
قضايا ملحة: ملف حقوق الإنسان على طاولة الحوار الوطني
دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى حوار وطني خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان أبريل 2022 تحت شعار “وطن يتسع الجميع”، كآلية جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030. هذا وقد شملت قاعدة المشاركة في الحوار الوطني جميع ممثلي المجتمع المصري بكافة فئاته ومؤسساته، ولقد كان هناك حرص كبير من إدارة الحوار الوطني على الوصول إلى جميع مناطق الجمهورية، بالتنسيق مع كافة التيارات السياسية الحزبية والشبابية؛ وذلك لضمان حوار وطني فعال يضم المعارضين قبل المؤيدين، من أجل مناقشة أولويات العمل الوطني في الفترة المقبلة نحو المضي في بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
يعول على الحوار الوطني الكثير من الآمال والطموحات من كافة الفئات، خاصة وأنه قبل دعوة الرئيس إلى الحوار الوطني لم تكن هناك قنوات مفتوحة بشكل كامل بين مختلف القوى السياسية، فالحوار الوطني مثّل قناة تواصل قوية بين كافة أطياف المجتمع المصري. ووفقًا للمنسق العام للحوار الوطني هناك 84 موضوعًا سيتم عرضه على المواطنين في ظل حرص كافة القوى السياسية على خلق مناخ إيجابي يضمن الوصول لتحقيق الأهداف المنشودة.
هذا وقد حددت إدارة الحوار الوطني ثلاثة محاور رئيسة تنظم طبيعة عمله؛ وهي: المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، بالإضافة إلى المحور الاجتماعي. وقد قُسّم المحور السياسي إلى خمس لجان، حيث تم الاتفاق على إضافة لجنتين وهما (لجنة متخصصة في الأحزاب السياسية، ولجنة متخصصة للنقابات والمجتمع الأهلي)، ذلك بالإضافة إلى اللجان الثلاث السابق إقرارها وهي (لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى، ولجنة المحليات، ولجنة حقوق الإنسان والحريات العامة)، بالإضافة إلى ثماني لجان في المحور الاقتصادي آخرها لجنة متخصصة في السياحة. وجرى تشكيل ست لجان منبثقة عن المحور الاجتماعي تشمل: التعليم، والصحة، والسكان، والأسرة والتماسك المجتمعي، والثقافة والهوية الوطنية، بالإضافة إلى لجنة الشباب.
سينطلق الحوار الوطني يوم الأربعاء 3 مايو من خلال جلسته الافتتاحية. ويمثل انطلاق الحوار ضرورة ومطلبًا جماهيريًا من كافة القوى السياسية وعلى رأسها المنظمات الحقوقية بعد تأخر لأكثر من 12 شهر منذ دعوة الرئيس في أبريل 2022، ولكن ما هو مصير الملف الحقوقي على طاولة الحوار الوطني، وهل سيكون الحوار الوطني فاصلًا في القضايا العالقة بين الحقوقيين والدولة؟
دور لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة في الحوار الوطني
إن جوهر وجود الحوار الوطني اتباع وسائل وحلول لمواجهة التحديات التي تواجهها مصر في كافة المجالات، والتي لا تستثني منها حالة حقوق الإنسان؛ فالملف الحقوقي في مصر لا يزال يواجه تحديات حقيقية سواء على المستوى المجتمعي أو المستوى المؤسسي، والتي تتطلب تفاعلًا إيجابيًا لمعالجتها. ولعل الحوار الوطني أحد الأدوات المهمة للقيام بهذا الأمر، وتُرجم ذلك في وجود لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة ضمن لجان المحور السياسي.
ستناقش لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة سبعة موضوعات من بينها: أوضاع مراكز الإصلاح والتأهيل واللوائح المنظمة لمراكز الاحتجاز والإشراف القضائي، بالإضافة إلى تعديل أحكام الحبس الاحتياطي وتقييد الحرية وقواعد التعويض عنهما والتحفظ على أموالهم والمنع من السفر واستئناف الجنايات وحماية الشهود والمبلغين، وحرية التعبير والرأي “أحكام حرية وسائل الإعلام والصحافة واستقلالها وحيادها وتعددها والعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، وقانون حرية تداول المعلومات”، وقواعد وأحكام تشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج، وحرية البحث العلمي ومتطلباته، والعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، والإبداع وحرية الرأي، وإنشاء مفوضية مستقلة للقضاء على التمييز.
إن وجود لجنة معنية بحقوق الإنسان داخل الحوار الوطني هو ترجمة حقيقية وواقعية لأهمية هذا الملف على المستويين الرسمي والشعبي، ودليلًا على الإرادة السياسية الأكيدة لتفعيل الإطارين الدستوري والتشريعي لحماية الحقوق والحريات العامة.
ولتهيئة المناخ العام لتحفيز البيئة النقاشية وجعلها أكثر إيجابية، نُظّم عدد من اللقاءات بين المنسق العام للحوار الوطني وعدد من قادة المنظمات الحقوقية المزمع مشاركتهم في جلسات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة على مدار يومي 9 أبريل و14 أبريل الماضي؛ وذلك للنقاش حول بعض القضايا التي تهم حركة حقوق الإنسان المصرية، هذا وقد عرض المجتمعون من ممثلي حركة حقوق الإنسان رؤيتهم للقضايا المطروحة على جلسات اللجنة المختصة بالحوار الوطني، وشواغل المجتمع الحقوقي المصري، سواء العامة، أو المتعلقة ببعض أفراد وجمعيات هذا المجتمع.
وهو ما يؤكد على اتساق رؤية ورغبة الدولة مع منظماتها الحقوقية لتحسين أوضاع الملف الحقوقي وذلك من خلال عدة نقاط منها:
أولًا: لجنة العفو الرئاسي:
إن أهم إنجازات دعوة الرئيس إلى الحوار الوطني هو إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي والتي تمكنت خلال عام من إعادة تشكيلها من القيام بدور فاعل في الإفراج عن مزيد من المحبوسين؛ إذ وصل عدد المفرج عنهم إلى 1400 شخص. ولعبت اللجنة كذلك دورًا مهمًا في دمج عدد من المفرج عنهم مجتمعيًا، من خلال المساهمة في عودتهم لأعمالهم، أو توفير فرص عمل لهم، أو تسهيل إجراءات عودتهم لاستكمال دراستهم، أو إنهاء الحجز على أموالهم ورفع أسمائهم من قوائم الممنوعين من السفر.
وكان لإجراءات العفو الرئاسي دور مهم للغاية في خدمة الحوار الوطني؛ فالحوار الوطني في الأساس هو الاستماع إلى كل وجهات النظر بغض النظر عن الاختلاف السياسي أو الآراء السياسية المتعدّدة والتيارات الفكرية والسياسية. هذا ويعد تفعيل عمل اللجنة كأحد مخرجات الدعوة إلى الحوار الوطني بمثابة إتاحة الفرصة للجميع ودليل على نجاح استراتيجية الدولة لدعم حقوق الإنسان. ولكن ينتظر في الوقت الحالي المزيد من العمل وبحث ملفات المزيد من الشباب المحبوسين.
ثانيًا :حرية التعبير والرأي وحرية وسائل الإعلام والصحافة وضمان استقلالها وحيادها:
وجود الحوار الوطني بالأساس هو دليل واضح على اتساع صدر الدولة لسماع الجميع وتناول كافة الرؤى إعمالًا بالمبدأ التشاركي الذي يضمن تنظيم عمل كل مؤسسات الدولة الرسمية منها وغير الرسمية جنبًا إلى جنب وبالتوازي فيما بينها؛ لضمان تحقيق أهداف التنمية المنشودة على مستوى كافة القطاعات. ولكن يحتاج الأمر في هذا الشأن بعضًا من التنظيم؛ لضمان مستوى أعلى من حرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى استقلال وحيادية وسائل الإعلام والصحافة، فلابد من:
● ضرورة صدور قانون لتداول المعلومات يضمن للصحفيين الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية، ويحقق للمواطن القدرة على الوصول إلى المعلومات الصحيحة إنفاذًا للمادة 68 من الدستور والتي نصت على أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية.
● تعديل التشريعات المنظمة للصحافة والإعلام، بما يرسخ استقلال المؤسسات الصحفية، ويسهل أداء الصحفيين واجبهم المهني، ويرفع القيود التي فرضتها بعض مواد تلك القوانين على حرية الرأي والتعبير.
● استحداث قنوات اتصال جديدة من شأنها توسيع مساحات الحرية المتاحة للتعبير عن الرأي، ورفع القيود عن المؤسسات الصحفية والإعلامية بما يُبرز التعدد والتنوع والإختلاف وبيان الرأي والرأي الآخر؛ وذلك لتعزيز وإثراء فكر المواطنين.
ثالثًا: تعديل أحكام الحبس الإحتياطى:
إن الحبس الاحتياطي هو إجراء استثنائي له شروط ـمنها خشية الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجني عليه أو الشهود أو بالعبث في الأدلة وغيرهاـ بوصفه إجراءً يمس بالحق في الحرية. ولكن مع الممارسة حدث بعض الالتباس حتى تحول هذا الاستثناء إلى عقوبة! فالمنظومة القانونية في مصر تحتاج إلى تعديل في هذا الجزء.
وبالتالي مع انطلاق الحوار الوطني أصبح الحبس الاحتياطي من أولويات عمل لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة كقضية شائكة تواجه المجتمع. ومن أجل القضاء على الأزمات التي تتسبب فيها هذه الممارسة من المهم من الأخذ في الحسبان بعض المقترحات منها:
● وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم، والالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006، مع تحديد مدة واضحة للحبس الاحتياطي تطبيقًا للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
● اقتصار حق استخدام الحبس الاحتياطي من قبل النيابة العامة على درجة معينة من أعضائها، وإلزام النيابة العامة أو المحاكم بتسبيب أوامرها القضائية بالحبس الاحتياطي وفقًا لما ينص عليه الدستور.
● ضرورة تعديل قانون الإجراءات الجنائية، حيث إنه تم وضعه عام 1950، وقد تطورت الجريمة وتطور علم مكافحة الجرائم وتطورت نظريات حقوق الإنسان والحريات العامة منذ ذلك التوقيت بشكل كبير.
● وضع ضمانات محددة لمبررات الحبس الاحتياطي، وتفعيل بدائل الحبس الاحتياطي.
● احترام حقوق المحبوسين احتياطيًا الواردة في الدستور المصري وقانون السجون ولائحته التنفيذية.
● وقف ظاهرة التضارب بين قرارات القضاء في شأن الحبس الاحتياطي بدون حد أقصى، وهو ما يستلزم أن تفسر المحكمة الدستورية العليا التضارب الظاهري بين المادة 380 والمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية والتي وضعت حدًا أقصى لمدد الحبس الاحتياطي.
ختامًا، إن الوقت الراهن يفرض بعض المقتضيات الواجب أخذها في الحسبان لضمان تطوير الملف الحقوقي وضمان مزيدًا من العمل والتحرك، وتوفير سبل تيسير العمل الحقوقي، من خلال: تسهيل تسجيل المنظمات الحقوقية الراغبة في توفيق أوضاعها، ومد مهلة التسجيل للجمعيات الراغبة في الانضواء تحت مظلة قانون الجمعيات الأهلية الجديد، مع الأخذ في الحسبان مدى أهمية إجراء تعديلات تشريعية بما يسمح بحركة أوسع للمنظمات الحقوقية ويتيح لها التواصل بفاعلية مع المواطنين الراغبين في العمل معها أو الاستفادة من خدماتها، خصوصًا أن المنظمات الحقوقية تمثل قوة مادية ومعنوية لا يستهان بها لأنه ليس من الصحيح أن المنظمات الحقوقية تمثل دائما “قوة معارضة” أو “عنصر إضعاف” للدولة؛ فكلما كانت منظمات المجتمع المدني قوية كلما دعمت دور الدولة؛ فكلاهما يكمل بعضه الآخر ويتمم دوره.