
البدائل المشعة… الميدان الأوكراني والمسير على “الحافة النووية”
مجددًا، يعود العامل “النووي” إلى الواجهة مرى أخرى في التفاعلات المستمرة المصاحبة للمعارك الدائرة حاليًا في الجبهات الأوكرانية المختلفة، خاصة الجبهة الشرقية التي تحتدم فيها معركة السيطرة على مدينة “باخموت” ومحيطها. حقيقة الأمر أن التلويح باستخدام الأسلحة النووية أصبح سمة شبه أساسية من سمات الأزمة الأوكرانية، في وقت ظن فيه أكثر المتابعين لهذه الأزمة أن التهديد باستخدام الأسلحة النووية “التكتيكية” هو أقصى ما يمكن بلوغه في هذا الصدد، لكن جاءت تطورات الأيام الأخيرة لتثبت أن ورقة “النووي” مازال متوفرًا لها هامش كبير لحرية الحركة في هذه الأزمة.
فقد أعلنت بريطانيا الشهر الجاري، على لسان وزيرة الدولة للدفاع أنابيل جولدي، أنها ستزود أوكرانيا بذخائر يورانيوم منضب خاصة بالدبابات، كجزء من حزمة مساعدات عسكرية بريطانية سيتم تقديمها إلى كييف، بالتزامن مع عمليات التدريب الجارية حاليًا للأطقم الأوكرانية على أربع عشرة دبابة بريطانية من نوع “تشالنجر-2″، وهي الدبابات التي قد تدخل الدفعة الأولى منها الخدمة في الجيش الأوكرانية أواخر مارس الجاري. التدقيق في خلفيات الخطوة البريطانية -وإن جاءت مفاجئة لبعض الأطراف الدولية- ربما يشير بوضوح إلى أنها جزء من مسار أكبر تسير عليه غالبية الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا عسكريًا.
ارتباط الخطوة البريطانية بالخطة التدريجية لتسليح الجيش الأوكراني لم يكن الارتباط الوحيد الذي يمكن رصده في هذا الصدد، حيث يمكن وضع هذه الخطوة أيضًا في سياق نهج بريطاني تصعيدي لافت ضد موسكو، لم يقتصر فقط على الميدان الأوكراني؛ فقد دشن الجيش البريطاني في الثامن من الشهر الجاري قاعدة عسكرية جديدة له في القطب الشمالي، وتحديدًا في منطقة قرب قرية “أوفربيجد” النرويجية المجاورة لقاعدة “باردوفوس” الجوية النرويجية التي تتمركز بها طائرات وقوات بريطانية، وهي الخطوة التي أكدت من خلالها بريطانيا على ما جاء في وثيقة سياستها الجديدة في القطب الشمالي التي تم إعلانها في فبراير الماضي تحت اسم “نظرة على الشمال”، وتتضمن زيادة تدريجية في أعداد القوات البريطانية الموجودة في هذا النطاق الجغرافي.

هنا تجدر ملاحظة أن الخطوات التصعيدية البريطانية المرتبطة بالجانب النووي تترافق مع طلعات جوية للقاذفات الاستراتيجية الأمريكية بعيدة المدى “بي-52” -القادرة على حمل ذخائر نووية- في النطاق القريب من الأراضي الروسية، وهي طلعات لافتة في مساراتها التي تتسم بنمط غير معتاد، بداية من الإقلاع من الأراضي البولندية، والتحليق على طول الجناح الشرقي لبحر البلطيق، وصولًا إلى الاقتراب لمسافة تصل إلى 20 كيلو مترًا فقط عن إقليم “كالينجراد” الذي يضم القاعدة الأساسية لأسطول بحر البلطيق الروسي.
فيما يتعلق بالجانب الروسي، لم تشكل الخطوة البريطانية المتعلقة بقذائف اليورانيوم المنضب مفاجأة كبيرة لها، فقد حذرت موسكو في الخامس والعشرين من يناير الماضي من تداعيات القيام بهذه الخطوة على لسان رئيس الوفد الروسي إلى مفاوضات فيينا بشأن الأمن العسكري وتحديد الأسلحة، كونستانتين جافريلوف، الذي قال إن بلاده على علم بإمكانية إطلاق دبابات “تشالينجر-2” وعربات القتال المدرعة أمريكية الصنع “برادلي”، وناقلات الجند المدرعة الألمانية الصنع “ماردر” قذائف اليورانيوم المنضب، وأشار حينها إلى أنه في حالة ما إذا تم تزويد الجيش الأوكراني بمثل هذه الذخائر فإن موسكو ستعد هذا “استخدامًا للقنابل النووية القذرة” ضد روسيا، قد يجبرها على اتخاذ “إجراءات انتقامية قاسية”.
بالنظر لما سبق من تحذيرات، كانت ردة الفعل الروسي على الخطوة البريطانية متوقعة، خاصة أنها جاءت من المستويات القيادية العليا في موسكو، وتحديدًا الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرجي لافروف، حيث أدان كلاهما الخطوة البريطانية، وتحدث الرئيس الروسي عن عزم بلاده نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، مشيرًا إلى أنه بحلول منتصف العام الجاري ستكون موسكو قد أنهت بناء منشأة لتخزين الأسلحة النووية التكتيكية هناك، ناهيك عن تأكيده وصول عدد محدود من القواذف ذاتية الحركة الخاصة بمنظومات الصواريخ الباليستية التكتيكية “إسكندر” الى الخدمة في الجيش البيلاروسي.
وعلى الرغم من عدم وجود تاريخ محدد لبدء عملية نشر الأسلحة النووية التكتيكية الروسية هناك، فإن هذه الخطوة لها أهميتها بالنظر إلى موقع بيلاروسيا الجغرافي، وحقيقة أن هذه ستكون المرة الأولى التي تقوم بها موسكو بوضع أسلحة نووية خارج البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي، وتحديدًا منذ عام 1996 الذي شهد تسلم موسكو كافة الوسائط العسكرية النووية التي كانت موجودة على أراضي دول الاتحاد السوفيتي السابق.
عودة الاستخدام العسكري لليورانيوم المنضب من البوابة الأوكرانية

يرتبط مصطلح “اليورانيوم المنضب” أو “اليورانيوم المستنفد” في الذاكرة العالمية باستخدام ذخائر تحتوي على هذه المادة من جانب القوات الأمريكية والبريطانية خلال عملية تحرير الكويت عام 1991، وعملية غزو العراق عام 2003. وحقيقة الأمر أن مادة “اليورانيوم المنضب” هي أحد مخرجات عملية تخصيب اليورانيوم الطبيعي وفصل البلوتونيوم عنه؛ بهدف تجهيز الوقود النووي سواء في محطات الطاقة النووية أو لإدخاله ضمن منظومات الأسلحة النووية الاستراتيجية. يتسم اليورانيوم المنضب بعدة سمات فيزيائية، أهمها أن نسبة الإشعاع المنبعثة منه أقل بنسبة 40 بالمائة من اليورانيوم الطبيعي، وكذلك تكون نسبة نظائر اليورانيوم التي يحتويها -وهي اليورانيوم 234 واليورانيوم 238 واليورانيوم 235- أقل من مثيلاتها في اليورانيوم الطبيعي.
الخاصية الأهم فيما يتعلق باليورانيوم المنضب تتعلق بكثافته العالية التي تتفوق على المواد الأخرى ذات الكثافة العالية مثل الرصاص والتنجستن، وهي الخاصية التي يضاف إليها تحمله للضغط وتوفر كميات كبيرة منه بتكلفة زهيدة، وكذا عدم الحاجة إلى استخدامه في أية عمليات أخرى تتعلق بالطاقة النووية. هذه الخصائص مجتمعة خلقت لليورانيوم المنضب تطبيقات تجارية وصناعية واقتصادية عديدة، حيث يدخل في: صناعة السيارات، ومواد البناء، وصناعة السفن، والطائرات، وحاويات الشحن الخاصة، بجانب بعض التطبيقات الطبية.
إمكانية استغلال الكثافة الكبيرة لليورانيوم المنضب تنبهت لها أولًا الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شرعت منذ سبعينيات القرن الماضي في استخدام هذه المادة على المستوى العسكري في اتجاهين رئيسين: الأول استغلت فيه قدرة التحمل الهائلة لهذه المادة وكثافتها التي تزيد على ثلاثة أضعاف كثافة الفولاذ من أجل استخدامها كدروع إضافية لدبابات “أبرامز” وناقلات الجند المدرعة من نوع “برادلي” والطائرات القاذفة من نوعي “إيه-10” و”هارير”؛ أما الاتجاه الثاني فكان عبر استخدام هذه المادة كحشوة داخلية لقذائف الدبابات من عياري 105 و120 ملم، والذخائر الخفيفة، وذخائر الرشاشات المتوسطة -الخاصة بالطائرات المقاتلة والمروحيات القتالية والزوارق البحرية وعربات القتال المدرعة- من عيار 20 و25 و30 ملم، وكذلك لتذخير بعض القنابل الجوية الخارقة للتحصينات.

كان الميدان العراقي عام 1991 خلال عملية “تحرير الكويت” هو المسرح العسكري الأول لاستخدام ذخائر اليورانيوم المنضب من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه تم خلال هذه العملية استخدام ما بين 286 إلى 350 طنًا من اليورانيوم المنضب في ذخائر الدبابات من عياري 105 و120 ملم، وذخائر الطائرات والمروحيات من عياري 25 و30 ملم.
وهو ما تكرر مرة أخرى خلال عملية غزو العراق عام 2003، حيث تشير التقديرات إلى استخدام ما بين 130 إلى 170 طن من هذه المادة. لكن لم يقتصر الاستخدام العسكري لهذا النوع من الذخائر على الميدان العراقي، فقد استخدمتها قوات حلف شمالي الأطلسي خلال العمليات العسكرية في البوسنة والهرسك عامي 1994 و1995، وكذلك في الحملة الجوية التي صاحبت “حرب كوسوفو” عام 1999. وتشير بعض التقارير إلى استخدام هذا النوع من الذخائر في أفغانستان وسوريا وليبيا. بشكل عام، لم تتضح طبيعة استخدام هذا النوع من الأسلحة إلا عندما أمر الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، عام 1999، بإطلاق تحقيق دولي حول استخدام هذا النوع من الذخائر في كوسوفو.
وعلى الرغم من تعدد التطبيقات العسكرية لاستخدام اليورانيوم المنضب، فإن الاستخدام الأهم والأوسع انتشارًا له على المستوى العسكري يرتبط بشكل أساسي بذخائر الدبابات، حيث توفر الكثافة العالية لليورانيوم المنضب إمكانيات اكبر لاختراق قذائف الدبابات دروع الدبابات المعادية بأعماق تتراوح بين 800 و830 ملم داخل الدروع المتجانسة للدبابات، بجانب أن الطبيعة الفيزيائية لهذا العنصر تجعله قابلًا للاشتعال بشكل كامل بمجرد تحقيق الاختراق، ما يتسبب في تدمير الدبابات المعادية بشكل كامل.
من هذه الزاوية، يمكن قراءة أهمية الخطوة البريطانية بتزويد الجيش الأوكراني بهذه الذخائر؛ فمن جهة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على كافة أنواع المدرعات والدبابات المتوفرة لدى روسيا، ومن ناحية اخرى ستكون هذه الخطوة محفزًا إضافيًا لدول أخرى تمتلك هذا النوع من الذخائر -مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا- لتزويد أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضب الأمريكية “M829A4”.
سياق الخطوة البريطانية ربما يرتبط بشكل أكبر بخطة التسليح التدريجي للجيش الأوكراني، والتي تتركز مرحلتها الحالية على القوة المدرعة، خاصة الدبابات وناقلات الجند المدرعة، خاصة بعد تسلم الجيش الأوكراني الدفعة الأولى من دبابات “تشالينجر” البريطانية، وإعلان ألمانيا أنها قامت بتسليم ثماني عشرة دبابة من نوع “ليوبارد” للجيش الأوكراني، وهي وسائط مدرعة، تضاف إلى عربات القتال المدرعة من نوعي “برادلي” و”ماردر”، وجميعها تمتلك القدرة على إطلاق الذخائر المزودة باليورانيوم المنضب.
بطبيعة الحال ستظل مسألة مدى كفاية أعداد الدبابات المقدمة إلى أوكرانيا مطروحة، وستضاف إليها المخاوف المتعلقة بمدى تأثير استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب على القوة البشرية والبيئة، خاصة في ظل تضارب الآراء حول مخاطر استخدام هذه الذخائر. التجربة العملية أثبتت أن خطورة هذا النوع من الذخائر تظهر نتيجة للتعرض للأبخرة والغازات الناتجة عن احتراق اليورانيوم المنضب بعد اصطدامه بالأهداف المعادية، وهي أبخرة قد يكون لها تأثير سلبي أيضًا على المياه الجوفية في مناطق النزاع. حسب معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح، فإنه لا يمكن اعتبار ذخيرة اليورانيوم المنضب أسلحة نووية في حد ذاتها. في المقابل، فإن تقريرًا صدر سنة 2022 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أكد أن استعمال اليورانيوم المنضب يشكل تهديدًا للبيئة في أوكرانيا.
رد “نووي” روسي على الخطوة البريطانية

ربما جاءت الخطوة البريطانية بمثابة تأكيد إضافي على أهمية التكتيك الروسي المتبع خلال الفترة الأخيرة فيما يتعلق بالقوة المدرعة التي تستخدمها الوحدات الروسية في أوكرانيا، فقد لوحظت خلال الأسابيع الأخيرة عمليات نقل مستمرة لمجموعة من الدبابات والعربات المدرعة القديمة التي كانت مخزنة في المستودعات الروسية، خاصة دبابات “تي-54” و”تي-55″، و”تي-62″، بجانب العربات المجنزرة من نوع “بي تي أر-50” و”بي تي أر-60″، وكذلك عدة أنواع من المعدات القديمة التي يعود بعضها لحقبة الحرب العالمية الثانية وخمسينيات وستينيات القرن الماضي، مثل المدفعية الصاروخية “كاتيوشا” والمدفع “دي-1” عيار 152 ملم، والمدفع “دي-30” عيار 122 ملم، والمدفع “دي-20” عيار 152 ملم.
يضاف إلى ذلك تحويل عدد من المجنزرات المخصصة لسحب قطع المدفعية إلى ناقلات جند مسلحة، عبر تثبيت مدافع رشاشة كانت مخصصة سابقًا لتسليح القطع البحرية القديمة عليها. ربما من الجائز فهم هذا التكتيك من زاوية أنه توفير للمعدات والآليات المدرعة الأحدث، لكن يمكن النظر أيضًا لهذه الخطوة من زاوية الحفاظ على القوام المدرع الأحدث لدى روسيا والدفع بأنواع قديمة تستنزف الذخائر التي ستتزود بها القوات الأوكرانية.
جدير بالذكر هنا أن الجيش الروسي يمتلك ايضًا قذائف دبابات مزودة باليورانيوم المنضب، وهي القذيفة “Svinets-2″، علمًا أنه أطلق خلال السنوات الأخيرة برنامجًا لتحديث دباباته من نوع “تي-80″؛ لتمتلك القدرة على إطلاق هذا النوع من الذخائر. من هذا المنطلق يمكن القول إن موسكو قد تستخدم ذخائر اليورانيوم المنضب أيضًا في أوكرانيا، ولكن يبقى هذا رهنًا بإدخالها إلى الميدان الطرازات الأحدث من دبابات “تي-80″ و”تي-90”.
بالعودة إلى ردود الفعل الروسية على الخطوة البريطانية، كانت النقطة الأبرز فيها حديث الرئيس الروسي عن تمركز أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وعن تجهيز عشر طائرات. وحقيقة الأمر أن تحركات روسيا في الجارة الشمالية لأوكرانيا خلال الأشهر الماضية كانت توحي بنية موسكو فرض أمر واقع يتعلق بالتسليح النووي في هذه المنطقة، حيث طلبت مينسك من موسكو في فبراير 2022 نشر أسلحة نووية روسية على أراضيها في حالة نشر دول أوروبية لأسلحة نووية، وهو الطلب الذي تكرر مرة أخرى في يوليو من نفس العام.

في شهر يونيو 2022، تحدثت موسكو بشكل مقتضب عن تحديث بعض طائرات سلاح الجو البيلاروسي بشكل يمكّنها من حمل أسلحة نووية، بجانب الحديث عن تسليم صواريخ باليستية تستطيع حمل رؤوس نووية إلى مينسك، وهو الحديث الذي أكد الرئيس الروسي منذ أيام على حدوثه. وقد سبق ونشرت وزارة الدفاع البيلاروسية في فبراير الماضي صورًا تظهر دخول منظومات “إسكندر-إم” الباليستية التكتيكية الخدمة في قواتها المسلحة، وكذلك إعلان مينسك في أغسطس من نفس العام عن تحديث بعض قاذفاتها من نوع “سوخوي-25” بتحديثات تقنية تسمح لها بحمل أسلحة نووية. النقطة الأبرز في ردود الفعل الروسية على الخطوة البريطانية كانت حديث الرئيس الروسي عن نقل عشر طائرات قادرة على حمل أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا.

حديث الرئيس الروسي عن الطائرات العشر أثار تساؤلات عديدة حول أنواعها وماهية الأسلحة التكتيكية التي تحملها، ولكن بالعودة إلى التحركات الجوية الروسية في بيلاروسيا منذ بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا يمكن تحديد الطائرات المقصودة بهذا التصريح؛ فقد ظهرت في قاعدة “Machulishchi” الجوية البيلاروسية منذ مارس 2020 مقاتلة اعتراضية واحدة على الأقل من نوع “ميج-31″، تم تعزيزها بمقاتلتين إضافيتين من نفس النوع في أكتوبر من نفس العام، وتواردت أنباء عن تعزيزات مماثلة في شهر ديسمبر من نفس العام.
تشير التقديرات المتوفرة إلى أن النسخ التي تتمركز حاليًا في بيلاروسيا من هذه المقاتلة هي النسخة “K” القادرة على حمل صواريخ “كينزال” الفرط صوتية التي دخلت الخدمة أواخر عام 2017، وتم استخدامها قتاليًا في أوكرانيا في أربع مناسبات على الأقل منذ مارس الماضي. يبلغ مدى هذا النوع من الصواريخ 2000 كيلو متر، وتصل سرعته القصوى إلى 10 ماخ. وتمتلك هذه الصواريخ القدرة على حمل رؤوس نووية تتراوح زنتها بين 100 و500 كيلو طن.
يضاف إلى هذه المقاتلات وصول قاذفتين من نوع “سوخوي-24” إلى نفس المطار في التاسع عشر من يناير الماضي، وهو نوع من القاذفات قادر على حمل قنابل نووية تكتيكية. وسبق وحلقت طائرتان من هذا النوع في مارس العام الماضي قرب جزيرة “جوتلاند” السويدية، وهما تحملان قنابل نووية تكتيكية.
بالنظر إلى ما تقدم يمكن القول إن كلًا من لندن وموسكو تمتلكان القدرة اللوجستية على تنفيذ الخطوات “النووية” التي أعلنتا عزمهما القيام بها، سواء ما يتعلق بـ ذخائر اليورانيوم المنضب، أو تمركز قدرات نووية تكتيكية في بيلاروسيا. القاسم المشترك في هذه الخطوات أنها ليست وليدة اللحظة، بل تأتي في سياق خطط متوسطة المدى. على المستوى الميداني سيكون للخطوة البريطانية تأثير مهم، في حين سيكون للخطوة الروسية تأثير تكتيكي واستراتيجي لافت؛ بالنظر إلى تحول بيلاروسيا وإقليم كالينجراد إلى “جبهة نووية روسية” تحتوي على وسائط نووية تكتيكية، وهو ما قد يتبعه رد فعل موازٍ من جانب حلف الناتو.
الأكيد أن حجم التطور في السلاح النووي بات يقاس بمدى صغر حجمه وسهولة استخدامه، وليس كما كان الحال عليه خلال سنوات خلت. وربما يمكن القول أيضًا إن أهمية السلاح النووي باتت مكرسة -رغم تراجع احتمالات استخدامه- نتيجة لاستمرار الحرب في أوكرانيا، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال مناورات “الظهيرة الثابتة” النووية لحلف الناتو ومناورات “الرعد” النووية الروسية التي تم تنفيذها بشكل متزامن العام الماضي.
باحث أول بالمرصد المصري



