احتدام التنافس.. ماذا قبل أيام من انعقاد الانتخابات في تركيا؟
دخلت تركيا في الأسبوع الأخير قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو الجاري، وتشهد الساحة التركية الآن أجواء منافسة انتخابية محتدمة تزداد وتيرتها مع اقتراب موعد عقد الانتخابات. ويُنظر إلى هذه الانتخابات على أنها الأهم في تاريخ تركيا الحديث؛ إذ تتسم بطابع الاستفتاء على النظام الرئاسي وكذلك حكم العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان منذ 20 عامًا، في ظل تعهد المعارضة في حال فوزها بإلغاء النظام الرئاسي والعودة بتركيا للنظام البرلماني، وتغيير السياسات الاقتصادية. لذا تُعد هذه الانتخابات مفصلية في تاريخ تركيا، وتحدد وجهها خلال السنوات المقبلة، مما يدفع إلى التطرق لتطورات المشهد الانتخابي، وأبرز نتائج استطلاعات الرأي قبل أيام من انعقاد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية.
عوامل حاسمة في الانتخابات المقبلة:
الناخبون الجدد، تشير بعض التقديرات إلى تأثير تصويت الشباب على نتائج هذه الانتخابات، فنحو 7.7% من الناخبين الأتراك دون سن الـ 25، وقرابة نصفهم لم يسبق له التصويت[1]. ويكشف استطلاع للرأي لمؤسسة أبحاث بوبار، أن نحو 80% من الشباب سيصوتون لمرشحين وأحزاب لا ينتمون إلى تحالف الجمهور الحاكم[2]. ويرجح أوزر سنجار مدير مركز “ميتروبول” للأبحاث واستطلاعات الرأي تفضيل الناخبين الجدد للمعارضة، متوقعًا أن يصوت “أكثر من نصف الناخبين الجدد لمرشح المعارضة كليجدار أوغلو”[3].
تصويت الناخبين من الخارج، انطلقت عملية تصويت الأتراك من الخارج يوم 27 أبريل الماضي في 73 دولة، وشهدت إقبالًا كبيرًا لاسيما في ألمانيا وبريطانيا. واستمرت عملية التصويت حتى يوم 9 مايو في البعثات الدبلوماسية التركية بالخارج، بينما تستمر حتى يوم 14 مايو في المطارات والمعابر الحدودية. وحتى يوم 8 مايو أدلى أكثر من مليون ونصف من الناخبين الأتراك المقيمين في الخارج بأصواتهم، وذلك من إجمالي نحو 3.4 ملايين ناخب تركي مقيم بالخارج، ويمثلون نحو 5.3% من إجمالي نسبة الناخبين الأتراك[4].
ووفقًا للهيئة العليا للانتخابات التركية، توجد أكبر جالية لتركيا في ألمانيا، وتقدر بنحو 2.3 مليون، من بينهم نحو 1.5 مليون يحق لهم التصويت. وقد أظهرت هذه الجالية فيما مضى دعمًا قويًا لـ “أردوغان” وحزبه[5]. ووفقًا لتصريحات أوزر سنجار مدير مركز “ميتروبول” للأبحاث واستطلاعات الرأي، يمثل الناخبون الداعمون لـ “أردوغان” وحزبه في الجالية التركية بألمانيا نحو 60%[6].
الأصوات المترددة: وهي أصوات من لم يحسموا قرارهم الانتخابي بعد. وتشير بعض التقديرات إلى أنهم نحو 10: 15% من الناخبين، لذا يبقى الرهان على قدرة المتنافسين على استمالة هؤلاء الناخبين لتحقيق الفوز. ولذلك تتواصل الحملات الانتخابية، وتتصاعد حدة التصريحات والتصريحات المضادة بين المتنافسين، وتُلقي الأحزاب والتحالفات السياسية ما بجعبتها من برامج ووعود انتخابية، ويحشد كل طرف مؤيديه ساعيًا من خلال خطابه أن يقدم رسائل لكسب تأييد المزيد من الناخبين.
ويضاف إلى ما سبق تأثير نسب تصويت الأكراد –الذين يشكلون كتلة تصويتية تقدر بنحو 14% من الناخبين-، وكذلك النساء في حسم نتائج هذه الانتخابات، وترجح بعض التقديرات ميلهما للتصويت لصالح المعارضة[7].
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟:
تظهر استطلاعات الرأي أن هذه الانتخابات ستكون الأصعب في مسيرة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الذي يتنافس بشدة مع كمال كليجدار أوغلو الذي لديه فرصة للفوز بفارق ضئيل. وتكشف كذلك أن تحالف أردوغان يكافح بشدة للحفاظ على الأغلبية البرلمانية التي فاز بها في الانتخابات الأخيرة عام 2018[8].
وكشف استطلاع رأي أجرته مؤسسة “MAK” للأبحاث، احتمالية فوز كليجدار أوغلو من الجولة الأولى بنسبة 50.9٪، فيما سيحصل أردوغان علي45.4 %، ومحرم إنجه على 1.7%، وسنان أوغان على 2%. فيما سيحصل حزب العدالة والتنمية على 36.9%، وحزب الشعب الجمهوري على 30.1%، وحزب الجيد على 12.6%، وحزب اليسار الأخضر على 10.4%، وحزب الحركة القومية على 6.6%، وحزب الوطن على 0.9٪، وحزب النصر على0.4٪[9].
وتظهر آخر استطلاعات للرأي، أجريت خلال الثلاثين يومًا الماضية وشارك بها قرابة 16580 شخصًا، حصول “أردوغان” على نسبة 43.2%، وحصول “كليجدار أوغلو” على 48.9%، فيما حصل محرم إنجه على 4.8%، وسنان أوغان على 3.1%. وتظهر أن حزب العدالة والتنمية وحلفاءه في منافسة شديدة أيضًا مع تحالف المعارضة، ومن غير المؤكد فوز أي طرف منهما بأغلبية مطلقة في البرلمان[10].
إدارة أردوغان للمنافسة الانتخابية مع خصومه:
يحرص أردوغان -الذي يخوض منافسة انتخابية شرسة ومصيرية في ظل تصاعد احتمالات الخسارة-، على إظهار معنويات مرتفعة للغاية بالفوز بهذه الانتخابات، رغم أنه يواجه للمرة الأولى معارضة موحدة، في ظل مكافحة حكومته لحلحلة الأزمة الاقتصادية ومعالجة أزمة التضخم المتفاقمة، وارتفاع تكاليف المعيشة وتداعيات زلزال فبراير المدمر؛ في محاولة لمعالجة تأثر شعبيته وحزبه بهذه التحديات[11].
ومع ذلك، لا يجب إغفال حقيقة أن أردوغان لا يزال يحظى بدعم كبير وشعبية بين قواعده الانتخابية، ولديه طيف واسع من الناخبين لاسيما المحافظون والقوميون، حيث ينظر له بأنه رجل دولة تتمتع سيرته الذاتية بسجل حافل من الخبرات والإنجازات التي حققها خلال فترة حكمه، فضلًا عن هويته الإسلامية المحافظة، مما يكسبه نقاط قوة في مواجهة منافسيه[12]. ومع ذلك، يظل أردوغان في حاجة إلى دعم يتجاوز قاعدته الانتخابية، والتحدي الرئيس له حاليًا يتمثل في كسبه وإقناعه لعدد أكبر من الأصوات المترددة والجديدة من الشباب بأنه قادر على معالجة التحديات التي تمر بها تركيا[13].
ومع احتدام المنافسة الانتخابية، يوظف أردوغان ما يتمتع به من سمات شخصية و”كاريزما” مكنته من الفوز في كافة الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها خلال عقدين من الزمن لكسب المزيد من التأييد الشعبي، مخاطبًا الناخبين بأسلوبه الشعبوي المعتاد، منوهًا إلى أنه “الوحيد القادر على إكمال مسيرة التنمية في تركيا”[14]، مفردًا المساحة في حديثه عن التنمية التي حققتها حكومته خلال السنوات الماضية، والإنجازات التي تحققت في مجال الصناعات الدفاعية المحلية[15].
وسعى أردوغان وحزبه إلى اتخاذ العديد من السياسات الخارجية والداخلية لتعزيز حظوظهما الانتخابية، ومنها: تنفيذ خطة إنفاق عام غير مسبوقة، وتقديم حزم من المساعدات والحوافز الاجتماعية والمالية واحدة تلو الأخرى قبل الانتخابات[16]، وافتتاح مشاريع جديدة استراتيجية وعملاقة منها مشروع غاز البحر الأسود ومحطة الطاقة النووية فضلًا عن تطوير قطاع الصناعات الدفاعية وصناعة السيارات، بالإضافة إلى تسليم وحدات سكنية للمتضررين من الزلزال، وتخفيف فواتير الطاقة؛ لكسب أصوات الناخبين لاسيما النساء والشباب.
ويبدو رهان أردوغان وحزبه كبيرًا على قدرتهما في إدارة برنامجهما الانتخابي، فأفردا مساحة واسعة في تفنيد ادعاءات المعارضة بمسؤوليتهما عن سوء البنية التحتية، فضلًا عن التركيز على قدرتهما على إعادة تشكيل البلاد خلال عقدين من الزمن، والتشديد على فكرة تعددية قيادة المعارضة والأخطاء التكتيكية التي قد ترتكبها، وإخفاقها في تحقيق أي إنجازات ملموسة على الأرض، فيما ترد المعارضة بأن الحكم على عملها لا يكون إلا بعد توليها للسلطة.
إدارة المعارضة للمنافسة الانتخابية
تُظهر المعارضة أن فوزها بالانتخابات أمر محسوم، حتى أن نقاشات تقاسم السلطة داخلها هيمنت في بعض الأحيان على نقاشاتها بشأن المنافسة الانتخابية. ومع ذلك، تعي المعارضة تمامًا أن أردوغان وتحالفه خصم لا يستهان به[17].
وتركز المعارضة في برنامجها الانتخابي على قضايا الاقتصاد والهجرة ونظام الحكم في البلاد. ويؤكد “كليجدار أوغلو” في حملته الانتخابية أنه سيجلب “الحرية والديمقراطية” لتركيا في حال فوزه؛ في محاولة لجذب الناخبين لاسيما الشباب منهم[18].
وتنطلق الحملات الانتخابية لـ “أوغلو” وتحالفه من توظيف إخفاقات السياسات الحكومية وخاصة في الملف الاقتصادي والتعامل مع زلزال فبراير المدمر[19]؛ لتوجيه انتقادات لاذعة لسياسات “أردوغان” وتحالفه، لكسب المزيد من الأصوات لاسيما المترددة منها.
وختامًا: أيام قليلة فاصلة عن يوم حسم الانتخابات، يبدو خلالها المشهد الانتخابي التركي في سباق مع الزمن واحتدام وتيرة المنافسة الانتخابية، حيث تُظهر استطلاعات الرأي تقارب فرص فوز التحالفين الانتخابيين الرئيسين ومرشحيهما للرئاسة، لذا تلعب البرامج الانتخابية ومهارات التواصل الجماهيري دورًا كبيرًا في حسم رأي الفئة المترددة التي سيكون لها دور كبير في حسم نتائج المعركة الانتخابية. ويبقى الرهان الآن على قدرة كل طرف على استمالة الناخبين لتحقيق الفوز، وتظل نتائج الانتخابات التركية مفتوحة على كافة الاحتمالات؛ ووحده الصندوق الانتخابي من سيحسم هذا الأمر.
[1] B B C عربي، “الانتخابات التركية 2023: “هل ولي زمن أردوغان؟ – صندي تايمر”، 7 مايو 2023.
At: https://www.bbc.com/arabic/inthepress-65515747
[2] زمان التركية، ” استطلاع: 80٪ من الشباب لن يصوتوا لتحالف أردوغان”، 1 ابريل 2023،
[3] آسية إبراهيم، ” هل يصوت شباب تركيا للمعارضة؟.. تعرف علي خريطة الناخبين”، الجزيرة نت، 7 مايو 2023،
[4] زمان التركية، ” تركيا.. التصويت بالخارج يسجل مستويات قياسية”، 7 مايو 2023.
[5] فرنس 24، ” أكثر من مليوني تركي في ألمانيا يبدؤون التصويت في انتخابات تمثل اختبارا حاسما لأردوغان، 27 ابريل 2023.
[6] آسية إبراهيم، ” هل يصوت شباب تركيا للمعارضة؟.. تعرف على خريطة الناخبين”، مرجع سابق.
[7] أمنة فايد، “معركة الانتخابات: قراءة في ترتيبات المشهد السياسي التركي”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 28 إبريل 2023،
At: https://acpss.ahram.org.eg/News/18866.aspx
[8] الشرق بلومبرج، “لماذا تشكل الانتخابات التركية اختباراً كبيراً لأردوغان؟”ـ، 25 ابريل 2023
[9] زمان التركية، “استطلاع رأي: كيليتشدار أوغلو سيفوز من الجولة الأولى بنسبة 50.9٪”ـ، 8 مايو 2023.
[10] Election trends and current polls for Turkey, PolitPro, May 2023, At: https://politpro.eu/en/turkey?fbclid=IwAR32SEOK97u1_TDGnXHgY59NRq9yEHhblFfzWP_T6woQBh2mQJh09noOJr0
[11] B B C عربي، “الانتخابات التركية 2023: “هل ولي زمن أردوغان؟”، مرجع سابق.
[12] غادة عبد العزيز، ” سباق الانتخابات التركية.. ما السيناريوهات المتوقعة؟”، المرصد المصري ، 16 أبريل 2023.
At: https://marsad.ecss.com.eg/76751/
[13] B B C عربي، “أردوغان يلجأ لأسلوبه الشعبوي القديم لحسم الانتخابات”، 13 أبريل 2023.
At:
[14] أورلا غورين، ” أردوغان يعود لأنشطة حملته الانتخابية بعد تعافيه من وعكة صحية”،B B C عربي، 29 ابريل 2023.
At: https://www.bbc.com/arabic/inthepress-65259464
[15] فرنس 24، إردوغان يظهر شخصيا في اسطنبول بعد وعكته الصحية”، 29 ابريل 2023،
[16] غادة عبد العزيز، ” سباق الانتخابات التركية.. ما السيناريوهات المتوقعة؟”، مرجع سابق.
[17] محمود علوش، ” انتخابات تركيا.. حسابات معقدة ورهانات صعبة”، الجزيرة، 3 ابريل 2023.
[18] أورلا غورين، ” الانتخابات التركية 2023: كليجدار أوغلو، منافس أردوغان، يعد بالسلام والديمقراطية”،B B C عربي، 4 مايو 2023.
At: https://www.bbc.com/arabic/world-65415792
[19] أندبندنت عربية، “أردوغان يخوض حربا بلا هوادة من أجل البقاء السياسي”، 8 مايو 2023.