قراءة في خطاب الرئيس “بوتين” في ذكرى يوم النصر الروسي
أحيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الثلاثاء 9 مايو ذكرى يوم النصر، تخليدًا للذكرى الـ 78 للانتصار في الحرب الوطنية العظمى، وهو اليوم الذي تحتفل فيه روسيا بانتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية على القوات النازية عام 1945.
شهد الاحتفال الروسي بيوم النصر استعراضًا كبيرًا للقوة العسكرية الروسية، وتخلله خطاب للرئيس “فلاديمير بوتين”، هنأ فيه المواطنين الروس بهذه الذكرى، وتطرق من خلاله لمستقبل بلاده وللعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وتكتسب الذكرى هذا العام بعدًا آخر مع تشييع روسيا للآلاف من جنودها الذين قتلوا في الحرب المستمرة منذ ما يقرب من خمسة عشر شهرًا، والتي لا تشير أي بوادر إلى قرب انتهائها.
الاحتفال بذكرى يوم النصر
وفقًا للكرملين، فإن عدد المشاركين في الاحتفالات بذكرى يوم النصر تجاوز الـ 10.000 من العسكريين، الذين ساروا عبر الميدان الأحمر في مجموعات من فرق الاستعراض العسكري، بالإضافة إلى 150 قطعة من المعدات العسكرية العصرية، وللمرة الأولى، شاركت في العرض أحدث عربات مدرعة من طراز تيغر وتايفون ومنظومات صواريخ S-400 للدفاع الجوي وناقلات جنود مدرعة. وحسب تقارير إعلامية ألغي عرض للطائرات العسكرية فوق موسكو، في حين قلصت السلطات الروسية أو ألغت مواكب عسكرية في بعض المدن الأخرى لدواعِ أمنية، ارتباطًا بواقعة الطائرات المسيرة التي انفجرت فوق الكرملين الأسبوع الماضي.
وكذلك شهد الحفل حضور عدد من المشاركين في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، الذين أثنى عليهم الرئيس “بوتين” خلال كلمته، موضحًا أن روسيا تكن فخرًا واعتزازًا لهم، وأن مستقبل الدولة الروسية يعتمد على بسالة هؤلاء الرجال. وقاد العرض القائد العام للقوات البرية الجنرال “أوليغ ساليوكوف” (Oleg Salyukov) واستقبله وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويغو”، وقد بدأ الحفل المهيب في الساعة العاشرة صباحًا واستغرق قرابة الـ 50 دقيقة.
وشهد العرض العسكري حضورًا لافتًا من قادة بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق، والذين تواجدوا بجوار الرئيس الروسي أثناء الاحتفال، ومن هؤلاء الرؤساء: الرئيس “ألكسندر لوكاشينكو” (بيلاروسيا)، والرئيس “قاسم جومارت توكاييف” (كازاخستان)، والرئيس “صدير جاباروف” (قيرغيزستان)، والرئيس “إمام علي رحمن” (طاجيكستان)، والرئيس “سيردار بيردي محمدوف” (تركمانستان)، والرئيس “شوكت ميرزيوييف” (أوزبكستان)، والرئيس “نيكول باشينيان” (أرمينيا).
قراءة في خطاب الرئيس “بوتين”
بدأ الرئيس “بوتين” خطابه بتهنئة المواطنين الروس في شتى بقاع الاتحاد السوفيتي بعيد النصر، موضحًا أن هذا العيد بمثابة تكريم للآباء والأجداد، الذين دافعوا عن الوطن، مخلدين أسمائهم في السجل الناصع للتاريخ، نتيجة تفانيهم وبسالتهم وتضحياتهم الكبيرة لإنقاذ البشرية من النازية.
ثم تطرق سريعًا للوضع الراهن، موضحًا أن الحضارة اليوم تواجه مرة أخرى تحديات حاسمة ونقطة تحول كبيرة، وأن حربًا حقيقية قد اندلعت مرة أخرى ضد الوطن الروسي، لكنَّ الروس استطاعوا مرة أخرى صد الإرهاب الدولي، مؤكدًا أن روسيا ستحمي سكان منطقة “الدونباس” وستضمن أمنها ولن تتنازل عن ذلك الأمر.
في السياق ذاته، وصف الرئيس “بوتين” معارضي بلاده بأن هدفهم يتمثل في تفكيك روسيا وتدميرها، متهمًا إياهم بالسعي والعمل على مراجعة نتائج الحرب العالمية، في محاولة منهم لهدم نظام الأمن العالمي وانتهاك القانون الدولي، وخنق أي مراكز تنمية في أي مكان في العالم.
وأضاف الرئيس الروسي، أن النخب الغربية تواصل الحديث عن “تفردها” وتعمل على زرع الكراهية، ووصم روسيا بالإرهاب، كما تعمل على إثارة الصراعات من أجل الاستمرار في “فرض إرادتهم”. وإن دول الغرب هي التي تثير الانقلابات وتؤجج الصراعات وتدمر كافة القيم من أجل فرض قواعدها ونظامها على الآخرين. مشيرًا إلى أن ذلك الأمر بالتحديد هو سبب الكارثة والمأساة التي يعيشها الآن الشعب الأوكراني، الذي أصبح –وفقًا لبوتين- رهين نظام “أسياده الغربيين”، وبات النظام الأوكراني “ورقة مساومة” في يد الغرب.
في سياق آخر، أشار بوتين في خطابه بأنه بالنسبة إلى روسيا لا توجد شعوب غير ودية أو معادية سواء في الغرب أو في الشرق، وأن بلاده تريد أن ترى المستقبل سلميًا وحرًا ومستقرًا، كما تتمناه الغالبية العظمى من العالم بأن ترى مستقبلًا يسوده السلام والحرية والاستقرار
وأعرب الرئيس الروسي عن تقديره البالغ لحضور قادة دول رابطة الدول المستقلة العرض العسكري في موسكو، مشيرًا إلى تجربة التضامن التي حدثت خلال الحرب العالمية الثانية، مذكرًا بدور المقاومة والجيوش المتحالفة في الحرب ضد النازية، فضلًا عن مساهمة جميع شعوب الاتحاد السوفيتي في ذلك النصر.
وللمرة الأولى في هذا العام، يشترك عددًا من القوات المنخرطة في العملية العسكرية في أوكرانيا في الاحتفال بيوم النصر، فضلًا عن حضور عائلات هؤلاء المقاتلين؛ وفي هذا السياق، شدَّد الرئيس “بوتين” على أن مستقبل الدولة والشعب الروسي يعتمد على هؤلاء المقاتلين، وأن روسيا تحتشد بكاملها لدعم هؤلاء الأبطال. وإن روسيا لا تزال وفية لمبادئ أسلافها، وأن الدولة فخورة بمن هم في منطقة العمليات الخاصة ويقاتلون في الخطوط الأمامية، مشددًا على أنه لا يوجد شيء أكثر أهمية الآن من العمل القتالي.
وبعد انتهاء العرض، ذهب “بوتين” والقادة الأجانب لوضع الزهور على قبر الجندي المجهول بالقرب من جدار الكرملين. وتحدث الرئيس الروسي مع أقارب المشاركين في العملية العسكرية في أوكرانيا. وحيا جنود القوات المسلحة الروسية وفيلق “دونيتسك” و”لوهانسك” والمتطوعين وضباط إنفاذ القانون والقوات الأخرى.
ملاحظات حول خطاب الرئيس “بوتين”
من خلال القراءة السابقة لأبرز ما تضمنه خطاب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في ذكرى النصر، يمكن الوقوف على عدد من الملاحظات منها:
- أولًا: أراد الرئيس “بوتين” إرسال رسالة للداخل الروسي، بالثناء على أولئك الذين ماتوا في الحرب الوطنية العظمى وتخليد ذكراهم، وربما الهدف من ذلك هو بث الروح الوطنية والقتالية في صفوف الجنود والمقاتلين الروس ورفع عزيمتهم، بأن بلادهم لا تبخس حقهم وبطولاتهم؛ وذلك لتحفيزهم في الاستمرار في العمليات القتالية حتى تحقيق النصر.
- ثانيًا: استمرار خطاب الرئيس بوتين المعادي للغرب، وربما كانت اللهجة هذه المرة أكثر حدة عن المرات السابقة، ولا شك في أن شن هذا الهجوم على الغرب يتزامن مع الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عقوبات قاسية على روسيا نتيجة تدخلها العسكري في أوكرانيا، فضلًا عن استمرار تلك الدول في إمداد النظام في كييف بكافة المساعدات العسكرية والاقتصادية، الأمر الذي ساهم حتى الوقت الراهن في صمود النظام الأوكراني في الحرب.
- ثالثًا: أثار حضور عدد من قادة دول الاتحاد السوفيتي السابق “رؤساء دول رابطة الدول المستقلة السبع” في العرض؛ مزيد من الاهتمام. حيث كان هذا الأمر غير معتاد في السنوات السابقة، بأن يتجمع هؤلاء القادة في ذكرى وطنية. وأيًا كانت دوافع ذلك، إلا أن النظام الروسي سيأخذ ذلك علامة على إظهار الدعم لنظام الرئيس “فلاديمير بوتين” من قبل قادة هذه الدول.