مكافحة الإرهاب

إرهاب الدولة العثمانية يهدد العلاقات بين لبنان وتركيا

إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون، كان الشرارة التي أطلقت نار الخلاف الدبلوماسي بين لبنان وتركيا، واعتداء بعض اللبنانيين على السفارة التركية في بيروت، وما تبعه من استدعاء أنقرة لسفير بيروت لديها.

وذلك بعدما قال الرئيس اللبناني ميشال عون يوم السبت الماضي بمناسبة ذكرى مئوية إعلان لبنان الكبير، إن “كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية. إن إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خصوصاً خلال الحرب العالمية الاولى، أودى بمئات الاف الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة”.

بيانات متبادلة

قابل حديث الرئيس اللبناني، بيان شديد اللهجة من وزارة الخارجية التركية، وصفت خلاله الرئيس اللبناني بـ “المحب للخضوع للاستعمار، ومُحرّف التاريخ عبر الهذيان”، مؤكدة أن “العهد العثماني كان عهد استقرار في الشرق الأوسط دام طويلا.. وعقب الحرب العالمية الأولى انقسمت المنطقة إلى مناطق نفوذ استنادًا إلى اتفاقية سايكس بيكو، ولم تنعم بالسلام مرة أخرى”.

وعلى الجانب الآخر أعربت وزارة الخارجية اللبنانية عن استهجانها لبيان الخارجية التركية، مؤكدة أن كلمة الرئيس عون تضمنت سردًا لواقع بعض الأحداث التاريخية التي واجهها لبنان في ظل الحكم العثماني، مشددة على أن التخاطب التركي بهذا الأسلوب مع رئيس الجمهورية اللبنانية، أمر مرفوض ومدان، مطالبة الخارجية التركية بتصحيح الخطأ؛ لأن العلاقات التركية – اللبنانية أعمق وأكبر من ردة فعل مبالغ فيها وفي غير محلها.

“عمل استفزازي” بالسفارة التركية

انتقل الخلاف الدائر بين البلدين من الأوساط الدبلوماسية إلى الأوساط الشعبية، بعدما قامت، صباح أمس، مجموعة من اللبنانيين بوضع لافتة على مدخل السفارة التركية في بيروت، مدون عليها عبارة “انتو كمان انضبوا”، وصورة للعلم التركي وبداخله جمجمة، وهي المجموعة التي وصفتها “وكالة أنباء تركيا” بأنها مقرّبة من الرئيس اللبناني ميشال عون، وقامت بفعلتها وسط “تقاعس واضح وغير مفهوم من قوى الأمن الداخلي التي لم تحرك ساكنًا”.

C:\Users\user\Desktop\796.jpg

وهو ما قابلته أنقرة باستدعاء السفير اللبناني لديها غسان المعلم، واصفة الفعل بـ “العمل الاستفزازي”، معربة عن قلقها على أمن السفارة التركية في بيروت، مطالبة بتدابير أمنية من أجل حماية جميع المصالح التركية في لبنان، وفي مقدمتها السفارة.

انقسام لبناني

انقسمت الأوساط اللبنانية بين مؤيد ومعارض لما قاله الرئيس اللبناني ميشال عون عن الدولة العثمانية، إذ أيده على سبيل المثال وزير الدفاع اللبناني إلياس بوصعب، مشيرًا إلى أنه كان هناك “احتلال” من قبل الإمبراطورية العثمانية في ذاك الوقت، وكان هناك عمليات قتل فيها لبنانيون، كما أعدم لبنانيون، وهذا لا يخفى، والتاريخ يحكي عنه، وأن لبنان وعدد كبير من الدول العربية لديهم الموقف نفسه من الاحتلال العثماني للدول العربية.

وكذلك مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية للشؤون الروسية أمل أبوزيد، الذي رأى أن تطاول الخارجية التركية على رأس الدولة في لبنان هو مدان ومرفوض، وما هو إلا “تعبير عن ذهنية التسلط والهيمنة، التي ورثتها الدولة التركية عن السلطنة العثمانية البائدة”. وقال النائب نقولا صحناوي أن الاعتداء الإسرائيلي الأخير وبيان وزارة الخارجية التركية يتشابهان في النهج العدائي وإرادة الهيمنة.

وعلى الجهة الأخرى، أشاد أمين عام “حركة الأمة” اللبنانية الشيخ عبد الله جبري بـ “الدور الكبير” للدولة العثمانية في تاريخ الإسلام والمسلمين، لافتًا إلى أنها “الدولة الوحيدة التي وقفت سدًا منيعًا بوجه الاحتلال الإسرائيلي للقدس المحتلة”.

وأكد الشيخ أسامة حداد المفتش العام للأوقاف الإسلامية في لبنان، أن “الدولة العثمانية لم تكن دولة محتلة لبلادنا، بل كانت تحكم هذه البلاد كونها بلاداً واحدة”.

وشدد المركز الدولي لحقوق الإنسان والقانون المقارن في لبنان، أن الاعتداء الذي تعرضت له السفارة التركية في بيروت، صباح الخميس، “هو جريمة موصوفة وجرم مشهود يتحمل مسؤوليته كل المحرضين بلا استثناء”، داعيًا رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لإنقاذ العلاقات التاريخية بين لبنان وتركيا ممن يعبثون بها.

ورفضًا لتصريحات عون، نظّم اليوم، عشرات اللبنانيين اعتصامًا جماهيريًا في باحة المسجد المنصوري الكبير بمدينة طرابلس.

C:\Users\user\Desktop\trablos00004.jpg

كما كان الانقسام بين اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا، إذ رفض البعض ما قالته الخارجية التركية بحق الرئيس اللبناني.

فيما قام البعض الآخر بإطلاق هاشتاج #خلافتنا_نور_عهدكم_ظلام عدّدوا خلاله محاسن الدولة العثمانية، وانتقدوا الرئيس اللبناني ميشال عون.

ليس موقف لبنان وحدها

تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون عن الدولة العثمانية ووصفها بالإرهابية، سبقتها تعديلات في المناهج الدراسية السعودية، وصفت الدولة العثمانية بالغازية، وتحدثت عن تعذيب العثمانيين للسعوديين وتهجيرهم من أراضيهم ومناطقهم. وصاحبت هذه التعديلات تغريدة للأمير سطام بن خالد آل سعود قال فيها إن المناهج الجديدة تضع الأمور في نصابها الصحيح بالحديث عن تاريخنا وكشف الوجه الحقيقي للدولة العثمانية المغولية التي كانت توصف بأنها خلافة.

كاتب

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى