ليبيا

اجتماع القاهرة ومأسسة المستقبل في ليبيا والتوافق بين الأجسام السياسية

بينما بدا الجمود السياسي في ليبيا غير قابل للحلحلة، شهدت القاهرة محاولة جديدة للتوصل إلى توافق حول قاعدة دستورية تسمح بالمضي نحو انتخابات عامة في البلاد، وذلك مساء أمس الخميس، حيث الاجتماع الذي ضم رئيسا مجلسي النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري بحضور رئيس مجلس النواب المصري حنفي الجبالي.

يأتي لقاء القاهرة عقب تصويت المجلس الأعلى للدولة لصالح استئناف الحوار مع مجلس النواب، وذلك بعد تعليق التواصل بين الجانبين استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، وكذا الاعتذار عن دعوة المجلس الرئاسي للقاء في مدينة غدامس غرب طرابلس في الحادي عشر من شهر يناير الجاري؛ نظرًا إلى كون القاعدة الدستورية أمرًا مشتركًا بين المجلسين.

يعد ملف الانتخابات الأكثر تعقيدًا في ليبيا؛ إذ لم يقع بشأنها أي توافق بين الأطراف السياسية بسبب الخلافات حول شروط الترشح لسباق الرئاسة والتي شكلت عائقًا رئيسًا فيما يخص تداعي خطة الانتخابات الماضية التي كانت مقررة في نهاية شهر ديسمبر من العام 2021، خاصة ما يتصل بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية.

نحو ذلك واستمرارًا لجهود القاهرة نحو دفع العملية السياسية في ليبيا، من المرجح أن تستأنف لجنة المسار الدستوري المشتركة عملها مباشرة خلال الأيام القليلة المقبلة؛ لإتمام القاعدة الدستورية وتهيئة المجال العام للاستحقاق الانتخابي.

في سياق ذلك، أكد صالح والمشري خلال المؤتمر الصحفي المشترك في القاهرة إعلان خارطة طريق جديدة لليبيا تستطيع الوصول  لسلطة موحدة في البلاد عبر توافق المجلسين، ومن خلال آلية مماثلة لما حدث سابقًا في جنيف، وأن ذلك سيعلن قريبًا من داخل الأراضي الليبية

وعليه، فإنه من المزمع تدشين خارطة طريق بالتشاور مع رئيس مجلس النواب وبعثة الأمم المتحدة، بحيث سيجري الإعلان عنها في القريب العاجل. وستضم الوثيقة التي أعلن عنها المشري ملفات ومسارات لتحديد مدد ومهام واضحة لخارطة الطريق، ولا بد من أن يكون التوافق بين المجلسين طبقًا للاتفاق السياسي وبمظلة ورعاية أممية حتى تتجنب أي تشكيكات.

يذكر أن آخر لقاء بين صالح والمشري جرى في المغرب شهر أكتوبر من العام الماضي تم خلاله التوافق على توحيد السلطة التنفيذية وعلى تعيين شاغلي المناصب السيادية. فيما يتزامن ذلك مع حراك دبلوماسي دولي لإعادة الزخم إلى العملية الانتخابية في ليبيا يقوده المبعوث الأممي عبد الله باتيلي الذي يؤكد في جميع لقاءاته مع الأطراف على “أولوية الانتخابات في العام الجاري 2023”.

في هذا السياق، جاء تعنت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية عبر رئيسها عبد الحميد الدبيبة نحو التشبث في الحكم حتى إجراء انتخابات جديدة رغم انتهاء ولايتها، الأمر الذي دفع مجلس النواب بتكليف حكومة جديدة بقيادة فتحي باشاغا، بما جعل  ليبيا مرة أخرى وسط حكومتين. ونتج  عن ذلك  اشتباكات بين ميلشيات مسلحة وسط مخاوف من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 2020.

اجتماع القاهرة لحظة فارقة في الأزمة الليبية على عدة مستويات لا يمكن إغفالها؛ إذ كان من البديهي أن الدول الفاعلة في المشهد الليبي قد أدركها الغضب من الشد والجذب الممتد بين الأجسام السياسية، ولم يعد مقبولًا أن تنفلت الأمور ميدانيًا مرة جديدة، وأضحى على الجميع أن يضطلع بمسؤولياته ويتقدم خطوة آمنة في مسار الاستقرار.

ولن يتحقق ذلك سوى بتوحيد مفاصل الدولة ومؤسساتها السيادية، وإرساء سلطة تنفيذية موحدة تستطيع أن تدير البلاد عبر عاصمتها السياسية وتشرف على عملية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

سيبدو مهمًا ولافتًا النجاح نحو عدة أمور من شأنها تيسير السياق اللازم للاستحقاق الانتخابي، وتمهيد الأجواء لتحقق الاستقرار في الأزمة الليبية، وتفادي مخاطر انزلاق الأقدام نحو الاشتباك الميداني عبر الوصول لصيغة آمنة لعدد من النقاط الخلافية، يأتي أبرزها ضرورة  الاتفاق على فتح باب الترشح للرئاسة أمام كل الليبيين في الأجل المنظور، وأهمية السعي لتشكيل حكومة موحدة والقدرة على توحيد المؤسسات والمناصب السيادية.

ذلك فضلًا عن أهمية تجاوز النقاط الخلافية، وترحيلها إلى الاجسام السياسية التي ستنشأ لاحقًا، بحيث يضحى الهدف الاستراتيجي حاليًا هو تجاوز الخلاف والبناء على ما تم التوافق عليه مرحليًا.

إن الاتفاق على صياغة خارطة طريق واضحة ومحددة سيتم الإعلان عنها لاحقًا من خلال رئيسي المجلسين تستلزم نشاطًا دوليًا فاعلًا يتحرك صوب الإجراءات اللازمة والضرورية لفك الارتباط مع الكتائب المسلحة وانتشار السلاح خارج قبضة الدولة، والعمل على دمج تلك الكتائب داخل المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية، واعتبار تلك الخطوة توطئة ضرورية لتحقق الاستقرار في  ليبيا وحتمية لبلوغ الاستحقاق الانتخابي.

فلا يمكن تصور المضي نحو مأسسة المستقبل في ليبيا والتوافق بين الأجسام السياسية في ظل السيولة الميدانية من جانب بعض الأطراف الميلشياوية التي تؤدي أدوارًا وظيفية، الأمر الذي سيؤدي إلى تلاشي  أفق الحل. حيث يمثل ذلك سياقًا واضحًا ومنطقيًا يرتبط  بكابوس الإخفاقات المتكرر الذي يلاحق جهود التسوية السياسية.

ومن المنظور السياسي، العمل على تعظيم الجهود نحو توحيد المؤسسات السيادية واختيار سلطة تنفيذية موحدة، وتجاوز حضور الحكومتين لصالح رؤية واحدة وفاعلة في سيناريو الأيام القادمة وأن ينتصر الجميع لتحقق المشهد الأخير في تشظي الواقع الليبي وبلوغ الاستقرار.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى