
تحديات قائمة: ماذا بعد الاجتماع الأول للجنة “صندوق الخسائر والأضرار” بعد “كوب 27″؟
انعقد في الفترة 27-29 مارس 2023 أول اجتماعات اللجنة المختصة ببحث تفاصيل إنشاء صندوق “تمويل الخسائر والأضرار” الذي تم إقراره في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين “COP27” بشرم الشيخ. وجرى خلاله الاتفاق على أن تتولى لجنة انتقالية مكونة من 24 عضوًا (14 عضوًا من الدول النامية، و10 من الدول المتقدمة) وضع تعريف محدد للخسائر والأضرار، وكذلك تفاصيل الإنشاء ومصادر التمويل، وعلى أن تعقد اللجنة ثلاثة اجتماعات على مدار العام لمناقشة هذه التفاصيل، مع تقديم توصيات واضحة لاعتمادها في “COP28” الذي سيعقد بدولة الإمارات، فضلا عن ورش العمل لمناقشة كيفية تفعيل عمل الصندوق وقضية التمويل.
الوضع الحالي لتمويل “الخسائر والأضرار”
كانت قضية “الخسائر والأضرار” أحد القضايا الرئيسة التي كانت محل نقاش في “COP27″، على الرغم من أن هذه القضية كانت محل نزاع قبل إقرار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992. وتعد قضية الخسائر والاضرار أمرًا جوهريا في تحقيق العدالة المناخية، خاصة وأن الدول النامية هي المتحمل الأكبر لعبء الآثار الناجمة عن تغير المناخ.
ومن هنا كان هناك دفع قوي من جانب مصر بوجوب الاعتراف بالخسائر والأضرار وإنشاء صندوق لتمويلها في قمة المناخ COP27″”، وهو ما تحقق بالفعل، ولكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق حول تحديد الجهات التي ستموله، ومن المستفيد من التمويل، وكيف سيكون شكل هذا التمويل. وقد تم تقديم العديد من المقترحات بشأن تمويل هذا الصندوق؛ ففي سبتمبر 2022، اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، فرض ضريبة على شركات الوقود الأحفوري الموجودة في الدول المتقدمة لصالح الدول التي تضررت من التغير المناخي.
وعلى الرغم من أن الاعتراف الدولي بقضية الخسائر والأضرار وكذلك مسألتي التكيف والتخفيف من حدة تغير المناخ، فإن هذه المناقشات ستكون الأصعب خلال الاجتماعات القادمة؛ نظرًا إلى عدة أسباب منها: عدم وجود تعريف محدد للخسائر والأضرار، ولا يوجد خط فاصل بين التمويل لمعالجة الخسائر والأضرار وتقديم المساعدات الإنسانية.
وفي حين أن هذين الأمرين متداخلان، إلا أنهما ليسا متشابهين؛ فالمساعدات الإنسانية هي في الأساس رد فعل لحدث ما، في حين أن معالجة الخسائر والأضرار هي اتخاذ تدابير استباقية أو الاستجابة الفورية، وللتمييز بين الأمرين، يجب وضع تعريف محدد لمعالجة الخسارة والأضرار. لكن من المتوقع أن المناقشات قد تركز بشكل أكبر على دعم الدول المتضررة من خلال تعبئة الموارد في حالة المساعدات الإنسانية.
ومع عدم وجود تعريف متفق عليه وعدم تحديد الأنشطة التي تندرج تحت بند الخسائر والأضرار، فمن الصعب تحديد مصادر التمويل؛ ففي خلال انعقاد قمة المناخ COP27، وافقت الدول على إنشاء صندوق جديد لمعالجة الخسائر والأضرار. وقد أظهر تقرير صادر من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في مارس 2022 أن حوالي 24٪ من جميع مشاريع الصندوق الأخضر للمناخ الموافق عليها تشير إلى الخسائر والأضرار بشكل غير مباشر، بينما تشير مجموعة فرعية تمثل 16٪ من جميع المشاريع صراحة إلى الخسائر والأضرار. وسلط الصندوق الأخضر للمناخ في تقريره السنوي لعام 2020 الضوء على: دعمه لمكافحة ارتفاع مستوى سطح البحر، والتأمين الزراعي القائم على مؤشر الطقس، ومعالجة الخسائر غير الاقتصادية، مثل استعادة الأراضي الرطبة لخدمات النظام البيئي.
تحديات مطروحة
أولًا) نوع الصندوق: يجب على اللجنة تحديد النوع الذي يجب أن يكون عليه صندوق الخسائر والاضرار، وهناك اختيارات مثل: صندوق الفجوة، أو الصندوق التحفيزي، أو النموذج المختلط، ويمكن استعراض نماذج لهذه الصناديق:
1 – صندوق الفجوات: في سبتمبر 2020، عقدت شراكة بين جمهورية ألمانيا والميثاق العالمي لرؤساء البلديات للمناخ مع البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي؛ بهدف دعم المدن في الدول النامية في التخطيط لمشاريع التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، وتحديد أولوياتها، وتنفيذها، وتسهيل الاتصال بين المدن وشركاء التمويل، مثل البنك الدولي أو بنك الاستثمار الأوروبي، أو الممولين الخارجيين، مع تفضيل الاستثمارات التي ستساعد في بناء مدن خضراء وصحية وآمنة. وقد بلغ رأس ماله حاليًا 55 مليون يورو، ومن المستهدف أن يصل إلى 100 مليون يورو، والعمل على فتح استثمارات تقدر بنحو 4 مليارات يورو. وعلى سبيل المثال، في مدينة داكار، السنغال، قدم الصندوق مساعدة في تطوير وبناء مساكن خضراء بأسعار معقولة. كذلك، في مدينة كولار بالهند، قدم المساعدة الفنية في إدارة النفايات الصلبة وخطة عمل لتحسين وتمويل خدمات إدارة النفايات الصلبة منخفضة الكربون.
2 – الصندوق التحفيزي: يعمل على توفير المساعدة الفنية والتمويل الأولي، ومثال ذلك، صندوق التمويل الأخضر التحفيزي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا التابع لبنك التنمية الآسيوي بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية، وصندوق المناخ الأخضر. وبنهاية عام 2022، قدم الشركاء 1.8 مليار دولار أمريكي في شكل تمويل مشترك وأموال للمساعدة الفنية. ويستخدم الصندوق تمويله للتخلص من مخاطر مشاريع البنية التحتية الخضراء، خاصة وأن هذه المنطقة تواجه عجزًا استثماريًا يزيد على 100 مليار دولار سنويًا، وبالتالي لسد هذه الفجوة، يجب أن يلعب رأس المال الخاص دورًا أكبر بكثير في تمويل مشاريع البنية التحتية.
3 – صندوق يجمع بين النوعين السابقين: يعد هذا النوع الذي يجمع بين النوعين السابقين ممكنًا، ويمكن أن يدعم تعبئة أكبر للموارد، والتي بدورها يمكن أن تترجم إلى استجابات أسرع متعلقة بالكوارث وكذلك بناء القدرات والأنشطة المناخية.
وبالتالي، يجب أن يكون نوع الصندوق مناسبًا لدعم الدول الأكثر تضررًا من تغير المناخ، ويكون مناسبًا كذلك للاستجابة بشكل مناسب للأنواع المختلفة من الخسائر والأضرار، بدءًا من تلبية الاحتياجات الفورية في حال وقوع كارثة مفاجئة إلى الاستجابة للخسائر والأضرار بطيئة الحدوث، بالإضافة إلى دعم الاستجابات لكل من الأضرار الاقتصادية والتي تشكل الممتلكات ومستوى المعيشة، وغير الاقتصادية والتي تشمل الخسائر في الأرواح والتراث الثقافي.
ثانيًا) نطاق عمل الصندوق:
يجب الاخذ في الحسبان أن الخسارة والضرر ترتبط جوهريًا بالتكيف، حيث تؤدي زيادة التكيف إلى تقليل الخسائر والأضرار، وبالمثل، فإن الاستجابات للخسائر والأضرار التي تزيد من القدرة على التكيف على المدى الطويل والتي تساعد في تجنبها مستقبليًا. لكن من الضروري عند عمل اللجنة عدم الخلط بين تمويل التكيف والخسارة والأضرار، او إعادة تسمية تمويل الخسائر والأضرار بتمويل التكيف.
كذلك من المهم أن تنظر اللجنة في كيفية تداخل الخسائر والأضرار مع أهداف التمويل الأخرى، مثل التمويل الإنساني، لان هناك تقارب في انشطتهم ومجالاتهم، ففي ديسمبر 2022، نشرت منظمة أوكسفام تقرير سلط الضوء على أن الاحتياجات الإنسانية الناجمة عن تغير المناخ والصراع والفشل الاقتصادي، تفوق قدرة نظام المساعدات على الاستجابة لها.
ثالثًا) صادر تمويل الصندوق: حتى الآن لم يتم تأكيد مصادر تمويل صندوق الخسائر والأضرار، لكن تم اقتراح مصادر أخرى للتمويل مثل الأسهم الخاصة أو الضرائب على الأرباح من الوقود الأحفوري، لكن لا توجد حتى الآن آلية عالمية لعمل الصندوق. ومن الممكن أن تستخلص اللجنة تجارب الصناديق الأخرى غير التابعة للأمم المتحدة التي يمكن أن توفر الخبرات والدروس المستفادة بشأن مناهج التمويل المختلفة، مثل الضرائب، أو عن طريق حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي.