
الدورة 34 للاتحاد البرلماني العربي… تأمين عودة سوريا إلى محيطها وتعزيز التكامل العربي
استضافت العاصمة العراقية بغداد يوم 25 فبراير 2023 الدورة الـ 34 لأعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي، بمشاركة 18 دولة بواقع 14 رئيس برلمان و4 ممثلين عن رئيس البرلمان، في مقدمتهم العراق –رئيس اتحاد البرلمان العربي– ومصر وسوريا والأردن والإمارات والكويت والسعودية وقطر وعُمان والمغرب ولبنان والجزائر وليبيا وفلسطين واليمن والصومال. وعُقدت الدورة تحت شعار “الدعم العربي لتعزيز استقرار العراق وسيادته”، حيث أعلن المركز الإعلامي للبرلمان العربي أن المؤتمر يعقد من أجل حشد الدعم العربي للعراق ومساندته في جهوده نحو تثبيت أمنه واستقراره، وحفظ سيادته، واستعادة مكانته التاريخية، انطلاقًا من أن أمن واستقرار العراق، يعد من أهم مرتكزات الأمن القومي العربي.
ملفات عديدة
تضمنت كلمات رؤساء البرلمانات الحاضرين ومن ينوب عنهم، إلى جانب البيان الختامي للمؤتمر، مجموعة من القضايا العربية كانت محل النقاشات خلال أعمال الدورة الحالية، وهو ما يُمكن استعراضه كالتالي:
• تأمين عودة سوريا إلى محيطها العربي: أعلن المجتمعون تضامنهم مع سوريا، وتشكيل وفد من الاتحاد البرلماني العربي للتأكيد على دعمها والوقوف مع شعبها واستمرار تقديم الإمكانيات اللازمة للوقوف مع السوريين بعد حادث الزلزال، مع ضرورة العمل العربي المشترك على كافة المستويات لعودة سوريا إلى محيطها العربي وممارسة دورها في الساحات العربية والإقليمية والدولية، والعمل الجاد لاستقرار هذا البلد العربي وإعادة تأهيل بناه التحتية وعودة السوريين الذين هجرتهم الحرب إلى ديارهم وبلادهم.
وقد بدأ وفد يضم رئيس الاتحاد محمد الحلبوسي ورؤساء مجلس النواب في مصر والإمارات والأردن وفلسطين وليبيا ورئيسي وفدي سلطنة عُمان ولبنان والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي، زيارة إلى دمشق اليوم 26 فبراير لإجراء مباحثات مع مسؤوليها، حيث اجتمع مع الرئيس بشار الأسد حاملًا دعوة لرفع الحصار عن سوريا. وأكد رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي خلال الزيارة دعم البرلمانات العربية لسوريا ووقوفها إلى جانب شعبها، مشيرًا إلى أن سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية والبيت العربي، وأن هذه الزيارة هي لدعمها قيادة وحكومة وشعبًا، لافتًا إلى أن وفودًا برلمانية عربية أخرى ستصل تباعًا إلى دمشق اليوم بعد أن قرر المؤتمر الـ 34 للاتحاد البرلماني العربي تشكيل وفد لزيارة سوريا تأكيدًا على الوقوف إلى جانبها.
• الاندماج العراقي العربي: يُمكن اعتبار انعقاد المؤتمر في بغداد مؤشرًا على عودة العراق إلى محيطه العربي ودوره المعهود، حيث يأتي بعد أسابيع قليلة فقط من احتضان بطولة خليجي-25 بما يؤهل العراق لاستضافة المؤتمرات والاجتماعات الإقليمية وبما يعزز حضوره عربيًا. وقد أكد المشاركون دعمهم للعراق ووقوفهم الدائم بكل الإمكانات لمساعدة شعبه، وضرورة توفير كل ما يلزم لتعزيز استقراره وسيادته ووحدة أراضيه وتعزيز أمنه واستقراره ودعم مؤسساته الدستورية ونبذ التعصب والكراهية وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. معربين عن تقديرهم لنجاح العراق في تنظيم بطولة خيلجي-25 التي أُقيمت في البصرة بعد غياب 44 سنة عن استضافة البطولة، معتبرين أنها كسرت الصورة النمطية السلبية عن العراق.
ومن جهته، أثنى رئيس مجلس النواب المصري حنفي الجبالي على نجاح العراق في تحقيق الانتصارات على الصعيدين الأمني والاقتصادي، مشيرًا إلى سعي مصر إلى ترجمة رؤيتها لعراق مستقر وآمن وانتقال خطط التعاون الثنائي من مرحلة النوايا والتشاور إلى مرحلة الشروع في اتخاذ الخطوات التنفيذية التي تكفل ترسيخ التعاون الاقتصادي بين البلدين خاصة في مشروعات إعادة الإعمار والبنى التحتية في العراق، فعراق مستقر وقوي يعد إضافة محورية لمنظومة الأمن القومي العربي.
• تعزيز العلاقات العراقية الخليجية: أكد رئيس وفد مجلس الأمة الكويتي ثامر سعد الظفيري أن استقرار العراق وأمنه جزء لا يتجزأ عن أمن دول الخليج، مرحبًا بمساعي الربط الكهربائي بين العراق ودول مجلس التعاون، وداعيًا للسعي لدى الجهات المختصة في العراق للإسراع في حسم القضايا العالقة مع الكويت ومنها استمرار التفاوض مع الجانب الكويتي للتوصل لاتفاق نهائي بشأن استكمال ترسيم الحدود البحرية بعد النقطة 162 وذلك للنأي بالعلاقات الثنائية عن الحملات الإعلامية التي تتناول الأحداث بشكل سلبي يؤدي إلى تصاعد خطاب الكراهية بين الشعوب في ظل غياب هذه الاتفاقات.
• تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب: جدد رؤساء البرلمانات العربية رفضهم لجميع أشكال التطرف والقتل والإرهاب مهما كانت الدوافع والأسباب، مناشدين بتعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف الدول العربية والإقليمية والدولية لوضع حد نهائي لآفة الإرهاب العابر للحدود والقارات، وتجفيف منابعه فكرًا وتمويلًا وتسليحًا، مؤكدين وقوفهم إلى جانب العراق في حربة ضد تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى. وشددوا على رفض أي فكر يدعو إلى الكراهية والعنصرية والإقصاء والتهميش تحت أي ذريعة، وحثوا المؤسسات الدينية والفكرية والتعليمية للقيام بما يجب عليها للتصدي لأفكار التطرف والعنف والإرهاب.
• تفعيل الدبلوماسية البرلمانية: أعرب المجتمعون عن عزمهم على تفعيل الدبلوماسية البرلمانية، لتكون مؤثرًا إيجابيًا وفاعلًا في الدبلوماسية الرسمية لبلدانهم؛ بهدف النهوض بواقع الأمة العربية، وتلبية طموحات شعوبهم بتحقيق التقدم والإصلاح والتنمية المستدامة، فضلًا عن تعزيز أسس العمل العربي المشترك والالتزام بمبادئ التضامن العربي بهدف الوصول إلى أرضية مشتركة تؤسس لأمن عربي مشترك يُسهم في محاربة الإرهاب وحماية المنطقة العربية واستقرارها، الأمر الذي يشجع على المزيد من الاستثمارات والمشاريع التنمية.
• تجديد الدعم للقضية الفلسطينية: جدد الاتحاد موقفه التضامني لكل جهد يصب في دعم القضية الفلسطينية، القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، مؤكدًا عزمه على بذل الجهد اللازم في سبيل إعلان قيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة والكرامة على ترابها الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، مجددًا مطالبته لمجلي الأمن وجميع المنظمات الإنسانية الدولية الفاعلة والبرلمانات الديموقراطية والاتحادات البرلمانية الدولية لتحمل مسؤوليتهم القانونية والعمل بمزيد من الجدية والتنسيق والتعاون فيما بينها لوضع حد نهائي للانتهاكات والممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وممارسة جميع أنواع الضغط على السلطات الإسرائيلية للانصياع لمقررات الشرعية الدولية ووقف جميع المخططات الاستيطانية التوسعية والمجازر الدموية التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، ولجم المستوطنين ووقف اعتداءاتهم على المقدسات الإسلامية والمسيحية وكبح استفزازاتهم العدائية المتكررة في باحات المسجد الأقصى المبارك.
• تحقيق التكامل العربي: طالب المجتمعون بضرورة تحقيق التكامل الاقتصادي العربي وتعزيز التعاون بين الشعوب والدول العربية، والارتقاء بالواقع الاقتصادي والتجاري والاستثماري العربي من خلال تبني المجالس النيابية للتشريعات الضرورية واللازمة بهذا الصدد، والمصادقة على الاتفاقيات المتعلقة بتعزيز سبل التبادل التجاري، وتحسين بيئة الاستثمار، وتطوير قطاع الطرق والمواصلات بين الدول العربية وتوحيد المواقف أمام المحافل الدولية المتعلقة بالتجارة والطاقة.
ذلك علاوة على اتخاذ موقف عربي موحد إزاء العديد من التحديات، خاصة ما يتعلق بملف الأمن المائي وحقوق البلدان العربية في حماية حصصها المائية من الأنهار. وتوحيد الآراء والأفكار والمقترحات بما يعم على الدول العربية بالنعيم والاستقرار المنشود الذي يكفل حقوقهم في جميع الجوانب الإنسانية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية. وفي هذا الإطار، ثمَّن رئيس البرلمان العربي عادل بن عبد الرحمن العسومي آلية التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن مؤكدًا أنها تمثل أحد أشكال العمل العربي المشترك وتعد نواة حقيقية للبناء عليها من أجل تعزيز كافة أشكال التكاتف العربي لدعم العراق والتعاون معه في كافة المجالات.
• إدانة مظاهر الإسلاموفوبيا: أدان الاتحاد البرلماني العربي حادثة حرق نسخة من المصحف الشريف على يد متطرفين سويديين، واصفين إياه بالعمل الهمجي والجريمة المروعة، ومعتبرين أنه يعد انتهاكًا صارخًا للمبادئ والمواثيق الحقوقية الدولية، واستفزازًا لمشاعر المسلمين حول العالم، واستهدافًا متعمدًا للقيم الإسلامية، وتغذيةً لخطاب الكراهية والعنف بذريعة حرية التعبير، بدلًا من تعزيز قيم الحوار والتسامح والتعايش ونبذ العنف والتطرف، مجددًا دعوته لأعضاء البرلمانات الدولية والمنظمات الفاعلة لإصدار تشريعات لتجريم مثل هذه الأعمال وإدانتها جملًا وتفصيلًا، والعمل معًا على زيادة التنسيق والتعاون للارتقاء بالخطاب الإنساني المبني على المحبة والسلام وقبول الآخر بغض النظر عن المعتقد أو العرق أو الدين وعدم الخلط بين حرية الدين والمعتقدان وحرية الرأي والتعبير.
وفي هذا الإطار، أيد الاتحاد إدراج بند طارئ على جدول أعمال الجمعية العامة 146 للاتحاد البرلماني الدولي، المقدم من مجلس الشورى القطري، باسم المجموعة البرلمانية العربية، تحت عنوان “تجريم ازدراء الأديان وانتهاك دور العبادة والمقدسات ونشر الكراهية بين الشعوب والدعوة إلى تعزيز قيم التعايش والتسامح والسلام والأمن الدوليين”.
ختامًا، رغم الطابع الدوري لاجتماعات الاتحاد البرلماني العربي إلا أن هذه الدورة جاءت في ظل متغيرات دولية وإقليمية أكسبتها أهمية خاصة، لاسيمَّا أنها حملت إشارة عربية بالترحيب بعودة سوريا لمحيطها العربي، وتعزيز الدور العراقي الإقليمي، وتقوية التكامل العربي في ظل جملة التحديات الاقتصادية التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية بعد انتهاء عامها الأول.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



