الصحافة المصرية

الفضاء لم يعد حكرًا.. الملف الكامل لـ “برنامج الفضاء المصري”

في ستينيات القرن الماضي كان غزو الفضاء حكرًا على قطبي العالم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قبل تفككه وبعد مرور نصف قرن قررت مصر اقتحام مجال الفضاء ووضعت لنفسها استراتيجية  منذ عام 2000 أشرف عليها نخبة من العلماء، وبدأ النشاط الفضائي فعليا في مصر ككيان عام 2004 للتعامل مع الدول الأخرى ولتنظيم النشاط الداخلي.

وتنتهج الدولة المصرية بذلك نهج العديد من الدول النامية التي فطنت منذ سنوات إلى أهمية غزو الفضاء لاستدامة التنمية، فكان برنامج شبه القارة الهندية الفضائي الواعد.

وفي ال30 من أغسطس الماضي أعلنت المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء “ISRO” نجاح مركبة الفضاء الهندية “تشاندرايان 2″، في تغيير المدار الـ4 لها، لتصبح أقرب إلى القمر. وكانت المركبة الهندية قد  المدار نفذت واحدة من أصعب المناورات في مهمتها التاريخية إلى القمر. وحسب المنظمة الهندية لأبحاث الفضاء فإن الأمور إذا سارت كما ينبغي فإن المسبار الهندي سيهبط على القطب الجنوبي للقمر في 7 سبتمبر ، لتصبح الهند الدولة الـ4 بعد روسيا والولايات المتحدة والصين، التي تهبط بمركبة فضائية على سطح القمر.

ويبلغ حجم ما تنفقه الهند للاستعداد لهذه المهمة نحو 140 مليون دولار بحيث يشكل الهبوط على سطح القمر قفزة هائلة إلى الأمام في برنامج الفضاء الهندي مع وجود إصرار لدى القيادة السياسية هناك على إطلاق مهمة مأهولة “بشريًا” للفضاء بحلول 2022.وعقب إلقاء نظرة سريعة على آخر ما توصل إليه برنامج الفضاء الهندي باعتباره واحدًا من البرامج الرائدة في الدول النامية وليست الهند وحيدة في ذلك، فهناك 46 دولة تمتلك قدرات جيدة في علوم الفضاء معظمها دول نامية منها باكستان وبيرو وتايوان وكوريا الشمالية وأوكرانيا التي تخصص لبرنامجه502  مليون دولار سنويا. الأمر الذي يطرح التساؤل حول أين تقف مصر من هذه التطورات وماالذي وصل إليه برنامج الفضاء المصري؟

الاستشعار عن بعد

تمتلك مصر العديد من الثروات التى لم تكتشف بعد وستساعد الأقمار الصناعية على اكتشافها والنهوض بالاقتصاد المصرى، كما سيتيح امتلاك مصر لتكنولوجيا الفضاءمتابعة الحدود ومواجهة الإرهاب.  وهو ما تضطلع به الهيئة القومية للاستشعار عن بعد بتنفيذ برنامج الفضاء المصري، بما يتماشى مع خطة الدولة للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030”.

وعلى الطريق نجحت الهيئة في تنفيذ قمر صناعي مصري الصنع، من خلال برنامج التحالف القومي للمعرفة والتكنولوجيا في مجال الفضاء، والممول من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا،  حيث بدأالمشروع في يوليو 2017 بمشاركة عشر جهات بحثية وصناعية محلية.ويتكون فريق العمل بالهيئة، من 23 مهندسًا متخصصًا.

شراكات مصرية في مجال الفضاء

تتمتع مصر بالعديد من الشراكات القوية في مجال غزو الفضاء مع دول مؤثرة وذات ريادة، والأسبوع الماضي  جرى إطلاق صاروخ Falcon 9 التابع لشركة Space X العالمية من قاعدة Cape Canaveral بولاية فلوريدا الأمريكية، وعلى متنه كبسولة فضاء CRS-18 تحوي 2.5 طن من الإمدادات، ومن بينها القمر المصري NARSSCube-2 وجرى إطلاقه بهدف تعزيز قدرات البرنامج الفضائي الوطني .ومن المقرر إطلاق القمر الصناعي الثاني إلى الفضاء في سبتمبر 2019، ويحتوي على تقنية تصوير أحدث نسبيًّا، وقدرات تخزين عالية.والجدير بالذكر أن القمرين الصناعيين يحققان نقلة نوعية في برنامج الفضاء المصري، حيث تم تصميمهما وتنفيذهما بالكامل دون الاستعانة بأية خبرات أجنبية، فضلا عن دورهما في تطوير تكنولوجيا صناعة الفضاء المحلية.

ويجري حاليًا العمل ببرنامج الفضاء لتصميم وتنفيذ القمر الثالث NARSSCUB-3 (وهو القمر الأخير في المرحلة الأولى من مشروع التحالف) للانتهاء منه خلال الربع الأخير من 2019 وإجراء عمليات الاختبارات الفضائية والتأهيل الفضائي ومراجعة الأمان؛ استعدادًا للإطلاق خلال الربع الثاني من 2020.

كما أن هناك شراكة أخرى مع جامعة كيتاكيوشو باليابان، من خلال اتفاقية خاصة بإطلاق الأقمار الصناعية البحثية.

وتمتد أوجه التعاون مع اليابان في مجال الفضاء و الأقمار الصناعية إلىإيفاد مبعوثين مصريين لدراسة تكنولوجيا وعلوم الفضاء بالجامعات اليابانية، وأيضا تقديم اليابان لخبراتها في هذا المجال ومساعدة مصر في تطوير منظومة الفضاء.تلك الجهود التي تسير جنبًا إلى جنب مع المبادرة المصرية لإطلاق الأقمار الصناعية متناهية الصغر للتنمية الأفريقية  والتي دشنت بالإعلان عن الاتفاق الذي أبرم بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية و جامعة طوكيو . 

 وبالنسبة للشراكة مع الصين فإنه جار إنشاء أكبر مركز متطور لتجميع واختبار الأقمار الصناعية من الأحجام الصغيرة المكعبة “الكيوب” 1 كجم إلى المتوسطة الحجم 700 كجم. كما تمتد الشراكة إلى أفريقيا وتعد موافقة المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي على استضافة مصر لوكالة الفضاء الإفريقية، تتويجًا للجهود العلمية والفنية، التي قام بها فريق العمل المصري، وقدرة مصر على توظيف الوكالة لخدمة القارة في مجال تكنولوجيا الاستشعار من بعد وعلوم الفضاء، ودفع جهود التنمية الوطنية والإقليمية الإفريقية، وفقاً لأجندة إفريقيا 2063.

وتأسيسًا على ما تقدم تلتزم مصر بدعم وكالة الفضاء الإفريقية بمبلغ 10 ملايين دولار من أجل التأسيس، كما تقدم كامل الدعم من أجل تحقيق أهداف الوكالة وحماية الأقمار الاصطناعية لدول القارة.

عائدات غزو الفضاء

دخلت سوق الإتصالات والارسال التليفزيوني والانترنت مرحلة  نمو مستمر وتعتمد بشكل أساسي علي الأقمار الصناعية، التي تمكن الدولة من إدارة صفقات بمليارات الدولارات. كما أن الصور حصيلةالاستشعار عن بعد  تعد ثروة كبيرة وذلك بناء على ما تكتشفه تلك الصور من موارد طبيعية كالأراضي الصالحة للاستزراع وحجم المخزون من المعادن والمياه في مختلف مناطق العالم إضافة إلى مجال التنبؤ بالأرصاد والملاحة الجوية والبحرية وهي خدمات تقدم لعملائها عبر الاقمار الصناعية وخاصة لشركات الطيران وشركات النقل البحري بمليارات الدولارات سنويا.

علاوة على ذلك فإن صناعة الفضاء تقود معها صناعات كبيرة وضخمة، علي رأسها قطاع الصناعات التكنولوجية والطيران والكمبيوتر والتصوير والكهرباء والتعدين.

برنامج الفضاء المصري .. التبعية والتشريع:  

البداية الحقيقية لمصر  في عالم الفضاء كانت استقلال الكيان الذي يدير عالم الفضاء، على أن يكون تابعا لوزارة محددة حتي لا تعرقله اللوائح التي يعمل بها القطاع العام وأن يكون متحررا بضوابط معينة يكون بموجبها تابعا مباشرة لرئاسة الجمهورية ولا تغيب أهمية توافر إرادة سياسية ودعم من كل سلطات الدولة خاصة رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان.أما الميزانية  فهي الدافع الوحيد لتعويض الفجوة الزمنية التي تأخرت مصر فيها عن اقتحام عالم الفضاء.

وقد تم إصدار اللائحة التنفيذية لقانون إنشاء وكالة الفضاء المصرية، الذي  كان الخطوة الأولى على الطريق وأتبع بالقرار رقم 1272 الذي نشرته الجريدة الرسمية والذي نص على إنشاء وكالة الفضاء المصرية.

وقدأوردت المادة الأولى من اللائحة مجموعة من التعريفات المنظمة للنشاط الفضائي  وصناعة الفضاء على أنها الأنشطة المرتبطة بعلوم وتكنولوجيا وتصنيع أوتجميع النظم الفضائية وغيرها من الأنشطة ذات الصلة بالفضاء.

بينما حددت المادة الثانية أهداف الوكالة حيث نصت على أنها تهدف إلى استحداث ونقل علوم وتكنولوجيا الفضاء، وتوطينها وتطوريها وامتلاك القدرات الذاتية لبناء الأقمار الصناعية وإطلاقها من الأراضي المصرية، بما يخدم استراتيجية الدولة في مجالات التنمية ووفقاً لمتطلبات الأمن القومي.

أما المادة الثالثة فتناولت الإجراءات   التي تضمن تحقيق أهداف الوكالة، وذلك بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية ذات الصلة.على أن يكون مقرهافي المدينة الفضائية في التجمع الخامس على مساحة 123 الف فدان.  

كيف أنشئت وكالة الفضاء المصرية.. محطات 

  • في عام 2013  تقدمت الهيئة القومية للاستشعار عن بُعد وعلوم الفضاء  بمشروع القانون، لإنشاء وكالة فضاء مصرية تابعة لرئاسة الجمهورية.
  •  في عام 2015 تم تشكيل لجنة علمية عليا بقرار من رئيس مجلس الوزراء لدراسة إنشاء وكالة الفضاء المصرية.
  • في عام 2016 وافق مجلس الوزراء، خلال اجتماعه، على مشروع القانون.
  •  في عام 2017 أعلن وزير التعليم والبحث العلمي إطلاق قانون وكالة الفضاء المصرية، وإحالته لمجلس النواب، لإقراره خلال دور الانعقاد   – – في نوفمبر من نفس العام، وافقت لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس النواب، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن إنشاء وكالة الفضاء المصرية.
  • وفي ديسمبر من نفس العام وافق مجلس النواب فى جلسته العامة على مشروع قانون إنشاء وكالة الفضاء المصرية نهائيًا، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتبع رئيس الجمهورية، وتتمتع بالاستقلال الفنى والمالى والإدارى، لتدخل به مصر عالم الفضاء والتكنولوجيا.

محمد عفيفي رئيسًا للوكالة 

بالقرار رقم 410 لسنة 2019 أعلن د. خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، عن صدور قرار جمهورى  بتعيين د. محمد عفيفى طه أحمد القوصى رئيسًا تنفيذيًا لوكالة الفضاء المصرية بدرجة وزير لمدة عام .. فما هي سيرته الذاتية:

  • أستاذ بالهيئة القومية للاستشعار عن بعد.
  • أشرف على إطلاق أول قمر صناعى لمصر 2007.
  • شارك فى وضع قانون إنشاء وكالة الفضاء المصرية واللائحة التنفيذية الخاصة بها.
  • تولى رئاسة برنامج الفضاء المصرى.
  • شارك فى وضع مشروع قانون الفضاء المصرى
  • شارك فى إنشاء مركز تجميع واختبار الأقمار الصناعية بالمدينة الفضائية بالقاهرة الجديدة والتى ستحتوى على كل الأنشطة الفضائية.

نظرة على تطور برنامج الفضاءالمصري

كان عام 1998 هو بداية الطريق ، حيث بدأت مصر الدخول في تكنولوجيا تصنيع الأقمار الصناعية و التعاون مع دول صديقة مثل أوكرانيا وكازاخستان وروسيا ، والتى تقبل تدريب الكوادر المصرية الشابة في هذا المجال، ففي 28 أبريل 1998  تم أطلاق أول قمر صناعى مصرى نايل سات 101 لتصبح مصر الدولة رقم 60  في دخول مجال الفضاء، وأنشىء مجلس بحوث الفضاء داخل أكاديمية البحث العلمي في 16 مايو 1998   بقرار من وزارة التعليم العالي والدولة للبحث العلمي .

وتلا ذلك إطلاق  قمر صناعي مصري ثان مخصص لأغراض الاتصالات “نايل سات 102 ” على الصاروخ أريان 4 من قاعدة جويانا الفرنسية ، في 17 أغسطس 2000 ،  وبدأ تشغيله رسميا في 12 سبتمبر 2000 ، وتم تصنيعه بواسطة شركة بريطانية – فرنسية مشتركة.وفى عام 2004 ، تم اطلاق ” نايل سات 103 ”  وهو قمر صناعي مصري لأغراض الاتصالات . أما العام 2007 فقد كان أكثر خصوصية حيث  تم تصنيع قمر  “إيجبت سات-1”  وهو يمثل أول قمر صناعي مصري للإستشعار عن بعد ، بالتعاون بين الهيئة القومية للإستشعار عن بعد وعلوم الفضاء في مصر و أوكرانيا ،  وقد تم اطلاقه من على متن صاروخ دنيبر-1 من قاعدة باكينور لإطلاق الصواريخ بكازاخستان .

وفي 2015 قامت مصر بالإعلان عن العمل في القمر الصناعي المصري «مصر سات 2» بالتعاون مع الصين ، والذي يتميز بأنه تصميم وتجميع مصري بنسبة 100% ومن المقرر أن يكون عمره الزمني في الفضاء 10 سنوات .

وكان آخر تطور ما تم الكشف عنه من إطلاق أول قمر صناعي تجريبي مصري 100%، في أوائل عام 2017، وذلك في إطار برنامج الأقمار التجريبية لخدمة أغراض البحث العلمي، والذي ينتهي في عام 2022 ، ومن المقرر إطلاق من 4 – 5 أقمار صناعية خلال البرنامج ، ويعد هذا  القمر التجريبي مصنع بالكامل في مصر ووزنه 50 كيلو جراما وعمره الزمني 6 أشهر في الفضاء ، وهو مزود بمعدات تكنولوجية حديثة ، وتصوير تليسكوبي ، وغيرها من التقنيات الحديثة .

كاتب

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى