
سياق وأبعاد مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا
تشهد العلاقات المغربية البريطانية حالة تطور غير مسبوقة في العديد من الملفات وآخرها معادلة الطاقة؛ إذ إن هناك حالة من التفاهم الثنائي بشأن مشروع الربط القاري عبر البحر المُعرف باسم “إكسلينكس” لنقل وتصدير الطاقة النظيفة من المغرب نحو بريطانيا، وذلك وفقًا لما أعلنته الحكومة البريطانية في نهاية مارس 2023، كواحدة من مجالات تحرك لندن نحو تأمين مصادر الطاقة عقب حالة التأزم في هذا الملف إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتوقف خط نورد ستريم 1 و 2 –الذي يُعد شريان الطاقة الرئيس لأوروبا- كتكتيك للمواجهة الروسية الغربية بصورة عامة والأوروبية على وجه التحديد، والاتهامات الموجه للندن في الاضلاع بتفجير هذا الخط.
ويُعد هذ الخط القاري البحري الرابط بين الرباط ولندن أطول خط كهربائي بحري في العالم؛ إذ إنه يمتد مسافة 3800 كم من كلميم واد نون بالصحراء المغربية إلى بريطانيا، وتقدر تكلفته بنحو 16 مليار جنيه إسترليني. ويأتي هذا التعاون عقب نشر بريطانيا استراتيجياتها الطاقوية التي أكدت اهتمامها بمشروع الربط الكهربائي البحري بين الجانبين، وسبق ذلك تناول هذا الملف في المباحثات التي جرت بين “نايجل هادليستون” وزير الدولة البريطاني المكلف بالتجارة والأعمال و “محمد عبد الجليل” وزير النقل واللوجستيك المغربي في فبراير 2023.
شراكة متعددة
ثمّة خط بارز نحو تقارب الرباط ولندن؛ فلم تقتصر مجالات التعاون على التفاهم الطاقوي الأخير، بل هناك مجالات وقضايا مشتركة تم تحقيق تعاون بها، مثلما هو الحال بالنسبة لملف المطلوبين حيث تم التصديق من الجانب البريطاني رسميًا على الاتفاقية الموقعة مع المغرب عام 2013 والتي دخلت حيز التنفيذ رسميًا في ديسمبر 2022، وتتعلق تلك الاتفاقية بتعزيز التعاون في: مكافحة الجريمة، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وتسهيل عملية تسليم المطلوبين قانونيًا.
ولعل السابق وثيق الصلة بالخطوات التي اتخذها المغرب في تفاعلاته مع بريطانيا، خاصة فيما يتعلق بإعادة تشكيل مجموعة الصداقة المغربية البريطانية في مجلس النواب، والتي أعقبها عدة زيارات لوفود برلمانية مغربية إلى بريطانيا بنهاية عام 2022 ومطلع العام الجاري (آخرها الزيارة التي تمت في الثلاثين من مارس 2023) لتوطيد التعاون التشريعي والقانوني ودعم وتحفيز المشروعات الاستراتيجية المشتركة. ولعل هذا يتزامن مع إقرار القضاء الإداري بلندن (ديسمبر 2022) بشرعية الاتفاقيات التجارية الموقعة بين بريطانيا والمغرب في الأقاليم الجنوبية.
وعلاوة على ذلك، حظيت العلاقات التجارية بين البلدين باهتمام وتقدم كبير خلال الفترة الأخيرة؛ إذ إنها ارتفعت لنحو 2.7 مليار جنيه إسترليني تشمل العديد من الأنشطة والسلع والخدمات منها الزراعة والبنية التحتية والنقل، وهو الأمر الذي يشير إلى ارتفاع المبادلات التجارية بنيهما بنحو 50% وفقًا لما صرّح به “رياض مزور” وزير الصناعة والتجارة المغربي على هامش انعقاد مجلس الشراكة المغربية البريطانية بدورته الثانية بالمغرب.
مكاسب متباينة
إن مسار التفاعل المغربي البريطاني وصوره المتعددة ما بين السياسي والدبلوماسي والقضائي، وكذلك انخراط لندن في معادلة الطاقة المغربية بموجب التفاهمات الأخيرة حيال الخط القاري البحري؛ يبرز حجم المكاسب الاستراتيجية لكلا الدولتين، ويمكن توضيحها في الآتي:
تعزيز أمن الطاقة في بريطانيا واستراتيجية البحث عن البدائل: واحدة من بين مكاسب الاتفاق بشأن مشروع الربط الكهربائي هو توفير الطاقة الكهربائية للعديد من المدن في بريطانيا بنحو 8% من احتياجات الكهرباء، وتأمين عملية الإمداد للطاقة؛ إذ إنه يوفر الكهرباء لنحو سبعة ملايين أسرة بريطانية، ويستهدف توليد نحو 10.5 جيجاوات من الكهرباء المحايدة كربونيًا من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
اكتساب حلفاء جدد وتغيير موازين القوى: على الناحية الأخرى وبالنسبة للمغرب وفي ضوء التنافس الجيوستراتيجي مع الجزائر فيما يتعلق بصدارة ملف الطاقة والهيمنة الإقليمية، يسعى المغرب إلى كسر أحادية التفاعل عقب تأزم ملف الطاقة بينها وبين الجزائر، وفتح نوافذ جديدة لإقرار وجودها في هذا الملف وخاصة مع الدول الأوروبية، علاوة على تحوّلها إلى وجهة للاستثمارات الأجنبية والمحلية في الطاقة المتجددة، بما يعزز من الاقتصاد الوطني وخلق عدد من الأنشطة الموازية حول هذا المشروع. ويستهدف المغرب جراء هذا المشروع أن تصبح من الدول الأولى المرشحة لكي تكون منتجة للهيدروجين الأخضر في عام 2050.
موازنة التحرك الجزائري المتنام مع إيطاليا: في إطار الاختراق الجزائري للدوائر الأوروبية وإقرار تحالف استراتيجي مع إيطاليا في ملف الطاقة مثلما هو الحال بالنسبة للشراكة والاتفاق الأخير الموقع بين الجانبين في ملف الغاز، يسعى المغرب إلى إخراج باقي الجنوب الأوروبي من دائرة التحرك الجزائري؛ تحقيقًا لتنافس جيوسياسي بينهما في تلك المنطقة الحيوية، وإسقاط ذلك على معادلة الصحراء الغربية؛ فمن بين أهداف تحركات المغرب لتوثيق شراكاتها مع بريطانيا هو اقتناص اعتراف رسمي منها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ومن ثمّ إحداث خلل في موازين القوى في هذا الملف، وبما يطيح بالدعم الأوروبي لمبدأ حق تقرير المصير وبالمساعي الجزائرية وجبهة البوليساريو نحو انفصال الأخيرة واستقلالها بالصحراء الغربية.
وختامًا؛ هناك تحرك نشط من جانب المملكة المغربية حيال الدائرة الجنوبية لأوروبا فيما يتعلق بملف الطاقة؛ لكونه الملف ذا الاهتمام الأوسع داخل دوائر صنع القرار الأوروبي عقب تأزم العلاقات مع روسيا، وهذا التحرك الذي اتخذ مسارات متعددة للشراكة مع الدول الأوروبية وعلى رأسها إسبانيا وبريطانيا هو حلقة ودائرة من دوائر التنافس الجيوسياسي المغربي الجزائري.