
التصعيد في جنين كترجمة للتوجهات المتطرفة للحكومة الإسرائيلية
شهدت الساحة الفلسطينية في الساعات الماضية أحداثًا هي الأعنف منذ مطلع العام الجاري، والتي قد تدفع باتجاه اندلاع مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث قامت السلطات الإسرائيلية -بالتزامن مع إحياء العالم ليوم الهولوكوست- بقصف مخيم جنين بالضفة الغربية، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا، وإصابة العشرات. وزعم الجيش الإسرائيلي أن هذه العملية جاءت لاستهداف إحدى الخلايا التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات حول التداعيات المحتملة لهذا التحرك الإسرائيلي، خصوصًا وأن مخيم جنين كان تاريخيًا لاعبًا رئيسًا في المواجهات الفلسطينية مع إسرائيل؛ إذ يُنظر إليه على أنه معقل رئيس من معاقل المواجهة مع إسرائيل، ومرتكز رئيس لتحركات نضالية فلسطينية وعربية ضد إسرائيل.
ادعاءات إسرائيلية باستهداف خلية لـ “الجهاد”
ذكر الجيش الإسرائيلي في بيان له أنه “نفذ عملية مشتركة لجهاز الأمن العام (الشاباك) والوحدة الشرطية الخاصة والجيش في قلب مخيم جنين، واستهدفت خلية عسكرية تابعة لحركة الجهاد الإسلامي، حيث تم قتل ثلاثة عناصر من الحركة أثناء اشتباكهم مع الجيش الإسرائيلي” وفق البيان، وزعم البيان أن “الجيش حاصر مبنى تحصنت بداخله عناصر من تنظيم الجهاد الإسلامي، حيث تم رصد مسلحين اثنين يهربان من داخله، ومن ثم قامت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار عليهما”، كذلك زعم البيان أن “أحد المطلوبين داخل المبنى سلم نفسه بعد دخول القوات إليه، وأن القوات قامت بقتل مطلوب رابع داخل المبنى”، وادعت إسرائيل أن “القوات وخلال محاولتها تنفيذ عمليات الاعتقال تعرضت لإطلاق النار، ومن ثم قامت بالرد على ذلك”، مشيرًا إلى أنه “لم يحدث إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي” وفق البيان الإسرائيلي.
وأكد الجيش الإسرائيلي في بيانه أن هذه العملية “جاءت بناءً على معلومات دقيقة قدمها جهاز الشاباك”، وبدوره هنأ وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير القوات الإسرائيلية على هذه المجزرة الجديدة، قائلًا: “أهنئ جنود شرطة إسرائيل والجيش الإسرائيلي والشاباك الذين نفذوا عملية ناجحة في جنين، أي مخرب يحاول إيذاء قواتنا دمه مهدور، ونحن ندعم جنودنا في الحرب ضد المخربين”، ومضيفًا: “كل مقاتل وكل جندي يجب أن يعرف أنه يحظى بالدعم الكامل من الحكومة الإسرائيلية ووزارة الأمن القومي” وفق تعبيره.
وتعبر تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي بشكل واضح عن أن هذه العملية تأتي في إطار التوجهات التصعيدية للأحزاب المتطرفة المشاركة في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وأن “نتنياهو” دعم أو على أقل تقدير فشل في تحجيم الميول المتطرفة لأعضاء حكومته، حيث بدأت الاتجاهات المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية في تبني تحركات تصعيدية غير محسوبة، سوف تفرض حالة من عدم الاستقرار النسبي بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، وتزيد من حجم الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ويُتوقع في هذا السياق أن تتبنى هذه الحكومة في الفترات المقبلة المزيد من الخطوات التصعيدية على مستوى الضغط على الفلسطينيين خصوصًا في الضفة، والتوجه نحو توسيع العمل الاستيطاني الإسرائيلي.
ردود فعل متسارعة وغاضبة
أسفرت العملية الإسرائيلية والتي استهدفت أحد المباني في مخيم جنين، وكذا استهداف مشفى المدينة واقتحامه والتضييق على أطقم عمله، عن سقوط 9 قتلى على الأقل من بينهم سيدة مسنة حتى اللحظة، وإصابة 16 من الفلسطينيين، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية الأولية، ومنذ الإعلان عن هذا التصعيد تصاعدت ردود الأفعال الداخلية والدولية والإقليمية ردًا على هذه العملية، وذلك على النحو التالي:
1- تصعيد عملياتي فلسطيني في الضفة: رصد مركز المعلومات الفلسطيني تنفيذ 25 عملًا مقاومًا في الضفة الغربية والقدس المحتلة خلال الـساعات الـ24 الماضية، بينها 5 عمليات إطلاق نار، وتفجير عبوات ناسفة وإلقاء زجاجات حارقة ومحاولة طعن، ومن المرجح أن تزداد التحركات المقاومة في الضفة الغربية خلال الساعات المقبلة.
2- تنديد بالاعتداء على الأطقم الطبية: شددت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة في تصريحات صحفية على أن “الوضع في مخيم جنين حرج”، مشيرةً إلى أن “الجيش الإسرائيلي يمنع إسعاف المصابين”، وأضافت الوزيرة الفلسطينية أن “الجيش الإسرائيلي يمنع دخول مركبات الإسعاف إلى داخل مخيم جنين”، وأفادت بأن “القوات الإسرائيلية اعتدت على مشفى جنين وأطلقت قنابل غاز في تجاه المرضى”، ودعت “الكيلة” إلى اجتماع عاجل مع منظمة الصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية، لوقف العدوان الإسرائيلي في جنين.
3- توعد من حماس بالتصعيد: بدورها أعلنت حركة حماس أن “الرد على المجزرة الإسرائيلية في جنين سوف يتم الرد عليه بعمل يوازي حجم الجريمة” وفق بيان للحركة، وأضافت حماس أن “الاحتلال إذ يُكشر عن أنيابه ويُصعد وتيرة إجرامه بحق الفلسطينيين في جنين، فإنه يجر نفسه نحو المواجهة والخيبة والهزيمة” وفق نص البيان، وشددت على أنه “ليس للاحتلال أمام هذا العدوان إلا الرصاص والعبوات المتفجرة وإسقاط طائراته واستهداف جنوده وتدمير آلياته، وقد رأى صباحًا جزءًا من بأس مقاومتنا الموحدة” وفق البيان. ما يُنذر بأن الفصائل المسلحة الفلسطينية سوف تتبنى خلال الساعات المقبلة المزيد من التحركات التصعيدية تجاه إسرائيل ردًا على هذه العملية، ويبدو أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أدركت ذلك وراحت وفق تقارير صحفية تستعد لتفعيل القبة الحديدية خوفًا من رد فعل من غزة في أعقاب العملية.
وأعلنت حركتا “الجهاد” و”حماس” عقد اجتماع طارئ في غزة في وقت لاحق. وقالت تقارير استنادًا إلى مصادر فلسطينية إن “الجهاد أبلغت الوسطاء أنه إذا لم يتوقف العدوان على جنين فمن المتوقع أن يتطور الوضع وكل الخيارات مفتوحة”.
4- وقف التنسيق الأمني الفلسطيني مع إسرائيل: أعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، مساء الخميس، اتخاذ القيادة الفلسطينية قرارًا بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والتوجه الفوري إلى مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وأدانت الخارجية الفلسطينية في بيان لها اقتحام الجيش الإسرائيلي مخيم جنين شمال الضفة الغربية، داعيةً إلى تحرك دولي لوقف التصعيد الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، ولفتت الخارجية في بيانها إلى أن “إسرائيل ضربت بعرض الحائط القيم والمبادئ الإنسانية حيث حاصرت المخيم وأغلقت أبوابه كافة وأطلقت الرصاص الحي بهدف القتل خارج القانون وبدم بارد” وفق البيان.
ومن جانبه طالب مندوب فلسطين الدائم، لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، مجلس الأمن الدولي بأن يتخذ خطوات ملموسة لحماية الفلسطينيين، من بطش قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأضاف رياض منصور في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الحكومة الإسرائيلية لا تحترم التزاماتها ولا القانون الدولي.
5- دعوة أمريكية للتهدئة في فلسطين: قالت كبيرة مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف إن الولايات المتحدة تسعى للحصول على معلومات من إسرائيل بعد مقتل مدنيين خلال غارة شنتها القوات الإسرائيلية في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، وقالت “ليف” في تصريحات صحفية إن المسؤولين الأمريكيين يسعون إلى فهم الحادث ويحثون على وقف التصعيد، واصفةً الخسائر البشرية بأنها “مؤسفة”، كذلك أعربت “ليف” عن أسفها لقرار السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. وقالت: “من الواضح أننا لا نعتقد أن هذه هي الخطوة الصحيحة التي يجب اتخاذها في هذه اللحظة”.
6- إدانة مصرية للعملية الإسرائيلية: أدانت الدولة المصرية عبر وزارة خارجيتها اقتحام القوات الإسرائيلية لمخيم جنين الفلسطيني، ودعت مصر إلى الوقف الفوري لهذه الاعتداءات على المدن الفلسطينية، والتي تهدد بخروج الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية عن السيطرة، محذرةً من تداعياتها الخطيرة على الأمن والاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة، وأعادت مصر التأكيد على أن استمرار مثل تلك الاعتداءات علي الأرواح والممتلكات الفلسطينية يزيد من حالة الاحتقان والشعور بالغبن بين أبناء الشعب الفلسطيني، ويقوض كافة الجهود التي تسعى إلى إعادة إحياء عملية السلام، وتنفيذ رؤية حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية علي حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ودعت مصر كافة الأطراف الدولية المحبة للسلام، والأمم المتحدة وأجهزتها المعنية بحفظ السلام والأمن الدوليين، الي الاضطلاع بمسؤولياتها لنزع فتيل العنف في الأراضي المحتلة، ووضع حد للاعتداءات المتكررة علي الشعب الفلسطيني، وتوفير الحماية للمدنيين، مطالبةً بضرورة احترام قواعد القانون الدولي ومقررات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق الفلسطينية المشروعة ومسئوليات دولة إسرائيل باعتبارها الدولة القائمة بالاحتلال.
7- إدانة مجلس التعاون الخليجي للعملية الإسرائيلية: أدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأشد العبارات استمرار الاقتحامات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية المحتلة والاعتداءات المتكررة عليها، وآخرها العدوان على مدينة جنين الذي أدى إلى سقوط شهداء وجرحى إثر هذه المجزرة البشعة، وأكد الأمين العام للمجلس الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، موقف مجلس التعاون الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، داعيًا المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل ضد هذه الجريمة النكراء والمستمرة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتوفير الحماية الدولية لهم.
8- تنديد إيراني بالعملية الإسرائيلية: أدانت وزارة الخارجية الإيرانية “العملية الوحشية للجنود الإسرائيليين على مخيم جنين”، ووفق بيان للخارجية الإيرانية فإن “صمت المنظمات الدولية ومدعي حقوق الإنسان في الغرب تجاه الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي مؤلم ومخجل” وفق البيان، ودعت وزارة الخارجية الإيرانية “الدول الإسلامية إلى اتخاذ مواقف وإجراءات موحدة ومنسجمة في دعم الشعب الفلسطيني المظلوم، وإلى تحرك جاد لمنع ارتكاب هذه الجرائم الإرهابية والمناهضة للإنسانية”.
9- دعوة لاجتماع عاجل لمجلس الأمن: أفادت بعثة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة بأن الإمارات والصين وفرنسا طلبت عقد اجتماع طارئ مغلق لمجلس الأمن الدولي، لبحث التطورات الأخيرة في مدينة ومخيم جنين، وقالت البعثة الخميس، على “تويتر”: “دعت دولة الإمارات والصين وفرنسا مجلس الأمن إلى عقد اجتماع طارئ مغلق يوم غدٍ، حول التطورات الأخيرة في جنين”، وتابعت البعثة في تغريدتها على حسابها الرسمي: “كما طلبت دولة الإمارات الاستماع إلى تقييم السيد تور وينسلاند، المنسق الخاص للأمم المتحدة، في هذا الصدد”.
وبالإضافة إلى ما سبق، أدانت دول الأردن وقطر وكذا البرلمان العربي الاعتداءات الإسرائيلية على مخيم جنين، ووصفته هذه الجهات والدول بالجرائم التي تدفع باتجاه تفجر الأوضاع، محملةً حكومة نتنياهو المسؤولية الكاملة عن هذا السيناريو، بسبب سياساتها المتطرفة، وداعيةً المجتمع الدولي إلى الضلوع بدوره الطبيعي في وقف مسار العنف الإسرائيلي.
وفي الختام، يمكن القول إن عملية الاعتداء الوحشي الإسرائيلي على مخيم جنين تمثل ترجمة عملية للتوجهات المتطرفة للحكومة الإسرائيلية، وتدفع باتجاه تفجر الأوضاع خصوصًا مع إعلان وسائل إعلام إسرائيلية بالفعل في الساعات الماضية أن القبة الحديدية تصدت لبعض الصواريخ التي أُطلقت من قطاع غزة، وبالتالي يبقى الرهان على مستوى تحقيق التهدئة في الضفة، على آلية التعامل الإسرائيل مع التداعيات المترتبة على العملية، وكذا الجهود التي ستُبذل من قبل الأطراف الإقليمية والدولية الأكثر فاعلية في المشهد الفلسطيني وعلى رأسها مصر.



