أسواق وقضايا الطاقة

اجتماع أوبك بلس وتحديات أزمة انهيار سيليكون فالي والأسعار الهابطة

تجتمع دول تحالف أوبك بلس بشكل مستمر، للاتفاق على الوضع العام لإنتاج النفط والكمية المعروضة في الأسواق العالمية ونسبتها لحركتي العرض والطلب، لأن ذلك قد يؤثر بشكل واضح على حجم الإنتاج النفطي، وبالتالي له تأثيرًا كبيرًا على حجم إمدادات النفط العالمي. والمؤكد هنا أن الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية تؤثر بشكل رئيس على نتائج تلك الاجتماعات، فالدول الأعضاء تبحث دائمًا عن مصلحتها بما لا يضر الوضع العام لأسواق النفط العالمية. 

يعقد الاجتماع المقبل عبر تقنية التواصل المرئي للوزراء الرئيسيين في التحالف يوم الإثنين القادم، مما قد يكون له دلالة على عدم اتخاذ قرار مهم، ويكتفي التحالف بمراقبة الوضع المستقبلي لأسواق النفط العالمية. في وقت تشهد فيه أسواق النفط العالمية تراجعًا ملحوظًا منذ بداية شهر مارس من العام الحالي نتيجة مخاوف انزلاق الاقتصاد العالمي إلى ركود عميق، وذلك على خلفية انهيار بنك سيليكون فالي في الولايات المتحدة الأمريكية، والاستحواذ الطارئ على بنك كريدي سويس من جانب البنك المركزي السويسري، واضطراب القطاع المصرفي المتشابك عالميًا. وقد فسرت أسعار النفط تلك المخاوف بتراجع عقود خام برنت إلى أكثر من حوالي 15% ووصلت أسعار خام برنت إلى دون 70 دولارًا في بعض الأحيان، في إشارة إلى حساسية الأسواق والوضع الاقتصادي العام لأي صدمة جديدة.

تأثير سياسة العرض والطلب على أسعار النفط

بشكل عام، شهدت أسعار النفط العالمية خلال العام الأول من الحرب الروسية الأوكرانية تغيرات قوية، وحققت مكاسب كبيرة لم تحدث منذ أكثر من 15 عامًا، لتعوض بذلك الدول المصدرة للنفط الخسائر التي تكبدتها بسبب جائحة كورونا منذ بداية عام 2020، وذلك منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، حيث قفزات أسعار النفط لتصل إلى أكثر من 137 دولارًا للبرميل لتسجل أعلى مستوياتها على الإطلاق، بعد أزمة كورونا والتي أضرت بالعقود الآجلة لخام برنت والتي كان يتم تداولها بقيم سالبة، وخسر برميل النفط حوالي 45 دولارًا في ساعة واحدة فقط خلال إبريل من عام  2020 كما هو موضح في الشكل التالي. 

وعليه يمكن القول بأنه مع كل تلك التقلبات الحادة، تدخل تحالف أوبك بلس لخلق حالة من التوازن بين المعروض والطلب، حيث بدأ في زيادة تدريجية في الإنتاج منذ مارس 2022، ثم قرر بنهاية نوفمبر الماضي خفض معدلات الإنتاج بحوالي 2 مليون برميل حتى نهاية العام الحالي، وذلك بهدف الحفاظ على المكاسب كما هو موضح في الشكل التالي، وذلك بسبب حالة عدم اليقين التي شهدتها الأسواق حيث انخفضت أسعار النفط بعد مرور نحو 6 أشهر من الحرب لتصل إلى مستويات حوالي 95 دولارًا للبرميل، وتواصل التراجع لتصل إلى مستوى حوالي 86 دولارًا لخام برنت.

توقعات الطلب على النفط

عاد الحذر بشأن توقعات الطلب على النفط عالميًا في 2023 مرة أخرى، بعدما أثارت أزمة القطاع المصرفي في أمريكا وأوروبا مخاوف من ركود الاقتصاد العالمي، حيث أبقت وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك على توقعات نمو الاستهلاك العالمي للنفط في العام الجاري دون تغيير، في حين رفعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقديراتها، وذلك وفق التقارير الصادرة حديثًا في مارس الماضي. ومن جهة أخرى، ثبتت منظمة أوبك تقديراتها لنمو الطلب على النفط في العام الجاري 2023، عند 2.32 مليون برميل يوميًا، دون تغيير عن تقديرات فبراير الماضي، ليكون من المرجح أن يصل الإجمالي إلى حوالي 101.90 مليون برميل يوميًا كما هو موضح في الشكل التالي. 

وذلك مع زيادة توقعات استهلاك النفط في الصين إلى حوالي أكثر من 710 آلاف برميل يوميًا من حوالي 590 ألف برميل يوميًا، ليصل الإجمالي عند حوالي أكثر من 15.5 مليون برميل يوميًا، مع تعافي الاقتصاد من تداعيات جائحة كورونا كما هو موضح في الشكل التالي.

وعلى الرغم من أن زيادة الطلب الصيني قد تدعم سوق النفط، إلا أن أسعار الخام قد انخفضت بعد أن أثار انهيار بنك سيليكون فالي قلقًا من حدوث أزمة مالية جديدة، وأشارت أوبك إلى مخاطر محتملة من شأنها التأثير سلبًا على الاقتصاد العالمي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.

العوامل الضاغطة على أسواق النفط العالمية

قادت جملة من العوامل أسعار النفط مؤخرًا إلى معدلات لم تشهدها أسواق النفط منذ بداية جائحة كورونا حتى العام الثاني من الحرب الروسية الأوكرانية، ويمكن حصر أبرز تلك العوامل فيما يلي:

  • نقص الاستثمار وصيانة البنية التحتية منذ مايو عام 2005، فقد تراجعت بشكل عام استثمارات الخام العالمية إلى ما يقرب من النصف بالمقارنة بين بيانات عام 2022 وعام 2021، حيث بلغت استثمارات قطاع النفط على مستوى العالم حوالي أقل من 400 مليار دولار، وذلك انخفاضًا من حوالي 700 مليار دولار خلال عام 2021.
  • الأزمات السياسية الطويلة في العديد من الدول ومنها ليبيا والعراق وفنزويلا.
  • وجود ركود اقتصادي كامن في بنية الاقتصاد العالمي بسبب اختيار البنوك المركزية، وبالأخص الفيدرالي الأمريكي، هدف مكافحة التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، على حساب تحفيز الاقتصاد، للسيطرة على ارتفاع الضغوط التضخمية التي سادت العالم منذ العام الماضي.
  • احتفاظ عدد ضئيل بالطاقة الإنتاجية من النفط وبمعدلات قليلة كما هو موضح في الشكل التالي.

  • إغلاق مصاف فرنسية وارتفاع مخزونات النفط الخام بسبب امتداد الإضرابات إلى موانئ النفط الرئيسة احتجاجًا على خطط الحكومة إصلاح نظام المعاشات التقاعدية.
  • وصول مخزونات الاحتياطي الاستراتيجي للدول إلى أدنى مستوياتها في أكثر من 30 عامًا.
  • مخاوف من حدوث تخمة في أسواق النفط الخام نتيجة إشارة جنيفر جرانهولم وزيرة الطاقة الأمريكية إلى التريث عن شراء النفط الخام لمليء احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي، والذي تم استنزاف جزء كبير منه مطلع العام الماضي لتعزيز الأسواق بالنفط الخام وتهدئة أسعار النفط التي وصلت إلى أكثر من 130 دولار للبرميل.
  • إعلان روسيا في منتصف مارس الماضي تمديد خفض إنتاجها من النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميًا حتى نهاية يونيو المقبل، وذلك بعد أكثر من شهر على اتخاذها هذا القرار ردًا على العقوبات الدولية التي تستهدف نفطها. حيث يُمثل الخفض المعلن حوالي 5% مما تستخرجه موسكو يوميًا في الوقت الحالي والبالغ أكثر من حوالي 9.5 مليون برميل.
  • مخاوف تكرار الأزمة المالية العالمية (2008) بسبب انهيار بنوك تجارية كبرى لها ارتباطات مالية وثيقة بالنظام المالي العالمي.
  • تسويق النفط الروسي إلى الأسواق الآسيوية وبالأخص الصين والهند بما يقل عن 25 دولار عن الأسعار العالمية، في بعض الأحيان، كسياسة لمواجهة العقوبات الغربية، واتساقًا مع الحرب السعرية المندلعة بين روسيا والغرب منذ العام الماضي.

العوامل الداعمة لأسواق النفط العالمية

وعلى الرغم مما سبق، وتواجد العديد من العوامل الضاغطة على حركة أسعار النفط، نجد وفرة من العوامل التي من شأنها دعم أسواق الطاقة والتي من الممكن أن تُسهم في رفع أسعار النفط العالمية ومنها:

  • توقعات نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا هذا العام بفضل العودة القوية لنشاط قطاع النقل الجوي الذي يفوق مخاطر بقية القطاعات.
  • بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية والتي أظهرت ارتفاع صادرات الخام والمنتجات المكررة إلى مستوى قياسي بلغ حوالي أكثر من 12 مليون برميل يوميًا، وهو ما يعزز الطلب على النفط وسلامة الأسواق العالمية.
  • تراجع الصين تدريجيًا، وهي ثاني أكبر مستهلك للنفط العالمي، عن سياسة صفر كوفيد، مما يعني أن الطلب الصيني سيزيد على النفط، وهذا الطلب المرتفع الذي ستشهده الصين قد يكون كبيرًا وقد يؤدي إلى زيادة الطلب ليصل إلى ما لا يقل عن حوالي مليون برميل يوميًا، وبالتالي قد يحدث تغيرًا في النطاق السعري المتوقع للعام الجديد.
  • الطلب في الهند -ثالث أكبر مستهلك في العالم- ينمو حاليًا بوتيرة سريعة، في ظل ارتفاع الطلب بنحو حوالي 0.4 مليون برميل يوميًا على أساس سنوي العام الحالي.
  • قد يشهد العام الحالي صراعًا بين تحالف أوبك بلس وواشنطن وذلك في حال ارتفاع أسعار النفط فوق مستوى 100 دولار  للبرميل، ومع إصرار التحالف على سياسة الخفض الحالية.
  • لا تزال تحظى أسعار النفط الخام بدعم جراء استمرار الخلاف بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان، والذي أدى إلى وقف صادرات النفط الخام والذي يقدر بنحو 400 ألف برميل يوميا، فضلًا عن تعطيل إمدادات النفط بالأسواق.

ووفقًا لما سبق، يمكن القول إن الصين ستكون مسؤولة عن نحو نصف نمو الطلب على النفط خلال العام الحالي، حيث يأتي ذلك بدعم من زيادة الطلب محليًا على الوقود وذلك في أعقاب تخفيف إجراءات مواجهة كورونا، ما يدعم سوق النفط بالنظر إلى تخفيضات إنتاج تحالف أوبك بلس والعقوبات الغربية على الصادرات الروسية. حيث إنه من المتوقع أن تستورد الصين كمية قياسية من النفط الخام خلال العام الجاري بسبب زيادة الطلب على الوقود، إذ تزداد حركة التنقل بعد رفع قيود جائحة كورونا ونتيجة لبدء تشغيل مصافي التكرير الجديدة. حيث تمتلك الصين 32 مصفاة بسعة 200 ألف برميل يوميًا على الأقل لكل منها. حيث إن ارتفاع الطلب الصيني يُعد المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي الآسيوي وقاطرة التعافي في الأسواق الآسيوية، فقد ترتفع واردات الصين من الخام بمقدار ما بين 710 آلاف ومليون برميل يوميًا هذا العام إلى 11.8 مليون برميل يوميًا متراجعة عن هبوط في العامين الماضيين ومتجاوزة الرقم القياسي المسجل في 2020 عند 10.8 ملايين برميل يوميًا كما هو موضح في الشكل التالي.

توقعات اجتماع الإثنين المقبل للتحالف النفطي

انخفضت أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها في نهاية الشهر الماضي، في ظل مخاوف من التداعيات الاقتصادية لانهيار سيليكون فالي بنك والاستحواذ على مجموعة كريدي سويس، وأنها ستضر بالطلب العالمي على النفط الخام، ولكن العقود الآجلة تعافت منذ ذلك الحين، حيث جرى تداولها في لندن بالقرب من 78 دولارًا للبرميل، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخفف أي ضغوط على منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك وشركاءها لدعم الأسواق، حيث تحتفظ دائمًا منظمة أوبك وحلفاؤها من الدول النفطية بحق التدخل وذلك في حال هبوط الأسعار عن مستوى 60 دولارًا للبرميل، ويوضح الشكل التالي متوسط أسعار نفط أوبك خلال الأعوام الماضية. 

وهنا يجب الإشارة إلى تصريح الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، والذي كان واضحًا بشكل خاص في أنه لا ينبغي تغيير أهداف الإنتاج الحالية وأشار إلى أن خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يوميًا، والذي تم الاتفاق عليه في أكتوبر الماضي، سيظل ساريًا خلال الفترة المتبقية من العام الجاري.

ولكن الحديث عن أسعار النفط والموازنة بشكل عام يأخذنا بالتالي إلى البحث عن الإجابة عن السؤال التالي ما هو سعر البرميل التي تحتاجه الدول للوصول إلى ميزانيات بلا عجز، أو بشكل مختلف كم يبلغ سعر البترول الذي تحتاجه ميزانيات الدول الكبرى المنتجة للنفط؟، لذلك نجد وبشكل عام أن سعر البرميل لابد من أن يتراوح ما بين 50 (حالة الكويت) إلى حوالي 112 (في حالة إيران)  للبرميل الواحد النفطي، كما موضح بالشكل التالي الأسعار المختلفة طبقًا لتكلفة برميل النفط بكل دولة من الدول الكبرى المنتجة للنفط عالميًا، كما موضح بالشكل التالي.

وعليه يمكن القول بأنه، مع تعافى الأسعار العالمية وانحسار المخاوف من أزمة مصرفية عالمية، وتوقف الصادرات من إقليم كردستان العراق، وهو ما يحد من الإمدادات، من المرجح أن يلتزم التحالف النفطي باتفاقه الحالي لخفض إنتاج النفط في اجتماع يوم الإثنين المقبل، وذلك بعد بدأ تعافي أسعار النفط عقب انخفاضها إلى أدنى مستوياتها في 15 شهرًا (70 دولارًا للبرميل) (تمديد السياسة النفطية الحالية).

مجمل القول، ستبقى أسواق النفط العالمية مهددة بالمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية حتى انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها العالمية، وخصوصًا مع إعادة رسم خارطة الطاقة العالمية وذلك وفقًا لاعتبارات ومصالح جديدة. ومع ذلك، تحتفظ الأسواق النفطية بقدر جيد من التفاؤل والكفاءة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية الدولية الطارئة، وستسهم الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا في الحد من تداعيات أزمة البنوك. بالإضافة إلى أن استئناف الصين لنموها ونشاطها الاقتصادي سيكون له تأثير كبير في تحسين أسعار النفط خلال الشهور القادمة وفقًا لأساسيات السوق، بالإضافة إلى أن أسواق الطاقة اعتادت على تدخل تحالف أوبك بلس كمنتج مرجح يحافظ على توازن الأسعار إذا ما تراجعت إلى دون المعدلات التوازنية لوقت طويل. وعليه يمكن القول بأنه إذا صحت هذه التوقعات فيما يتعلق بنمو الطلب الصيني على النفط الخام، فقد يتعرض تحالف أوبك بلس لضغوط في العام الجاري للتحرك في الاتجاه المعاكس، أي نحو زيادة الإنتاج، مع تراجع حجم المعروض في الأسواق العالمية في الوقت الحالي.

كاتب

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى