
تأكيد الدور… دلالات تسلم مصر الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب
انطلاقًا من أهمية الدور الذي تضطلع به مصر في ملف مكافحة الإرهاب، وتأكيدًا على نجاح التجربة المصرية وتحولها إلى نموذج رائد في محاربة هذة الظاهرة على كافة المستويات إقليميًا ودوليًا؛ تسلمت مصر رسميًا يوم 4 مايو 2023 الرئاسة المشتركة مع الاتحاد الأوروبي للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF)، وذلك أثناء مشاركتها في فعاليات الدورة 21 لاجتماع اللجنة التنسيقية للمنتدى المنعقد بالقاهرة، بحضور أكثر من 150 من كبار المسؤولين والمعنيين بملف محاربة الإرهاب.
وكانت اللجنة التنسيقية للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب قد اعتمدت في أبريل عام 2022 الترشيح المشترك لمصر والاتحاد الأوروبي لرئاسة المُنتدى لمدة عامين، خلفًا لكندا والمغرب، بحيث تتولى مصر الرئاسة خلال الفترة (2023 – 2025). وهو ما يعد مؤشرًا على ثقة شركاء مصر الدوليين في دورها الريادي وما تقوم به من جهود حثيثة في دحر ومعالجة ظاهرة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال مشاركتها الفعالة في الجهود الدولية المبذولة في هذا الصدد والتي كانت محط إشادة العديد من التقارير والمؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب.
أهمية تولي مصر الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب
تأتي أهمية مشاركة مصر في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب انطلاقًا من جملة من العوامل:
أولها: يُعد المنتدى أحد أهم الآليات الدولية المعنية بمحاربة الإرهاب؛ فمنذ تأسيسية في عام 2011 عمل المنتدى كمنصة تفاعلية أتاحت لمسؤولي وخبراء مكافحة الإرهاب في شتى أنحاء العالم تبادل الخبرات والمقاربات والممارسات الناجحة في محاربة ظاهرة الإرهاب والتي أثبتت التجارب الدولية المختلفة أن القضاء عليها لا يمكن تحقيقة من دون تعزيز التعاون وتبادل الآراء والخبرات بين الدول في هذا الصدد.
وإلى جانب الدور المهم الذي يقوم به المنتدى في تعبئة الخبرات والموارد اللازمة للحد من تجنيد الإرهابيين وزيادة قدرات الدول في التعاطي مع التهديدات الإرهابية داخل وخارج حدودها، وتعزيز التعاون العالمي في مكافحة الإرهاب؛ يعمل المنتدى أيضًا على صياغة نهج استراتيجي طويل الأجل لمنع ومكافحة الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة العنيفة، ويحرص بالتعاون مع أجهزة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة الإرهاب على تطوير ممارسات وأدوات جيدة لصانعي السياسات والمعنيين لتعزيز القدرات المدنية لمكافحة هذة الظاهرة.
وقد استُخدمت أدوات ووثائق المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب على نطاق واسع من قبل العديد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، فضلًا عن أنها شكلت أساس قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بمكافحة الإرهاب.
ثانيها: يأتي ترؤس مصر للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب انعكاسًا لمشاركتها الفعالة في أعمال المنتدى خلال السنوات الفائتة، بدءًا من كونها أحد الدول الرئيسة المُشاركة في تأسيسه، وصولًا إلى ترؤسها لعدد من مجموعات العمل الخمسة المنبثقة عن المنتدى (مكافحة التطرف العنيف (CVE)- المقاتلون الإرهابيون الأجانب (FTF) – العدالة الجنائية وسيادة القانون (CJ-ROL) – – بناء القدرات في منطقة شرق أفريقيا – بناء القدرات في منطقة غرب أفريقيا).
فقد تولت مصر رئاسة مجموعتين من المجموعات السابقة هما: مجموعة عمل بناء القدرات في منطقة شرق إفريقيا خلال الفترة (2017 – 2022) بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، وهي إحدى المجموعات المعنية بتعبئة الموارد الكافية لمعالجة مسببات الإرهاب والتطرف العنيف في شرق إفريقيا. فضلًا عن توليها لرئاسة مجموعة عمل العدالة الجنائية وسيادة القانون بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة (2011 – 2017).
هذا إلى جانب مشاركة مصر أيضًا في عدد من ورش العمل المهمة في إطار المنتدى بالتعاون مع بعض الدول الأعضاء، ومنها على سبيل المثال: ورشة عمل مشتركة مع الاتحاد الأوروبي، وألمانيا والجزائر حول “إدارة أمن الحدود” في ديسمبر 2020، تناولت التحديات الخاصة بإدارة الحدود، وسبل تعزيز التعاون الإقليمي لتأمين الحدود؛ وورشة عمل حول “سبل تعزيز الحوار وقدرة المجتمعات على الصمود في مواجهة الإرهاب والتطرف في شرق أفريقيا” في مارس 2021، تناولت سبل تعزيز التماسك المجتمعي، وتقوية دور المجتمعات المحلية فى الوقاية من الإرهاب والتطرف ومكافحتهما.
ثالثها: تُضاف مشاركة مصر في رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، إلى جملة المؤشرات الدالة على النجاحات التي حققتها الدولة المصرية في هزيمتها للإرهاب والتي حظيت بإشادة العديد من دول العالم، وعكستها العديد من التقارير والمؤشرات الدولية المتعلقة بظاهرة الإرهاب والتي أقرت في غير موضع بنجاح مصر في نزع سرطان التطرف والتصدي لظاهرة الإرهاب العابر للحدود وفرض معادلة الاستقرار الأمني الشامل في كافة أرجاء البلاد؛ من خلال تبنيها مقاربة شاملة جمعت بين الأسلحة الفكرية والمادية والتنموية والتوعوية والتشريعية، واستطاعت من خلالها ضرب المرتكزات الفكرية التي تنطلق منها التنظيمات الإرهابية، وتجفيف منابع التمويل المادي واللوجيستي الذي يعد أحد الركائز الأساسية لتلك التنظيمات، فضلًا عن جهود قوات مكافحة الإرهاب المصرية في خلخلة وتدمير البنية اللوجستية للعناصر الإرهابية من خنادق وأوكار ومخازن الأسلحة والعبوات الناسفة وغيرها.
رابعها: يأتي ترؤس مصر للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب تأكيدًا على فاعلية جهود الدولة المصرية في نهج محاربة الإرهاب نيابة عن العالم أجمع، وذلك انطلاقًا من الخبرات التاريخية التي تمتلكها في محاربة تلك الظاهرة خلال العقود السابقة، لا سيما خلال السنوات التسع الماضية التي شهدت فيها مصر موجة إرهابية ضخمة نجحت أجهزة الدولة المعنية في التصدي لها وباتت التجربة المصرية نموذجًا رائدًا في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية يحتذي به من العديد من دول العالم.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه من بين أحدث المؤشرات الدالة على نجاح المقاربة المصرية في مكافحة الإرهاب هو استمرار تراجع مصر في تصنيف مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي لتحتل المرتبة السادسة عشر في النسخة العاشرة للمؤشر لعام 2023 نزولًا من المرتبة الخامسة عشر التي احتلتها في تصنيف 2022. فبدءًا من عام 2018، خرجت مصر من قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا في تصنيف المؤشر-الذي يقدم ملخصًا شاملًا للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسة للإرهاب سنويًا- بعد أن حلت في المرتبة التاسعة عام 2017.
أولويات مُلحة
يأتي تولي مصر للرئاسة المشتركة مع الاتحاد الأوروبي للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب بالتزامن مع مجموعة التحديات الضخمة التي يشهدها العالم مؤخرًا والتي تفاقم من العوامل المحفزة للظاهرة الإرهابية ومخاطرها، وستتحدد في ضوئها الأولويات التي ستتبناها الرئاسة المصرية الأوروبية المشتركة في الفترة المقبلة. ويمكن تسليط الضوء على أبرز هذة التحديات فيما يلي:
استمرار تهديد تنظيم داعش: رغم الهزيمة المكانية التي لحقت بتنظيم داعش في معاقله التقليدية في العراق (ديسمبر 2017) وسوريا (مارس 2019)، ورغم الجهود الدولية المبذولة لدحر نشاط التنظيم؛ إلا أن الأخير نجح في إعادة تجميع شتاته وتكييف استراتيجيته في ضوء المستجدات، وبات في مقدمة الجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا على مستوى العالم، واتسعت تمركزاتة الجغرافية خارج الجغرافيا السورية والعراقية لتشمل مساحات شاسعة في القارة الإفريقية لا سيما في منطقة الساحل الإفريقي التي باتت مسرحًا لوجيستيًا رئيسًا لنشاط داعش، فضلًا عن تنامي تهديد نشاط فرع داعش خراسان الذي يتزايد في أفغانستان ووسط وجنوب آسيا.
تصاعد خطر الإرهاب في أفريقيا: تتزايد الرقعة الجغرافية للنشاط الإرهابي في القارة الإفريقية يومًا بعد يوم؛ حيث تستغل التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيمي داعش والقاعدة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجة العديد من دول القارة مؤخرًا في تعزيز نشاطها وتعبئة مواردها ومضاعفة تعدادها البشري من خلال تجنيد أعضاء جدد، مع التركيز على فئة الشباب والنساء.
وتتفاقم المخاطر الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي على وجه الخصوص، فوفقًا للنسخة العاشرة من مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، تُعد منطقة الساحل هي الأكثر تضررًا من الإرهاب على مستوى العالم. وتوجد جملة من العوامل المحفزة لاستمرار المعضلة الأمنية القائمة في هذة المنطقة، وفي مقدمتها استمرار الصراعات وحالة عدم الاستقرار السياسي في العديد من دول المنطقة مثل السودان وليبيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا والنيجر، واستمرار نشاط بعض الجماعات مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
تصاعد الخطر الإرهابي في الفضاء الإلكتروني: لجأت التنظيمات الإرهابية مؤخرًا إلى تعزيز وتكثيف نشاطها في الساحة الإلكترونية بعد تعرضها للمضايقات والضربات الأمنية على المستوى الميداني، بوصفها ساحة بديلة منخفضة التكلفة تستطيع تلك التنظيمات من خلالها ممارسة حربها الدعائية والترويج لأيديولوجيتها المتطرفة واستقطاب المزيد من الأعضاء إلى صفوفها. ويزداد الأمر خطورة مع نجاح التنظيمات الإرهابية في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها في توجيه العديد من مؤيديها لتنفيذ هجمات إرهابية في مناطق جغرافية مختلفة على غرار نمط “الذئاب المنفردة”.
استمرار ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب: لا تزال معضلة المقاتلين الإرهابيين الأجانب تُشكل تهديدًا لأمن واستقرار الدول، خصوصًا المقاتلين في صفوف تنظيم داعش؛ حيثُ تتصاعد المخاوف من القنبلة الموقوتة داخل المخيمات التي تأوي عشرات الآلاف من عائلات وأسر الدواعش من المقاتلين الأجانب في شمال شرق سوريا لا سيما في مخيم الهول، حيث يسعى التنظيم لإحداث التوترات داخل المخيم لتحرير عناصره المحتجزة هناك خصوصًا مع تراجع قدرته على الجنيد المحلي.
وقد تصاعدت حدة هذه التوترات خلال العام الماضي الذي شهد عشرات جرائم القتل التي ارتكبتها العناصر الداعشية داخل مخيم الهول، حيثُ يقوم هؤلاء بالانتقام من المتعاونين مع الحراس، ويطردون منظمات الإغاثة، إلى جانب عمليات تهريب الأسلحة إلى المخيم بشكل منتظم، فضلًا عن هروب المئات وما يسمون بـ (أشبال الخلافة) إلى معسكرات التدريب الصحراوية التي يديرها التنظيم في محاولة لتعويض نزيفه البشري المتمخض عن الضربات الأمنية التي توجه ضد أفرعه المختلفة. ويحذر العديد من التقارير الدولية من أن تنظيم داعش لدية “جيش منتظر” في سجون ومعسكرات النزوح بسوريا والعراق، حيث يوجد نحو 25 ألف طفل في مخيم الهول يمثلون وجهة رئيسة للتطرف الداعشي، ويشكلون الجيل القادم المحتمل لداعش.
جهود مصرية حثيثة لمحاربة الإرهاب إقليميًا ودوليًا
يأتي ترؤس مصر للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في ضوء جهودها الإقليمية والدولية لمحاربة ظاهرة الإرهاب الدولي، حيثُ أثبتت الخبرات التاريخية المختلفة في التعاطي مع تلك الظاهرة أن جهود محاربتها لا يمكن أن تؤتي ثمارها من دون تعاون دولي وثيق بين الدول في تبادل المعلومات والخبرات حولها؛ بالنظر إلى أنها ظاهرة ذات طبيعة شديدة التعقيد ولا يقف تهديدها عند حدود دولة بعينها بل تنتقل عدواها بشكل سريع من دولة إلى أخرى بما يشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين.
وهو ما أدركته الدولة المصرية جيدًا؛ إذ لم تتوقف جهود محاربتها للإرهاب على المستوى المحلي بل امتدت أواصرها إلى المستويين الإقليمي والدولي، وتُرجمت تلك الجهود في نشاط دبلوماسي مكثف للترويج لرؤية مصر ومُقاربتها الشاملة وأدواتها المُتنوعة في مجال مُكافحة الإرهاب والتطرف. وفيما يلي أبرز هذه الجهود بحسب ما ورد في النسخة الثالثة من “التقرير الوطني لجمهورية مصر العربية حول مكافحة الإرهاب لعام ٢٠٢٢:
- دعم الجهود الأفريقية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث تعقد “الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية” بالتعاون مع الوزارات المعنية العديد من الدورات التدريبية للكوادر الأفريقية في مجالات تحليل جرائم الإرهاب. ويسهم كل من مركز “الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات”، ومركز تجمع الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب واللذين تستضيفهما القاهرة فى دعم الجهود الأفريقية للتعامل مع الأبعاد المختلفة لمشكلة الإرهاب وأسبابها.
- تعزيز المنظومة العربية لمكافحة الإرهاب من خلال مشاركتها النشطة في الفعاليات ذات الصلة التي تنظمها جامعة الدول العربية، وفى مقدمتها الاجتماعات الدورية لفريق الخبراء العرب المعنيين بموضوعات مكافحة الإرهاب، والمناقشات الخاصة بتطوير مشروعات القرارات العربية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.
- تمثيل القارة الأفريقية في مقعد العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن لعامَيّ 2016 و 2017، بالإضافة إلى ترؤسها للجنة مُكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن، في استصدار عدد من قرارات مجلس الأمن المُهمة في مجال مُكافحة الإرهاب. وتشارك مصر كذلك بفاعلية في الاجتماعات الدولية والأممية رفيعة المستوى ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.
- دعم الجهود الدولية التي تستهدف مكافحة تنظيم داعش في سوريا والعراق، وذلك من خلال مشاركة وزارة الخارجية الفاعلة في اجتماعات التحالف الدولي لهزيمة التنظيم، على مستوى الوزراء والمدراء السياسيين، فضلًا عن الاجتماعات الخاصة بمجموعات العمل التابعة للتحالف والمعنية بدعم جهود الاستقرار، والمقاتلين الإرهابيين الأجانب، ومكافحة تمويل تنظيم داعش.
ختامًا، تأتي رئاسة مصر المشتركة مع الاتحاد الأوروبي للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب انعكاسًا لجهودها المستمرة في محاربة الإرهاب مع شركائها الدوليين، وتتويجًا لمشاركتها الفعالة في تطويق ودحر الخطر الإرهابي على المستويين الإقليمي والدولي. علاوة على أنها تضاف إلى جملة المؤشرات الدالة على النجاحات التي حققتها الدولة المصرية في هزيمتها للإرهاب والتي حظيت بإشادة العديد من دول العالم.