أوروبا

ظل اليمين المتشدد يلوح في أفق رئاسة السويد للاتحاد الأوروبي

في مطلع العام الجديد 2023، تتسلم السويد مقاليد رئاسة الاتحاد الأوروبي من جمهورية التشيك، للمرة الثالثة في تاريخها منذ انضمامها إلى التكتل الأوروبي عام 1995، وذلك لفترة مدتها 6 أشهر تنتهي يوم 1 يوليو من نفس العام. وتتولى السويد رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي في ظل تحديات سياسية واقتصادية وأزمات أنهكت الاتحاد برمته، وسيكون أمامها الكثير من القضايا التي ستعطيها الأولوية، وسط مخاوف من أن سيطرة اليمين المتشدد على المشهد السياسي السويدي قد تثير استفهامات حول ما إذا كان بإمكان ستوكهولم بقيادتها المشككة في الاتحاد المحافظة على الزخم بشأن الملفات المتراكمة في جعبة الاتحاد الأوروبي.

وتتولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي كل دولة عضو بالاتحاد بالتناوب كل ستة أشهر، وتنظّم رئاسة المجلس الاجتماعات، وتطرح حلولًا توافقية وتستخلص نتائج الاجتماعات، وتحرص على اتساق عملية اتخاذ القرارات واستمراريتها. وتعمل كذلك على حسن التعاون بين جميع الدول الأعضاء، وعلى تنسيق علاقات المجلس مع المؤسسات الأوروبية، ولا سيّما المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، فهو يمثل مع البرلمان الأوروبي السلطة التشريعية في الاتحاد الأوروبي.

ويضطلع المجلس أيضًا بمهام مالية، إذ أنه يقرّ الميزانية الأوروبية ويعدّلها بالتعاون مع البرلمان، وأخيرًا يعتمد بعض القرارات وبعض التوصيات غير الملزمة، ويبرم العقود الدولية باسم الاتحاد، ويعيّن أعضاء بعض المؤسسات. ومن المقرر أن تترأس الرئاسة السويدية حوالي 2000 اجتماع في بروكسل ولوكسمبورج، وسيعقد حوالي 150 اجتماعًا غير رسمي في مواقع في جميع أنحاء السويد.

صعود اليمين السويدي والتأثير على الاتحاد الأوروبي

يُعدّ وصول اليمين المتشدد أحد التحديات الرئيسة في أوروبا، خاصة بعدما شهدت الانتخابات الأخيرة في عدة دول أوروبية فوزًا يمينيًا ناتجًا عن غضب الشعوب من الأحزاب الأخرى التي لم تقدم لهم حلولًا حقيقية لمشكلاتهم في الداخل، ولعل آخر تجليات الانتخابات اليمينية وصول “جورجيا ميلوني” إلى السلطة في روما، ومن قبلها الجولة الختامية للانتخابات الفرنسية التي استطاعت لوبان خلالها أن تقترب من الفوز على ماكرون، ولكنها أيضًا تمكنت من أن يحصد حزبها 79 مقعدًا لأول مرة في تاريخه. هذا بالإضافة إلى بولندا والمجر ومن قبلهم النمسا، وبالطبع السويد، فكلهم أصبح يتحكم بإدارتهم اليمين المتشدد، إما منفردًا أو في إطار تحالفات ائتلافية. 

بيد أن المخاطر لا تتمثل في الانتخابات وحدها، بل في الأيديولوجية التي يبثّها اليمين المتشدد وفي قدرته على التأثير على القرارات الحكومية، ومنها كيفية التعامل مع الأجانب وخصوصًا الهجرات غير الشرعية.  صحيح أن أيًا من الدول المعنية لم تقرر- كما فعلت بريطانيا- ترحيل المهاجرين إلى أفريقيا، إلا أن الأجواء العامة التي يبثها اليمن المتشدد تنبئ بحالة من الخطر على الأمن الاجتماعي الداخلي للبلدان المعنية وعلى البناء الأوروبي بشكل عام. 

وعن السويد، فلطالما نظر الاتحاد الأوروبي إليها على أنها عضو تعاوني وبنّاء وقادر على إنجاز أصعب الأمور؛ إذ إنها على مر السنين استطاعت حشد الدعم البرلماني المحلي للعديد من أفكار بروكسل الكبيرة، بقيادة سلسلة من الحكومات السائدة والقادرة. لكن بعد الانتخابات العامة التي أجريت في سبتمبر الماضي، والتي أسفرت عن تعيين رئيس الوزراء الجديد “أولف كريسترسون” من يمين الوسط، وتحديدًا الحزب الديمقراطي الاجتماعي وذلك بعد اعتماده على اليمين المتشدد والديمقراطيين السويديين المناهضين للكتلة الأوروبية؛ بات الدبلوماسيون في بروكسل قلقين من أن سيطرة هذه التيار السياسي على المشهد ستؤثر على طريقة عملهم بالاتحاد، بالرغم من أن بروكسل –حتى الآن- لم تتدخل في أي من سياسات الدول الأعضاء، ولم تتأثر بتوجهات أي حكومة ترأست مجلس الاتحاد.

ويمنح الهيكل المؤسسي للاتحاد الأوروبي الدولة التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي دورًا مركزيًا في وضع أجندة السياسة الخاصة بالكتلة وإحراز تقدم فيها. ولتحقيق هذه الغاية، يُنظر إلى أنه من المفيد أن يكون للبلد الذي يتولى الرئاسة موقف واضح تجاه تعاون الاتحاد الأوروبي وموقف مفهوم على نطاق واسع بشأن القضايا المركزية على جدول الأعمال. 

لكن صعود الحزب الديمقراطي الاجتماعي ذي الجذور النازية قد شوه صورة العلاقات السويدية مع الاتحاد الأوروبي؛ فبرئاسة السويد للاتحاد ستكون هذه هي المرة الأولى التي يتمتع فيها الحزب بنفوذ حقيقي، وسيتعين على المسؤولين ببروكسل اكتشاف المواقف السياسية له مثل: موقفه المتشدد للغاية بشأن الهجرة، وموقفه الودي نسبيًا تجاه المجر بقيادة “فيكتور أوربان” المناهض للاتحاد وقراراته، خاصة فيما يتعلق بالموقف من الحرب الروسية الأوكرانية، ومن هنا يمكن استنباط الطريقة التي ستتعامل بها السويد مع الاتحاد الأوروبي.

لكن على الصعيد الآخر، يؤكد الدبلوماسيون السويديون أن رئاستهم للاتحاد ستتم من بروكسل وليس من ستوكهولم، وبالتالي من الضروري استبعاد أي توقعات سلبية لأي أفعال قد تصدر من الحكومة السويدية، مؤكدين أن الحزب المعتدل بزعامة “كريسترسون” في تحالف يمين الوسط يؤيد بشدة الاتحاد الأوروبي، مستشهدين بإجراء الحزب استفتاءً على عضوية السويد في الاتحاد الأوروبي في الأشهر التي أعقبت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ملفات تتبناها السويد عقب رئاستها للاتحاد الأوروبي

مع دخول العام الجديد، يوجه قادة دول الاتحاد الأوروبي لشعوبهم كلمات قد مل الكثيرون سماعها، والتي تتضمن بلا شك نظرة سريعة لما شهده الاتحاد خلال العام المنصرم من صعوبات وتحديات، بالإضافة إلى نظرة استشرافية للعام الجديد، مع بث بعض التفاؤل في نفوس المواطنين ومحاولة طمأنتهم من مصاعب الأيام القادمة.

ولكن بالنظر إلى التحديات التي تواجه القادة الأوربيين سنجد أننا أمام ملفات تفرض نفسها عام 2023 على القارة الأوروبية بشكل عام، وعلى السويد رئيسة الاتحاد بشكل خاص، وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا المتواصلة منذ ما يقارب العام، ولا توجد أي مؤشرات تتنبأ بقرب نهايتها أو خبوها. ما يعني أن الكتلة الأوروبية ستظل متمسكة بموقفها الأوروبي الموحد من طرفي الصراع، بفرض عزلة سياسية ودبلوماسية واقتصادية وتجارية وثقافية ورياضية على روسيا، بالتوازي مع عقوبات صارمة تصيبها في كل المجالات وتوفير دعم مالي وعسكري لأوكرانيا غير مسبوق، وكل هذا تتم ترجمته في الداخل الأوروبي إلى المزيد من الصعوبات الاقتصادية والمالية والمعيشية للمواطنين.

وهذا هو التحدي الثاني لأوروبا، والناتج عن تبعات الحرب؛ فمن جهة، ينخر التضخم مدّخرات الأوروبيين، فيما غلاء المعيشة والفوائد والأسعار يزيد من تهميش الشرائح الأكثر هشاشة. وتكمن خطورة الأزمة الراهنة في أنها تأتي بعد عامين من جائحة كورونا التي استنفدت إلى حد كبير قدرات الحكومات على السير ببرامج الدعم المالي والاقتصادي للأفراد والشركات، ولم يتم التعافي منها بشكل تام. 

وبحسب الوثائق التي أعدتها الرئاسة السويدية، نستعرض أبرز الملفات التي تواجه السويد -والبالغ عددها 350 على جدول أعمال الرئاسة السويدية لمدة ستة أشهر- والتي قد تحرز بها تقدمًا خلال فترة رئاستها، أو ستترك كومة كبيرة منها كأعمال غير مكتملة لإسبانيا أو بلجيكا في الرئاسات المقبلة.

  • دعم أوكرانيا

بالتأكيد ستكون أوكرانيا هي القضية الجيوسياسية التي ستهيمن على اهتمام السويد طوال فترة الستة أشهر، وستستمر الحرب في كونها خلفية عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي في كل شيء من السياسة الخارجية والأمنية إلى الطاقة والزراعة، وستعطي السويد بلا شك الأولوية لاستمرار الدعم العسكري والاقتصادي والإنساني لأوكرانيا، وستجادل بضرورة دعم عملية عضوية أوكرانيا، وتوسيع الاتحاد الأوروبي واتخاذ المزيد من الخطوات لإعادة بناء البلاد، وسيتم تكليف السويد بصياغة اتفاق بشأن أي حزم عقوبات مستقبلية ضد روسيا، وأي تحركات أخرى بشأن إجراءات الطاقة، مثل مراقبة الأسعار أو المشتريات المشتركة للطاقة.

ولكن الخوف يكمن في أنه مع تفاقم الآلام الاقتصادية الناجمة عن الحرب، سيكون التوصل إلى اتفاقات مع بعض دول الاتحاد أكثر صعوبة؛ فعلى سبيل المثال، تضغط بولندا ودول البلطيق من أجل رد أقوى على “العدوان الروسي في أوكرانيا”، لكن الدول الواقعة في غرب وجنوب التكتل ترغب في ضمان ألا تؤثر أي إجراءات جديدة على مصالحها بشدة. وبالنظر إلى أن القرارات المتعلقة بتدابير مهمة مثل العقوبات والمساعدات المالية لأوكرانيا تحتاج إلى الإجماع، تواجه السويد مهمة صعبة في توحيد الأصوات، لا سيما إذا استمرت المجر في موقفها الذي تبنته بمنع أي مساعدات مالية لأوكرانيا.

  • الأمن

تؤكد الرئاسة السويدية على التوافق بين الدول الأوروبية والتعاون الوثيق مع الشركاء من أجل أمن أوروبا، وتؤكد كذلك على مكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود، لافتة الانتباه إلى أهمية الوضع الأمني ​​في البلقان؛ إذ ترى السويد أن الاستقرار والأمن في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​يصب في المصلحة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي.

  • التنافسية والاقتصاد “تحرير تجارة أوروبا”

ستعمل الرئاسة السويدية في بيئة تتسم بعدم اليقين الاقتصادي الكبير. وتذكيرًا بأن القرارات السياسية والاهتمام يهدفان إلى القضاء على آثار حرب أوكرانيا على المدى القصير، ستؤكد السويد على أهمية القرارات طويلة الأجل في موضوع القدرة التنافسية والتأكيد على الحاجة إلى الحفاظ على النمو الاقتصادي؛ إذ تؤمن السويد بأن قوة السوق الموحدة والانفتاح على بقية العالم أمران أساسيان للقدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي، ولهذا، سيتم تحقيق السوق الرقمية الموحدة وإبرام اتفاقيات تجارة حرة جديدة. فبقدر ما تستفيد أوروبا من العولمة، إلا أنها يجب أن تتخذ موقفًا واضحًا ضد التبعيات أحادية الجانب والظروف غير العادلة؛ كي يتمكن الاتحاد من المنافسة عالميًا.

وعن تحرير التجارة للقارة الأوروبية، تدفع السويد -والاتحاد الأوروبي ككل- إلى تنويع سلاسل التوريد وتعزيز الروابط الاقتصادية للكتلة في جميع أنحاء العالم، فتعزيز التدفقات التجارية الجديدة أمر بالغ الأهمية لصمود الشركات والمستهلكين، حيث تواجه أوروبا تباطؤًا اقتصاديًا مؤلمًا، واحتمال اندلاع حرب تجارية عبر المحيط الأطلسي.

وترغب السويد في إعادة إطلاق مفاوضات بشأن اتفاقات تجارة دولية مع عدة دول ومناطق، غير أنّها قد تصطدم بجدول أعمال غير ملائم، وتحديدًا بالثنائي “الفرنسي-الألماني” الذي يبدو أنه يتقدّم في سعيه إلى التوصل إلى ردّ مشترك على واشنطن فيما يتعلق بقانون خفض التضخم الأمريكي، الذي من المتوقع أن “يؤدي إلى اختلالات في المنافسة على حساب شركات الاتحاد الأوروبي”.

وتتولى السويد رئاسة الاتحاد في وقت يدخل فيه قانون خفض التضخم حيّز التنفيذ في الولايات المتحدة، ولدى هذه الخطة البالغة قيمتها 420 مليار دولار، والتي خُصصت بجزئها الأكبر للمناخ، طابع حمائي ندّد به بشدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن.

  • تحول الطاقة والبيئة

لقد بيّنت الكوارث البيئية التي ضربت العالم في 2022، من ارتفاع استثنائي لدرجات الحرارة، معطوفًا على الحرائق والجفاف، إلى جانب الفيضانات، وكلها أصابت مناطق واسعة في العالم وعشرات الملايين من البشر؛ أن محاربة ارتفاع درجات حرارة الكوكب أصبحت أمرًا مُلحًا لا يحتمل التأجيل.

لقد دفعت السويد القارة الأوروبية لتكون أكثر طموحًا فيما يتعلق بالمناخ وتقليل الانبعاثات الكربونية لجعل اقتصاد الكتلة أكثر استدامة؛ ففي الداخل، تعهدت بأن تصبح محايدة مناخيًا بحلول عام 2045 -قبل خمس سنوات من الهدف على مستوى الاتحاد الأوروبي- وأثناء التفاوض على قانون المناخ الأوروبي، دعت إلى تخفيضات أعلى للانبعاثات من -55٪ بحلول عام 2030 التي اقترحتها المفوضية الأوروبية.

وخلال الأشهر الستة من رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي، سيتعين على السويد دفع ملفات السياسات الرئيسة التي تؤثر على الغابات، بما في ذلك اللائحة الجديدة التي تهدف إلى تعزيز استعادة الطبيعة، واقتراح التصديق على عمليات إزالة الكربون وإطار الاتحاد الأوروبي لمراقبة الغابات. وتهدف الحكومة السويدية إلى خفض أسعار الطاقة على المدى القصير، وإصلاح سوق الطاقة على المدى الطويل في سياق التحول البيئي والطاقة، وذلك من خلال مسودة التشريع “EURO7” التي تقترح وضع حدود للتلوث غير الناتج عن ثاني أكسيد الكربون، ويعد هذا تحولًا زلزاليًا لصناعة تكافح من أجل دفع تكاليف ضخمة.

وستعمل الرئاسة السويدية كذلك على تسريع جهود الاتحاد الأوروبي، التي عجلت بالتحول إلى طاقة متجددة من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا، ووضع سياسات لتسهيل الاستثمارات في هذا الصدد، ولكن هناك مخاوف من أن السلطة اليمينية السويدية قد لا تكون داعمًا حقيقيًا لهذه الخطط البيئية، وأنها لن تكون على رأس قائمتها كما كان مأمولًا.

ملفات عالقة بالسويد تسبب قلقًا بالاتحاد الأوروبي 

إن وجود الحكومة الائتلافية السويدية الجديدة، والتي تتكون من حزب المعتدلين والحزب الديمقراطي المسيحي والليبراليين، سيكون له تأثير على كيفية التعاطي مع ملفات شديدة الحساسية للاتحاد؛ إذ يحتاج التحالف إلى أصوات من حزب “ديمقراطيي السويد”، المنتمي إلى اأقصى اليمين، من أجل تمرير التشريعات في البرلمان، ومن أبرز هذه الملفات:

  • الهجرة

يأتي هذا الملف تحديدًا في المقدمة؛ فهو يعد أمرًا أساسيًا لأجندة سياسة التنمية المستدامة في العديد من دول الاتحاد، ومن المقرر أن يكون ذا أولوية عالية خلال رئاسة السويد، خاصة بعد إعداد المرحلة الأخيرة من إعادة صياغة طموحة لسياسات الهجرة واللجوء في بروكسل “ميثاق الهجرة واللجوءللمناقشة مع الدول الأعضاء حول هذه القضية.

قبل نتيجة الانتخابات السويدية، كانت توقعات الاتحاد الأوروبي عالية جدًا بإمكانية إحراز تقدم كبير بشأن الاتفاقية وملف الهجرة خلال الرئاسة السويدية، خاصة وأن السويد كانت من بين الدول التي تلقت أعلى معدلات من طالبي اللجوء خلال أزمة الهجرة بأوروبا عام 2015، وأصبح لديها خبرة كبيرة في التعامل مع هذا الملف.

لكن منذ أن خرج الحزب الاشتراكي الديمقراطي من السلطة في سبتمبر، بدأت آمال التقدم تتلاشى في بروكسل، بعد أن أعلن الحزب الحالي المناهض للهجرة أنه يجب على السويد خفض عدد الأشخاص الذين تمنحهم حق اللجوء إلى “أقرب ما يكون إلى الصفر قدر الإمكان”، وبهذا أصبحت الحكومة السويدية تلتزم بتقييد الهجرة، وتشدد على المهاجرين، وقد ترحل المطلوبين منهم إلى الدول الفارين منها. ما يعني أنه بعد أن كان الأمر معقدًا، أصبح الآن مستحيلًا، وما علينا إلا انتظار رد فعل السويد حيال هذا الملف، فإما أن يكون بين تمسك الحكومة بموقفها منه، أو تقديم تنازلات ستعد الأولى من نوعها لليمين المتشدد في ملف حساس.

  • السياسة الخارجية

تعتقد السويد أيضًا أن التعاون والعلاقات ذات المنفعة المتبادلة مع تركيا مهمة للمصالح الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي، فخطوة إرسال المعارضين لتركيا مثلًا يمكن أن تمنح السويد “نقاطًا” إيجابية عند الحكومة التركية فيما يتعلق بطلبها عضوية حلف الناتو، وهو قرار يعتمد على موافقة جميع الأعضاء في الحلف بما في ذلك تركيا التي عارضت حتى الآن طلبي السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو. وهذا الأمر يثير مخاوف الاتحاد الأوروبي من أن تجعل السويد مصالحها الشخصية أولوية على مصالح المواثيق والتعهدات التي وقعها الاتحاد حول إرسال المهاجرين وطالبي اللجوء إلى بلادهم الأصلية، ما يندرج تحت “الطرد الإداري” وليس تسليم المجرمين.

  • سيادة القانون 

هو أحد الملفات العالقة، والسبب أن صعود اليمين في السويد قد قلل من توقعات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتعزيز سيادة القانون داخل الدول الأعضاء، خاصة المجر وبولندا، والتي تربطهما علاقة وطيدة جدًا بحكومة السويد الحالية؛ فقد خلصت المفوضية الأوروبية في نوفمبر الماضي إلى أن المجر فشلت في الوفاء بتعهدها بتبني 17 إصلاحًا لسيادة القانون من أجل الوصول إلى 7.5 مليارات يورو من أموال الاتحاد الأوروبي، وفي سبتمبر صوت البرلمان الأوروبي على وصف المجر بأنها لم تعد ديمقراطية.

لكن عضو البرلمان الأوروبي “تشارلي وايمرز”، وهو ديمقراطي من حزب “ديمقراطيي السويد” صوت حينها ضد الاقتراح، وهي خطوة فسرها السويديون في البرلمان الأوروبي على أنها علامة تأييد لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي تتهمه المنظمات غير الحكومية بالحد من حرية الإعلام والسماح للفساد بالازدهار، ما تُرجم إلى أن “الديمقراطيين السويديين لا يدافعون عن مبادئ سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي.”

وأخيرًا، يبدو أن فترة رئاسة السويد لمجلس الاتحاد الأوروبي ستكون صعبة بشكل خاص؛ وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة التي خلقتها الحرب في أوكرانيا، وجدول الأعمال التشريعي المزدحم، خاصة وأن مهمة جعل البلدان تتوصل إلى اتفاق بشأن القضايا المهمة سيتطلب منها مهارات دبلوماسية عليا، فهل تستطيع السويد محاباة ذلك، أم ستنهكها الأزمات دون حل حتى تنهي فترة رئاستها “الواجبة”، وتسلم ما تبقى من ملفات عالقة لمن يليها؟

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى