تحولات متعددة: مسار الانتخابات التشريعية في موريتانيا
في ضوء التفاهمات التي تمت بين الحكومة والأحزاب والكتل السياسية المختلفة في موريتانيا تحت مظلة الحوار الوطني الذي انعقد في أغسطس وسبتمبر 2022، استطاعت الحكومة الموريتانية تهدئة وتطبيع المشهد السياسي، ليس فقط على مستوى الوضع العام ولكن فيما يتعلق بالترتيبات والتوافقات الخاصة بالانتخابات التشريعية.
تشهد الانتخابات المزمع عقدها في موريتانيا يوم 13 مايو 2023 ويتنافس فيها 25 حزبًا حالة مغايرة إجرائيًا عما كانت عليه الجولة السابقة؛ على إثر ما تم التوصل إليه في جولات التشاور التي تمخض عنها إقرار النسبية في الانتخابات التشريعية والجهوية، إلى جانب إقرار اللائحة الوطنية للشباب. وهي تُجسد اختبارًا للنظام الموريتاني؛ لكونها كاشفة عن حجم وقدرة التأثير للأحزاب الموالية ومدى تأثيرها في الحشد للانتخابات الرئاسية 2024.
متغيرات متعددة
بالنظر إلى قواعد الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية الموريتانية؛ فإنها يتنافس فيها 25 حزبًا على 176 مقعدًا برلمانيًا، وعلى 13 مجلسًا جهويًا، و238 بلدية في عموم موريتانيا. وثمة تكثيف في المنافسة، خاصة بعدما تقلصت أعداد الأحزاب من نحو 100 حزب إلى 25 في إطار سياسة الحل التي قامت بها الدولة للأحزاب التي لم تتجاوز العتبة القانونية في الانتخابات الماضية. هذا الأمر يتيح بصورة كبيرة المجال أمام الأحزاب المنافسة من تشكيل تحالفات مختلفة للدفع بها في الانتخابات، علاوة على أن تقلص عدد الأحزاب يسهم في تقليل تفتيت الأصوات بين الأحزاب الهشة.
وتضمنت تلك التعديلات ما شملته وثيقة الحوار الوطني الخاصة بتنظيم العملية الانتخابية، سواء عبر الاعتماد على اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في تشكيل ووضع جدول الانتخابات وكذلك الإشراف عليها، علاوة على وضع قائمة للشباب، إلى جانب فتح الترشح والانتخاب للموريتانيين الموجودين بالخارج. هذا الأمر كله يحدث زخمًا وديناميكية بصورة فعالة للانتخابات المقبلة.
حزب “الإنصاف” واستمرارية الهيمنة
إن حزب “الإنصاف” أو “الاتحاد من أجل الجمهوري- سابقًا” هو الحزب الحاكم الذي فاز بأغلبية المقاعد في الانتخابات الماضية، ويُعد الظهير السياسي للرئيس الموريتاني “محمد ولد الغزوني”، ويستمد قوته من تشكيله للحكومة كأغلبية برلمانية. ويسعى خلال تلك الانتخابات إلى الحفاظ على صدارته للانتخابات والاستحواذ على الأغلبية الآمنة التي تدعم مسار تشكيله للحكومة واستمرار برنامجه السياسي والاقتصادي. وفي ضوء تقلص عدد الأحزاب السياسية لنحو 25 حزبًا تتنافس في تلك الانتخابات، فقد عززّ حزب الإنصاف من حضوره وتغطيته لكافة المناطق الانتخابية والمدن الكبرى؛ وذلك لضمان صناعة أغلبية برلمانية وبلدية.
ولكن هذا الحزب يواجه تحديات مختلفة ربما تُشكل نقطة ضعف في جولته الانتخابية المقبلة، ومن بين تلك التحديات التشرذم الداخلي في الحزب؛ في ضوء الاختيارات المختلفة التي تقود القوائم الوطنية في الانتخابات التشريعية المقبلة، إلى جانب تزايد وتيرة التراجع في تأييد ذلك الحزب بسبب إخفاقاته الاقتصادية المختلفة. الأمر الثاني يتمثل في تطلع عدد من أحزاب الموالاة في منافسة حزب الإنصاف؛ إذ لم تعد المنافسة قاصرة على التنافس بين أحزاب الموالاة والمعارضة، وإنما امتد الأمر ليطال الأحزاب الموالية للنظام ذاتها، وفي مقدمة تلك الأحزاب حزب “الإصلاح” الموريتاني الذي يسعى إلى التقارب مع السلطة وإقرار ذلك عبر النافذة البرلمانية وتشكيل الحكومة.
الإسلاميون ومساعي العودة إلى المشهد
يُشكل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” -الحزب الإسلامي- أحد أبرز التيارات المعارضة التي تسعى إلى رفع نسبة تمثيلها داخل البرلمان في ضوء ذلك الاستحقاق، خاصة وأنه جاء في المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية السابقة بواقع 14 مقعدًا.
وقد دفعت حالة الاستياء الداخلي من جانب القوى السياسية والحزبية من أداء الحكومة الموريتانية والحزب الحاكم “الإنصاف” إلى تعزيز فرص ارتفاع عدد المقاعد التي يمكن أن يحظى بها حزب “تواصل” بعد أن تجاوز حاجز 150 لائحة على المستوى الوطني كثاني أكبر ترشيح بعد الحزب الحاكم. فضلًا عن ذلك، يجد حزب تواصل تقاربًا ملحوظًا من الرئيس السابق “محمد ولد عبد العزيز” عبر مساعيه لتشكيل مظلة جامعة لأحزاب المعارضة في ضوء مساعيه للقضاء على الأغلبية البرلمانية لأحزاب الموالاة، إلا أن هناك تحديات متعددة التي يمكن أن تجعل الحزب قابعًا في إطار ذات المقاعد للدورة السابقة ومنها ما يلي:
تصدعات وانسلاخات داخلية: في ضوء التغيرات الهيكلية التي أجراها حزب “تواصل” وأفضت إلي استبدال قيادة الحزب، يشهد حزب “تواصل” حالة من التفكك النسبي داخليًا في ضوء تباين المواقف والتوجهات بشأن تفاعل الحزب مع القضايا السياسية العامة، ولعل آخرها تلويح “محمد جميل ولد منصور” الرئيس السابق للحزب بالاستقالة، وكذلك تلميحات قيادات أخرى بالانسحاب من هياكل الحزب، بما يُعد حالة تجاذب تؤثر على قدرة الحزب على الحشد والتعبئة خلال الاستحقاق المقبل.
سياق ضاغط: إن وضعية التيارات الإسلامية بصورة عامة في منطقة المغرب العربي خاصة والإقليم عمومًا تشهد تراجعًا على المستويين الرسمي والشعبي، وهو مناخ يؤثر بشكل كبير على قدرة تلك الأحزاب على تصدر المشهد مرة أخرى، خاصة في حالة الرفض الشعبي لها، مما يقلل من فرص ارتفاع نسبة تمثيله في المجالس النيابية.
تراجع الخطاب والتمويل: يعاني حزب “تواصل” من تراجع التمويل الخارجي الذي كان يحصل عليه؛ وذلك ضمن حالة السياق الإقليمي المناهض للتيارات الإسلامية بصورة عامة. ويعاني حزب “تواصل” كذلك من تراجع مستويات الخطاب الخاصة به سواء أكانت على مستوى التفاعل مع السلطة أو تناول قضايا المواطنين.
وخلاصة القول؛ سينجح الحزب الحاكم “الإنصاف” في تجاوز هذا الاختبار وضمان تصدره المشهد النيابي خلال الدورة القادمة، عبر قوائمه الوطنية المختلفة التي غطّت كامل التراب الموريتاني، وسيحظى بتشكيل الحكومة. في حين سيستمر حزب “تواصل” في تصدر المشهد المعارض كأكبر قوة معارضة حاضرة في الساحة الموريتانية. وستكون تلك الانتخابات بمثابة نقطة قياس لقدرة الأحزاب التابعة للنظام الحاكم للعب دور رئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة.