تدخل حذر من الصين .. والاحتجاجات تتجه نحو التهدئة في “هونج كونج”
في خطوة نحو التهدئة، أعلنت الرئيسة التنفيذية لهونج كونج “كاري لام”، سحب مشروع قانون يسمح لسلطات الإقليم بتسليم المشتبه بهم والمطلوبين إلى الصين لمحاكمتهم هناك، وذلك بعد أن قررت تعليقه.
وقد شهدت المدينة احتجاجات منذ يونيو 2019 اعتراضا على المشروع بدعوة من حركة “جبهة حقوق الإنسان المدنية”؛ حيث أشارت بعض الأطراف الحقوقية إلى عدم ثقتها في السلطات القضائية الصينية لاحتمال تلفيق تهم للمطلوبين.
رغم أن الأمور اتسمت بالسلمية في البداية، سرعان ما تحولت إلى عنف بعد حدوث اشتباكات خارج البرلمان بين المحتجين وأفراد الشرطة، بالإضافة إلى إلغاء مطار هونج كونج جميع الرحلات الجوية بسبب تواجد محتجين في صالته الرئيسية -وصل عددهم إلى حوالي 5 آلاف شخص- لتوعية الزوار الأجانب بالاحتجاجات.
بعد تعليق العمل على المشروع، تجددت المظاهرات للمطالبة باستقالة لام، وانتخاب خلف لها بالاقتراع العام المباشر، وليس بالتعيين من بكين كما هو متبع حاليا، بالإضافة للمطالبة بفتح تحقيق حول أعمال العنف التي يتهمون الشرطة بالقيام بها، وسحب مشروع القانون المذكور بشكل نهائي وليس تعليقه.
جدير بالذكر، تعد هذه المسيرات هي الأكبر في هونج كونج منذ احتجاجات 2014، والتي سميت بحركة المظلات نسبة للمظلات التي حملها المتظاهرون لمواجهة الغازات المسيلة للدموع.
بكين تدعم كاري
ردا على تسجيل نشرته رويترز عن كاري لام أثناء اجتماع مغلق لها مع رجال أعمال، تبدي فيه رغبتها بالتنحي وتحمل مسؤولية الاحتجاجات، عبرت بكين عن دعمها القوي لها في منصبها، وذلك على لسان “يانغ جوانغ” المتحدث باسم مكتب هونج كونج وماكاو بالحكومة المركزية الصينية، وأضافت المتحدثة شو لو يينغ أن بكين واثقة من إرادة وقدرة هونج كونج على إنهاء العنف في أقرب وقت ممكن.
سبق أن أعلنت كاري إصرارها على عدم التنحي، وأن عليها هي وفريقها البقاء لمساعدة هونج كونج. وفي ردها -خلال مؤتمر صحفي- على التسجيل المنشور، قالت إنها لم تطلب مطلقا الاستقالة من الحكومة الصينية، وأن الاستقالة خيار خاص بها، وأكدت على قناعتها بأن حكومتها يمكنها حل الأزمة.
وفقا لروبرت شونج مدير معهد بحوث الرأي العام، فإن لام حظيت بشعبية عالية نسبيا في الجزء الأول من فترة ولايتها، لكنها أصبحت الآن الأقل شعبية بين القادة الأربعة الذين أداروا هونج كونج منذ انتقالها من الحكم البريطاني إلى الصين، مشيرا إلى أن نجاح لام في دفع العديد من المقترحات المثيرة للجدل وتأييد الرئيس الصيني لها عزز من اعتقادها بأنها ستتمكن من تمرير مشروع القانون الأخير.
احتمالات تدخل القوات الصينية
تحرص بكين على تهدئة الاضطرابات قبل الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر، وقالت كاري لام إن بكين ليس لديها أي خطة لنشر قوات جيش التحرير الشعبي في شوارع هونج كونج. هناك تخوفات من تكرار دموية ميدان تيانانمن، بالإضافة إلى أن تدخل القوات الصينية يعني نهاية مبدأ “بلد واحد ونظامان”.
حاول النظام اتخاذ بعض التدابير لقمع المتظاهرين، مثل إرسال مجموعات لضرب المحتجين والتسلل بينهم، وفرض ضغوط على شركات هونج كونج لتأديب الموظفين الذين ينضمون إلى المسيرات، واعتقال عدد من قادة المعارضة المعروفين.
أهمية هونج كونج
تعد هونج كونج أحد المراكز المالية الرئيسية في آسيا، ووفقا لمجلة إيكونوميست، رغم أنها لا تمثل سوى 3% من إجمالي الناتج المحلي الصيني، يتدفق نحو 60% من الاستثمارات الأجنبية للصين عبرها.
تعهدت الصين أمام بريطانيا بالإبقاء على الأوضاع السياسية والاقتصادية لهونج كونج دون مساس على الأقل حتى 2047، لذا قد تكون اللحظة سانحة لتأكيد سلطة بكين على هونج كونج من دلالات توقيت احتمالات تدخل القوات الصينية في ظل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، والتي قد تؤدي لتفاقم تباطؤ الاقتصاد الصيني.
وفقا للقانون الأساسي لهونج كونج، يمكن طلب مساعدة جيش التحرير الشعبي، وستكون القوات شبه العسكرية هي الخيار الأوضح لأن وظيفتها فرض الأمن الداخلي، وبالفعل أقامت تدريبات على الحدود، لكن سيثير دخول القوات ردود فعل دولية عنيف قد لا تستطيع بكين التعامل معها.
صور جديدة.. احتجاج من الشرفات ومشاركات طلابية
خرج السكان من شرفاتهم ليصرخوا بشعارات تنادي بتحرير هونج كونج، على اعتبار أن الصراخ وسيلة للتنفيس عن غضبهم ومطالبهم الأساسية. يتشابه مع هذا الأمر ما حدث في الثورة الإيرانية عام 1979 حين تحدى سكان طهران حظر التجول ليقولوا “الله أكبر” من أسطح منازلهم. خلال احتجاجات صيف عام 2013 في اسطنبول، أثار سكان إسطنبول ضجة عبر النوافذ باستخدام الأواني دعما للمظاهرات ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ازدادت حدة الأزمة السياسية في هونج كونج حين انضم الآلاف من الطلاب في اليوم الأول من العام الدراسي إلى المظاهرات في الجامعات يوم الاثنين (2 سبتمبر)، وارتداء العديد منهم أقنعة واقية من الغاز، مع تشكيل سلاسل بشرية منادين باستقلالية أكبر من الحكومة الصينية المركزية. وكان من المقرر أن يقاطع طلاب المدارس والجامعات دخول فصولهم الدراسية لليوم الثاني على التوالي.
وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للمعركة.. والنساء يتعرضن لتهديدات
كانت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة رئيسية لكلا الجانبين خلال الاحتجاجات، فقالت عدد من النساء اللواتي شاركن في التظاهرات أنهن تعرضن لمضايقات وتهديدات عبر الإنترنت من مؤيدين لبكين بالاغتصاب والتشهير، وشاركن على هاشتاج “MeToo” على تويتر للإعتراض على عنف الشرطة تجاه النساء المحتجات.
أشارت شركتي تويتر وفيسبوك إلى إيقاف ما يقرب من 1000 حساب نشط من الصين، بهدف تقويض شرعية حركة الاحتجاج في هونج كونج، وأغلق تويتر 200 ألف حساب آخر قبل أن يتسبب في أي ضرر.
لم يكن المتظاهرون وحدهم محل هجوم، فقد وُضعت صور كاري على جدران المدينة للاستهزاء بها، بالإضافة لتداول صور زوجات رجال الشرطة عبر وسائل تواصل مثل تيليجرام.
إجمالًا
يضع الرئيس الصيني “شي جينبينغ” رفاهية نفسه والحزب الشيوعي الصيني أولا، ويعتقد أنه وريث ماو، وأكثر ما يهمه هو الحفاظ على النظام الشيوعي الشمولي. قد يقامر شي بالتطورات الأخيرة لتحقيق مكاسب أكثر حتى في ظل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، إذ يأمل في وضع ترامب من موقف معقد لا يمكنه السيطرة عليه ويعطي الديمقراطيين فرصة أكبر في الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق التي قد تحدث ستختبر الرئيس وإدارته وتجعل الصفقات التجارية أكثر صعوبة.