مصر

الرئيس السيسي في القمة العالمية الحكومات.. التجربة المصرية بين مسارات التحدي وخطوط المستقبل

هناك سمة تتسم بها شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ألا وهي مكاشفة الواقع وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، تأصيلًا لمبدأ المصارحة ومشاركة الشعب حقائق الأمر مهما كانت درجة تعقدها أو صعوبتها، أو مدى تأثيرها على حياة المواطنين.

ويمكن تفحص منطقية ذلك وحقيقته، من خلال وقائع الجلسة الحوارية التي نظمت على هامش القمة العالمية للحكومات التي انطلقت اليوم في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، تحت شعار استشراف حكومات المستقبل، بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

إن أجندة القمة العالمية للحكومات في نسختها الحالية تهدف إلى تشكيل مستقبل أفضل للبشرية، حيث ستسلط الضوء على ستة محاور أساسية، وهي، تسريع التنمية والحوكمة، ومستقبل المجتمعات، والرعاية الصحية واستكشاف آفاق جديدة، وحوكمة المرونة الاقتصادية والتواصل، وتصميم واستدامة المدن العالمية، والتعليم والوظائف كأولويات الحكومة.

وتأتي قمة هذا العام، بمشاركة نخبة من قادة الحكومات والوزراء وكبار المسؤولين، وصناع القرار ورواد الأفكار والمختصين في الشؤون المالية والاقتصادية والاجتماعية من مختلف دول العالم، لتبادل الخبرات والمعارف والأفكار التي تسهم في تعزيز التنمية والازدهار حول العالم.

تحدث السيد الرئيس خلال تلك الجلسة الحوارية التي أدارها الاعلامي فيصل بن حريز، حول التحديات التي واجهت الدولة المصرية خلال سنوات العقد المنصرم، وعرج على لحظات السيولة السياسية التي عرفتها مصر لأول مرة خلال عام 2011، ثم تماسك بنية الدولة والتفاف الشعب وإصراره على دعم وحماية هويته وتاريخه في 30 عام 2013، والتي كبدت الدولة المصرية نحو 450 مليار دولار بسبب خوض معركة الإرهاب ومجابهة تهديد سلامة وأمن المواطن، حتى أضحت معها محاولات الإرهاب وتنظيماتهم خيالًا، وكذا التحديات الاقتصادية والاجتماعية وما يتصل بكافة الخدمات التي ينبغي أن تقدم للمواطن بالصورة الملائمة، وضرورة أن تقوم الدولة والمسؤولين بالعمل والاشتباك مع محدداتها، بالصيغة التي تمنحهم القدرة على تجاوزها والاستقرار نحو نقطة آمنة عند منسوب الرضا المجتمعي.

وضرب السيد الرئيس في سياق حديثه خلال الجلسة الحوارية، مثلًا بقضايا محددة واجهتها الجمهورية الجديدة وهي تبحث عن ماهية الحضور ومحددات الحركة في الداخل، وسؤال الضرورة في حسم الأولويات وحصر الالتزامات الطارئة والضرورية. بيد أن تشعب محاور العمل وتعدد الأزمات، فرض بالضرورة حتمية العمل من خلال خطوط موازية، ودون ترجيح مسألة أو ملف على الآخر.

نحو ذلك أشار السيد الرئيس إلى شروعه مباشرة في العمل بشكل متوازٍ صوب كافة الأزمات والتحديات، إذ كان من بين ذلك جهود الدولة في إرساء مشروع التأمين الصحي الشامل، وذلك عبر مدة زمنية قدرتها الدولة بعقد من الزمان، لكن ذلك لم يقيد حركتها صوب بعض المبادرات التي من شأنها أن تعمل على تحسين حياة المواطنين، الأمر الذي بدأ مع مبادرة القضاء على فيروس c وإنهاء معاناة الملايين من هذا المرض.

قضية أخرى طرحها الرئيس، وهي تطوير شبكات الطرق المتهالكة وإضافة ما يلزم نحو تأهيل البنية التحتية للواقع السكاني، وتنشيط وجذب الاستثمارات لتنمية الاقتصاد المصري، وكيف استطاع هذا القطاع أن يستوعب الكثير من شركات المقاولات التي دمجت الملايين من المصريين، الذين عادوا من دول انهارت إثر أحداث عام 2011، مما ساهم في تخفيف معدلات البطالة المتوقعة جراء عودة هذه الأعداد الكبيرة، وكذا النجاح في توفير مبلغ ضخم يصل إلى ثمانية ملايين دولار نتيجة تكدس المركبات في الطرق واستهلاك الوقود.

لم يفت الرئيس أن يضع يده على تحدٍ بارز واجهته الدولة مع أحداث عام 2011، باعتباره عام مفصلي وحاسم كما وصفه الرئيس تمثل في تدهور وضعية الثقة بين المواطن والسلطة، وتفشي مشاعر اليأس بين المواطنين، بما فرض أعباء جمة على الدولة سعت بكل ما تملكه من إرادة أن تعيد روابط الدعم مع المواطن وتصنع معه شراكة المستقبل، عبر مبادئ المكاشفة والتفاعل معه بكل شفافية في كافة القضايا، ثم ترميم جدار الثقة مرة أخرى. ومن خلال ذلك جاء الناتج الاجمالي لمحصلة الرهان الاستراتيجي على قدر وعمق التاريخ المصري، سيما أن الظروف كانت صعبة ودقيقة وما زالت صعوبتها قائمة وحاضرة، بفعل تطورات الوضع الدولي وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وآثار ذلك على كافة دول العالم من ارتفاع معدلات التضخم، وتفاوت القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية.

نحو ذلك، حرص الرئيس على التنويه كون كل ما يسعى إليه أعداء الاستقرار هو شرخ صلابة المجتمع، وتفتيت لحمة المواطن مع بلده من خلال نشر الأكاذيب والادعاءات، خاصة أن فشلهم عبر الهجمات الارهابية واقع وحاضر بفضل تضحيات المصريين. بيد أن جهودهم البائسة ما لبثت أن تسعى نحو العبث فيما بين المسافة التي تفصل بين المواطن والسلطة. غير أن تراكم الحوار والحديث إلى المواطنين من خلال قنوات ومنصات متعددة، كان خط المواجهة الحاسم الذي كفل ترجيح كفة الوطن.

وحرص الرئيس السيسي في سياق حديثه خلال الجلسة الحوارية، على الإشارة إلى تحدٍ التكدس على مساحة صغيرة لا تتجاوز 5% من جغرافيا مصر وضرورة الخروج من الوادي الضيق، الأمر الذي دفع الدولة المصرية إلى انشاء أربع وعشرين مدينة ذكية وكان ذلك الجهد وما زال يتمركز صوب القضاء على مظاهر العشوائية، والعمل على إضافة مساحة جديدة يحيا فيها المصريون، وينطلقون لتحقيق برامج تنموية وقيمة مضافة، لتعزيز مدخلاتهم فضلًا عن العاصمة الإدارية الجديدة وجهد الدولة في تعظيم قيمة الأرض، مما ساهم في كلفة البناء والتشييد خارج أطر الموازنة العامة للدولة.

وشدد الرئيس خلال الجلسة، على أهمية الاستعداد وبذل الجهد في كافة المسارات التي تضمن السير نحو التقدم والازدهار وبذل التضحيات من أجل بلوغ الحلم، وتابع الرئيس قائلًا، إن النجاح لا يمكن أن يتحقق دون العمل والعمل المتواصل كون التحديات كثيرة وضاغطة، عبر ذلك فقط نستطيع القول إننا جاهزون لتنفيذ مشروعاتنا الكبيرة، مثلما هو الحال مع مشروعات الربط الكهربائي مع دول عديدة مثل المملكة العربية السعودية واليونان وايطاليا والسودان وغيرها.

ختامًا، إن التجربة المصرية التي عرضها الرئيس عبد الفتاح السيسي على هامش فعاليات القمة العالمية للحكومات في دبي، لهي تجربة شعب عرف جيدًا معنى التحديات وأدرك عميقًا كافة عناصرها طيلة تاريخه المعاصر، مما أكسبه الصلابة المطلوبة في وجه تحدياته، والإصرار اللازم على تجاوز أثره وتداعياته في الافق المنظور، والتطلع بثقة وإيمان نحو مستقبل مشرق.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى