
تجديد الدعم: ماذا تحمل زيارة “بايدن” إلى بولندا؟
قبل ثلاثة أيام من مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية؛ يحل الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ضيفًا على العاصمة البولندية “وارسو” في زيارة تستغرق ثلاثة أيام تأتي في وقت بالغ الحساسية، حيث ما زالت الأزمة الروسية الأوكرانية دائرة وتشتد حِدتها وتلقي بظلالها على كافة الأصعدة. وفي هذا السياق تأتي زيارة الرئيس “بايدن” حاملة لعديد من الرسائل.
ووفقًا لما أعلنه المتحدث باسم البيت الأبيض “جون كيربي”، فإن “بايدن” يُخطط لإلقاء خِطاب سيتعهد فيه باستمرار الدعم المالي والسياسي لأوكرانيا وحلف الناتو بأكمله، وسيتضمن توجيه بعض الرسائل للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والشعب الروسي. وأكد “كيربي” على الدعم الأمريكي الثابت لأوكرانيا، وأن الائتلاف الدولي الداعم لأوكرانيا أقوى من أي وقت مضى، وأن الولايات المتحدة ستستمر في دعم كييف “طالما لزم الأمر”.
ومن المخطط أن يجتمع “بايدن” في اليوم الأول مع الرئيس البولندي “أندري دودا” الذي تلعب بلاده دورًا أساسيًا في شبكة الدعم العسكري لأوكرانيا التي تقودها واشنطن. ومن المقرر أن يلتقي “بايدن” يوم الأربعاء مجموعة “بوخارست 9” التي تضم دولًا من شرق أوروبا والبلقان أعضاء في الحلف الأطلسي، وهي: بلغاريا، والتشيك، وإستونيا، والمجر، ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا. وكانت المرة الأخيرة التي زار فيها بايدن وارسو في أواخر مارس 2022، ندد فيها بما وصفه الغزو الروسي لكييف.
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الداعم الأكبر لأوكرانيا بفارق كبير عن الدول الأخرى، وقبل أسبوع من زيارة “بايدن” للعاصمة البولندية “وارسو” أعلن البنتاجون عن حزمة أمنية جديدة من المساعدات لكييف بقيمة 2.5 مليار دولار، تتضمن مركبات مدرعة ودبابات، بالإضافة إلى ذخيرة وصواريخ “هيمارس” (HIMARS). في السياق ذاته، ومُنذ بدء العملية العسكرية الروسية تخطت المساعدة العسكرية والاقتصادية والإنسانية التي منحتها أو صوتت عليها الولايات المتحدة الأمريكية لكييف مليارات الدولارات. ولكن مع حصول الحزب الجمهوري الآن على الأغلبية في مجلس النواب، يبقى أن نرى مقدار المساعدة الإضافية التي سيلتزم بها المشرعون الأمريكيون لدعم كييف.
توقيت الزيارة
تتزامن زيارة “بايدن” إلى بولندا مع خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السنوي عن حالة الأمة، والذي ألقاه اليوم 21 فبراير، وأكد فيه على أنه من المستحيل هزيمة روسيا بساحة المعركة وأن بلاده ستتعامل بالشكل المناسب حيال تحويل الصراع إلى مواجهة عالمية. وفي خٍطاب الرئيس “بوتين” للأمة العام الماضي 2022، اعترف بمناطق “لوهانسك” و “دونيتسك” الانفصاليتين على أنهما مناطق مُستقلة، وألقى خِطابًا في الساعات الأولى من يوم 24 فبراير 2022 قبل أن تبدأ الدبابات الروسية في التوغل صوب أوكرانيا.
وفي هذا السياق، يأتي توقيت زيارة “بايدن” إلى بولندا في وقت بالغ الأهمية وقبل أيام قليلة من دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، وتأتي الزيارة للتأكيد الأمريكي على عدد من الأمور منها:
1 – تبديد المخاوف حول مستقبل الدعم الأمريكي لكييف، حيث تأتي رحلة بايدن إلى وارسو في الوقت الذي يهدد فيه بعض الجمهوريين بقطع التمويل عن أوكرانيا، على الرغم من أن مسؤولي البيت الأبيض واثقون من أن الأموال المخصصة الحالية ستستمر خلال السنة المالية.
2 – طمأنة الجانب الأوكراني، خاصة بعد مطالبات “زيلينسكي” بسرعة إرسال المساعدات الغربية والأمريكية لبلاده، وذلك للحد من القدرات الروسية؛ نتيجة التخوف من شن هجوم روسي واسع النطاق في الأيام القادمة.
لماذا بولندا؟
جاء اختيار بولندا لتكون محطة لزيارة الرئيس “بايدن” كونها الدولة التي تتفهم المعاناة التي تعيشها كييف، وتأتي الزيارة كجزء من مهمة “بايدن” لتعزيز دفاعات الناتو نتيجة استمرار العمليات العسكرية الروسية. فبولندا المجاورة لأوكرانيا تجد نفسها على خط المواجهة الأمامي، فهي على الخط الفاصل بين دول الناتو من جانب وروسيا على الجانب الآخر. وفي أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فتحت بولندا حدودها أمام أكثر من مليوني أوكراني من أصل 3.7 ملايين أوكراني فروا من الهجوم.
ومع تصاعد تهديد بوتين في السنوات الأخيرة، استضافت بولندا مناورات للقوات والطائرات الأمريكية. وفي فبراير 2022 قبل اندلاع الحرب، كانت بولندا واحدة من الدول التي أمر بايدن بإرسال 3000 جندي إليها لتعزيز الجناح الشرقي للتحالف. وقد لعبت بولندا دورًا محوريًا في الحرب الروسية الأوكرانية، وأثنت الولايات المتحدة الأمريكية على دورها داخل الناتو بوصفها داعمًا صريحًا لعمليات تسليم الأسلحة لأوكرانيا، بعكس ألمانيا على سبيل المثال التي كان لابد من الضغط عليها لإرسال دبابات “ليوبارد” لكييف.
في السياق ذاته، لعبت واشنطن دورًا رئيسًا في دعم جهود بولندا لتعزيز أمنها في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. في يونيو الماضي، أعلن “بايدن” عن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية بشكل دائم في بولندا، وهي الأولى لها على الجانب الشرقي لحلف شمال الأطلسي.
ومن ثم، سينظر إلى زيارة بايدن إلى بولندا على أنها تعبير عن العلاقة الوثيقة بين واشنطن ووارسو. وربما تتضمن زيارته توجيه رسالتين مهمتين: الأولى إعادة التأكيد على أن الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا طالما كان ذلك ضروريًا، والثانية هي أنه إذا هاجم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يصل إلى سنتيمتر واحد من أراضي أي عضو في الناتو فسيتم اعتباره هجومًا على الناتو ككل، مما يجلب معه جميع التبعات الإلزامية للدفاع المشترك. ومن المتوقع أيضًا أن يزور بايدن اللاجئين الأوكرانيين في بولندا، كما فعل خلال زيارته الأولى.
في الأخير، تأتي زيارة الرئيس الأمريكي إلى بولندا وسط مخاوف عبر عنها وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” من أن الصين تدرس تقديم مساعدات إلى روسيا لتعزيز جهودها في العملية العسكرية أوكرانيا. لكن وعلى كل حال ستكون زيارة بايدن إلى بولندا “لحظة تاريخية” ستؤكد على قوة العلاقات البولندية الأمريكية ودعم واشنطن لأوكرانيا، وستسفر عن تضامن الولايات المتحدة الأمريكية مع أوكرانيا وشعبها من أجل الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية، مع التأكيد على استمرارية الدعم الأمريكي لأمن الناتو.
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية




