مصر

صناعة الغزل والنسيج … رحلة استعادة المكانة

الغزل والنسيج صناعة عرفتها وأتقنتها الأيدي المصرية منذ العصر الفرعوني، كل قطعة قماش -باختلاف نوعها وشكلها- تم نسجها شاهدة على رحلة تطور الغزل والنسيج، لتجذب مسامع القاصي والداني ليرى دقة وجودة الأقمشة المصرية؛ بفضل جودة قطنها طويل التيلة الذي عرفت به على مر التاريخ، فمصر واحدة من ضمن 4 دول فقط على مستوى العالم تنتج القطن فائق الطول (ELS). ويشهد متحف النسيج -الأول من نوعه في الشرق الأوسط– بشارع المعز لدين الله الفاطمي على فخامة وتنوع الأقمشة المصرية عبر العصور. إلا أنه مع غزو الأقمشة المصنعة وتفاقم بعض التحديات التقنية والمالية، تقهقرت صناعة الغزل والنسيج بمصر. وفي المقابل، برزت بعض الجهود الحكومية مؤخرًا لاستعادة القطن والغزل والنسيج المصري إلى سابق عهده، على أن تشمل خطة التطوير مختلف مراحل الإنتاج. 

تاريخ طويل

صنع المصريون القدماء الأقمشة والملابس من الكتان، واستخدموا النباتات ذات الألياف الخشنة كألياف النخيل والحلفا لصناعة المنسوجات، واستخدموا الشبة في تثبيت الألوان التي صنعوها من الصبغات النباتية. واستمر تطور صناعة الغزل والنسيج مرورًا بالعصرين القبطي والإسلامي، وصولًا إلى العصر الحديث والذي شهد تأسيس شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة عام 1927 كإحدى شركات بنك مصر، والتي كان إنتاجها في مرحلة من المراحل يعادل 40% من اقتصاد مصر.

حتى شهد المجال تطورًا نتيجة التطور العلمي وتطور الدراسات الكيميائية، والتي أسهمت في اكتشاف مجموعة من الألياف الصناعية كالحرير الصناعي والنايلون، لتتقدم الصناعة إلى ما هي عليه الآن. وتمر صناعة الغزل والنسيج بخمس مراحل رئيسة، هي: زراعة القطن، والحلج، والغزل، والنسج، ثم تصنيع المنتج النهائي كالملابس الجاهزة والمفروشات وغيرها.

وتعد صناعة الغزل والنسيج والأقمشة واحدة من الصناعات الرئيسة بمصر، فيبلغ إجمالي مصانع القطاع حوالي 16.15% (3.66% مصانع المنسوجات، و12.49% مصانع الملابس الجاهزة) من إجمالي المصانع بالقطاعين العام والخاص. ويشتغل بالصناعة حوالي 44% (1.5% بصناعة المنسوجات، و42.24% بصناعة الملابس الجاهزة) من إجمالي العاملين بالصناعة. لذا يأتي الاهتمام بنهضة هذه الصناعة بوصفها أحد الصناعات كثيفة العمالة والتي لها دور كبير في توفير فرص العمل وخفض معدلات البطالة وتقليل فاتورة الاستيراد، والاستغلال الأمثل للمزايا النسبية للقطن المصري. 

تحديات عضال

على الرغم من أن صناعة الغزل والنسيج كانت في بعض الفترات عصب الصناعة المصرية، فإنها شهدت تحديات عضال أسهمت في تراجع وتدهور الصناعة لعقود. فكانت الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج قلعة صناعية، قوامها قبل عملية إعادة الهيكلة 31 شركة مختلفة، منتشرة في كافة أنحاء مصر، وعدد العمالة بها نحو 48 ألفا، منهم 24 ألف عامل في مدينة المحلة الكبرى. لكن الشركة تواجه اليوم مديونية متراكمة تقدر بـ 21 مليار جنيه سواءً للدولة، أو للضرائب، والتأمينات، وغيرها من الجهات الأخرى. وتقدر الخسائر المتراكمة المُحققة في الفترة السابقة بقيمة 8 مليارات جنيه.

وكان واحد من أهم التحديات التي واجهت قطاع الغزل والنسيج، خاصة شركات القطاع العام، ضعف المتابعة والرقابة المستمرة لتلك الشركات، والتي أدت إلى تعيين موظفين ليسوا ذوي خبرة أو مدربين أو مؤهلين للعمل في هذه الشركات، هذا إلى جانب تعيين أعداد تفوق الحاجة الحقيقية للعمل؛ فأصبحت ء هذه الشركات40 من بطالة مقنعة. ومع انخفاض الإنتاجية نظرًا لتراجع الكفاءة والجودة، أصبحت الموارد المحدودة لهذه الشركات موجهة لتوفير رواتب العمالة، مع إغفال إشكالية تهالك الماكينات واحتياجها إلى الصيانة.

فتقادم المغازل المحلية جعلها غير قادرة على المنافسة والاستفادة من ميزة مواصفات القطن المصري واعتمادها على أقطان رخيصة الثمن. هذا إلى جانب عدم وجود قاعدة بيانات أو معلومات متكاملة عن الصناعة، والمصنعين من القطاعين العام والخاص. 

على الجانب الآخر، يمكن القول إن عام 1994 كان عامًا فاصلًا في صناعة الغزل والنسيج في مصر التي اشتهرت بالقطن طويل التيلة الذي لا مثيل له في العالم، حيث صدر قرار آنذاك بتحرير سعر الأقطان بعد صدور القانون 210 لسنة 1994؛ حيث وجدت شركات الغزل والنسيج نفسها في مهبّ الريح. ما وضع شركات الغزل والنسيج، التابعة للشركة القابضة، وعددها ٣٣ شركة تضم 63 مصنعًا، والتي تمثل المستهلك الرئيس للقطن المصري أمام تحدي توفير القطن الذي تم تحرير تجارته، بعد أن كانت الدولة هي التي تقوم بالمهمة. فتحرير تجارة القطن أدى إلى مضاعفة سعر القطر، مما كبد شركة مصر للغزل ملايين الجنيهات كفارق سعر. 

فأصبح الاعتماد الكلي على التجارة الحرة في تسويق الأقطان وإلغاء نظام التسويق التعاوني بعد أن كانت الدولة مسؤولة عن القطن المصري من حيث الجمع والتصنيع والتصدير، مما أدى إلى ظهور عدد كبير من المشاكل، أهمها انخفاض انتاج القطن لتراجع المساحة المزروعة من 1.9 مليون فدان في أوائل الستينيات إلى 710 ألف فدان في موسم 1994/1995، بالإضافة إلى ذلك ظهرت مشكلة الخلط في القطن والتي لم تكن موجودة من قبل نظرًا لوجود الدولة كراعية وضامنة لتسويقه. كذلك كان أحد المشاكل التي ترتبت على هذا القانون وأدت إلى انخفاض إنتاجية القطن عدم تحديد سعر ضمان للقطن، بحيث يغطي تكلفة الإنتاج، وفي نفس الوقت يتيح هامش ربح مناسب للمزارع والتاجر. 

على الجانب الآخر، تفاقمت مشكلة تهريب البضائع خلال بداية الألفية، والتي أدت إلى إغلاق العديد من المصانع، وتسريح عدد هائل من العمالة، فأغلبها يباع بأسعار أرخص من نظيرتها الوطنية. هذا بخلاف عدم تناسب الخريطة الزراعية لعقود مع المتطلبات التصنيعية والتصديرية؛ فغالبية الصناعة تعتمد على القطن متوسط وقصير التيلة، في حين المزروع بمصر هو القطن طويل التيلة فقط، وهو منتج ذو جودة عالية، وكذلك تكلفته مرتفعة وغير اقتصادية في الغالبية العظمى للمنتجات. لذا يتوجه عدد من المصنعين إلى استيراد أقطان قصيرة التيلة لأنها رخيصة الثمن بسبب الدعم الذي توجهه بعض الدول المنتجة لهذه الأقطان، مثل اليونان والولايات المتحدة الأمريكية.

استعادة الريادة 

رغم التحديات والتراجع الذي ألم بالقطاع على مدى العقود الماضية، فإن الدولة كانت لها مساعٍ حثيثة للنهوض بقطاع الصناعات النسيجية في مصر، بما يشمله من مختلف مراحل الإنتاج بدءًا من زراعة وتجارة القطن وتطوير المحالج، مرورًا بتحديث مصانع الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز، وصولًا إلى المنتجات النهائية، والاهتمام الكبير بالتسويق وفتح أسواق جديدة، ومواكبة التطور العالمي في هذا المجال؛ وذلك تعظيمًا لما نمتلكه من مقومات وإمكانيات، وصولًا إلى استعادة الريادة المصرية في قطاع الغزل والنسيج.

ويستلزم تطوير منظومة الغزل والنسيج في المقام الأول تطوير منظومة زراعة وتداول القطن المصري بوصفه المادة الخام الأساسية التي تقوم عليها الصناعة، لذا تم تدشين المنظومة الجديدة لتداول القطن والانضمام لمبادرة “قطن أفضل”؛ فالمنظومة الجديدة لاستلام وتجارة القطن تعتمد على استلام الأقطان مباشرة من المزارعين، وإجراء مزادات عليها بما يضمن سعرًا ملائمًا للمزارعين. والمبادرة تهدف إلى زيادة استدامة زراعة القطن، وتحسين ظروف مزارعي القطن. وشارك بالمبادرة خلال موسم القطن 2020/2021، حوالي 2000 مزارع حصلوا على تدريب وشهادة زراعة وبيع قطن مصري معتمد.

وتم تعميم المنظومة على مستوى الجمهورية في موسم 2021، حيث تضم 193 مركز تجميع أقطان في 14 محافظة بالوجهين البحري والقبلي. هذا وقد نجحت تجربة زراعة القطن قصير التيلة بمنطقة شرق العوينات خلال عام 2021؛ لتقليل فاتورة الواردات وتوفير مستلزمات الإنتاج محليًا.

وكأول عوائد المبادرة، حققت صادرات القطن والتي تتضمن (القطن الخام وخيوط من قطن والأقمشة المنسوجة من القطن) أعلى مستوى لها منذ 7 سنوات، حيث سجلت 513 مليون دولار عام 2020/2021 مقارنة بـ 377 مليون دولار عام 2019/2020. وقد بلغ إجمالي كمية الصادرات 1761 ألف قنطار متري من أول الموسم حتى نهايته (سبتمبر/أغسطس) 2021 مقابل 874 ألف قنطار متري (سبتمبر/أغسطس) 2020، بنسبة زيادة قدرها 101.5%. في حين زاد إنتاج القطن (2.3 مليون قنطار عام 2021)، بنسبة زيادة 33.3% عن عام 2020.

وكذلك حققت صادرات الملابس الجاهزة مستويات قياسية غير مسبوقة، حيث سجلت 1761 مليون دولار عام 2020/2021، و1508 ملايين دولار عام 2019/2020، و1643 مليون دولار عام 2018/2019، و1528 مليون دولار عام 2017/2018، و1333 مليون دولار عام 2016/2017. وفي المقابل، سجلت 254 مليون دولار عام 1995/1996.

وقد عاودت زراعات القطن المصري الزيادة مرة أخرى؛ فبلغ إجمالي المساحة المزروعة بالقطن خلال عام 2020/2021 حوالي 238 ألف فدان بالمقارنة بـ 183 ألف فدان عام 2019/2020. ليبلغ إجمالي إنتاج محصول القطن عام 2020/2021 حوالي 305 آلاف طن. وبلغ إجمالي الموزع (الصادرات + المستهلك) من القطن 1.9 مليون قنطار متري منذ سبتمبر 2020 وحتى أغسطس 2021، مقابل مليون قنطار متري في الموسم السابق له بزيادة قدرها 83.7%. ومثلت كمية الصادرات حوالي 95% من إجمالي الموزع.

ولعمل تطوير حقيقي للصناعة، تم وضع خطة لتطوير الصناعة تقوم على تحديد ما يمكن تطويره وفقًا لإمكانيات الدولة والقطاع الخاص العامل بالقطاع، خاصة وأن الواقع أثبت أن القطاع الخاص لا يستطيع القيام بالخطوات الأولى في تطوير هذه الصناعة المهمة؛ ولذلك تختار الدولة القطاعات التي تخدم الاقتصاد المصري لتطويرها، ثم تساعد القطاع الخاص بعد ذلك على استكمال الخطوات التالية، لا سيّما وأنه يوجد في قطاعات محددة من هذه الصناعة كالملابس والوبريات.

لذا كان لابد من تدخل الحكومة لتطوير صناعات الحلج والغزل والنسيج، وقُدّرت تكلفة التطوير بنحو 30 مليار جنيه، تتمثل في: 8.5 مليارات جنيه للإنشاءات الجديدة ورفع كفاءة إنشاءات قائمة بمختلف أفرع الشركة القابضة على مستوى الجمهورية، هذا بخلاف الحاجة إلى توريد ماكينات جديدة بقيمة 650 مليون يورو، هذا بخلاف 21 مليار جنيه ديون متراكمة؛ أي إجمالي المبلغ المطلوب لتطوير شركة واحدة يقارب 51 مليار جنيه.

لا يستطيع القطاع الخاص تحمل هذه التكلفة وحده للنهوض بهذه الصناعة والاستفادة من الميزة التنافسية للقطن المصري، واستعادة مكانة الغزل والنسيج المصري، من خلال تطوير المحالج وكافة مراحل الإنتاج المختلفة؛ بدءًا من الغزل والنسيج، والصباغة، وانتهاء بالمنتجات النهائية المتمثلة في الملابس والوبريات، وغيرها. إلا أن القطاع الخاص مرحب به في عمليات الإدارة والتشغيل والتسويق –والتمويل إذا أراد- والتي يتميز فيها عن القطاع العام، ولتفادي أخطاء استمرت لعقود أدت إلى تدهور الصناعة.

وتستهدف جهود التطوير مضاعفة الإنتاجية لجميع الأنشطة؛ من خلال العمل على مضاعفة إنتاج الغزل سنويًا من 35 ألف طن إلى 188 ألف طن، وكذا مضاعفة إنتاج النسيج سنويًا من 50 مليون متر إلى 198 مليون متر، وكذا زيادة حجم إنتاج الملابس سنويًا من 8 ملايين قطعة إلى 50 مليون قطعة، هذا فضلًا عن مضاعفة إنتاج الوبريات سنويًا من ألف طن إلى 15 ألف طن. والتطوير يقوم بالأساس على دراسة الجدوى التي تقوم بها إحدى الشركات المتخصصة؛ وذلك بهدف زيادة الإنتاجية لجميع الأنشطة وتشمل: الغزل، والنسيج، والصباغة، والتجهيز والوبريات، وغيرها. 

وفي ضوء ذلك، تم دمج عدد 31 شركة لتصبح 9 شركات، حيث تم دمج 22 شركة غزل ونسيج في 8 شركات، كما تم دمج 9 شركات تجارة وحليج أقطان في شركة واحدة، فضلًا عن تخصيص 4 مراكز للتصدير في كل من المحلة الكبرى وكفر الدوار والدلتا ودمياط. وتم تأسيس شركة “إيجيبشيان كوتون هب ECH” في يوليو 2021 لتسويق وبيع منتجات الغزل والنسيج. إضافة إلى تطوير البنية التحتية للمصانع، وإعادة هيكلة الموارد البشرية من خلال الهيكلة الإدارية والتدريب، وذلك ضمن خطة تطوير وإعادة هيكلة الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج.

وتشمل خطة تطوير مصانع الغزل والنسيج والصباغة 65 مصنعًا ومبنىً خدميًا بجميع الشركات التابعة، بتكلفة تبلغ 7 مليارات جنيه. وتضم: شركة مصر للغزل والنسيج وصباغي البيضا التي يجري حاليًا إنشاء مجمع مصانع الغزل والنسيج والصباغة بها، وكذا تنفيذ مجمع بشركة دمياط للغزل والنسيج، بالإضافة إلى تطوير مصنع غزل 2 القائم بشبين الكوم التابع لشركة مصر شبين الكوم للغزل والنسيج، علاوة على استكمال أعمال إنشاء مصنع للنسيج ومصنع آخر للصباغة بشركة مصر حلوان للغزل والنسج. وكذلك من المقرر خلال الفترة المقبلة البدء في تطوير مصانع التريكو والتفصيل والصباغة بشركة الدقهلية للغزل والنسيج، بجانب إنشاء مصنع غزل الطرف المفتوح الجديد، وتطوير مصنع التريكو والصباغة بشركة الوجه القبلي للغزل والنسيج بالمنيا.

وعلاوة على ذلك، يستحوذ مشروع التطوير بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى على جانب كبير من مشروع تطوير شركات الغزل والنسيج التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام؛ إذ يتضمن إنشاء خمسة مصانع جديدة، وإعادة تأهيل ثلاثة مصانع أخرى، منها إنشاء مصنع غزل 1 الذي يُعد هذا المصنع أكبر مصنع للغزل في العالم، حيث يقام على مساحة تزيد عن 62 ألف م2 بأرض الشونة بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، بتكلفة إنشائية تبلغ 780 مليون جنيه، وإجمالي استثمارات في الماكينات والمعدات تصل إلى 273 مليون يورو. 

ومن المقرر أن يضم هذا المصنع أحدث المعدات والماكينات في هذا المجال بالاستعانة بخبرة كبرى الشركات العالمية، هذا إلى جانب قدرته على التعامل مع مختلف أنواع الأقطان، وخاصةً طويل التيلة وفائق الطول، بما يسهم في استغلال ما تمتلكه مصر من ميزات تنافسية في إنتاج القطن على مستوى العالم. كذلك من المستهدف أن تصل طاقته الإنتاجية إلى 34 طن/يوم غزول رفيعة وسميكة. 

ذلك فضلًا عن إنشاء مجمع يضم مصنعًا للنسيج، وتحضيرات النسيج1 و2، إضافة إلى “الصباغة”. يقام هذا المجمع على مساحة 104.2 ألف م2، ومن المستهدف أن تصل طاقته الإنتاجية إلى 136 ألف متر أقمشة ملايات، بجانب إنشاء محطة للكهرباء. ويتضمن المشروع كذلك تطوير ورفع كفاءة وإقامة توسعات في كل من غزل 4، لتصل طاقته الإنتاجية إلى 15 طنا يوميا من الغزول الرفيعة، وأيضًا مصنعي غزل 6، و”التفصيل”.

وقد تم تنفيذ المنطقة الصناعية بالمحلة الكبرى والتي تعد واحدة من أكبر المشروعات الاقتصادية في المحافظة، والتي تقع على مساحة ٣٤ فدانًا، تم تقسيمها إلى ثلاث مناطق: المنطقة الأولى هي مُجمع الصناعات النسيجية وتضم مصانع صغيرة بنظام حق الانتفاع وتم الانتهاء منها؛ أما المنطقة الثانية فتضم صناعات متطورة تشمل: صناعات غذائية، وكيمائية، وهندسية، وغزل ونسيج، وتبلغ مساحتها ٥٩٠٠٠ م تضم ٤٢ قطعة أرض متنوعة الأنشطة كاملة المرافق، وتم طرحها على الخريطة الاستثمارية، وجارٍ التعاقد مع المستثمرين لتسليمهم تلك الأراضي للقيام بالبناء كحق انتفاع لمدة ٥٠ عامًا؛ فيما تقع المنطقة الثالثة على مساحة ١٢ فدانًا تتمثل في ٣٧ قطعة أرض متنوعة الأنشطة، وجارٍ الإعداد لطرحها للترفيق عن طريق الهيئة العامة للتنمية الصناعية.

والمنطقة الصناعية تضم مجمعًا صناعيًا كبيرًا مجهزًا بأنظمة إطفاء حريق، ومبانٍ خرسانية، ويوجد مدخل تغذية للمياه ومخرج للصرف ومدخل للكهرباء (جهد منخفض). هذا إلى جانب توافر الخدمات بالمجمع. هذا إلى جانب أن مدينة المحلة الكبرى تعد من المراكز التجارية الكبرى في منطقة الوجه البحري.

والمجمع يضم 611 وحدة بمساحة 48 مترًا مربعًا لكل وحدة، بجانب أن المجمع متخصص في الصناعات الكيماوية والهندسية وصناعة المفروشات والملابس. ويبلغ إجمالي الوحدات التي تم تخصيصها ٢٨٤ وحدة، وهو ما يمثل 46% من إجمالي وحدات المجمع، بجانب أن المجمع يضم عمالة ماهرة في مجال التطريز والخياطة وجميع مراحل صناعة النسيج والفايبر. 

ويأتي تنفيذ المجمع في إطار استراتيجية متكاملة وضعتها وزارة التجارة والصناعة لتعزيز التنمية الصناعية بالدولة، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار الصناعي؛ من خلال إنشاء مُجمعات صناعية على مستوى الجمهورية مُجهزة بوحدات مصانع بمساحات مختلفة تناسب مختلف نشاطات الصناعات الصغيرة، وأيضًا تسهيل البدء في النشاط من خلال تسليم المصانع جاهزة بالمرافق وبالتراخيص.

وبالنسبة لخطة تطوير محالج القطن، سيتم إحلال 7 محالج مطورة تعمل بتكنولوجيا حديثة محل 15 محلجًا تعمل حاليًا، حيث تم تشغيل محلج الفيوم كأول المحالج المطورة في يوليو 2019، في حين بدأ التشغيل التجريبي لمحلج الزقازيق المطور في نوفمبر 2021. ومن المقرر أن تصل الطاقة الإنتاجية للمحالج بعد التطوير إلى 4.4 ملايين قنطار/ العام بدلًا من 1,5 مليون قنطار/ العام للمحالج القديمة، بينما من المستهدف أن تصل الطاقة الإنتاجية للغزل بعد التطوير إلى 188 ألف طن/ العام بدلًا من 35 ألف طن/ العام.

كذلك من المستهدف أن تصل الطاقة الإنتاجية للنسيج إلى 198 مليون متر/ العام بدلًا من 50 مليون متر/ العام، في حين من المستهدف أن تصل الطاقة الإنتاجية للملابس الجاهزة والمشغولات والوبريات بعد التطوير إلى 50 مليون قطعة/ العام بدلًا من 8 ملايين قطعة/ العام.

وفي السياق ذاته، جارٍ إنشاء قلاع صناعية جديدة للغزل والنسيج بكفر الدوار، فتم دمج 5 شركات في شركة كفر الدوار ضمن مشروع إعادة هيكلة شركات الغزل والنسيج. ومن المستهدف إقامة 6 مصانع للغزل والنسيج على مساحة 175 ألف م2، وبتكلفة إنشاءات تبلغ 2.4 مليار جنيه، وذلك بخلاف قيمة الماكينات والآلات. ومن المستهدف من عملية الإحلال والتجديد أن يتم إحلال 88 ألف مردنًا جديدًا بتكنولوجيا متطورة محل 170 ألف مردنًا متهالكًا، فيما تصل الطاقة الإنتاجية المستهدفة إلى 9027 طنًا سنويًا من الغزول بدلًا من 366 طنًا يتم إنتاجها حاليًا. كذلك من المقرر إنتاج 50.7 مليون متر سنويًا من النسيج بدلًا من 13 مليون متر يتم إنتاجها حاليًا، فضلًا عن إنتاج 50,7 مليون متر كطاقة إنتاجية إضافية من الصباغة والتجهيز بتكنولوجيا مطورة.

كذلك من المقرر إنشاء وتطوير المجموعة الصناعية بشركة دمياط للغزل والنسيج، بإنشاء 4 مصانع جديدة للغزل والنسيج والتحضيرات والصباغة، من خلال شركة أوراسكوم للإنشاءات، بمساحة إجمالية نحو 103 آلاف متر، ويتمثل منتجها النهائي في أقمشة “الجينز”، بقيمة 1.5 مليار جنيه. وتم الانتهاء من الدراسات الخاصة بمشروع تطوير شركات حلوان للغزل والنسيج، والدقهلية للغزل والملابس، والدلتا الجديدة (شبين الكوم – طنطا)، ووجه قبلي، وجارٍ الآن الطرح والترسية على شركات المقاولات.

ويعد توفير العمالة الماهرة القادرة على تصنيع منتجات ذات جودة عالية واحدًا من أهم أوجه القصور التي عانى منها القطاع لسنوات؛ لذا تم تطوير مركز التدريب والذي يضم نماذج من الماكينات الحديثة الجاري توريدها من كبرى الشركات العالمية، ليتم تأهيل وتدريب العاملين على استخدام تلك الماكينات الجديدة والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة في قطاع الغزل والنسيج.

ولضمان عملية تسويق المنتجات، فقد تم تأسيس شركة “نت” (في إشارة إلى إله النسيج في مصر القديمة) لتكون شركة تسويق؛ فالمصانع وشركات الغزل والنسيج المملوكة للدولة ستتلخص مهمتها على الإنتاج. أمّا التسويق سيكون له علامة تجارية تحت اسم (نت) تتولي عملية التسويق الخارجي.

منافسة شرسة

استعادة الريادة المصرية بالصناعات النسجية ليس بالأمر اليسير، ليس فقط على مستوى التطور التقني الذي وصلت له الصناعة والذي يتم العمل على تخطيه من خلال تطوير وإنشاء وإعادة هيكلة المصانع المتاحة وما تتكبده الدولة من تكلفة باهظة تصل إلى 30 مليار جنيه؛ لكن الصعوبة تكمن في وجود منافسة شرسة تحيط بالمنتج المصري من الغزل والنسيج. 

D:\هبة\مرصد\نوعي\الغزل والنسيج\Untitled.png

فبداية من زراعة القطن الأمر ليس باليسير؛ فمصر تتفرد بإنتاج الأقطان طويلة التيلة وينافسها في هذا السوق بضعة دول أخرى –يعد سعره ضعف سعر القطن قصير التيلة- أهمها الولايات المتحدة التي يمثل قطنها أقرب المنافسين للقطن المصري. في حين تزرع أكثر من 70 دولة القطن قصير التيلة. وعلى الرغم من ريادة وتفرد مصر في زراعة القطن طويل التيلة وفائق الطول فإن استخداماته محدودة؛ فغالبًا ما يستخدم بالمنسوجات باهظة الثمن، والتي لا تتناسب أسعارها مع غالبية المواطنين بكافة دول العالم، ويتم استخدام الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة بدلا منه. 

إلا أن بارقة الأمل في إمكانية قدرة الدولة على المنافسة وتعزيز صادراتها من القطن المصري أنه مع تحرير سعر الصرف أصبح القطن المصري ذا سعر تنافسي بالمقارنة بإنتاج الدول الأخرى. هذا إلى جانب تزايد إنتاجية القطن المصري خاصة مع تقييد الحكومة لزراعة الأرز خلال السنوات الأخيرة. ومع ارتفاع أسعار القطن المصري بزيادات مشجعة للفلاحين على العودة لزراعة القطن مرة أخرى؛ فتراوحت أسعاره بين 5400 جنيه و7500 جنيه للقنطار وفقًا لنوعية وجودة القطن، في ديسمبر 2022، في حين كان متوسط السعر 3800 جنيه عام 2021، و2500 جنيه عام 2020.

ومن المستهدف أن تزيد المساحة المنزرعة إلى نحو نصف مليون فدان. وتولي وزارة الزراعة اهتمامًا خاصًا بزيادة إنتاجية القطن المصري، فقد ارتفعت إنتاجية الفدان ما بين 10 قناطير إلى 12 قنطارًا مقارنة بمتوسط 8 قناطير بالمواسم الماضية. 

هذا إلى جانب التوسع في زراعة القطن قصير التيلة في مناطق معزولة بشرق العوينات والضبعة بالتنسيق مع وزارة قطاع الأعمال العام. ومن المستهدف أن يتم زراعة حوالي 5 آلاف فدان من الأقطان قصيرة التيلة بعد نجاح تجربة زراعته بمساحة 218 فدانًا. مع ضرورة تحديث أساليب الزراعة والفرز والحلج لتغطية احتياجات المصانع، وأن تتمتع بتنافسية سعرية بالمقارنة بالأقطان الهندية والباكستانية، والتي تتمتع بارتفاع إنتاجية الفدان لديها.

وعلى الرغم من ذلك، فخطوة زراعة القطن قصير التيلة جاءت في التوقيت المناسب لتوفير الاحتياجات المحلية للصناعة خاصة مع تزايد أسعار القطن عالميًا، حيث تستورد مصر أقطانًا بحوالي 921 مليون جنيه لسد احتياجات الصناعة المحلية. مما يجعل سعر القطن قصير التيلة محليًا سيكون منافسًا لسعره المستورد بالنسبة للمصانع المحلية، خاصة مع ارتفاع أسعار شحن تلك الأقطان من الخارج، هذا بخلاف اضطراب سلاسل التوريد، مما يحد من تنافسية المنتج المصري بالأسواق العالمية.

أخيرًا، استعادة المكانة المصرية بصناعة الغزل والنسيج تتطلب تضافر الجهود المستدامة، ومضاعفة المساحات المزروعة بالقطن في مصر، مع تنويع المنتج بين القطن طويل وقصير التيلة، مع التوسع في زراعة الكتان، بما يخدم كافة احتياجات السوق؛ لزيادة نسبة المكون المحلي من الألياف الطبيعية والصناعية والبوليستر في المنتج النهائي، وتقليل الواردات وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة، مع تقديم مزيد من الدعم والمساندة للمصدرين. وهو ما يتطلب أيضًا مزيدًا من الرقابة؛ لوقف عمليات تهريب المنتجات المستوردة، وحماية المنتج المحلي. مع العمل على فتح أسواق جديدة خاصة بالدول ذات مستوى الدخل المرتفع، واستغلال الاتفاقيات التجارية المصرية لتصدير المنسوجات المصرية، مع تحفيز المستثمرين المعتمدين على مواد خام مصرية، ويساهمون في زيادة الحصيلة التصديرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى