مصر

نشاط الرئيس السيسي في ثاني أيام القمة الأمريكية الأفريقية.. علاقات 100 عام

بعد مرور شهر من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى شرم الشيخ لحضور قمة المناخ COP27، يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي العاصمة الأمريكية واشنطن لحضور القمة الأمريكية الأفريقية في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر، وذلك بالتزامن مع مرور 100 عام على العلاقات المصرية الأمريكية، وبعد العودة من الرياض عاصمة المملكة السعودية للمشاركة في القمة العربية الصينية.

وذلك في ظل الدبلوماسية المصرية التي تقوم على تنوع العلاقات الدولية من جهة، والعودة إلى الجذور العربية الأفريقية من جهة أخرى، من خلال الرؤية المصرية الموضوعة منذ تولي الرئيس السيسي قيادة البلاد 2014، والقائمة على مبدأ المصالح المشتركة والتكامل العربي والأفريقي، في ظل سياسة الحياد مع القوى الكبرى؛ لبناء علاقات صداقة مع الجميع، قائمة على تحقيق الاستقرار في الأبعاد الاستراتيجية الثلاث “السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، وهو ما خلق حالة من الزخم على الأجندة الرئاسية في واشنطن؛ فجاء اليوم الأول من النشاط الرئاسي ليعبر عن رؤية تكاملية بين الطرفين المصري والأمريكي، فما مظاهر هذه المشاهد؟ 

الشباب والرؤية المشتركة

عكس الاحتفاء من قبل الجالية المصرية بالرئيس السيسي والحرص على استقباله من قبل المصريين المقيمين في الولايات المتحدة على التعرف على حجم هذه الجالية، والدور الذي تلعبه في تحقيق الأجندة الأمريكية المصرية المشتركة خلال أعمال القمة، وكيف ساهمت السياسات المصرية في تعزيز التأثير المصري بالخارج والداخل. 

تنظر الإدارة الامريكية للشباب الأفريقي بأنه سلاح التنمية في القارة، وأن امتلاك القارة 60% من سكانها من الشباب تحت سن الخامسة والعشرين بمعدل 850 مليون من الشباب ومتوقع أن يصلوا إلى 1,2 مليار شاب وشابة أفريقية في القارة بحلول 2050، بما يمثل نقلة نوعية في نقل التكنولوجيا الدولية والابتكارات.

فأعلنت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس خلال أعمال اليوم الاول بالمؤتمر خلال لقائها بالقادة الشباب الأفارقة المقيمين بالولايات المتحدة أن الإدارة الأمريكية ستنفتح بشكل أكبر على تعزيز الشراكات مع القارة من خلال المصالح والمنافع المتبادلة بينهما، ووضع خطة لتوفير أكثر من 19 مليار دولار لدعم مجالات الصحة العامة، و3.3 مليار دولار في الاستثمار في مجال تكنولوجيا الزراعة والأمن الغذائي على المدى المتوسط والطويل، و10 مليارات دولار في عمليات توفير الغذاء الطارئة، و4 مليارات دولار في عمليات التطوير، بجانب البرامج التدريبية التي وفرتها الإدارة الأمريكية للشباب الأفريقي، والذي استفاد منها الشباب في مجالات تكنولوجيا الأعمال والابتكار والاستثمار من مصر وجنوب أفريقيا والعديد من الدول الأفريقية في القارة.

هذا بجانب تعزيز مذكرة التفاهم الجديدة بين “بنك التصدير والاستيراد الأمريكي” التي تم توقيعها خلال هذا الأسبوع مع كيانات في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية في توفير أكثر من مليار دولار لتمويل الاستثمار التجاري الأمريكي في أفريقيا؛ مما سيسهم في توفير فرص العمل في قطاعات الطاقة المتجددة والزراعة والتكنولوجيا، بجانب إطلاق “مبادرة المرأة الأفريقية للتجارة والاستثمار” لدعم دمج المرأة في الاقتصاد وخاصة مجال التجارة الإلكترونية، هذا بجانب توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن على أمر تنفيذي لإنشاء المجلس الاستشاري الرئاسي بشأن انخراط المغتربين الأفارقة في الولايات المتحدة.

وفي المقابل، أوضحت الأجندة المصرية الأولوية للشباب بخلق جيل قادر على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة وسوق العمل، والدعوة المستمرة للقوى الدولية على نقل التكنولوجيا الدولية للسوق الأفريقية بوصفها قارة شابة، وهو ما انعكس على الداخل المصري والخارج؛ فوفقًا لبيانات منظمات الهجرة الدولية والأمم المتحدة، يعمل نحو 49% من المصريين بالخارج في مجالات الإدارة والأعمال والعلوم والفنون، وكانت الحصة الأكبر من حاملي البطاقات الخضراء الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2019 من مصر بنسبة 19%، وهو ما انعكس في تلقي مصر أكبر تحويلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقيمة 29.6 مليار دولار في عام 2020، بزيادة نحو 48% بين عامي 2010 و 2020، ويعيش نحو 205 آلاف مواطن مصري في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف عام 2020، و206 ألف مواطن مصري عام 2019 باستخدام بيانات من مكتب الإحصاء الأمريكي

ويحدد هذا المسح المعلومات الديموجرافية للمصريين في الولايات المتحدة وخصائصهم الجغرافية، والتي توضح أنهم من خريجي الجامعات والعاملين في مجالات إدارة الأعمال والعلوم والفنون داخل الولايات المتحدة، وهو ما يضعنا أمام استراتيجية مصرية خلقت كوادر مصرية استطاعت أن تغزو العالم، ويمثلون نقطة قوة لمصر بشكل خاص والقارة الأفريقية والعربية على وجه العموم امام القوى الدولية، والتي دفعت الإدارة الأمريكية إلى التعاون مع المغتربين الفارقة لتحسين العلاقات الأفريقية الأمريكية، وهو ما طغى على الأجندة المصرية الأمريكية خلال أيام القمة. 

الصداقة البرلمانية وجماعات الضغط المصرية بالكونجرس الأمريكي

بجانب المصريين بالخارج والتي مثلت ورقة تعاون مشترك يحقق الأجندة الأمريكية في الوصول إلى قلب القارة السمراء بشكل عام والتكامل مع الدولة المصرية بشكل خاص بدأت من الاستثمار في الإنسان المصري، كان التعاون المصري مع جماعات الضغط في الكونجرس الأمريكي بمثابة ورقة رابحة؛ لنقل وجهة النظر المصرية للإدارة الأمريكية وعكسها في السياسات الأمريكية، وهو ما ظهر في لقاء الرئيس السيسي في مقر إقامته بواشنطن وأعضاء تجمع أصدقاء مصر في الكونجرس الأمريكى Caucus من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والتأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، والتأكيد على الدور المصري في الإقليم المضطرب وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والدور المصري في حل هذه القضايا، بجانب مواجهة تداعيات الأزمات الدولية كالحرب الأوكرانية وجائحة كورونا، ومواجهة تلك التداعيات على الاقتصاد وأمن الطاقة والغذاء، بجانب دور مصر بوصفها شريكًا محوريًا في المنطقة في: حفظ الأمن والاستقرار، ومواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، وإصلاح الخطاب الديني، وإرساء حرية الاعتقاد والتسامح ونشر السلام. 

يمكن إبراز هذا اللقاء في المواقف السابقة لأعضاء تجمع أصدقاء مصر في الكونجرس، والتي ظهرت في إبراز العلاقات المصرية الأمريكية في جلسات الكونجرس الأمريكي المتتالية، بالتزامن مع مرور 100 عام على العلاقات المصرية الأمريكية، وهو ما تناوله الرئيس السيسي أيضًا في لقاء بايدن 11 نوفمبر الماضي، والتأكيد على الشراكة القائمة على التعاون المشترك لتحقيق الامن والاستقرار ومواجهة التهديدات المشتركة كالإرهاب في المنطقة.

C:\Users\user\AppData\Local\Packages\5319275A.WhatsAppDesktop_cv1g1gvanyjgm\TempState\0C74B7F78409A4022A2C4C5A5CA3EE19\WhatsApp Image 2022-12-14 at 18.50.17.jpg

وقد تناول الأعضاء كذلك شتى مجالات التعاون الثنائي بين البلدين، والذي ظهر في إدراك غالبية صناع القرار في الولايات المتحدة لأهمية الدور المصري كحلفاء استراتيجين، وبالتالي التنسيق حول قضايا التسليح لدعم الدور المصري في تحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، مثل طائرات النقل العسكرية من طراز C-130، وغيرها من المعدات، بجانب التعاون في مجال نشر قوات حفظ السلام في بعض المناطق الأكثر سخونة  في العالم، ودورهم في تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة في مناطق الكوارث كما في “السودان والصومال”.

بجانب دور مصر في “دعم المرور الآمن للسفن البحرية الأمريكية عبر قناة السويس”، ومد الأمن إلى البحرين الأبيض والأحمر وحماية التجارة العالمية، بجانب التدريبات العسكرية المشتركة من خلال “تدريبات النجم الساطع”، هذا إلى جانب الخطوات المصرية في مجال حقوق الإنسان واطلاق الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان – بالتزامن مع مرور عام على إطلاقها-، وهو ما دفع اعضاء الكونجرس من الديمقراطيين والجمهوريين خلال لقائهم والرئيس السيسي للإعراب عن تفهمهم لشواغل الأمن القومي المصري والأهمية القصوى لتحقيق استقرارها، وهو ما سينعكس على عدد من القضايا المشتركة مثل:

● استمرار تدفق المساعدات المالية والتدريبات العسكرية بين البلدين لضمان استقرار المنطقة. 

● الدفع نحو التوصل إلى حل سياسي يخدم الدفع للوصول إلى الانتخابات في ليبيا، والدعوة لطرد المرتزقة الأجانب، والتوافق حول حلحلة القضية الفلسطينية من منطلق الحق الفلسطيني القائم على إقامة الدولة وفقًا لحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، واستمرار دعم منظمة الإغاثة الفلسطينية الأونروا، ودعم استقرار دول الساحل والصحراء والقرن الأفريقي.

● استعادة الوساطة الامريكية بقيادة الجمهوريين والديمقراطيين في التأكيد على الأهمية القصوى لقضية المياه، والتمسك بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لعملية ملء وتشغيل السد، بما يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.”

● إيجاد صياغة مشتركة لقوانين الأجوا للتبادل التجاري والمقرر انتهاؤه مع عام 2025، وتعزيز التجارة البينية من خلال اتفاقية التجارة الحرة القارية، واتفاقية “تريبس TRIPs” المتصلة بالحقوق الفكرية للوصول إلى الحق في إنتاج اللقاحات ونقل التكنولوجيا الأمريكية للقارة الأفريقية. 

● التاكيد على مخرجات قمة المناخ في شرم الشيخ، والوفاء بالتعهدات ومواجهة الأضرار والخسائر، والعمل على خفض الانبعاثات الكربونية من القوى الكبرى، وربط الأمن الغذائي والمائي بقضايا التغيرات المناخية، وهو الملف الذي قادته الدولة المصرية خلال أعمال القمة لخدمة القارة الأفريقية ككل. 

ولم ينته اليوم الأول لزيارة الرئيس السيسي دون تعزيز الدبلوماسية والعلاقات الثنائية في لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن؛ للتأكيد على تلك القضايا المذكورة، ودعم الأجندة المصرية في ظل التنمية المتكاملة والمصالح المشتركة بين البلدين، وتحقيق الأمن والاستقرار الأفريقي لكون مصر ركيزة الاستقرار ومفتاح التنمية الأفريقية من خلال تنفيذ الأجندة الأفريقية 2063. 

فيضعنا الطرح السابق أمام شراكة متكاملة واستراتيجية تقارب شاملة باستخدام أوراق دبلوماسية متبادلة لتحقيق الاجندة المصرية في ظل استقطاب دولي وتنافس تعكسه سياسات القوى الكبرى، والتي أصبحت تنظر للقارة الافريقية بوصفها شريكًا استراتيجيًا بديلًا عن علاقات التبعية، وهو ما تحقق في أجندة الرئيس السيسي خلال اعمال اليوم الأول لزيارته إلى واشنطن في 14 ديسمبر 2022. 

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى