آسيامصر

قراءة في مخرجات الزيارة التاريخية للرئيس “السيسي” للهند

تعكس استضافة الهند للرئيس عبد الفتاح السيسي، كضيف شرف في احتفالها الـ 74 بيوم الجمهورية الذي وافق الخميس 26 يناير 2023؛ الأهمية الكبيرة التي توليها الهند لعلاقاتها مع مصر، وكذلك تعكس المصالح الاستراتيجية للهند في المنطقة انطلاقًا من تطلع “نيودلهي” لتعميق علاقاتها مع الشرق الأوسط.

يشمل احتفال الهند بيوم الجمهورية عرضًا عسكريًا ضخمًا، حيث تتم دعوة زعيم أجنبي –كضيف شرف- لحضور الاحتفال. ويتم تحديد اختيار الضيف كل عام وفقًا لعدد من الأسباب الاستراتيجية والدبلوماسية، والمصالح التجارية، والسياسة الجغرافية الدولية.

يرجع الكثير من المحللين والمعلقين اختيار الهند للرئيس “السيسي” هذا العام لعدد من الأمور، على رأسها إيلاء الاهتمام من قِبل الحكومة الهندية في إشراك “الجنوب العالمي”، وإعادة إحياء مبادئ “عدم الانحياز” التي عادت إلى الواجهة بعد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا. واستغرقت زيارة الرئيس “السيسي” للهند ثلاثة أيام أجرى خلالها محادثات مع رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” ورئيسة الهند السيدة “دروبادي مورمو”، فضلًا عن اجتماعات مكثفة مع رجال الأعمال الهنود.

دلالات اختيار “نيودلهي” للرئيس السيسي لحضور الاحتفال

تكمن دوافع “الهند” في اختيار القادة الأجانب إلى أهميتهم في مصالح سياستها الخارجية. وفي الآونة الأخيرة، استضافت “نيودلهي” ممثلين من البرازيل وجنوب إفريقيا ورابطة دول جنوب شرق آسيا وفرنسا والولايات المتحدة. ويعكس اختيار “السيسي” هذا العام؛ إلى التعزيز الهادئ للعلاقات المصرية-الهندية، والتلميح إلى ميل الهند نحو منطقة “الشرق الأوسط”، التي تعتبرها “الهند” ذات أهمية استراتيجية كبيرة.

وجدير بالذكر أنه يمكن استخلاص بعض أوجه التشابه بين كلا البلدين، فكلًا من مصر والهند كانتا عضوًا في حركة “عدم الانحياز” التي تشكلت إبان الحرب الباردة، وتطورا لاحقًا لقوى إقليمية. وانخفضت العلاقات إزاء تقارب مصر من الولايات المتحدة وتقارب الهند من الاتحاد السوفيتي. لكنها سرعان ما تعمقت في العقود الأخيرة باجتماعات رفيعة المستوى وتدريبات عسكرية مشتركة وزيادة حجم التجارة بين البلدين، حيث تعد الهند حاليًا ثالث أكبر سوق تصديري لمصر. وفي سياق آخر، تبرز مصر كشريك رئيس للهند في منطقة “غرب آسيا” وينظر إليها على أنها جسر يربط بين “غرب آسيا” و “أفريقيا”. 

في السياق ذاته، هناك عدة أسباب استراتيجية تدفع “الهند” لتعميق العلاقات مع مصر، منها:

  • أولًا، الجغرافيا: حيث تعد قناة السويس وخليج عدن من أهم طرق التجارة الدولية. 
  • ثانيًا، المكانة: تعد مصر أكبر دول الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، بالإضافة إلى قوتها العسكرية المتمثلة في الجيش المصري أحد أقوى جيوش منطقة الشرق الأوسط. 
  • ثالثًا، أهمية استراتيجية، إذ تمثل مصر أهمية كبيرة بالنسبة للهند في منافسة الصين من الناحية الجيوسياسية، حيث استثمرت الصين مؤخرًا بكثافة في كافة القطاعات المصرية. 

لذلك، ليس من المستغرب أن تختار الهند الرئيس “السيسي” كضيف رئيس في يوم الجمهورية هذا العام. ولعل المثير للدهشة هو أنه خلال ما يقرب من 70 عامًا من الاحتفال بهذا اليوم، كانت هذه هي المرة الرابعة فقط التي تمنح فيها لقائد من الشرق الأوسط، الأمر الذي يدلل على علاقات الهند المتنامية مع دول المنطقة، ويتماشى مع دورها المتغير على المسرح العالمي الذي تفرضه معطيات الوضع الراهن. 

أهمية الشرق الأوسط للهند

عندما تدعو “الهند” رئيس دولة شرق أوسطية لحضور يوم الجمهورية، فإنها بالتأكيد تتطلع لإيجاد مكانة لها في منطقة تعج بكثير من الثروات، حيث يعد الشرق الأوسط مصدر مهمًا لواردات الطاقة الهندية ومساعدات البنية التحتية وموردًا رئيسًا للتقنيات الزراعية الموفرة للمياه. وتستضيف منطقة الخليج العربي أكثر من 8 ملايين عامل هندي، كثير منهم يرسلون تحويلات مالية لبلدهم. وعلى عكس العديد من الشركاء الغربيين، لا ينتقد قادة الشرق الأوسط نيودلهي بسبب سياساتها الداخلية، حيث ابتعدت دول الشرق الأوسط عن التطرق للعنف الذي تمارسه “الهند” ضد الأقلية المسلمة وكذلك الخطاب المتطرف، اللهم إلا بعض التصريحات التي تدين وتشجب في بعض الأحيان.

وتسعى الهند من خلال علاقات مصر الطيبة مع العديد من دول الشرق الأوسط-بما فيهم إسرائيل- إضافة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية أخرى من خلال اتفاقيات أبراهام لعام 2020، لكسب شركاء تجاريين، كما تخلق للهند العديد من المسارات لمتابعة الترتيبات متعددة الأطراف في المنطقة. الأمر الذي يجعل لعلاقات نيودلهي المتنامية مع القاهرة دورًا في تسهيل علاقات متعددة الأطراف، حيث يحرص كلا البلدين على متابعة “التنسيق الوثيق” بشأن المسائل الإقليمية من الأمن إلى الاستجابة للأزمات العالمية.

في السياق ذاته، يمنح الشرق الأوسط الهند فرصًا لإظهار نفوذها الدبلوماسي والتزامها بالتعددية في مناطق أخرى خارج آسيا، لا سيما أنها تتطلع إلى الاستفادة من رئاستها “لمجموعة العشرين” لتكون بمثابة جسر بين الاقتصادات الغنية والدول النامية. كما تتوافق علاقة الهند مع مصر بشكل جيد مع هذا الطموح؛ حيث تتمتع القاهرة بعلاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية العضو الشرق أوسطي الوحيد في مجموعة العشرين.

مخرجات زيار ة الرئيس “السيسي” للهند

الزيارة التي استمرت لثلاثة أيام من 24 إلى 26 يناير 2023 تعد ثاني زيارة يقوم بها للهند، إذ سبق أن زار “السيسي” الهند في أكتوبر 2015 للمشاركة في القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا. ووفقًا لما أعلنه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية السفير “بسام راضي” فقد رافق الرئيس “السيسي” وفدًا رفيع المستوى ضم وزير الخارجية، ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وزيرة التخطيط، وكذلك عدد من كِبار مسؤولي الحكومة المصرية. 

اتفقت الهند ومصر على رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية” التي تغطي الجوانب السياسية والأمنية والدفاعية والطاقة والاقتصادية، كما وقعت مصر عددًا من مذكرات التفاهم المشتركة مع الهند في عدد من القطاعات، والاتفاق على تعزيز أوجه التعاون الثنائي بينهما في عدد كبير من الملفات منها: 

  • تعزيز الشراكة: قرر الزعيمان الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية” التي تغطي المجالات السياسية والأمنية والدفاعية والطاقة والاقتصادية. ويسعى الجانبان من خلال ذلك إلى تعظيم المصالح المشتركة وتعزيز الدعم المتبادل للتَّغَلّب على الصعوبات الناجمة عن مختلف الأزمات والتحديات المتتالية التي يواجهها العالم. وقد اتفق الجانبان على توثيق التعاون السياسي والأمني، وتعميق المشاركة الاقتصادية، وتقوية التعاون العلمي والأكاديمي، فضلًا عن توسيع الاتصالات الثقافية والشعبية.
  • الاهتمام بمصالح الجنوب العالمي: اتفق الزعيمان على العمل سَوِيًّا بشكل وثيق خلال فترة رئاسة الهند لمجموعة العشرين، والتأكيد على أن مصالح وأولويات “الجنوب العالمي” يجب أن تحظى باهتمام وتركيز في المنتديات العالمية الرئيسية، بما في ذلك مجموعة العشرين.
  • تعزيز العلاقات السياسية: أكدت الدولتان التزامهما بالتعددية، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والقيم التأسيسية لحركة عدم الانحياز، واحترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول. واتفق الجانبان على العمل معًا لتعزيز وحماية هذه المبادئ الأساسية من خلال إجراء المشاورات والتنسيق المنتظم على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، مع الأخذ في الاعتبار الحساسيات الثقافية والاجتماعية لجميع الدول.
  • التعاون الاقتصادي: أعرب الزعيمان عن تقديرهما للمشاركة الاقتصادية الثنائية القوية، وأعربا عن ارتياحهما للمستوى الحالي للتجارة الثنائية التي سجلت رقمًا قياسيًّا قدره 7.26 مليارات دولار أمريكي في العام المالي 2021-2022، وذلك على الرغم من التحديات التي مثلتها جائحة “كوفيد-19”. كما أعربا عن ثقتهما في إمكانية تحقيق هدف وصول حجم التجارة الثنائية إلى 12 مليار دولار أمريكي في غضون السنوات الخمس المقبلة، وذلك من خلال تنويع سلة التجارة والتركيز على القيمة المضافة.
  • توسع الاستثمارات: رحب الزعيمان بتوسيع الاستثمارات الهندية في مصر والتي تزيد حاليًّا عن 3.15 مليارات دولار أمريكي، واتفقا على تشجيع الشركات في دولتيهما على استكشاف الفرص الاقتصادية والاستثمارية الناشئة في الدولة الأخرى. وترحب مصر بتدفق المزيد من الاستثمارات الهندية وتعِد بتقديم الحوافز والتسهيلات وفقًا للوائح والأطر المعمول بها. كما يدرس الجانب المصري إمكانية تخصيص مساحة أرض خاصة للصناعات الهندية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، على أن يقوم الجانب الهندي بإعداد الخطة الرئيسة لتفعيل ذلك.
  • تبادل الخبرات: اتفق الجانبان على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات بناء القدرات وتبادل الخبرات في المجالات التنموية في ضوء نجاح التجربة المصرية في تنمية المناطق الريفية في إطار مشروع “حياة كريمة”، وكذلك تجربة الهند في استخدام التكنولوجيا لمكافحة الفقر.
  • احتواء أزمة الغذاء العالمية: شهد الاجتماع الثنائي مناقشات حول القضايا الدولية مثل الصراع في أوكرانيا وتأثيراته على سلاسل التوريد الغذائية. ونتيجة أن مصر تستورد معظم حاجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، فقد تأثرت بالأزمة بشكل خاص، وفي هذا السياق، تدرس الهند تزويد مصر بالحبوب، خاصة أنها زودت مصر بقرابة 61 ألف طن العام الماضي متجاوزة الحظر الذي فرضته على تصدير القمح. وذلك في إطار الالتزام باللوائح والمعايير التجارية المعمول بها في كل من الدولتين وكذا مبادئ التنافسية والشفافية، وأكد الجانبان عزمهما على التعاون في تجارة السلع الاستراتيجية والمطلوبة لتحقيق الأمن الغذائي بحيث تستطيع الدولتان احتواء تداعيات أزمة الغذاء العالمية.
  • التعاون الدفاعي: أكد الزعيمان على أهمية التعاون الدفاعي في تعزيز الشراكة الثنائية، وقررا التركيز على تعميق التعاون بين الصناعات الدفاعية في البلدين واستكشاف مبادرات جديدة لتكثيف التعاون العسكري. وأعربا عن تقديرهما للتقدّم المحرز في تنفيذ نتائج الاجتماع التاسع للجنة الدفاع المشتركة الذي عقِد في القاهرة في نوفمبر 2019، وتطلعهما لانعقاد الاجتماع العاشر لهذه اللجنة قريبًا في الهند. كما أعرب الزعيمان عن ارتياحهما لوتيرة التعاون المتسارعة بين قواتهما المسلحة من خلال التدريبات المشتركة والزيارات الثنائية رفيعة المستوى. وأشارا إلى أن مشاركة القوات الجوية الهندية في أول “تدريب جوي تكتيكي مشترك” على الإطلاق في مصر في أكتوبر 2021 وفي “برنامج القيادة التكتيكية” للقوات الجوية المصرية في يونيو 2022 قد أدى إلى تفاهم أفضل بين القوات الجوية لكلا البلدين. ويتطلع الزعيمان إلى المزيد من مثل هذا التعاون الذي يخدم مصلحة البلدين.

واتفق الجانبان على تعزيز وتعميق التعاون الدفاعي في جميع المجالات، لا سيما من خلال تبادل الخبرات التكنولوجية في الصناعات الدفاعية، وزيارة التدريبات العسكرية، وتبادل أفضل الممارسات. كما شددا على الحاجة إلى الإنتاج المشترك في القطاع الدفاعي ومناقشة مقترحات محددة في إطار لجنة الدفاع المشتركة.

  • مكافحة الإرهاب: أعرب الجانبان عن قلقهما من انتشار الإرهاب في جميع أنحاء العالم، واتفقا على أنه يشكل أحد أخطر التهديدات الأمنية للإنسانية. ودان الزعيمان استخدام الإرهاب كأداة للسياسة الخارجية، داعين إلى عدم التسامح مطلقًا مع الإرهاب وجميع من يشجعونه ويدعمونه ويمولونه أو من يوفرون ملاذات للإرهابيين والجماعات الإرهابية، مهما كانت دوافعهم. وشددا على الحاجة إلى قيام المجتمع الدولي بتنسيق العمل بهدف القضاء على الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، بما في ذلك الإرهاب العابر للحدود. ودعا الزعيمان جميع الدول إلى العمل على اجتثاث الشبكات الإرهابية وملاذاتها الآمنة والقضاء على بنيتها التحتية وقنوات تمويلها ومنع تحركات الإرهابيين عبر الحدود.

وشددا الزعيمين على الحاجة إلى نهج شامل لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. واتفقا على الحاجة إلى عقد اللجنة المشتركة حول مكافحة الإرهاب على نحو منتظم لتبادل المعلومات وأفضل الممارسات. واتفق الجانبان أيضًا على تعزيز التفاعل بين مجلسي الأمن القومي في الدولتين.

  • التعاون في مجال الأمن السيبراني: اتفق الزعيمان على توسيع التعاون في مجال الفضاء من خلال الاستفادة من خبرة الهند في بناء وإطلاق الأقمار الصناعية وتطبيقات تكنولوجيا الفضاء. وبحثا تعزيز التعاون في أبحاث الفضاء في مجالات مثل الاستشعار عن بعد، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وعلوم الفضاء، والتطبيقات العملية لتكنولوجيا الفضاء.

وأعربا عن رغبتهما في تعميق المداولات حول تطبيق القانون الدولي على الفضاء الإلكتروني ووضع معايير للسلوك المسئول للدول، وذلك في ضوء التحديات الأمنية الخطيرة الناجمة عن الزيادة المقلقة في الاستخدامات الخبيثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ورحب الزعيمان بتوقيع مذكرة التفاهم بشأن التعاون في مجال الأمن السيبراني.

  • قطاع الصحة: إدراكًا للتحديات التي فرضتها جائحة كورونا، خاصةً في دول العالم النامي، اتفق الجانبان على التعاون لضمان سلاسل إمداد عالمية أكثر قوة، ورفع درجة التأهب وتعزيز الحصول على الرعاية الصحية. وأعربا عن تقديرهما للدعم والتعاون اللذين قدمهما الجانبان خلال الجائحة ورحبا بالتعاون بين البلدين في مجال تصنيع اللقاحات. كما أعرب الزعيمان عن تقديرهما لبرامج التطعيم الجماعية ضد فيروس كورونا في مصر والهند، وكذا مبادراتهما الإنسانية لتوفير اللقاحات والمستلزمات الطبية والأدوية للدول في جميع أنحاء العالم. وأعرب الزعيمان عن عزمهما تعزيز التعاون في مجال الرعاية الصحية والأدوية والمستحضرات الصيدلانية. كما أكد الجانبان على أهمية زيادة التبادلات العلمية والأكاديمية مع التركيز على تبادل الخبرات والأبحاث في مجالات تكنولوجيا المعلومات والطب والأدوية.
  • التنمية الخضراء: أعرب الجانبان عن ارتياحهما لإيلاء أولوية قصوى لقضايا تغير المناخ والبيئة والتنمية المستدامة، وكذا تشجيع استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة. 

وفي هذا السياق، هنأ رئيس الوزراء ناريندرا مودي الرئيس عبد الفتاح السيسي على استضافة مصر الناجحة لأعمال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كوب 27 التي عقدت في مدينة شرم الشيخ في شهر نوفمبر 2022. 

وأكد الزعيمان التزامهما الراسخ باتخاذ إجراءات مناخية طموحة على أساس المبادئ المتفق عليها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس، والتي تقضي باتخاذ مسارات نظيفة ومنخفضة الكربون وفقًا للظروف الوطنية لكل دولة. وأكدا عزمهما على تسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة بهدف الوفاء بالتزامات العمل المناخي ذات الصلة. ورحب الجانبان بقيادة مصر للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، خاصةً فيما يتعلق بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار لمساعدة البلدان النامية المعرضة للآثار السلبية لتغير المناخ، ورحبا أيضًا بإطلاق “المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد”.

  • العلوم والتكنولوجيا والتعليم: اتفق الجانبان على أهمية التعاون بين البلدين في مجالات التكنولوجيات الناشئة من خلال تبادل أفضل الممارسات والقيام ببحوث مشتركة في المجالات ذات الاهتمام المتبادل. وإدراكًا منهما للإمكانات الهائلة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تعزيز الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، رحب الزعيمان بتوقيع الجانبين على مذكرة تعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات مع التركيز على الحوكمة الإلكترونية وتقديم الخدمات العامة الإلكترونية، وإعادة تأهيل وصقل مهارات المواهب الشابة في مجالات التقنيات الجديدة والناشئة. كما رحبا بعمل شركات هندية في مصر متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وأعربا عن ثقتهما في توثيق التعاون في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
  • الفنون والثقافة والتراث: رحب الجانبان بتوقيع مذكرة تفاهم في مجال الثقافة بين البلدين، والتي ترمي إلى زيادة تعزيز التبادلات الثنائية في مجالات الموسيقى والمسرح والأدب والمكتبة والمحفوظات والمهرجانات الثقافية. 

وأكد الزعيمان أن المعالم التاريخية والمواقع الأثرية في مصر والهند تمثل كنوزًا لا تقدر بثمن من التراث الثقافي للبشرية. وأعربا عن أملهما في تكثيف الجهود المشتركة بين البلدين للحفاظ على المواقع الأثرية وحمايتها بهدف تعميق فهم التاريخ الإنساني وزيادة الوعي الثقافي لدى الشعبين.

في إشارة إلى أهمية تعزيز الاتصالات الشعبية بين مصر والهند، اتفق الزعيمان على دراسة مدى إمكانية تنظيم مهرجانات مشتركة، وتشجيع تبادل الزيارات بين الشخصيات الرائدة في مختلف المجالات الفنية، واستكشاف الجوانب الثقافية المشتركة، وكذلك تشجيع ترجمة الأعمال الأدبية، ودعم الإبداع السينمائي، وتطوير صناعة السينما في البلدين.

وتناول الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال السياحة من خلال تشجيع الفعاليات السياحية والترويجية. واتفقا على العمل على تشغيل رحلات جوية بين القاهرة ونيودلهي، والتي قد يتبعها تشغيل رحلات مباشرة بين نقاط الاتصال الأخرى في الدولتين، وفقًا لما سيتم الاتفاق عليه مستقبلًا. ويلتزم البلدان بتشجيع شركات الطيران في بلديهما على الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك من خلال تقديم كافة التسهيلات الممكنة والتيسيرات المطلوبة.

  • الأطر متعددة الأطراف: يولي الجانبان أهمية كبيرة لإصلاح هيكل الحوكمة في النظام الدولي متعدد الأطراف من خلال التنسيق بين البلدان النامية والدول متشابهة الفكر فيما يتعلق بالقضايا المشتركة ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر، وتغير المناخ، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة.

أقر الزعيمان بالتعاون الوثيق بين مصر والهند في مختلف المحافل متعددة الأطراف، وأكدا التزامهما بتحقيق إصلاحات شاملة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك من خلال توسيع فئتي العضوية وتعزيز تمثيل الدول النامية. وقد أعربت الهند عن تقديرها لجهود مصر خلال فترة عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة 2016-2017. ومن جانبها، أعربت مصر أيضًا عن تقديرها لمساهمات الهند خلال فترة عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة 2021-2022. كما اتفق البلدان على التعاون عندما يتم انتخاب أي منهما كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وأحاطت مصر علمًا بترشح الهند للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة 2028-2029.

وكذلك سلط الزعيمان الضوء على الدور الريادي لمصر والهند في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، خاصةً في ضوء كونهما من بين أكبر عشر دول مساهمة بقوات عسكرية وشرطية في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وفي هذا السياق، أكد الجانبان على أهمية ضمان مشاركة البلدان المساهمة بقوات حفظ السلام في عمليات صنع القرار المتعلقة بتلك البعثات.

ووقع الجانبان خمس مذكرات تفاهم تغطي الثقافة والتعاون في شؤون الشباب والأمن السيبراني والمعلومات والتكنولوجيا والبث العام.

اجتماعات منفصلة

في سياق آخر، أجرى الرئيس “عبد الفتاح السيسي” اجتماعات منفصلة مع رئيس مجلس إدارة شركة “رينيو باور الهندية العالمية للطاقة النظيفة” السيد “سومانت سينها”، وأكد الرئيس السيسي اهتمام مصر بالتعاون مع الجانب الهندي نظرًا للخبرة العريضة التي يتمتع بها في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، حيث يحظى قطاع الطاقة الخضراء بدعم غير مسبوق من الدولة كإحدى أهم أولوياتها. 

وأثنى رئيس مجلس إدارة شركة “رينيو باور” على الاهتمام البالغ الذي توليه الشركة الهندية للتعاون مع مصر في مجال الطاقة النظيفة، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، لا سيما في ضوء دورها الرائد في العمل الدولي للمناخ، والذي تجلى مؤخرًا في استضافة مصر للقمة العالمية للمناخ بشرم الشيخ، بالإضافة إلى الثراء الذي تتمتع به مصر في مصادر الطاقة المتجددة من الرياح والشمس، مما يؤهلها لتكون واحدة من أكبر منتجي الطاقة المتجددة في العالم، بما يعزز فرص الاستثمار الواعدة في هذا المجال. وتناول اللقاء التباحث حول التعاون مع شركة “رينيو باور” الهندية بشأن مشروعاتها الإضافية في مصر لإنتاج الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة، وذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية لتوليد الطاقة النظيفة.

وكذلك استقبل الرئيس “السيسي” رئيس مجموعة أداني العالمية “جوتام أدانى” بهدف التطلع لتطوير التعاون مع مصر، في ظل ما يلمسونه من إرادة قوية وقرار سياسي داعم على أعلى مستوى، لدفع التنمية في ظل مناخ استثماري جاذب ومستقر، تتميز به مصر فى منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يتسق مع سعي مجموعة “أداني” للتوسع عالميًا في ضوء التوجه الاستراتيجي الجديد لها، حيث تقوم ببحث ودراسة فرص الاستثمار الجاذبة في العديد من الأسواق الناشئة بالدول الصديقة للهند، مؤكدًا في هذا الإطار اعتزامه لعقد شراكات بين مجموعته وصندوق مصر السيادي، نظرًا للنشاط المتعدد للصندوق والمرونة التي يتمتع بها.

كما رحب الرئيس “السيسي” باهتمام مجموعة “أداني” الاقتصادية بالاستثمار في مصر، مؤكدًا الاستعداد لتقديم كافة أوجه الدعم اللازم للمجموعة ومشروعاتها المستقبلية التي تخطط لإقامتها في مصر، خاصةً من خلال التعاون مع صندوق مصر السيادي المصري، فيما يتعلق بالموانئ في ضوء ما أصبحت مصر تمتلكه من سلسلة موانئ حديثة على سواحل المتوسط والبحر الأحمر وخليج السويس. ومن جانبه؛ أعرب رئيس مجموعة “أداني” عن حرص المجموعة على تطوير التعاون مع مصر في ظل ما يلمسونه من إرادة قوية وقرار سياسي داعم على أعلى مستوى. 

في الأخير، جرت المحادثات المصرية الهندية في جو يسوده الدفء والثقة لتعزيز العلاقات الودية والتعاون متعدد الأوجه بين البلدين. وقد وجه الرئيس السيسي الشكر إلى رئيس الوزراء مودي على حسن الضيافة التي قدمتها حكومة وشعب الهند. ووجه دعوة إلى رئيس الوزراء مودي لزيارة مصر، وتطلع الزعيمان إلى استمرار التفاعل على جميع المستويات والمنتديات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى