
أهداف وأبعاد حل المجالس البلدية التونسية
استكمالًا لخارطة الطريقة التي وضعها الرئيس التونسي “قيس سعيّد” في أعقاب قرارات الخامس والعشرين من يوليو 2021، جاء قرار حل المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية ليثير حالة من الجدل على الساحة السياسية في تونس، ما بين داعمين له ويرون أنه آلية نحو الإصلاح وآخرين يرون أن تلك الخطوة ما هي إلا نهج لتفكيك مؤسسات الدولة.
وجاءت هذه الخطوة بالتزامن مع اقتراب انتهاء المدة النيابية لتلك المجالس المقررة في عام 2023، وتأتي كذلك في إطار مساعي الدولة لمعالجة أوجه القصور في القانون الانتخابي لأعضاء المجالس البلدية للتصدي لظاهرة الفساد، وتأتي تحقيقًا لمشروع الرئيس “سعيد” المتمثل في “البناء القاعدي” والذي يهدف إلى إعادة البناء من الجهات نحو المركز حتى يتم وضع قوانين وتشريعات تعبر عن إرادة الشعب في كافة المناطق والجهات الداخلية وصولًا إلى المدن الكبرى والعاصمة؛ وذلك تطبيقًا لشعار حملته الانتخابية في عام 2019 التي جاءت تحت شعار “الشعب يريد”
سياق متأزم
إن قرار حل المجالس البلدية جاء استكمالًا لمسارات متقاطعة لمواجهة الفساد في القطاعات المختلفة من الدولة، وذلك على غرار المجالس القضائية والنقابية والحزبية، وهو الأمر الذي أكده الرئيس “سعيّد” بعد الإقدام على خطوة حل المجالس البلدية والتي وصّفها بأنها معركة ضد الفساد، فضلًا عن أن هذا القرار يأتي بالتزامن مع استيفاء خارطة الطريق التي كان قد وضعها “سعيّد” وعلى رأسها التعديل الدستوري وإجراء الاستحقاق المتعلق بالانتخابات التشريعية (ديسمبر2022 – يناير 2023) وكذلك مع تفاقم حدة الأوضاع الاقتصادية التونسية.
وبالنظر إلى السياق السياسي التونسي؛ فإن تلك الخطوة تأتي في إطار زمني حرج، حيث تشهد تونس حالة من التصدع المؤسسي خاصة في ضوء تراجع العلاقة بين الرئيس التونسي “قيس سعيد” والاتحاد التونسي للشغل ووصولها إلى حالة من التأزم والانسداد، حيث أن أحد معضلات المعادلة السياسية الراهنة هو رفض الاتحاد التونسي للشغل المسار السياسي الحالي، مع تبني فكرة الحوار الوطني القائمة على صياغة مبادرات سياسية واقتصادية لإدارة المشهد الراهن بالاستناد إلى النقابات المختلفة منها (الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – هيئة المحامين – المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)، ولعل هذا الطرح المستمر يحمل في طياته رسائل سلبية عن التحول الذي شهدته تونس منذ قرارات يوليو 2020، وهو الأمر الذي يقابله عزوف وعدم رغبة النظام التونسي للمشاركة في تلك الآلية.
إلى جانب ذلك، فإن هذا القرار يأتي كذلك الأمر في ظل أزمة اقتصادية في تونس خاصة في ظل ارتفاع الديون الخارجية وارتفاع معدلات التضخم والتي زادت على10% بنهاية عام 2022 وارتفاع الأسعار، هذه المعادلة كان لها تأثيرها على ديناميكية العملية السياسية؛ إذ أنها أثرت على الشارع التونسي وبرزت في العزوف عن المشاركة في الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس نهاية ديسمبر 2022 ومطلع العام الجاري.
أهداف ومواقف متباينة
إن حل المجالس البلدية يأتي في سياق مساعي النظام التونسي لفك الارتباط بين حركة النهضة –وتوغلها المؤسسي في أعقاب 2011– والمجالس والمؤسسات الهامة داخل المشهد التونسي، خاصة وأن حركة النهضة تمتلك حضورًا هامًا محليًا حيث سيطرت على نحو المهمة المجالس البلدية في خضم المشهد الانتخابي لعام 2018. ولعل استمرارية هذه المؤسسات على شكلها الراهن يجعل هناك استمرارية من جانب التيار الإسلامي، ويحول دون ضخ دماء جديدة تخدم السياسة العامة للدولة وتعزز من مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.
الأمر الآخر وثيق الصلة يتمثل في كون المجالس البلدية ومنذ دور انعقادها الأول (منذ عام 2018) باتت تلك المجالس مناطق نفوذ سياسي للعديد من الأحزاب؛ تطبيقًا لأجندتها دون التركيز او العمل على تطبيق وتنفيذ السياسات العامة للدولة أو تحقيق خدمات المواطنين.
وفيما يتعلق بالمواقف الداخلية تجاه تلك الخطوة؛ فقد تباينت مواقف القوى السياسية على هذا القرار ما بين معارض لها ومؤيد؛ فالأولى يضم التيار الإسلامي وفي القلب منه حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، إلى جانب (“ائتلاف صمود” – الجامعة الوطنية البلديات التونسية – حزب العمّال التونسي – “حراك تونس الإرادة”) والتي رأت أن تلك القرارات هي بمثابة تكريس التمييز الإيجابي للجهات، إلى جانب أنها تأتي لتطيح بالمشروعية الشعبية والشرعية وتحول كافة المؤسسات إلى جهات تابعة لرئيس الجمهورية، فضلًا عن أنها قرارات من شأنها إنهاء مسار اللامركزية في تونس كأحد مبادئ ثورة 2011.
إضافة إلى ذلك، أبدى أعضاء المجالس البلدية عن الفترة النيابية الراهنة (2018 – 2023) أبدوا رفضهم للمراسيم الصادرة بحل المجال البلدية، واصفين تلك القرارات بأنها خطوة نحو “التراجع عن مكاسب الديمقراطية واللامركزية ومبدأ التناصف الأفقي والعمودي في القانون الانتخابي”.
على الناحية الأخرى؛ يأتي التيار الشعبي أحد مكونات حراك 25 يوليو 2021 وحركة شباب تونس الوطني “حراك 25 يوليو”؛ لتثني على هذه القرارات بوصفها مسارًا إيجابيًا نحو وضع قانون انتخابي جديد لأعضاء المجالس البلدية يعزز من مساعي الدولة للقضاء على الفساد.
وختامًا؛ تُمثل خطوة حل المجال البلدية في تونس استكمالًا لخطة عمل الرئيس “سعيد” في تفكيك ومواجهة الخلايا النائمة لحركة النهضة والتكتلات الحزبية التي تخدم أجندتها، ولكنها وفي ضوء السياق المتأزم سياسيًا داخليًا ربما تطرح مجالًا لإعادة الحراك الشعبي مرة أخرى، بجانب أن عقد انتخابات تتعلق بها سوف يكون على غرار مجلس النواب الذي شهدّ حالة عزوف غير مسبوقة.