دول المغرب العربي

تحديات قائمة: هل تقود نتائج الانتخابات التشريعية إلى عدم الاستقرار في تونس؟

أجرت تونس الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في 29 يناير 2023، بعد أن سبقت وعقدت الدورة الأولى في 17 ديسمبر 2022، وشارك في الجولة الثانية نحو 262 مرشحًا في 131 دائرة انتخابية داخل تونس بحوالي 895002 ناخب من إجمالي الناخبين المسجلين والذين يقدر عددهم بنحو 7853447. لم تختلف نسبة المشاركة كثيرًا عن الجولة الأولى وقد بلغت 11.40%، وفاز في الدور الثاني 131 مرشحًا منهم 22 نائبة و109 نواب وفقا للنتائج الأولية التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في أوائل فبراير الجاري. ووفقًا للقانون الانتخابي، يجب أن يحظى المرشح بأغلبية مطلقة في الدائرة أي (50%+1)، وفى حال عدم فوزه في الدورة الأولى بهذه النسبة تجرى دورة تالية.

وقد أجريت الجولة الأولى من الانتخابات بنسبة مشاركة بلغت 11.2% وفاز حوالى 23مرشحًا، لكن تُعد نسب المشاركة محدودة مقارنة بالانتخابات السابقة في 2019 والتي بلغت نسبتها نحو 41.3%. انعقدت الجولة الأولى في انتخابات 2022 لمدة ثلاثة أيام في الخارج في الفترة من 15-17 ديسمبر الماضي ولمدة يوم واحد في الداخل، وبلغ عدد المرشحين 1055 مرشحًا بحوالي 936 رجلًا و122 سيدة، وتنافس المرشحون على 161 مقعدًا بعد تخفيض عدد المقاعد من 217 مقعدًا. وسوف تعلن النتائج النهائية في 4 مارس القادم، على أن يمارس البرلمان الجديد عمله، ويبدأ تشكيل الحكومة الجديدة. وتبقى خطوة أخرى لاحقة هي تشكيل “المجلس الوطني للجهات والأقاليم”. ضمن هذا السياق تناقش الورقة موقف الرأي العام في تونس، والتحديات القائمة أمام الحكومة والبرلمان القادم.

موقف الرأي العام التونسي

جرت الانتخابات الأخيرة في إطار التدابير الاستثنائية والمراسيم التي اتخذت من قبل الرئيس قيس سعيد لإدارة شؤون الدولة في يوليو 2021، ثم مدها مرة أخرى في 24 أغسطس والتي تضمنت: تجميد اختصاصات المجلس النيابي، ورفع الحصانة عن أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، ثم تعيين نجلاء بودن لرئاسة الحكومة في سبتمبر 2021. وإعلان خارطة طريق في 13 ديسمبر 2021 والتي تضمنت: استمرار تعليق المجلس النيابي إلى تاريخ تنظيم انتخابات جديدة، بالإضافة إلى تنظيم استشارات إلكترونية انتهت في مارس 2022، ثم بعدها تم إجراء استفتاء على التعديلات الدستورية في 25 يوليو 2022، وتم تحديد موعد عقد الانتخابات التشريعية وفقًا لقانون انتخابي جديد في 17 ديسمبر 2022.

وفقًا للخطوات السابقة المعلنة من قبل الرئاسة التونسية، فقد حظيت ببعض التأييد من قبل عدد من القوى، بينما واجهت معارضة كبيرة من العض الآخر، وازداد عدد القوى المعارضة لقرارات الرئيس وللمسار المتبع، فبينما كان الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الدستوري الحر مؤيدين لمسار عدم العودة لما قبل يوليو 2021 من حيث استمرار حكم الإخوان في تونس والنهضة في رئاسة البرلمان، وداعمين للحوار كسبيل للخروج من الأزمة التي تمر بها الدولة، وكانت المعارضة ممثلة فقط في حزب النهضة والقوى التابعة لها (حزب أمل، حزب حراك تونس الإرادة، ائتلاف الكرامة، حزب قلب تونس، حراك مواطنون ضد الانقلاب، اللقاء الوطني للإنقاذ، توانسة من أجل الديمقراطي، اللقاء من أجل تونس، اللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتنسيقية نواب المجلس)؛ حدث تحول في موقف كل من الحزب الدستوري الحر والاتحاد العام التونسي للشغل برفض المسار الفردي الذي ينتهجه الرئيس، وحاول الاتحاد تقديم بعض المبادرات لإنقاذ الدولة من الأزمة التي تمر بها.

فأعلن اتحاد وعدد من المنظمات منها “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” و”هيئة المحامين” و”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” عن مبادرة الإنقاذ الوطني وكان أول اجتماع لها في 27 يناير 2022 وتهدف هذه المبادرة إلى التشارك مع شخصيات وطنية، لصياغة رؤية موحدة وتقديمها إلى المجتمع المدني في إطار حوار أو منتدى سوف يتم تنظيمه لاحقًا، من خلال لجان اقتصادية واجتماعية وسياسية؛ بهدف إنقاذ تونس من الأزمة السياسية والاقتصادية.

فقد تصاعدت ردود الفعل الغاضبة من نتائج الانتخابات التشريعية، وعملت الأحزاب المعارضة على تشكيل جبهة موحدة ضد الرئيس، لاسيما في ظل ضعف نسبة المشاركة التي اعتبرتها المعارضة تعكس فقدان الثقة في النظام وتفقده الشرعية بما يرتب ضرورة إجراء انتخابات مبكرة، وهو  ما عبر عنه بيان جبهة الخلاص الوطني برئاسة “أحمد الشابي” عقب الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية.

أما الحزب الدستوري الحر فيواصل اعتراضه أمام مقر منظمة الأمم المتحدة بتونس منذ 14 يناير الماضي من أجل الدفاع عن حق الشعب في تقرير مصيره، واختيار حكامه وممثليه بالمجالس المنتخبة عبر انتخابات نزيهة ومطابقة للمعايير الدولية، ويطالب الحزب “بعدم الاعتراف بالمسارات الانتخابية غير المطابقة للمعايير الدولية ولا بالمؤسسات المنبثقة عنها”.

تحديات قائمة

ترتب الانتخابات التشريعية جملة من التحديات والتي تنعكس على المشهد من حيث التأثير على شكل العملية الديمقراطية في الدولة، لاسيما في ظل مقاطعة أغلب القوى المعارضة للانتخابات وللمسار الذي اتبعه الرئيس، وربما استمرار تراجع تصنيف الدولة في المؤشرات الدولية في ظل غضب الرأي العام، والذي ربما يظهر بعد ذلك في شكل احتجاجات وإضرابات تعرقل مسار العملية السياسية، لكن لن تؤثر نسبة المشاركة أو النتائج بالسلب في حال مضي الدولة في احتواء الخلافات مع القوى السياسية والاجتماعية وعقد حوار فيما بينها، والتوصل إلى رؤية توافقية.

من ناحية أخرى؛ وفي حال المضي في المسار المخطط والمتبع من قبل الرئيس قيس سعيد، فإن الخطوات التالية ووفقًا للمادة 101 من الدستور التونسي الجديد تتمثل في أن يعين الرئيس سعيد رئيس الحكومة، ويعين بقية أعضائها باقتراح من رئيسها، ورئيس الجمهورية هو من ينهى مهام الحكومة أو عضوًا منها تلقائيًا أو باقتراح من رئيس الحكومة وفقًا للمادة 102.

وتكون الحكومة المقبلة مسؤولة أمام رئيس الجمهورية وليس أمام البرلمان طبقًا للمادة 111 من الدستور، فضلًا عن أن البرلمان القادم بمجلسيه (مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم) لهما أن يعارضا الحكومة في مواصلة تحمل مسؤولياتها بتوجيه لائحة لوم معللة وموقعة من نصف أعضاء المجلسين، ويقبل رئيس الجمهورية استقالة الحكومة إذا وقعت المصادقة على لائحة لوم بأغلبية الثلثين لأعضاء المجلس مجتمعين وفقا للمادة 115.

وعليه، في حال استقرار الأوضاع السياسية وبدء البرلمان في ممارسة أعماله وتم تشكيل الحكومة الجديدة، تظل التحديات قائمة في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والذي قد يقود إلى صدام بين الرئيس والقوى السياسية والاجتماعية. ويبقى الرهان هنا على استطاعة الحكومة معالجة الأوضاع الاقتصادية ومواجهة الفساد داخل الدولة. هذا بجانب أن الإجراءات التقشفية التي يجب اتّباعها للحصول على قرض صندوق النقد الدولي ، من حيث خفض أجور القطاع العام، وتقليص الدعم، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، لن نكون مقبولة من جانب الاتحاد العام التونسي للشغل، مما يقود إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار.

ويشترط الصندوق موافقة المنظمات النقابية على برنامج الإصلاح لمنح القرض، ومن ثم يحتفظ الاتحاد بحق النقض، كما حدث في السابق في فترة حكومة يوسف الشاهد، ومن ثم يعرقل ذلك خطط الحكومة، وبالتالي استمرار الأزمة المالية والاقتصادية، في ظل ضغوط تعاني منها الدولة؛ إذ بلغ الدَّيْن المحلي ما يقرب من 80%، ووصلت نسبة البطالة 16.8 % في عام 2021، وبلغ مستوى التضخم نحو 10% في ديسمبر 2022، وبلغ الدين الخارجي لتونس 101.1 في عام 2020، وأصبحت تونس من بين الدول الأقل احتمالًا لسداد ديونها الخارجية.

لذلك خفضت وكالة “موديز” تصنيف تونس من B3 إلى Caa1 في أكتوبر 2021، ثم تم تخفيض التصنيف مرة أخرى في يناير 2023 إلى Caa2 ، وخفضت وكالة “فيتش” تصنيفها من B- إلى CCC  في مارس 2022، وعليه فإن انخفاض تصنيفها قد يشير إلى تعقد إجراءات إقراضها من جانب المنظمات الدولية مما يزيد من عبء الضغوط الاقتصادية على الدولة. يضاف إلى ذلك أزمة القمح نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية، واعتماد تونس على واردات الحبوب (60% من القمح، 66% من الشعير) من روسيا وأوكرانيا. وفاقمت الحرب كذلك من احتياجات تونس التمويلية إلى 8.8 مليارات دولار بعد الزيادة الحادة في أسعار الغذاء والطاقة.

ارتباطا بالسابق؛ يقع على عاتق الحكومة القادمة في حال تحقق الاستقرار السياسي التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فقد سبق وأجريت مشاورات مع خبراء الصندوق والسطات في تونس حول تسهيل الصندوق الممدد بقيمة 1.9 مليار دولار أمريكي لدعم السياسات الاقتصادية في الدولة خلال الفترة 10-15 أكتوبر الماضي؛ بهدف استعادة استقرار الاقتصادي الكلى وتنفيذه خلال مدة 48 شهرًا، وهو ما يتطلب من الحكومة الجديدة العمل على استكمال خطوات تنفيذه بما يتطلب مجموعة من الإجراءات الاقتصادية التي تتطلب التوافق حولها بين المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في تونس.

ختامًا؛ تعد الانتخابات التشريعية التونسية خطوة في مسار الإصلاح الذي تم اتباعه من قبل النظام في تونس، لكن يبقى التوافق واحتواء الخلافات السياسية خطوات أكثر ضرورة في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية يعاني منها المواطن، والعمل على مواجهتها يضفي مزيدًا من الشرعية والرضا الشعبي بما يحقق الاستقرار داخل الدولة.

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى