدو أنه من الواضح مع سقوط البشير دأبت القوى السياسية والمدنية على إطالة أمد الفترة الانتقالية؛ لتمرير أجندات ومصالح حزبية ضيقة لا تمت بصلة للجهة السياسية السودانية، وأيضًا عملت القوى المدنية والسياسية لإطالة تلك الفترة من أجل شيطنة الجيش السوداني لدى الرأي العام بأنه هو العائق أمام عملية التحور الديمقراطي”.
وذكر “خليل” أن تلك الأجندات بإطالة الفترة الانتقالية ارتبطت بجانب آخر وهو تمكين ميليشيات الدعم السريع للسيطرة على الجيش، أو بمعنى أدق أن تكون بديلًا للجيش السوداني، وهو ما ظهر بوضوح في الأزمة الأخيرة، وظهر بوضوح في عمل لجنة إزالة التمكين التي قامت بالعديد من السلوكيات بمصادرة العديد من المقرات، وحل العديد من الأجهزة المعنية بالدولة، خاصةً جهاز هيئة العمليات التابع لجهاز المخابرات العامة، وتسليم العديد من المقرات التابعة للمخابرات إلى ميلشيات الدعم السريع.
وأوضح أنه بعد أحداث 15 أبريل تباينت مواقف القوى السياسية تجاه طرفي الصراع؛ إذ اتخذت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) موقفًا معاديًا للجيش وداعمًا لميلشيات الدعم السريع، وحدث انقسامات داخل الأحزاب التقليدية مثل حزب “الأمة” وخاصة في ضوء رحيل الصادق المهدي والتنافس على الزعامة داخل الحزب بين أبنائه، وهو ما ظهر في إعلان الحزب أن ميلشيا الدعم السريع هي المسيطرة ميدانيًا، ثم إعلانه مجددًا أن الجيش يحق له بموجب الدستور حماية البلاد. مضيفًا أن الانقسامات وصلت كذلك إلى داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي بين أبناء محمد عثمان الميرغني خاصةً بعد تدهور حالته الصحية.
وأكد الباحث السوداني أن موقف الجيش السوداني واضح بأنه لا حوار أو تفاوض مع مكون غير شرعي، مشددًا على أن ميلشيا الدعم السريع هو مكون غير شرعي، ومن ثم لا يمكن أن يوضع على قدم المساواة مع القوات المسلحة السودانية في عملية حوار.
فيما اعتبرت الأستاذة أسماء الحسيني، مديرة تحرير جريدة الأهرام والمتخصصة في الشؤون العربية والأفريقية، المشهد في السودان بأنه يتجاوز أية تجاذبات أو انقسامات، لذلك يستلزم تنسيق وحشد لكافة الجهود الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار في، والتوجه إلى عملية سلمية، بسبب تعقيد الأوضاع، مشيرة إلى أن أحداث الخامس عشر من إبريل الماضي، وبدء الصراع في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فتحت أبواب جهنم على السودان والمنطقة كلها، وهناك مخاوف بشأن تمدد زمن الصراع وانخراط أطراف أخرى من الداخل والخارج.
ورهنت “الحسيني” نجاح إطار مفاوضات ومباحثات “جدة” بواسطة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، بالضغوط على أطراف الصراع من أجل وقف فوري ودائم لإطلاق النار الفوري، ووقف نزيف الدم في السودان، وإيقاف التدمير الواسع.
وتابعت: “كما سيتوقف مدى نجاح هذه المفاوضات على انضمام أطراف أخرى في دول الإقليم إلى هذه المباحثات، وتحديدًا مصر وبعض دول جوار السودان التي يمكن أن تُسهم إيجابيًا بفضل معرفتها العميقة بالقضايا في السودان، وذلك لأن الأمر لا يتوقف على وقف إطلاق النار، إذ توجد عملية سياسية يتوجه إليها الجميع، في ظل إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن المُبادرة المُشتركة”.
ومن جانبها، ثمّنت الأستاذة سمر إبراهيم، الصحفية بجريدة الشروق، ما طرحته ورشة العمل التي عقدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية من تشخيص ورؤية للخروج من الأزمة الراهنة في السودان، مؤكدة أن هذا الصراع تثير مخاوف متعددة تتعلق بتماسك الدولة السودانية مع احتمالات أن يسفر على سبيل المثال عن انفصال إقليم دارفور أو تجدد النزاعات فيه بشكل عنيف وامتدادها لأكثر من ولاية.