مكافحة الإرهاب

نحو اتفاق نهائي.. هل ستنجح مفاوضات السلام بين واشنطن وطالبان؟

قرابة عام من المحادثات، تخللتها تسع جولات من المفاوضات، مع دولة عظمى (الولايات المتحدة الأمريكية) وحركة تحمل السلاح (طالبان)، بهدف التوصل لتسوية سياسية محتملة بين السيء والأسوأ، أي بين التعرض لهزيمة كتلك التي تعرضت لها روسيا ومن قبلها بريطانيا في أفغانستان، أو التوصل لاتفاق سلام تؤكد الولايات المتحدة من خلاله أنها تمكنت من إنهاء واحدة من أطول حروبها الحديثة بالعالم، والتي بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

مفاوضات يقودها المبعوث الأمريكي الخاص للسلام في أفغانستان “زلماي خليل زاد”، ركزت على عدة أهداف مشتركة وهي: التوصل لجدول زمني لخروج القوات الأمريكية المتواجدة حاليا في أفغانستان؛ وإلزام حركة طالبان بمنع شن أعمال عدائية ضد الولايات المتحدة من الأراضي الأفغانية؛ وأن تعلن طالبان تبرؤها من تنظيم القاعدة صراحة للمرة الأولى، وعقد مفاوضات مباشرة بين طالبان والحكومة الأفغانية، التي تعتبرها طالبان “غير شرعية”؛ ووقف إطلاق النار في عموم أفغانستان. وفي حال التوصل إلى الاتفاق ستعقد الولايات المتحدة مراسم التوقيع مع “طالبان” في الدوحة، بحضور ممثلين عن القوى السياسية في المنطقة والعالم، بما فيها الاتحاد الأوروبي، “وربما الصين وروسيا”. 

تقوم الاستراتيجية الأمريكية للمفاوضات مع طالبان على تعزيز “مكانتها وأهميتها” كدولة عظمى، وتفادي التعرض لهزيمة واضحة ومهينة من شأنها أن تقوض احترامها وتعزز قوة أعدائها في الخارج. ووضع حد للحرب الأهلية التي تزيد من تدفق اللاجئين الأفغان بشكل كبير إلى الدول الأوروبية، على غرار التداعيات التي نجمت عن أزمة اللاجئين السوريين في أوروبا. 

أفغانستان.. بين التدخل العسكري والانسحاب

مرت أفغانستان بأحداث كثيرة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي كانت السبب وراء عملية عسكرية دولية مازالت تأثيراتها قائمة حتى الآن. ففي عام 2001، قادت الولايات المتحدة حرباً على أفغانستان من أجل إنهاء حكم حركة طالبان، التي رفضت تسليم زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” المتهم الرئيسي لهجمات 11 سبتمبر. وحشدت لهذه الحرب جيوشاً من مختلف دول العالم وعلى رأسها قوات حلف الناتو. 

ولكن الحركة تحولت إلى تمرد دأب على استهداف القوات الأفغانية والأجنبية في البلاد، وأصبحت الحرب مأزقا مع عدم تمكن أي جانب من هزيمة الآخر، بالإضافة إلى تزايد عدد الضحايا في صفوف المدنيين إلى جانب المقاتلين. وأنهى التحالف الدولي مهمته القتالية في أفغانسان عام 2014 مقتصرا على تدريب القوات الأفغانية. أما الولايات المتحدة فواصلت القتال وشن الغارات الجوية. في المقابل تصاعدت قوة طالبان وقدرتها العسكرية في أفغانستان منذ انسحبت أغلب القوات المقاتلة الأجنبية عام 2014

الوجود الأمريكي في أفغانستان.. لعبة خاسرة

ثمانية عشر عاما من الفشل الأمريكي في أفغانستان، لم تستطع خلالها السيطرة على حركة طالبان، بل ساهمت في توسع نفوذها وبدأت تجري مفاوضات مباشرة معها بهدف التوصل إلى تفاهم لوضع حد للخسائر التي كلفت الولايات المتحدة حتى الآن نحو تريليون و70 مليار دولار، إضافة إلى مقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي وإصابة عشرات الآلاف بجراح وتشوهات وإعاقات دائمة. 

أما عن السيطرة على الأرض، ففي السنوات الثلاث الماضية وسعت حركة طالبان نطاق سيطرتها في أفغانستان ضمن استراتيجية تقوم على التمدد السريع، في المقابل تقلصت سيطرة الحكومة إلى أكثر بقليل من نصف مساحة البلاد. حيث قدر المفتش العام الخاص بالمؤسسة الأمريكية لإعادة إعمار أفغانستان، أنه اعتبارا من أكتوبر 2018، سيطرت طالبان على 46% من المناطق الأفغانية أو تنافسوا عليها، بينما قدر محللون عسكريون مستقلون المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان أو المتنازع عليها بنسبة 65%. وحسب تقديرات وزارة الدفاع الامريكية يتراوح عدد مقاتلي طالبان ما بين 20 إلى 40 ألف شخص يحملون السلاح مقابل 350 ألفا عدد أفراد الجيش وقوات الأمن الأفغانية. 

https://foreignpolicy.com/wp-content/uploads/2019/08/Afghanistan-Taliban-US-chart-CPOST_map-final.png

واستطاعت طالبان أن تحتفظ بقوتها وتصمد كل هذه الفترة رغم أن عدد القوات الأمريكية وحلف شمالي الأطلسي التي تم نشرها في أفغانستان لدعم القوات الحكومية وصلت في مرحلة ما إلى مائة ألف جندي مدعومين بأحدث الأسلحة وموارد مالية لا محدودة. وتراجع عدد القوات الأمريكية في أفغانستان في الوقت الراهن إلى أقل من 14 ألف جندي، ويقتصر دورها على التوجيه والتدريب غالبا، بينما تتولى القوات الأفغانية تنفيذ معظم المهام القتالية.

C:\Users\arwa\Desktop\2.png

ورغم وجود قوات أجنبية بقيادة أمريكية  تقوم بتدريب ومساعدة القوات الأفغانية، إلا أن طالبان سيطرت على نصف أفغانستان، ونفذت هجمات شبه يومية على الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب. وقال الرئيس “أشرف غني” أن 45 ألفا من أفراد قوات الأمن الأفغانية قتلوا منذ أن تولى منصبه في عام 2014، كما ذكر مكتب المفتش العام الأمريكي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان أن قدرة قوات الدفاع الأفغانية المنهكة تضاءلت منذ أربع سنوات.

C:\Users\arwa\Desktop\3.png

 وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها حلف الناتو فقد شهد الخريف الماضي مقتل ما بين 30 إلى 40 جنديا وشرطيا أفغانيا يومياً. كما قتل نحو 45000 جندي أفغاني منذ عام 2014. وحسب بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، قتل أكثر من 32 الف مدني أفغاني وأصيب أكثر من 60 ألف بجروح منذ بدئها في تسجيل الخسائر في صفوف المدنيين الأفغان في عام 2009.

ويعود فشل الوجود الأمريكي في أفغانستان إلى عدم قدرته في خلق حالة إقليمية مستقرة بين المناطق التي تسيطر عليها حركة طالبان وتلك التي تحكمها الحكومة الأفغانية الحالية في كابول، على الرغم من منح الحكومة الأمريكية حوالي 780 مليار دولار مساعدات عسكرية واقتصادية لأفغانستان، إلا أنها تظل ضعيفة وغير فعالة وفاسدة، وشرعيتها في انخفاض مستمر حتى خلال سنوات ذروة الوجود الأمريكي في أفغانستان. 

مستقبل المسار التفاوضي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان

إن المفاوضات التي تتم حالياً بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة، والتي لا تشارك فيها الحكومة الأفغانية، تأتي في وقت  لايزال فيه الصراع الدامي يكبد البلاد خسائر فادحة. كان التفجير الانتحاري الأخير الذي نفذه فرع تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان في حفل زفاف في كابول، والذي أسفر عن مقتل أكثر من ستين شخصا وإصابة ما يقرب من 200 شخص بجراح، بمثابة تذكرة بالحالة الأمنية البالغة السوء في أفغانستان. بالإضافة إلى التفجير الانتحاري الذي تبنته حركة طالبان في كابول وأسفر عن سقوط 16 قتيلا و119جريحا جميعهم مدنيون. يظهر لنا أنه من غير المرجح أن يجلب أي اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وطالبان أي هدنة. وتزداد المخاوف من استغلال مجموعات متطرفة،  الوضع الجديد لتكثيف نشاطها وعملياتها.

وبينما تمضي المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة، يرفض جناح المتشددين في الحركة الأفغانية المتطرفة التفاوض مع واشنطن، ويبدي استعدادا للانشقاق والانضمام إلى تنظيم “داعش” لأنه “أكثر انسجاما مع قناعاتهم”. في المقابل لا تزال هناك أصوات تؤيد بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، وتوجد أصوات قوية في أوساط الجيش الأمريكي ترى أنه لا يمكن الوثوق بحركة طالبان من أجل ضمان عدم عودة تنظيم القاعدة الى نشاطه الارهابي، وأن قوات الأمن الأفغانية ببساطة غير قادرة على مواجهة خطر الجماعات الارهابية.

 كما يتوقع البعض نشوب حرب أهلية، وانهيار حكومة كابول وزيادة النفوذ الايراني والروسي والباكستاني في أعقاب الانسحاب الأمريكي. ويوجد القليل من الشك في أن الولايات المتحدة سوف تحتفظ بقدر ما من الوجود في أفغانستان من أجل محاربة الجماعات الارهابية هناك. وبسبب ضعف الحكومة الأفغانية وانقساماتها الداخلية ستصبح اليد العليا لطالبان في أي ترتيب لتقاسم السلطة، وخاصة بعد رحيل القوات الأمريكية. ومن المشكوك فيه للغاية أن تكون طالبان، سواء كانت في السلطة أو شريكا فيها، قادرة على السيطرة على جماعات المعارضة المسلحة الأخرى، وأهمها فرع تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان.

كما ينتقد الرئيس الأفغاني “أشرف غني” المفاوضات التي تتم ويشكك في جدواها، وقال: “لا يمكن للغرباء أن يحددوا مستقبلنا.. سواء كان ذلك في عواصم أصدقائنا أو جيراننا. مصير أفغانستان سيتحدد هنا في أفغانستان”.

وأخيراً، إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ليس انسحابا مشرفا، ولكنه استسلام، فتنظيم القاعدة الذي استغل أفغانستان كموضع انطلقت منه هجمات 11 سبتمبر لم يتم هزيمته، وظهرت تنظيمات إرهابية أخر ى مثل داعش، وبالتالي فإن أي خروج مفاجئ من شأنه أن يتيح للجماعات الإرهابية رسم مخططات جديدة للتمدد والانتشار

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى