مصر

خطوات مصر لتوطين صناعة السيارات الكهربائية

يعد قطاع النقل أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العديد من البلدان، ويرجع السبب الأكبر إلى السيارة التقليدية؛ إذ تمثل المركبات أكثر من نصف الانبعاثات من قطاع النقل، ولذلك تعد صناعة السيارة الصديقة للبيئة ضرورة ملحّة الآن أكثر من أي وقت مضى. وفي ضوء رغبة الدولة المصرية في الاعتماد على الطاقة النظيفة من خلال استخدام المركبات التي تعمل بالكهرباء تلبيةً لاحتياجات السوق المصرية من المركبات، فقد تم التوصل إلى عدد من السياسات البديلة لحل مشكلة التلوث البيئي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وتتمثل هذه البدائل في: الاعتماد على الغاز الطبيعي كوقود للسيارات، والاعتماد على استيراد السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، وتوطين صناعة السيارات الكهربائية في ضوء تضافر جهود القطاع العام والخاص، واستخدام السيارات الهجينة”.

ملامح الاستراتيجية المصرية

وُقعت ثلاث اتفاقيات إطارية لتصنيع السيارات بين الحكومة المصرية وعدد من شركات السيارات المحلية والعالمية، وتهدف هذه الاتفاقيات الإطارية إلى تحقيق تعاون بين ممثلي الحكومة المصرية والشركات، بما يعمل على تحقيق أهداف البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات. وتأتي هذه الاتفاقيات في ضوء اهتمام الحكومة بتطوير وتنمية صناعة السيارات في مصر، وخاصة السيارات صديقة البيئة.

ويعد البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات بمثابة سياسة متكاملة وشاملة لصناعة السيارات والصناعات المغذية لها والتي توفر منظومة مستقرة تتوافق مع جميع الالتزامات الدولية. ويعتمد البرنامج على القطاع الخاص كمحرك أساسي لعملية التنمية، وتساعده  الحكومة عن طريق توفير بيئة مواتية لتعزيز ازدهار صناعة السيارات لتتوافق مع النظام العالمي للإنتاج والتجارة.

ويهدف مشروع تصنيع السيارات الكهربائية الذي يأتي اتساقًا مع رؤية مصر 2030 إلى تمكين مصر كمصنع إقليمي للسيارات الكهربائية؛ إذ تمتلك مصر المكون المحلي لصناعة السيارات الكهربائية بنسبة 45%، مما يؤهلها لتكون من أكبر مصنعي السيارات الكهربائية، وتمتلك الكثير من المهندسين المتخصصين في مجال الكهرباء، ولكنهم يفتقدون إلى بيئة العمل المناسبة. وبدأت مصر كذلك تأهيل الشباب في كليات الهندسة والتكنولوجيا، مع العمل على فتح الكليات والمعاهد التكنولوجية من أجل جذب الشباب لعالم الصناعة.

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ورقة بحثية جديدة تحت عنوان “توطين صناعة السيارات الكهربائية بين الفرص والتحديات”، وتركز الورقة علي وضع صناعة السيارات الكهربائية على مستوى العالم، وأهم الدول المنتجة لها، وإلى أين وصلت اتجاهات المبيعات منها في السنوات الأخيرة، وكذلك ماذا ينتظر لهذه الصناعة في المستقبل، بالإضافة إلى توضيح أهم التحديات التي تواجه توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر في ظل التوجه الحالي لتصنيع أول سيارة كهربائية مصرية، بجانب مزايا التصنيع المحلى للسيارات الكهربائية في مصر، وأبرز الفرص المتاحة أمام مصر للتوسع في توطين هذا النوع من السيارات، والتوصيات اللازمة التي تساعد على هذا التوسع.

قامت الحكومة المصرية بإصدار بعض القرارات التي تشجع وتحفز توطين صناعة السيارات الكهربائية وانتشارها داخل البلاد وكان من هذه القرارات:

  •  أولًا: الاعفاء من الجمارك لسيارات الكهربائية المستعملة المستوردة بشرط ألا تتجاوز عمرها ٣ سنوات.
  •  ثانيًا: فرض رسوم ثابتة بنسبة ٢٪ على جميع المعدات المستوردة من الخارج.
  •  ثالثًا: الإعفاء من ضريبة الدمغة ومصاريف التسجيل على جميع عقود التأسيس، وعقود التمويل والرهن العقاري لمدة 5 سنوات من التسجيل في السجل التجاري.
  • رابعًا: توفير حوافز إضافية لتشجيع الصناعة المحلية مثل “إعانات بنحو خمسون ألف جنيه” لأول “مائة ألف سيارة كهربائية مصنعة محليًا”

وتعاونت وزارة الإنتاج الحربي مع شركة MCV لتصنيع أول أتوبيس كهربائي؛ بهدف مواكبة التطور العالمي لاستبدال الوقود والتوجه لاستخدام الكهرباء. وذلك يؤدي إلى هدفين: الأول توطين تكنولوجيا صناعة السيارات الكهربائية، والثاني تحقيق عائد اقتصادي من خلال إنعاش الصناعة المحلية، وبدوره أدى إلى زيادة تنافسية المنتجات المحلية المصرية. وقام مركز تحديث الصناعة التابع لوزارة التجارة والصناعة بتطوير “البرنامج القومي لتعميق التصنيع المحلي”؛ بهدف دعم الأنشطة الصناعية الواعدة، مثل الصناعات المغذية لتصنيع الأتوبيس الكهربائي لزيادة نسبة المكون المحلي.

دوافع الاتجاه نحو السيارات الكهربائية

إن مصر كانت من أوائل الدول التي وضعت استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة تمثلت في رؤية مصر 2030 والتي أطلقتها الدولة المصرية في فبراير 2016، باعتبارها النسخة الوطنية من الأجندة الوطنية من الأجندة الأممية 2030، تبنت الحكومة ممثلة في وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، نهجًا تشاركيًا يضمن مشاركة كافة الأطراف المعنية في هذا الجهد لرسم مستقبل أفضل وتحقيق التنمية المستدامة لضمان حقوق الأجيال القادمة، لذلك قامت الحكومة المصرية بأخذ القرار بزيادة عدد السيارات الكهربائية من خلال التصنيع أو من خلال التسهيل في الجمارك والذي بدوره يزيد عدد مبيعات السيارات الكهربائية و انتشارها و انخفاض عدد السيارات التي تلوث البيئة والذي يتوافق مع اهداف مصر لرؤية مصر ٢٠٣٠.

ازدادت الحاجة إلى السيارات الكهربائية الفترة الماضية وسيزداد الطلب عليها الفترة المقبلة بسبب زيادة أسعار الطاقة الأحفورية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، منذ بداية الحرب وأسعار الطاقة في ارتفاع مستمر مما أدى إلى زيادة تكلفة الإنتاج على المنتجات، ارتفاع الضغط على ميزانيات الدول، حتى الوصول إلى ارتفاع التكلفة لكل ممتلك سيارة الذي جعل الآن التفكير إلى بيع السيارات التي تعمل بالوقود الحفرية والتوجه إلى سيارات صديقة البيئة

التحديات القائمة

يعتبر أبرز التحديات في ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية وضعف وعي المستهلك بأهمية السيارات الكهربائية، هو عدم وجود شراكة مع شركات التكنولوجيا المتقدمة في صناعة السيارات الكهربائية بعد، لذلك تواجه الحكومة المصرية بعض التحديات في تغير المعتقدات السلبية المنتشرة على سيارات الكهربائية.

على سبيل المثال: يعتقد البعض أن السيارات الكهربائية باهظة الثمن وهذا خطأ، فالسيارات الكهربائية أكثر اعتمادية وأرخص في التشغيل، كما يعتقد البعض أن سيارات البنزين أو الديزل أسرع من السيارات الكهربائية، إلا أن هذا المفهوم خاطئ، فـ السيارات الكهربائية سريعة أيضًا، بالإضافة إلى الاعتقاد أن السيارات الكهربائية ضعيفة، وهذا خطأ فتسارع السيارات الكهربائية وعزم الدوران بها في بداية التشغيل أعلى من السيارات البترولية، و من أكثر المفاهيم الخاطئة انتشارًا هي تلف بطارية السيارة الكهربائية بسرعة، حيث يعتقد البعض أنه يجب تغيير بطارية السيارة الكهربائية كل فترة.

وهذا خطأ، فـبعض البطاريات صممت لتدوم لسنوات طويلة، واخيرًا يعتقد البعض أنه لا يمكن استخدام السيارات الكهربائية في الأجواء الممطرة، رغم أنه يتم اختبار السيارات الكهربائية من قبل الشركات التي صنعت بها، وقبل عملية بيع السيارات يتم اختبارها وتزويدها بأجهزة الشحن المانعة لتسرب الماء، حيث تخضع جميع نقاط الشحن لاختبار أمان صارم قبل تثبيتها.

التوصيات الارشادية

ذكرت الورقة البحثية التي أصدرها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء بعض التوصيات و الارشادات الهامة ومن أبرزها توفير محطات الشحن، ومراكز صيانة السيارات الكهربائية لتشجيع المواطن المصري لزيادة الإقبال على شراء السيارات الكهربائية، وتوطين المكون المحلي بنسبة 50-60% من مكونات السيارة، والاعتماد على الخبرات الأجنبية فيما يتعلق بالبطارية الكهربائية لحين توطين صناعتها محليًا أيضا، والاتجاه نحو توطين تكنولوجيا تصنيع البطارية الكهربائية بالاستفادة من خبرات الشريك الأجنبي حتى يصل توطين السيارة إلى 100%، وتضافر جهود القطاع الخاص مع جهود الدولة والمراكز البحثية بحيث يتمثل دور الحكومة في التخطيط والإنفاق على البحث والتطوير ودعم برامج السيارات الكهربائية.

بالإضافة إلى ان القطاع الخاص له دور في نجاح هذه الخطة الصناعية الذي يتمثل في الحصول على التمويل الحكومي للتصنيع وتسويق السيارات الكهربائية، ويتمثل دور مراكز الأبحاث في تطوير وتوطين التكنولوجيا بالشراكة مع الخبرات المختلفة، والاهتمام بالتعليم الفني في المدارس الصناعية الفنية وتدريبهم في مصانع السيارات الكهربائية، وتوطين صناعة المواد الخام اللازمة لتصنيع السيارات الكهربائية بدلًا من الاعتماد على استيرادها، والاهتمام بالجانب التسويقي، وزيادة وعي المواطنين فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية وأهمية استخدامها بيئيًّا وتشجيعهم على استخدامها.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمد صبرى

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى