إسرائيل

ماذا لو خسر نتنياهو الانتخابات القادمة ؟

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” مأزقا سياسيا حادا يحول دون تعاظم فرص نجاحه في الانتخابات القادمة المزمع عقدها في 17 سبتمبر، يرجع الأمر إلى عدة عوامل؛ أهمها هي رغبة قادة الحزب الحاكم “حزب الليكود” في إزاحة نتانياهو عن الحكم والبحث عن بديل، تبين الأمر جليا في التسجيل الذي تم تسريبه من داخل الغرف المغلقة للحزب حيث يوبخ نتنياهو وزير الاتصالات والإعلام أيوب قرا ويملي عليه مقترحات لفرضها على أجندة الإعلام الإسرائيلي.

السطور القادمة ليست بصدد البحث عن فرص فوز نتانياهو من عدمها بالانتخابات القادمة، وإنما بصدد البحث عن السياسات الداخلية والخارجية المستقبلية لإسرائيل في حالة الفرضية الرئيسية وهي خسارة نتانياهو في الانتخابات وفوز البديل. وفي حالة تعريف ماهية البديل، فقد يكون عبارة عن حكومة وحدة وطنية بين حزب الليكود بزعاماته الجديدة (بعد إزاحة نتانياهو) وحزب أزرق أبيض ومجموعة أخرى من الأحزاب المحسوبة على تيار اليمين والوسط، وفي حالة فشل إزاحة نتانياهو فقد يكون البديل هي حكومة بائتلاف يجمع حزب أزرق أبيض ومجموعة أحزاب من تيار الوسط والتيار اليميني.

على كل حال، يجمع هذه الأحزاب مجموعة من التقاطعات الاستراتيجية في الرؤى على كافة المستويات، وبالتالي يمكن الاجتهاد في تصور مآل بعض من الملفات الداخلية والخارجية على أجندة عمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، يمكن عرضها فيما يلي:

أولا: مستقبل الفلسطينيين

لا تختلف أحزاب تياري الوسط واليمين في إسرائيل على عدم أحقية الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة في مناطق الضفة الغربية؛ أولا: للحؤول دون تكرار تجربة فك الارتباط (الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب) عن قطاع غزة في 2005، إذ خلّفت التجربة صعود حركة حماس والاستحواذ على السلطة. ثانيا: أنه من المحظور ربط أراضي الضفة الغربية بقطاع غزة عبر ممرات أو أنفاق أرضية، إذ تظل مشاريع ربط اقتصاد غزة بالاقتصاديات الإقليمية عبر مؤسسات دولية مثل البنك الدولي. وترتبط هذه المبادئ في التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم المهدد الأول بالنسبة لإسرائيل، الإدراك الذي يدفعهم للحفاظ على بقاء السلطة الفلسطينية وتوسيع التعاون الأمني؛ لوأد الهجمات المحتملة، والعمل على إسقاط حركة حماس والبحث عن بديل لحكم غزة.

ذلك كله، لا يمنع الحكومة الجديدة من الاقتراب من سيناريو تحقق إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة منقوصة على ما يقرب من 65% من أراضي الضفة الغربية (مع الاحتفاظ بمنطقة غور الأردن التي تمثل 30% من مساحة الضفة)، ولكن دون ارتباط مباشر بالقدس أولا، وغزة ثانيا، إذ يمكن أن يرتبط القطاع بالدولة الحديثة كونفدراليا فقط.

ثانيا: صفقة القرن

تتفق الحكومة الإسرائيلية الجديدة مع كثير مما جاء في صفقة القرن (الطرح الأمريكي لحل القضية الفلسطينية)، أولا: هو تبني الحلول الاقتصادية والتنموية كمقترب في حل القضية وهي فكرة السلام الاقتصادي، إذ تعتقد الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن الفلسطينيين يتطلعون إلى رفع كفاءة المعيشة على حساب آفاقهم السياسية. كذلك تخدم صفقة القرن حاجة إسرائيل إلى رفع كفاءة مهنية العامل الإسرائيلي والفلسطيني بهدف إدماجهم جميعا ضمن منظومة عمل واحدة وبالأخص في مجال الهايتك (أي صناعة التكنولوجيا الفائقة).

ثانيا: منع الارتباط المباشر بين الفلسطينيين والقدس (بما فيها القدس الشرقية)، وتطبيق سياسات التهجير بين فلسطينيي القدس الشرقية وتعويضهم عبر سياسة تبادل الأراضي. وكذلك قضية اللاجئين، إذ ستعمل الحكومة الجديدة على توطين اللاجئين في دولهم.

ثالثا: عند الوقوف على سياسة تبادل الأراضي، ينقلنا الأمر إلى ملف المستوطنات إذ سيظل الملف شوكة عالقة في سير عمل الحكومة الجديدة وعقبة أمام استقرار الائتلاف بين تيار الوسط وتيار اليمين، إذ تنتهج الأحزاب المحسوبة على تيار الوسط توسيع مساحات التكتلات الاستيطانية الرئيسية وهي معاليه أدوميم E-1، وآرئيل، وجوش عتسيون، وترحيل مستوطني باقي الضفة إلى تلك المستوطنات. ولكن ستصر الأحزاب اليمينية في الائتلاف على بقاء المستوطنين في وحداتهم الاستيطانية دون نقل أو تهجير مع إعلان السيادة الإسرائيلية عليها.

ثالثا: ترسيخ العلاقات الخارجية

تحرص الحكومة الجديدة على استمرار سياسات الحكومة السابقة المتعجلة في التطبيع مع دول الجوار السنية المعتدلة، وبالتحديد الأردن ومن دول الخليج مثل السعودية؛ بهدف رفع كفاءة الاقتصاد الإسرائيلي وتشبيك المصالح الاقتصادية مع تلك الدول، كذلك إشراك الدول العربية في إدارة مناحي الفلسطينيين السياسية، والثقافية، والاقتصادية. 

والمقصود هنا بترسيخ العلاقات الخارجية، أولا: التحرك الإسرائيلي للتطبيع مع الدول العربية عبر أجهزة ومؤسسات اقتصادية، وسياسية، وإعلامية، ويعود ذلك إلى أنه في عهد نتانياهو كان الموساد هو الجهاز أو المؤسسة الرئيسية في إسرائيل التي تشرف على عملية التقارب الإسرائيلي-العربي.

ثانيا: ربط إسرائيل والدول العربية عبر اتفاقات شراكة تكنولوجية، ومشاريع بنية تحتية (مثل سكك حديد السلام الإسرائيلية التي تربط حيفا بالدول الخليجية).

رابعا: إيران

تظل قضية التماسك المجتمعي اليهودي الشغل الشاغل للأحزاب المحسوبة على تيار الوسط، ورغم أنها قضية غير ملحة لدى أحزاب اليمين، إلا أنه يجمعهما إدراك يدفع بالحكومة الجديدة العمل على استغلال التصعيد مع إيران؛ بهدف السعي: أولا: تعزيز التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. ثانيا: إقامة تحالف إقليمي مع الدول العربية لوقف المد الشيعي-الإيراني، تضم وظائفه: التباحث حول مستقبل الأزمة السورية، التواجد الإيراني في العراق، والاتفاق النووي مع إيران، وذلك في مقابل انسحاب إسرائيلي جزئي من أراضي الضفة.

خامسا: العلاقات مع الولايات المتحدة

تسعى الحكومة الجديدة لترميم العلاقات الثنائية بين حكومة تل أبيب والجالية اليهودية في الولايات المتحدة، التي شابها الكثير من التصدعات إبان فترة نتانياهو، كذلك إحياء العلاقات الطبيعية مع الحزب الديموقراطي الأمريكي الذي ابتعد كثيرا أثناء فترة رئاسة ترامب للبيت الأبيض.

ختاما، يمكن القول إن هناك مجموعة من التقاطعات الاستراتيجية بين أحزاب إسرائيل، أهمها هي مستقبل الفلسطينيين بما لا يتعارض مع المصالح الأمنية والسياسية الإسرائيلية. ولكن لا يمنع ذلك وجود عقبات سياسية تحول دون اندماج كامل داخل ائتلاف من الأحزاب يضفي صبغة استقرار بعض الشيء. ولا تنعزل مآلات هذه الملفات عما يستقر داخل البيت الأبيض من سياسات يحذوها البيت الأبيض تحت إدارة ديموقراطية، أو جمهورية.

كاتب

شادي محسن

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى