آسيا

حلم العودة: كيف نفسر الأزمة السياسية الحالية في باكستان؟

منذ أبريل 2022 وحتى الآن، تصاعدت في باكستان حدة الاضطرابات السياسية مقارنة بالأعوام السابقة. فقد شهد ذلك الشهر المذكور تصويتًا بالموافقة داخل البرلمان الباكستاني على حجب الثقة من رئيس الوزراء السابق، عمران خان، بواقع 174 صوتًا من إجمالي 342 هم أعضاء البرلمان، وذلك بعد معارك برلمانية وأخرى في الشارع بين المعارضين والمؤيدين لخان من أجل عزله في النهاية.

تبعت ذلك أيضًا موجات لا تزال مستمرة من الاحتجاجات من جانب أنصار خان شملت العديد من المدن الباكستانية؛ حيث أبدوا اعتراضهم على عزل رئيس “حركة الإنصاف الباكستانية”، عمران خان، ويرون أن عملية عزله والتصويت ضده قد دبرها معارضوه التابعون لائتلاف “الحركة الباكستانية الديمقراطية-PDM” الذي تشكل في سبتمبر 2020 من مجموعة أحزاب معارضة لحكومة عمران خان آنذاك، وساهم العام الماضي في اختيار شهباز شريف رئيسًا للوزراء.

وحتى الآن، يبدو الوضع السياسي في باكستان غير مستقر؛ مع الدعوات المتكررة من جانب خان للحشد في الشارع، ورغبته في الترشح بالانتخابات العامة المقبلة المتوقع إجراؤها في أكتوبر 2023، والمواجهة الموازية التي يلقاها من حزب “الرابطة الإسلامية” بزعامة رئيس الوزراء الحالي شريف شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، ودعا عمران خان ذات مرة في ثمانينيات القرن الماضي إلى الانضمام إلى هذه الرابطة، ومجموعة أحزاب أخرى متضامنة مع الرابطة بعضها يساري أو علماني، وهو ما سيضع باكستان حقًا خلال الأيام المقبلة في أوج توترات سياسية شديدة.

وفيما يلي، نتطرق لأبرز العوامل التي تقود منذ أشهر وحتى الآن إلى تأزم الموقف السياسي في باكستان ومستقبل هذه التحولات:

  1. حلم عودة خان إلى إسلام آباد يفاقم التوترات السياسية:

على الرغم من عزله عبر عملية حجب للثقة، إلا أن لاعب الكريكيت الباكستاني السابق عمران خان، لا يزال يطمح في العودة مرة أخرى من مدينة لاهور التي يقيم بها إلى كرسي السلطة في إسلام آباد، وذلك على الرغم من رفع عدد كبير من القضايا ضده وصلت إلى 100 قضية – حسب قوله- في المحاكم الباكستانية خلال الفترة الماضية. 

وعلى سبيل المثال، قضت لجنة الانتخابات في باكستان في أكتوبر 2022 بمنع خان من الترشح لأي منصب سياسي لمدة 5 سنوات، متهمة إياه بأنه أخفى معلومات وضلل مسؤولين بشأن هدايا تلقاها أثناء وجوده في السلطة، وهي القضية ذاتها التي لا تزال سبب رئيس في اتهام خان بالفساد، والسعي لاعتقاله عدة مرات من جانب الشرطة خلال الأسابيع الماضية.

دعوات مستمرة للاحتجاج 

وفي سبيل ذلك، يدعو عمران خان باستمرار أنصاره إلى النزول إلى الشوارع، والاحتجاج ضد إجراءات الحكومة بسبب منعه من الترشح مرة أخرى ورغبة الشرطة في اعتقاله. وخلال الأيام الماضية، تسببت هذه الدعوات في صدام بين أنصار خان والشرطة ما قاد إلى وقوع ضحايا بعدما تطورت المواجهات إلى عمليات عنف. 

وكانت أحدث هذه التطورات قد وقعت في 18 مارس الجاري، حينما دخلت الشرطة الباكستانية منزل عمران خان في مدينة لاهور شرقي البلاد للقبض عليه، كي يمثل أمام المحكمة بشأن اتهامه في قضايا فساد وإرهاب مع بعض أنصاره بعد العنف الذي وقع خلال تظاهراتهم. 

وفي ذلك اليوم، لم تجد الشرطة عمران خان في منزله، بل غادره بالأساس متوجهًا إلى العاصمة إسلام آباد من أجل المثول بنفسه أمام المحكمة. وقد تكررت الاضطرابات والمواجهات مرة أخرى بين أنصار خان والشرطة الباكستانية أمام ساحة القضاء في العاصمة، حتى أنه لم يتمكن من الخروج من سيارته ووقع على أمر المثول من خارج المحكمة. وأعقب ذلك بساعات إسقاط قاضٍ باكستاني مذكرة التوقيف الصادرة بحق خان بعد امتثاله لأمر المحكمة. 

انقسامات سياسية حادة بين الأحزاب السياسية في باكستان

وفي هذه الأثناء، نجد الخلاف محتدمًا بين خان وأنصاره من ناحية، والأحزاب السياسية المنضوية تحت لواء “الحركة الباكستانية الديمقراطية” من ناحية موازية والتي تشمل بدورها أحزاب مثل:

  • حزب رئيس الوزراء الحالي شهبار شريف “الرابطة الإسلامية الباكستانية (ن)” التي تصنف على أنها يمين وسط، ويرمز حرف النون بها إلى جناح نواز شريف، شقيق رئيس الوزراء الحالي، الذي أسس هذا الحزب في أكتوبر 1993 بعد أن انشقت آنذاك عن “الرابطة الإسلامية الباكستانية” الأم التي كانت قد برزت إلى الوجود في فبراير 1949، أي بعد حوالي عام ونصف من تأسيس دولة باكستان ذاتها، وحُلت في أغسطس 1988 وتعرضت أيضًا لانشقاقات سياسية عدة.
  • حزب “الشعب” الباكستاني ذو التوجهات اليسارية العلمانية، والذي نشأ في نوفمبر 1967 على يد الرئيس ورئيس الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو، وتولت ابنته لاحقًا، بينظير بوتو، رئاسة هذا الحزب عام 1993 ورئاسة وزراء البلاد لفترتين (1988-1990) ثم (1993-1996). وتجدر الإشارة إلى أن “الرابطة الإسلامية” وحزب “الشعب” الباكستانيين قد ظلا يتداولان السلطة في باكستان على مدار عشرات الأعوام.
  • حزب “عوامي بلوشستان” يميني وسطي، ويشير من اسمه إلى انتماء أغلب أعضائه إلى إقليم بلوشستان الواقع غربي باكستان على الحدود مع إيران وأفغانستان. تأسس هذا الحزب في عام 2018، وهو نفس العام الذي تولى فيه عمران خان السلطة في إسلام آباد، وذلك من المنشقين عن أحزاب “الرابطة الإسلامية الباكستانية (ن)” و”الرابطة الإسلامية الباكستانية (ق)”. وكان هذا الحزب في البداية مؤيدًا لعمران خان، إلا أنه تحول ضده لاحقًا برفقة مجموعة أخرى من الأحزاب والجماعات.

كذلك تناهض عودة عمران خان إلى السلطة مجموعات أخرى من بينها “الحركة القومية المتحدة” و”الحزب الوطني الجمهوري”، وكانا في السابق أيضًا من داعمي خان.

تذهب بنا هذه الحقائق إلى أن المواجهة السياسية وأعمال العنف، إن انحصرت في هذا الشكل فقط، سوف تكون محتدمة على أشدها خلال الأيام القادمة بين مختلف هذه الأحزاب وأنصار ومؤيدي عمران خان والذين لا يمكن تجاهل عددهم، حيث كان قد ارتفع هو الآخر بدوره منذ محاولة اغتياله في 3 نوفمبر 2022 حين قيادته مسيرة احتجاجية كان مقررًا لها أن تنطلق من إقليم البنجاب شرقًا، حيث مقر إقامته في مدينة لاهور، وحتى العاصمة إسلام آباد، أي حوالي 269 كيلومتر هي المسافة بين المدينتين الباكستانيتين.

  1. عرقية عمران خان البشتونية إحدى عوامل النزاع الخفية: 

تتشكل دولة باكستان من عدة قوميات وأعراق أبرزها البنجاب، ونسبتهم حوالي 39%، ثم البشتون ويشكلون ما يقارب 18.2% والسند 14.6% حسب إحصاءات عام 2017. 

وينتمي رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان بالأساس إلى قومية البشتون من ناحية الأب والأم، وذلك على الرغم من إقامته وعائلته في إقليم البنجاب الواقع شرق البلاد، بينما تتمركز قبائل البشتون في الغرب إلى جوار أقرانهم من البشتون الأفغان. ولمّا كان البنجابيون هم الأكثرية العرقية في باكستان، فإنهم لا يميلون إذًا لرئيس وزراء ينتمي لقومية أخرى كالبشتون، وهو ما يضيف بشكل غير مباشر إلى الصراع السياسي القائم.

  1. خلاف عمران خان مع الدولة العميقة في باكستان:

على الرغم من أنه قد تولى منصبه في أغسطس 2018 بدعمهم، إلا أن رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عمران خان، سرعان ما اختلف مع مؤسسات الجيش والاستخبارات الباكستانية القوية خلال فترة حكمه وبدا أن هذه هي الحقيقة القائمة والمستمرة. 

وتمتلك هذه المؤسسات القوة الضاربة في باكستان منذ تأسيسها في 1947 واستقلالها عن الهند. 

أما ما قاد إلى خلاف خان مع هذه المؤسسات لاحقًا، فقد تمثل بوجه عام في سياساته المحلية المتعلقة بإدارة الشؤون المجتمعية، واختلافه مع قادة الجيش في تعيين بعض الضباط الكبار في مناصب رفيعة، مثل رغبته في تعيين الضابط “حميد فيض” محل “نديم أحمد أنجم” في رئاسة جهاز الاستخبارات العسكري المعروف اختصارًا باسم (ISI)، علاوة على تخطيطه لعدم التجديد لقائد الجيش الباكستاني السابق، الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي انتهت مهمته لاحقًا في نوفمبر الماضي، أي بعد رحيل خان، وعين بدلًا منه الجنرال عاصم منير.

كذلك تتباين وجهات نظر عمران خان مع هؤلاء القادة بشأن طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم يكن خان يميل إلى توثيق العلاقات مع واشنطن التي تربطها بباكستان علاقات تعاون خاصة في مجال مكافحة الإرهاب. فضلًا أنه وعلى النقيض من توجهات قادة الجيش الباكستاني، عبّر خان عن دعمه بشكل غير مباشر لروسيا في حربها ضد أوكرانيا التي اندلعت في 24 فبراير 2022، بينما انتقد الداعمين لأوكرانيا.

ويعني اختلاف الرؤى هذا أن عودة عمران خان إلى السلطة مرة أخرى لن تكون سهلة بدرجة كبيرة.

  1. ارتفاع شعبية عمران خان وتنامي الخلافات السياسية في باكستان:

لعل عوامل تفاقم الخلافات والنزاعات السياسية الحالية في باكستان لا تعود فقط إلى رغبة خان في العودة للمشهد السياسي مجددًا وتأكيد أنصاره على دعمهم له، بل إن خان قد اكتسب شعبية متنامية خلال الأشهر الماضية تشير إليها أحدث الإحصاءات واستطلاعات الرأي التي جرت بعد حجب الثقة عنه في أبريل 2022.

فطبقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤخرًا مؤسسة “جالوب” الأمريكية للتحليلات والاستشارات، تبين أن “أغلب الشعب الباكستاني يلقي باللوم على الحكومة الحالية فيما يتعلق بالمشكلات الاقتصادية” وأشار الاستطلاع إلى أن “دعم عمران خان قد وصل إلى ذروته مع اقتراب موعد الانتخابات في أكتوبر المقبل”. 

وحسب استطلاع المؤسسة الأمريكية، فإن 62% من بين 2000 مشارك في هذا الاستقصاء قد أبدوا وجهة نظر سلبية تجاه الائتلاف الحاكم حاليًا في إسلام آباد “الحركة الديمقراطية الباكستانية-PDM”. وفي الوقت نفسه، يقول الاستقصاء إن شعبية عمران خان قد ارتفعت عند مقارنتها بين شهري يونيو 2022 وحتى فبراير 2023، حيث صعدت من 36% إلى 61% في الوقت الراهن. 

وأشار الاستطلاع إلى أن شعبية رئيس الوزراء الحالي، شهبار شريف، قد انخفضت من 51% في شهر يونيو الماضي إلى 32% في الوقت الحالي، وكذلك تراجعت شعبية قادة “الرابطة الإسلامية الباكستانية” بحوالي 20% بين أفراد الشعب. 

وأظهر استطلاع الرأي أن أكثر الأفراد الذين تتراوح أعمارهم ما بين (18-30) عامًا في باكستان غير راضين عن عمل الحكومة الحالية، حيث مثّلت هذه الفئة العمرية 45% من المشاركين في الاستطلاع. وحسبما وجدت دراسة “جالوب” الاستقصائية، فإن هذه الفئة العمرية أبدت وجهات نظر سلبية تجاه نواز شريف وشقيقه شهبار شريف وألقت باللوم عليهما محليًا، حيث أشار الاستطلاع أيضًا إلى أن شعبية نواز شريف، رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق والذي يقيم الآن في لندن، قد انخفضت من 55% إلى 36%. 

مستقبل الأزمة في باكستان

تضع الحقائق القائمة أمامنا حاليًا عدة سيناريوهات مستقبلية فيما يخص الأزمة في باكستان أخذًا في الحسبان الانتخابات المرتقبة في أكتوبر المقبل. ويأتي من بين أبرز هذه السيناريوهات ما يلي:

  • اعتقال عمران خان في وقت لاحق في ظل عشرات التهم الموجهة إليه والتي تتنوع ما بين الفساد والإرهاب. وبذلك، فلن يتمكن خان من المشاركة في الانتخابات المقبلة.
  • أما السيناريو الثاني، فإنه يتمحور حول احتمالية اغتيال عمران خان نفسه مثلما جرى من محاولة في 3 نوفمبر الماضي، مما قد يقود إلى تآكل حزبه “حركة الإنصاف” الباكستانية بمرور الوقت؛ لأنه هو الذي أسسها في 25 أبريل 1996.
  • مشاركة حركة الإنصاف في الانتخابات المقبلة وفوز أحد قادتها الآخرين من دون عمران خان.
  • نجاح عمران خان في النجاة من التهم الموجهة إليه ومشاركته مرة أخرى في الانتخابات، وهو ما قد يعني فوزًا مرتقبًا له؛ نظرًا لتمتعه حاليًا بشعبية كبيرة وعند الأخذ في الحسبان أيضًا المشكلات المتنوعة التي تعاني منها باكستان في الوقت الحاضر.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى