
اجتماع العقبة: منصة أمنية أم استقبال لأفق سياسي؟
شارك وفد فلسطيني رفيع المستوى اليوم 26 فبراير 2023، في الاجتماع الخماسي الذي استضافته الأردن في مدينة العقبة، والذي يضم كلا من الأردن، ومصر، والولايات المتحدة، وفلسطين، وإسرائيل. وقالت الرئاسة الفلسطينية في بيان رسمي صادر عنها، إن الوفد الفلسطيني المشارك في أعمال هذا الاجتماع، سيعيد التأكيد على “التزام دولة فلسطين بقرارات الشرعية الدولية كطريق لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتجسيد إقامة دولة فلسطين ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967”. وأضاف البيان، أن الوفد الفلسطيني سيشدد على ضرورة وقف جميع الاعمال الأحادية الإسرائيلية والالتزام بالاتفاقيات الموقعة، “تمهيدًا لخلق أفق سياسي يقوم على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وصولًا إلى حصول الشعب الفلسطيني على حقه بالحرية والاستقلال”. لذا يدور السؤال حول طبيعة اجتماع العقبة، هل يقف عند كونه منصة أمنية أم يمهد لخلق أفق سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
الموقفان الأمني والسياسي في الضفة الغربية
بالنظر إلى الموقفين الأمني والسياسي في الضفة الغربية، يجب تفكيك أربعة متغيرات رئيسة، يمكن ترتيبهم حسب الأهمية فيما يلي:
أولًا: العنف اليهودي المتطرف والمستوطنات
سجلت تقارير إسرائيلية وفلسطينية 36 حادث عنف استيطاني في شهر يناير 2023، حمل مسؤوليتها ثلاثة منظمات إرهابية إسرائيلية وهي “تدفيع الثمن: (بالعبرية “تاج محير)”، و”نجمة داوود”، و”شعب إسرائيل حي”، جميعها ترتبط بالتيار الديني المتطرف في الضفة الغربية، وبالتحديد في المنطقة ج الواقعة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
تتوجه أعمال العنف الإسرائيلية ضد الأشخاص والممتلكات الفلسطينية في (المنطقة ج) التي تضغط المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية على حكومتها بضمها تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.
أما فيما يتعلق بالمستوطنات في الضفة الغربية، فوفق التقارير الإسرائيلية المناهضة لسياسات الاستيطان يتبين التالي:
(1) قرر مجلس الوزراء للسياسة الأمنية، 12 فبراير 2023، إقامة تسع مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة.
(2) فرض الطابع القانوني والشرعي على عشرة بؤر استيطانية تقسم الضفة الغربية عرضا لعزل الجهة الشمالية عن نظيرتها الجنوبية.
(3) قررت الحكومة في 23 فبراير 2023 على بناء 7157 وحدة سكنية بما في ذلك 4 بؤر استيطانية غير قانونية.
(4) في 24 فبراير، وافقت لجنة فرعية للتسوية في المجلس الأعلى للتخطيط في الإدارة المدنية على ترقية أكثر من 7000 وحدة سكنية من خلال الموافقة على 43 مخطط بناء في 37 مستوطنة وبؤرة استيطانية.
ثانيًا: ثورة نتنياهو على الصلاحيات القضائية
يتزعم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ثورة سياسية على المؤسسات القضائية في إسرائيل، كونها (حسب روايته الدينية المتطرفة) محسوبة على الجناح اليساري الليبرالي، والمقصود هنا هي محكمة العدل العليا الإسرائيلية.
يُحسب لمحكمة العدل العليا بعض المواقف السياسية التي تناهض سياسات نتنياهو الاستيطانية في الضفة الغربية، كذلك يُحسب لها مطاردة بعض الوزراء في حكومة نتنياهو المدانين بتهم سياسية وجنائية كذلك. لذا لم يجد نتنياهو مفرًا من سحب بعض الصلاحيات القضائية من محكمة العدل العليا ونسبها إلى الكنيست كممثل تشريعي للمجتمع الإسرائيلي، وهو ما قاد الأخير للنزول إلى الشارع بدعوى الشعور بالتهديد حيال الطابع الديموقراطي لإسرائيل.
لذا يمكن القول في هذا السياق، إن ثورة نتنياهو القضائية تدخل ضمن متغيرات الموقف السياسي في الضفة الغربية، كون ذلك يمنحه (أي نتنياهو) هامشًا تشريعيًا واسعًا لبناء البؤر الاستيطانية والمستوطنات بل وتقنينها كذلك.
ثالثًا: رد فعل مقاوم فلسطيني متزايد
نظرًا لما سبق، بدأ الفلسطينيون المحسوبون على المقاومة بانتهاج رد فعل مقاوم أكثر تزايدًا واتساعًا عن العام الماضي، ينعكس ذلك في المعطيات التالية المحسوبة من تاريخ 21 فبراير حتى 24 فبراير 2023. وهي:
يتضح تزايد في أعمال المقاومة (وخاصة عمليات إطلاق النار) وتغطي جميع ربوع الضفة الغربية تقريبًا وبالتحديد في شمالها، حيث التنظيمات المسلحة شبه العسكرية الفلسطينية الظاهرة حديثا مثل “وكر الصقور”، و”عرين الأسود” التي لم تعلنان تبعيتهما لفصيل فلسطيني محدد حتى الآن.
رابعًا: تطور استخدام العنف الإسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية
| 35 | الاستشهاد |
| 568 | عدد المعتقلين |
| 342 | عدد المصابين |
| 17 | النشاط الاستيطاني |
| 719 | الاقتحامات الإسرائيلية |
| 319 | اعتداءات المستوطنين |
| 154 | المداهمات |
يتبين من الصورة البيانية الأخيرة، أن نابلس تشهد أكثر مناطق الضفة الغربية وقوعًا للانتهاكات الإسرائيلية من قبل قوات أمنها المختلفة، وهو ما ينعكس في سقوط الكثير من المصابين والشهداء الفلسطينيين.
منصة أمنية أم سياسية؟
وفق البيانات الرسمية التي تصدرها الأطراف المشاركة في اجتماع العقبة، وبالتحديد الطرفين الأردني والفلسطيني، يتضح أن اجتماع العقبة هو لتحديد تفاهم أمني محدد يضمن الاستقرار الأمني أثناء شهر رمضان المقبل. لا سيما وأن الولايات المتحدة تستمر في إبداء قلقها من احتمالات اندلاع أزمة أمنية بين إسرائيل وفلسطين يدخل في رحاها الفصائل الفلسطينية في غزة. ولكن يمكن تلمس تلميحات أردنية أن من ضمن أهداف الاجتماع الأمني السري في العقبة، هو رفع مستوى الثقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لفتح الباب أمام مزيد من التفاهمات السياسية.
تبدأ مسارات الثقة المستهدفة مع الجانب الإسرائيلي، حسب وجهة نظر السلطة الفلسطينية في وقف الإجراءات الأحادية الإسرائيلية مثل الاستيطان والاقتحامات الموجهة للاماكن المقدسة، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة تمهيدًا لخلق أفق سياسي.
أشارت الصحف الإسرائيلية منها يديعوت أحرونوت على سبيل المثال، أن مسار الاجتماع من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية هو مناقشة الأطراف في قمة العقبة الخطة الأمريكية لخفض حالة التوتر في الضفة الغربية، وإنهاء المقاومة المسلحة فيها؛ لمنع تفجر الأوضاع خلال شهر رمضان والأعياد اليهودية في مارس وإبريل المقبلين.
في حين يبدو أن الخطة الأمريكية تتضمن وقف إسرائيل الخطوات الإضافية الأحادية الجانب فيما يتعلق بالمستوطنات، مقابل وقف السلطة خطواتها ضد إسرائيل في الأمم المتحدة.
وأشارت تقارير عربية وإسرائيلية، إلى أن حكومة نتنياهو رفضت مشاركة أطراف عربية أخرى غير مصر والأردن في اجتماع العقبة. بدون النظر إلى توقع ماهي الدول العربية التي رفضت إسرائيل مشاركتها، ولكنه قد يعد مؤشرًا على عدم اعتزام إسرائيل تحويل اجتماع العقبة إلى أي منصات سياسية أخرى تتعلق بحل القضية الفلسطينية.
المحفزات والعراقيل
يشمل موقف إسرائيل من اجتماع العقبة مجموعة من المحفزات والعراقيل، يمكن توضيحها فيما يلي:
أولًا: المحفزات
- على المستوى المحلي، يبدو أن نتنياهو في حاجة إلى هدوء سياسي داخلي مع عدد كبير من التيارات السياسية الإسرائيلية، وخاصة تيار يائير لابيد على مستوى المعارضة. ويعد السبب هو موجة التظاهرات عالية الحدة والمستوى والانتشار في إسرائيل والتي من المحتمل أن تهدأ في حال توصل نتنياهو إلى تفاهم محدد مع لابيد بشأن الإصلاح القضائيـة وتمرير التشريع المثير للجدل. (وحتى وإن كان هذا الاحتمال ضعيفًا للغاية ولكنه مطروح).
- على المستوى الإقليمي، لا يتردد نتنياهو في أي مناسبة محلية أو إقليمية أن يشير إلى أهمية وجود السعودية ضمن قطار التطبيع الابراهيمي، “كونه سيمثل الهدية الكبرى لإسرائيل في مقابل التوصل لتفاهم سياسي مع الفلسطينيين”.
- على المستوى الدولي، يحتاج نتنياهو لكسب ثقة الإدارة الأمريكية والحزب الديموقراطي الأمريكي؛ لفتح آفاق جديدة في التحالف الاستراتيجي تتعلق بالأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، لا سيما وأن إسرائيل-نتنياهو تريد أن تنجح في أول اختبار أمريكي جديد يتعلق بحل المنازعات بالطرق الدبلوماسية.
ثانيًا: العراقيل
- الائتلاف الحكومي، لن تتردد الأحزاب الدينية المتطرفة المنضمة للائتلاف الحكومي مع نتنياهو في رفض أي تفاهم سياسي أو حتى أمني مع الفلسطينيين، خاصة من قبل حزب الصهيونية الدينية الذي يضم وزير الامن العام بن جفير، ووزير المالية وذو الصلاحيات الأمنية في الضفة الغربية بتسلئيل سموتريتش.
- المنطقة ج، ستستمر الانتهاكات الإسرائيلية الرسمية والشعبية (المتمثلة في المستوطنين) ضد الفلسطينيين المقيمية في أراض المنطقة ج بالضفة الغربية. كون تلك المنطقة تمثل هدفًا استراتيجيًا متداخلًا مع خاصرة إسرائيل الرخوة التي تدفع الحكومة، والأحزاب، ومراكز الأبحاث المحسوبة على تيار الوسط (مثل معهد أبحاث الأمن القومي) التوصية بضم المنطقة ج إلى السيادة الإسرائيلية. وبالتالي قد ترفع هذه المنطقة درجة التوتر مرة أخرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
- التنظيمات المسلحة الفلسطينية في الضفة الغربية، في حال التوصل إلى تفاهم أمني محدد بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، من المقدر أن تتحول هذه التنظيمات إلى متغير أمني مهم واجب النظر إليه من الوجهتين الإسرائيلية والفلسطينية.
ختامًا، يمكن القول إنه (1) لا مؤشرات كافية حتى الآن على أن تتحول العقبة لمنصة سياسية إزاء حل الدولتين. (2) تحتاج منصة العقبة إلى تفاهم عالٍ المستوى وملزم لجميع الأطراف من أجل خفض حدة التوتر التي تعكسها الأرقام المتعلقة بأعمال المقاومة، والمستوطنات، وانتهاكات المستوطنين. (3) أن هناك مجموعة من المحفزات ومجموعة أخرى مضادة من العراقيل التي قد تقوض إلى حد ما من موقف إسرائيل على مدى زمني كبير (أي سيكون التفاهم الأمني لمدة قصيرة الأجل فقط).
باحث ببرنامج العلاقات الدولية



