الاقتصاد المصري

العلاقات الاقتصادية المصرية- الإماراتية: نموذج للتطور البنّاء

ترتبط مصر والإمارات بعلاقات اقتصادية قوية، تتنامى أبعادها ما بين التبادل التجاري والتعاون الاستثماري. وتعد الإمارات داعمًا أساسيًا للاقتصاد المصري، وتمثل ثاني أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، وأكبر مستثمر في مصر على الصعيد العالمي، فيما تعد القاهرة خامس أكبر شريك تجاري عربي لدولة الإمارات في التجارة غير النفطية، وتستحوذ على 7% من إجمالي تجارتها غير النفطية مع الدول العربية، وفي هذا الإطار يستعرض التقرير الآتي أهم جوانب العلاقات الاقتصادية بين الدولتين.

• التبادل التجاري: شهدت التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات ومصر قفزات ملموسة خلال السنوات الماضية، لترتفع قيمة الصادرات المصرية إلى الامارات مسجلة نحو 1.8 مليار دولار خلال أول إحدى عشر شهرًا من عام 2022 مقابل 1.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام السابق بنسبة ارتفاع تبلغ 14.4% على أساس سنوي. 

وتتمثل أهم مجموعات سلعية صدرتها مصر إلى الإمارات في الأحجار الكريمة والحُلى، والآلات والأجهزة الكهربائية، والملابس، تأتي تفصيلًا على النحو الآتي: 

– لؤلؤ وأحجار كريمة وحلي بقيمة 799.6 مليون دولار.

– آلات وأجهزة كهربائية وأجزاؤها بقيمة 219.6 مليون دولار.

– ملابس بقيمة 164.3 مليون دولار.

– خضر ونباتات بقيمة 58.7 مليون دولار.

– أثاث ومنشآت جاهزة الصنع بقيمة 31.7 مليون دولار.

فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من الإمارات نحو 2.8 مليار دولار مقابل 2.7 مليار دولار بنسبة ارتفاع 1.9% خلال نفس الفترة، وتتضمن قائمة الواردات المصرية من الإمارات كلًا من: الوقود والزيوت المعدنية، واللدائن والمصنوعات، وكذلك النحاس ومصنوعاته، فضلًا عن الأسماك.

وخلال الـ 22 عامًا الماضية، بلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين الطرفين على مدار الفترة من عام 2000 حتى نهاية النصف الأول من العام الماضي 2022 ما تتجاوز قيمته 247.68 مليار درهم (67.5 مليار دولار) بنسبة نمو بنهاية عام 2021 تصل إلى 3635%.

• التعاون الاستثماري: تتصدر الإمارات قائمة أعلى الدول العربية استثمارًا في مصر، حيث أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الصادرة خلال شهر ديسمبر الماضي ارتفاع استثمارات الدول العربية داخل مصر 164.5%، خلال العام المالي الماضي (2021-2022)، لتصل إلى 8.2 مليارات دولار، مقابل 3.1 مليارات دولار خلال العام المالي السابق له، لتستحوذ الإمارات وحدها على نحو 5.7 مليارات دولار، كما يُبين الرسم الآتي:

الشكل 1- الاستثمارات الإماراتية الوافدة لمصر – سنويًا (مليار دولار) -المصدر: البنك المركزي المصري

وتستثمر الشركات المصرية أكثر من 4 مليارات درهم (1.08 مليار دولار) في الإمارات، أبرزها في قطاعات: العقارات، والمالية، وتجارة الجملة والتجزئة. وتعمل أكثر من 1300 شركة إماراتية في مصر في مشاريع واستثمارات تشمل قطاعات: الجملة والتجزئة، والنقل والتخزين والخدمات اللوجستية، والقطاع المالي وأنشطة التأمين، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعقارات والبناء، والسياحة، والزراعة والأمن الغذائي.

وكانت الرئاسة المصرية قد أعلنت في نوفمبر 2019 عن تأسيس منصة استثمار مشتركة بقيمة 20 مليار دولار مع الإمارات، لتستثمر في مجموعة من القطاعات والأصول عبر شركة أبو ظبي التنموية القابضة وصندوق مصر السيادي، وفي قطاعات مثل الصناعات التحويلية والطاقة التقليدية والمتجددة والتكنولوجيا والأغذية والخدمات اللوجستية والمالية والبنية التحتية وغيرها.

واستضافت مصر فعاليات الدورة الأولى لمنتدى الأعمال المصري الإماراتي للتجارة والاستثمار في الثاني عشر من ديسمبر 2019. وتم خلاله مناقشة فرص الاستثمار الصناعي المتاحة بالسوق المصرية خاصة في مجالات: الصناعات الهندسية، والصناعات الكيماوية، وصناعة الورق، وصناعات الحديد والصلب، وصناعة الإسمنت، ومشروعات إعادة التدوير. وبحث إمكانية إنشاء مشروعات مصرية إماراتية مشتركة بدول القارة الإفريقية في مجال إنشاء المراكز اللوجيستية الجديدة وإعادة تأهيل المراكز اللوجيستية المصرية بدول القارة. في حين، شهدت فعاليات المنتدى توقيع مذكرات تفاهم، أبرزها مذكرة تفاهم بين مؤسسة الاتحاد لائتمان الصادرات (المملوكة للحكومة الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة) والشركة المصرية لضمان الصادرات.

وفي أواخر عام 2020، أعلنت وزارة الاقتصاد الإماراتية ووزارة التجارة والصناعة بمصر إطلاق مجلس الأعمال الإماراتي المصري؛ بهدف تنمية الشراكة بين مجتمع الأعمال الإماراتي ونظيره المصري، وتسهيل وصول شركات البلدين إلى الفرص في أسواق الجانب الآخر، وتعظيم القيمة المضافة من الاستثمارات المشتركة والمتبادلة، وتوفير المعلومات والخدمات للمستثمرين ورجال الأعمال. ويهدف المجلس كذلك إلى تعزيز التواصل مع الجهات الحكومية المعنية في البلدين؛ لتيسير أنشطة الأعمال وتشجيع إقامة المشروعات الاستثمارية، وزيادة التبادلات التجارية، والمساهمة في نقل المعرفة والتكنولوجيا. 

فيما تم الإعلان في مايو 2022 عن الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة تجمع الدولتين بالإضافة إلى الأردن، وتخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار، للاستثمار في المشاريع المنبثقة عنها.

ويأتي ذلك في ظل مساعي الدولة المصرية إلى زيادة توجه الشركات الإماراتية نحو الاستثمار والعمل في مصر للاستفادة من المناخ الجاذب للاستثمار ومنظومة الحوافز والتيسيرات المميزة التي تطرحها الحكومة المصرية أمام المستثمرين في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية.

• ملف الطاقة: وقعت مصر والإمارات في قمة المناخ لعام 2022 بشرم الشيخ اتفاقًا لإنشاء مشروع طاقة رياح في مصر بقدرة 10 جيجاوات، والذي يعد أحد أضخم مشاريع طاقة الرياح في العالم. ويأتي المشروع في إطار “مبادرة الممر الأخضر” في مصر التي تعد شبكة مخصصة لمشاريع الطاقة المتجددة، فيما سيسهم في تحقيق هدف مصر المتمثل في ضمان تشكيل الطاقة المتجددة 42% من مزيج الطاقة بحلول 2035. واتفقت الدولتان على تشكيل فرق عمل من مصر والإمارات لصياغة التفاهمات والاتفاقيات حول مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة.

• الودائع لدى البنك المركزي: أعلن البنك المركزي المصري مارس 2023 مد أجل وديعتين لكل من الإمارات والكويت بقيمة 2.658 مليار دولار. والجدير بالذكر أن الإمارات تحتفظ بـ 5 ودائع متوسطة وطويلة الأجل بإجمالي 5.658 مليار دولار، وتستحق الوديعة الأولى والتي تبلغ مليار دولار في يوليو 2026، وتبلغ قيمة الوديعة الثانية مليار دولار أيضًا وتستحق في يوليو القادم، أما الوديعة الثالثة فتبلغ ملياري دولار تسدد على ثلاث شرائح، وتبلغ قيمة الوديعة الرابعة مليار دولار، وتستحق على ثلاثة أقساط في مايو من الأعوام 2024 و2025 و2026.

• تحويلات العاملين بالإمارات: تعد تحويلات العاملين بالخارج من أهم مصادر النقد الأجنبي بالنسبة للاقتصاد المصري، لاسيما خلال الفترات الأخيرة التي شهدت اضطرابات حادة في غالبية المصادر الأخرى كقطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية غير المباشرة. وفي هذا الشأن، تأتي السعودية في المرتبة الأولى بقائمة أعلى دول مجلس التعاون الخليجي في قيمة تحويلات المصريين العاملين بها خلال العام المالي 2020/2021، والتي بلغت نحو 11.2 مليار دولار، تليها الكويت بقيمة 4.4 مليارات دولار، ثم الإمارات بنحو 3.4 مليارات دولار، تليها قطر بقيمة 1.5 مليار دولار، ثم عمان بنحو 162 مليون دولار، وأخيرًا البحرين بقيمة 104.1 ملايين دولار. وبلغ عدد المصريين الموجودين بدول مجلس التعاون الخليجي 4.7 ملايين مصري طبقًا لتقديرات نهاية 2020، منهم نحو 900 ألف مصري بدولة الإمارات، ونحو 3 ملايين مصري بالسعودية. 

وفي الختام، تنبغي الإشارة إلى أهمية الجانب الاقتصادي في العلاقات الثنائية بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي بدعم من عمق مستويات التعاون التجاري والنقدي والاستثماري بين الجانبين، ومساعيهما لتعزيز  تلك العلاقات ورفع مستوى الاستثمارات المُوجهة لكلٍ منهما. وتنبثق أهمية العلاقات الثنائية كذلك من الأزمات العالمية التي يشهدها العالم على  وقع أزمتين عالميتين متتاليتين: جائحة كورونا منذ يناير 2020، والأزمة الروسية الأوكرانية منذ فبراير 2022، واللتين ألقتا بظلالهما على الواقع الاقتصادي الراهن بتداعيات غير مسبوقة تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي واضطراب حركة التجارة والسلاسل والتوريد، وارتفاع مستويات الدين العام، وانهيار عملات البلدان الناشئة، واستنفاد احتياطاتها من النقد الأجنبي.

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى