أفريقيا

بشعار “حان دوري”.. ماذا بعد فوز بولا تينوبو برئاسة نيجيريا؟

حقق الرجل البالغ من العمر 70 عامًا، هدفه بالفوز في الانتخابات الرئاسية في نيجيريا عام 2023، وفقًا للنتائج النهائية الصادرة عن اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في نيجيريا. وعلى الرغم من الأسئلة العالقة حول صحته ومزاعم الفساد السابقة، سيخلف حاكم ولاية لاجوس مرتين الرئيس محمد بخاري. فبفارق كبير تم إعلان فوز بولا تينوبو من قبل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مرشح الحزب الحاكم بولا تينوبو في الانتخابات الرئاسية النيجيرية فجر الأربعاء الماضي. وحصل تينوبو على 37٪ من الأصوات أو ما يقرب من 8.8 ملايين صوت، بينما حصل مرشح المعارضة أبو بكر على 29٪ بحوالي 7 ملايين. وحصل أوبي صاحب المركز الثالث على 25٪ بحوالي 6.1 ملايين صوت، وذلك بحسب النتائج التي أُعلن عنها على الهواء مباشرة من قبل اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة. 

تينوبو من أين وإلى أين

اسمه بولا أحمد أديكونلي تينوبو (من مواليد 29 مارس 1952)، محاسب تحول لرجل أعمال نيجيري وسياسي ورئيس نيجيريا، شغل منصب حاكم ولاية لاجوس من 1999 إلى 2007 والسيناتور في ولاية لاجوس ويست خلال الجمهورية الثالثة الجمهورية. أمضى تينوبو حياته المبكرة في جنوب غرب نيجيريا وانتقل لاحقًا إلى الولايات المتحدة، حيث درس المحاسبة في جامعة ولاية شيكاغو وعاد إلى نيجيريا في أوائل الثمانينيات، ودخل السياسة كمرشح لولاية لاجوس ويست في مجلس الشيوخ عام 1992 تحت راية الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وبعد أن حل الديكتاتور ساني أباشا مجلس الشيوخ عام 1993، أصبح تينوبو ناشطًا لحملات تهدف إلى عودة الديمقراطية كجزء من حركة الائتلاف الديمقراطي الوطني، وعلى الرغم من نفيه عام 1994 على يد ساني أباتشا؛ إلا أنه عاد بعد وفاة أباشا عام 1998 بداية الانتقال إلى الجمهورية الرابعة. 

تخلل صعود تينوبو اتهامات عديدة بالفساد دون أن تتم إدانته على الإطلاق بالإضافة إلى نفيه الدائم لهذه التهم، فقد عمل تينوبو في عدد من الشركات الأمريكية آرثر أندرسن وديلويت وهاسكينز وسيلز وشركة خدمات جي تي إي، وانضم بعد عودته إلى نيجيريا عام 1983، انضم تينوبو إلى موبيل أويل نيجيريا، وأصبح فيما بعد مديرًا تنفيذيًا للشركة. وخلال الفترة التي قضاها في الولايات المتحدة، لوحظ ارتفاع دخل تينوبو بشكل مثير للريبة قبل التحقيق معه من قبل السلطات الفيدرالية؛ وفي النهاية تم تجميد أصوله عام 1993 نتيجة لدعوى قضائية أكدت أن الحكومة الأمريكية لديها “سبب محتمل” للاعتقاد بأن الحسابات المصرفية الأمريكية لتينوبو احتفظت بعائدات تجارة الهيروين وعمله كحامل حقيبة لتجار المخدرات.

بعد إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو 1993، أصبحت تينوبو عضوًا مؤسسًا في الائتلاف الوطني الديمقراطي المؤيد للديمقراطية، وهي مجموعة حشدت الدعم لاستعادة الديمقراطية والاعتراف بمسعود أبيولا كفائز في انتخابات 12 يونيو. وبعد الاستيلاء على السلطة كرئيس عسكري للدولة الجنرال ساني أباشا، ذهب إلى المنفى عام 1994 وعاد إلى البلاد عام 1998 بعد وفاة الدكتاتور العسكري أباتشا، مما أدى إلى الانتقال إلى جمهورية نيجيريا الرابعة.

ماذا بعد الانتخابات

قبل إعلان النتيجة تم رفع مطالبات بإعادة الانتخابات، بسبب تهم بالتزوير والترويع في ضوء أحداث العنف التي سادت الانتخابات؛ ورفع هذه المطالبات أنصار كل من أتيكو أبو بكر من حزب الشعب الديمقراطي PDP، وبيتر أوبي من حزب العمال LP. 

فقد شابت العملية الانتخابية العديد من الصعاب، مثل التأخير الطويل في فتح اللجان للتصويت، إذ لم تفتح لجان إلا بنهاية يوم السبت 25 فبراير وفي بعض اللجان لم تفتح إلا يوم الأحد؛ الأمر الذي تسبب في التأخير في تسليم النتائج مما أزعج الكثير وأثار الشكوك حول حدوث تزوير. لكن اللجنة الانتخابية المستقلة برئاسة محمود يعقوبو السياسي بخلفية أكاديمية والخبير في حرب العصابات، وأستاذ التاريخ السياسي والدراسات الدولية في أكاديمية الدفاع النيجيرية للمراقبة؛ نفت التزوير وبررت الأمر بحدوث صعوبات فنية تسببت في مشاكل لكنها أصرت على أن التصويت كان حرًا وحياديًا ونزيهًا.

أيضًا تسببت أزمة سحب النقود من المواطنين لتغيير العملة النيرة؛ وهو القرار الي أصدره الرئيس السابق بخاري؛ في حدوث أزمة مالية أثرت على حركة السفر والانتقالات، مما صعب على العديد من النيجيريين السفر إلى مقارهم الأصلية للتصويت، لدرجة أن بعض أفراد قوات الأمن والمراقبين تعذر عليهم السفر أيضًا بسبب الأزمة المالية.

ميراث الرئيس القادم

باختيار الصندوق النيجيري لتينوبو ليرأس واحدة من أهم الدول في القارة الأفريقية والأكثر في عدد السكان غرب أفريقيا؛ لن تكون فترة رئاسته جائزة ولا رحلة سهلة، فهذه الدولة الغنية بالموارد الطبيعية غنية كذلك بمشاكلها. وتشمل الموضوعات التي تعاني منها نيجيريا بشكل متكرر كل من (معدل الجريمة، والإرهاب، والفساد، والقبلية، ودعم الوقود، والتضخم المفرط، وإعادة الهيكلة، والجدل المستمر حول سياسة إعادة تصميم العملة النيجيرية “النيرة، أزمة دلتا النيجر والمرتبطة بتطبيق الفيدرالية بشكل حقيقي، وتحسين الناتج المحلي الإجمالي).

بعد التنصيب الرئاسي في نيجيريا المقرر في مايو القادم، سيواجه تينوبو قرارات صعبة خاصة بإلغاء دعم الوقود المكلف للخزانة النيجيرية. ومن المتوقع أيضًا أن يتصدى للفقر المتزايد وانعدام الأمن المتفشي في البلاد. فمن المشاكل الدائمة في نيجيريا الفساد، الذي مثل إحدى دعائم أجندة الرئيس الحالي محمد بخاري المكونة من ثلاث نقاط (الفساد – الإرهاب – التنمية الاقتصادية) والتي وصل بها إلى السلطة عام 2015. “الفساد سيقتل نيجيريا إذا لم تقتل نيجيريا الفساد”، هكذا أشار خلال حملات عام 2015 اعترافًا منه بـخطر الفساد على البلاد. لكن بعد ما يقرب من ثماني سنوات في الحكم، لم يحقق بخاري تحسنًا طفيفًا في مستوى الفساد.

ففي تقريرها الصادر في أبريل من العام الماضي؛ قالت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير الفساد الدولي لعام 2021 عن ممارسات حقوق الإنسان في نيجيريا، إنه لا يزال هناك فساد هائل وواسع النطاق ومنتشر على جميع مستويات الحكومة. وعزا ذلك إلى عدم التنفيذ المتسق للقوانين ذات الصلة بمكافحة الفساد في الوظائف العامة. كذلك سجلت ترتيبًا متراجعًا في مؤشر مدركات الفساد السنوي لمنظمة الشفافية الدولية (TI) ، وهو أداة لتقييم انتشار الفساد في البلدان. حيث احتلت نيجيريا المرتبة 150 من بين 180 دولة في أحدث تصنيف لعام 2022 صدر في يناير هذا العام. 

كذلك تعاني نيجيريا مع انتشار حركات التمرد الإسلامية في الشمال الشرقي “بوكو حرام”، وتفشي عمليات الخطف من قبل العصابات المسلحة أجل الحصول على فدية، والصراع بين الرعاة والمزارعين، ونقص السيولة والوقود والطاقة، وانتهاء بالفقر. 

خطة تينوبو المستقبلية

وفق ما أعلنه تينوبو بشأن ما سيفعله خلال أول 100 يوم له إذا تم انتخابه، سيكون اختيار فريق من التكنوقراط الذي سيساعده على إدارة البلاد مثلما فعل في حكم لاجوس. وتضمنت خطة تينوبو الاقتصادية الاعتماد على القطاع الخاص، وعلى الحكومة أن تنشئ الإطار الذي يجب أن يعمل فيه القطاع الخاص عزمه على معالجة الإصلاحات المالية والنقدية والتجارية بشكل عاجل لزيادة الإنتاج المحلي بشكل فعال، مما يعمل على الحد من التضخم، وضمان استقرار أفضل للاقتصاد الكلي عن طريق تسريع النمو الشامل وخلق فرص العمل عبر نيجيريا، وتحقيق معدل نمو يصل ل 12%. 

كذلك وعد تينوبو بإطلاق سياسة صناعية وطنية جديدة، تركز على التدخل الخاص لتنشيط صناعات استراتيجية محددة، من خلال إنشاء ست وكالات تنمية اقتصادية إقليمية جديدة ستنشئ مراكز صناعية دون إقليمية لاستغلال الميزة التنافسية لكل منطقة وتحسين إمكاناتها للنمو الصناعي.  بالإضافة إلى إنشاء مجالس جديدة لتبادل السلع، مع تقوية المجلس في لاجوس من أجل ضمان الحد الأدنى من الأسعار للمنتجات الزراعية، مثل القطن والكاكاو والأرز وفول الصويا والذرة ونواة النخيل والفول السوداني.

وفيما يتعلق بالبنية التحتية، وعد تينوبو “ببناء نيجيريا جديدة من خلال تطوير خطة بنية تحتية وطنية، والتي ستغطي الطرق الاستراتيجية والجسور والسكك الحديدية والمياه والطاقة والموانئ البحرية والمطارات التي تمتد على طول وعرض الدولة. وقال إن إدارته ستجمع بين التمويل الحكومي والاقتراض والشراكة بين القطاعين العام والخاص وتمويل القطاع الخاص والامتياز لبدء نموذج مالي متوسط ​​وطويل الأجل لمبادرة BANN. كذلك ذكر تينوبو أن إدارته ستستهدف هدف توزيع الكهرباء ب 15000 ميجاواط في جميع أنحاء البلاد وضمان إمدادات مستدامة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. 

بالإضافة لقرار الحد من دعم الوقود لأن السوق سيكون مفتوحًا وشفافًا؛ وقد تحدث عنه أكثر من مرة في اجتماعات عديدة. مما سينتج عنه خلق احتياطي استراتيجي وطني للمنتجات البترولية لتحقيق الاستقرار في العرض خلال فترات النقص أو الفائض غير المتوقع. وسيؤدي ذلك إلى القضاء على أي شكل من أشكال نقص المنتجات ومنع التقلبات الشديدة في الأسعار.

تحدث تينوبو أيضًا عن وعد إدارته في مجال التعليم، ووعد بزيادة الإنفاق على التعليم إلى 25% من ميزانية الدولة. ومواصلة برنامج التغذية المدرسية المجاني لوزارة التعليم النيجيرية، وإطعام “الملايين من أطفال المدارس الابتدائية في جميع أنحاء البلاد”. تمامًا مثل التعليم، ووعد تينوبو أيضًا بزيادة تمويل الرعاية الصحية في الميزانية السنوية إلى 10% ووفقا له، ستتم إعادة إطلاق خطة التأمين الصحي الوطنية لمنح تغطية التأمين الصحي لمعظم النيجيريين.

أما عن الملف الأمني؛ فبينما اتخذ الرئيس بخاري خيار التصعيد الأمني ضد الإرهابيين سبيلًا وحيدًا للتصدي لهذه المشكلة وذلك عبر زيادة الإنفاق على الأمن؛ اقترح بولا أحمد تينوبو اتجاهًا جديدًا ففي ديسمبر 2020، دعا إلى إعادة التفكير في الاستراتيجية الأمنية للحكومة. ووعد بتحقيق اللامركزية في الشرطة، موضحًا في بيانه الحاجة إلى خلق وظائف جديدة والتدريب للشباب، وإتاحة قروض لتحفيز النمو. وسيتم بعد ذلك استكمال هذه الخطط الاجتماعية والاقتصادية بإصلاح شامل للبنية الأمنية القائمة في البلاد. اتفق في نفس النهج أتيكو أبو بكر؛ عندما أصدر بيانًا يركز على الانتعاش الاقتصادي كحل للتطرف، وأن علاج الأمن من خلال التركيز على النمو الاقتصادي والتوظيف. ومع ذلك: فهو ينوي تجنيد مليون شرطي إضافي، مع تحسن رفاهية أفراد الأمن، وسيُستكمل ذلك بتدريب وإعادة تدريب الأفراد على أحدث ممارسات مكافحة الإرهاب. 

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى