المركز المصري في الإعلام

د. خالد عكاشة: الدول الأوروبية أصبحت بين شقي الرحى اليمين المتطرف والتطرف الديني

قال الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن هناك العديد من علامات الاستفهام التي لا تزال مفتوحة حول العلاقة بين لندن والشخصيات التي ثبت انخراطها في نشاطات إرهابية أو تصدير خطابات التطرف والكراهية تجاه الآخر والحث على استقطاب عناصر جديدة من الشباب للانخراط في صفوف التنظيمات الإرهابية، مشيرًا خلال مداخلة بقناة “القاهرة الإخبارية” إلى أن المراجعة الأخيرة لبرنامج مكافحة الإرهاب في بريطانيا “بريفنت” كشفت عن هذه المشكلة المتعلقة بالتضارب في العلاقة بين بريطانيا والتنظيمات الإرهابية.

وأضاف أن برنامج “بريفنت” نشأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة، والتي ساد بعدها في الداخل البريطاني حالة أقرب إلى الجدية في مسألة تعقب الشخصيات المنخرطة في التنظيمات الإرهابية، وتشكيل كيانات تتعاون مع وزارة الداخلية لتعقب المتطرفين، ومحاولة وضع استراتيجيات وقائية حتى لا ينتقل هؤلاء المتطرفون من مربع التطرف والكراهية إلى الانخراط الفعلي في التنظيمات الإرهابية. موضحًا أن أشهر هذه الكيانات التي تشكلت كانت الشبكة الوطنية لمكافحة الإرهاب والتي تتعاون مع وزارة الداخلية وضمت في صفوفها شخصيات لها خلفيات مختلفة من الأمنيين والمفكرين والكتاب وعلماء الدين والاجتماع؛ كمحاولة لتقديم مساعدات حقيقية لوزارة الداخلية البريطانية التي تعاونت بشكل جيد مع هذه الشبكة، ونتج عن ذلك عدة تقارير مثل تقرير بريفنت الذي تمت مراجعته في أكثر من مرة منذ 2001 وحتى الآن كي يقدم قراءة عامة للوضع في الداخل البريطاني.

وذكر د. خالد عكاشة أن بريطانيا لديها رؤية فيما يتعلق بالشخصيات الإرهابية أو المتطرفة بأن وجودهم على أراضيها وفتح المجال أمامهم داخل البلاد يعطيها نفاذًا إلى داخل هذه التنظيمات التي ترى بريطانيا أنها من المهم أن تكون على اطلاع على كل ما يجري داخل صفوفها، لافتًا إلى أن لندن قد استخدمت هذه التنظيمات في بعض الأوقات كأوراق ضغط على دول الشرق الأوسط التي تعود إليها أصول معظم هؤلاء المنتمين لهذه التنظيمات.

وأشار إلى أنه غالبًا ما يكون هناك تضارب في الرؤى والمواقف إزاء التعامل مع الشخصيات الإرهابية والمتطرفة بين الحكومات والبرلمانات داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إذ تشير بعض الأجهزة الأمنية بشكل واضح إلى خطورة تنامي نفوذ هؤلاء لكن البرلمانات عادة بما تحويه من شخصيات متنوعة ومختلفة الانتماءات تقيد عمل الحكومات والأجهزة الأمنية في هذا الصدد، وتستند إلى بعض القوانين التي تسمح بحرية الحركة والفكر وهو ما يخدم بشكل كبير هذه التنظيمات ويجعلها قادرة على استغلال مثل هذه التناقضات واختراق الفجوات الواضحة والتي أشير إلى بعضها خلال تقرير بريفنت.

وأفاد المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن مثل هذه الدول تعتقد في بعض محطاتها التاريخية أنها بإمكانها استخدام هذه التنظيمات والشخصيات كأوراق ضغط في حال الاحتياج لهم ضد دولهم، وربما تعتبر وجودهم يخدمها في فك شفرة التنظيمات في حال واجهتها في ساحات أخرى مثلما جرى من بريطانيا وانخراطها في التحالف الدولي لمحاربة داعش في سوريا والعراق، بالإضافة إلى الزج بهؤلاء في بعض المعارك مثلما حدث في أفغانستان خلال الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، وهو ما تحدث النسخة الأخيرة منه خلال الحرب الروسية الأوكرانية عندما تحدثت الدول الغربية عن تجنيد مرتزقة  فيما سمي بالفيلق الدولي للقتال مع أوكرانيا ضد روسيا.

وتابع أن كل هذه الأنماط والأشكال والصور تتورط هذه الدول فيها، بما يكون له تكلفة باهظة فيما بعد، مبينًا أنه ربما يسود انطباع بأن هناك اتفاقًا غير رسمي بين هذه الدول والتنظيمات الإرهابية بأن الدول تسمح لها بحرية حركة مقابل ألا ترتكب هذه التنظيمات أعمالًا إرهابية داخل هذه الدول أو ضد مصالحها، ولكن مع مرور الوقت تنقلب الأمور كما انقلبت في بريطانيا نفسها، وهو ما أشير إليه في تقرير بريفنت بأن بريطانيا تعرضت لأكثر من عملية إرهابية كبرى جراء بعض العناصر المنتمين فكريًا فقط لتنظيم داعش دون حتى الانخراط في صفوفه ودون مغادرة بريطانيا وارتكبوا عمليات دهس وطعن وقتل عشوائي في المدن البريطانية خلال السنوات القليلة الماضية.

وأشار الدكتور خالد عكاشة إلى إشكالية أخرى تواجه الداخل البريطاني والمجتمع الأوروبي في كثير من دوله في الوقت الراهن وهي الوقوع بين شقي رحى وهما اليمين المتطرف والتطرف الديني، وذلك بعد أن حقق اليمين المتطرف في العديد من دول أوروبا صعودًا بارزًا ونسبًا غير مسبوقة، بل وتولى رئاسة بعض الحكومات الأوروبية أو ضمن نسبة معتبرة في التمثيل داخل الحكومات والبرلمانات. لافتً إلى أن الدول الأوروبية ومنها بريطانيا أصبحت تخشى من آثار ذلك، وأشير إليه في الانتقادات التي بدأت توجه إلى برنامج بريفنت وغيره من التقارير الاستخبارية التي تقوم بوضع تقييم عام للحالة الأمنية والتطرف داخل هذه الدول بأن هناك وحشًا جديد وهو مسألة الخطاب اليميني المتطرف المتعصب الذي ينكر الآخر بشكل كبير ويدعو إلى إخراجه وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع في ظل أزمة اقتصادية خانقة وعدد غير مسبوق من اللاجئين والنازحين.

واستطرد “عكاشة” قائلًا إن الدول الأوروبية التي ظلت لعقود تتغنى بمفاهيم الحرية والمساواة أصبحت تحت وطأة هذا الخطاب اليميني المتطرف والاتجاه الذي شكل أحزابًا واستفاد من حرية المعتقد وتداول الأفكار وغيرها من الأمور المتاحة أمامه بشكل واسع، وسمح لهذه الكوادر السياسية والثقافية ان تنشر الخطاب المتطرف الإقصائي، وأصبح كل طرف يغذي الكراهية ضد الطرف الآخر، مشددًا على أن هذه أصبحت هي المعضلة الأمنية والاجتماعية التي تعاني منها الدول الأوروبية بأكثر مما يتعلق بمكافحة مسألة الانضمام لجماعات إرهابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى