
مقتل زعيم داعش: الدلالات والتداعيات
أعلن تنظيم داعش الإرهابي، عبر الناطق باسمه أبي عمر المهاجر، مقتل زعيم التنظيم أبي الحسن الهاشمي القرشي، الذي يعتبر الزعيم الثالث للتنظيم ليُصبح “القرشي” بذلك أقصر زعماء داعش عمرًا إذ لم تتجاوز فترة قيادته للتنظيم الـ 9 أشهر، وأشار “المهاجر” إلى أن مجلس شورى التنظيم اختار “أبو الحسين الحسيني القرشي” كزعيم جديد للتنظيم، وهو متغير يطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل التنظيم في مرحلة ما بعد “القرشي”، وأبرز الدلالات والرسائل التي تُحيط بعملية مقتل “القرشي”.
غموض متعمد
نشرت مؤسسة الفرقان الذراع الإعلامية لتنظيم داعش، تسجيلًا صوتيًا للمتحدث باسم التنظيم أبو عمر المهاجر حمل عنوان “فيقتلون ويُقتلون”، أشار فيه إلى أن زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي القرشي “قُتل في إحدى المعارك مع أعداء التنظيم” وفق تعبيره، مُعلنًا أن “أهل الحل والعقد داخل التنظيم اجتمعوا واستقروا على اختيار أبو الحسين الحسيني القرشي، كزعيم جديد للتنظيم”، داعيًا أنصار وقواعد التنظيم في كل مكان إلى مبايعة الزعيم الجديد لداعش.
ولم يكشف المتحدث باسم التنظيم عن أي حيثيات خاصة بالعملية التي قُتل فيها “القرشي”، أو الجهة التي أدى الاشتباك معها إلى مقتله، مكتفيًا بالإشارة إلى أن “القرشي قتل عددًا من أعداؤه قبل مقتله” وفق تعبيره، كذلك لم يكشف التسجيل عن أي معلومات بخصوص القائد الجديد لداعش، حيث اكتفى “المهاجر” بالقول بأنه “واحد من كبار المجاهدين وواحد من أقدم مجاهدي وأبناء التنظيم”.
بدورها كشفت القيادة المركزية للجيش الأمريكي أن زعيم تنظيم “داعش” أبو الحسن الهاشمي القرشي قُتل في منتصف شهر أكتوبر الماضي، في عملية أمنية لقوات الجيش السوري الحر -أحد الفصائل السورية المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا- في محافظة درعا، لكن المتحدثة باسم الرئاسة الأمريكية كارين جان- بيار رفضت التعليق على ما إذا كانت القوات الأمريكية قد لعبت دورًا في قتل زعيم “داعش”، واكتفت بالقول بأن “الولايات المتحدة سعيدة بالتخلص من قادة داعش بشكل متعاقب”، ومؤكدةً أن “الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة مواجهة التهديد العالمي لتنظيم داعش وهي على استعداد للعمل مع الشركاء الدوليين”.
ويبدو أن الغموض المحيط بعملية مقتل “القرشي” سوف يدفع باتجاه صعود عدد من الروايات في هذا الصدد، خصوصًا وأن قوات سوريا الديمقراطية نفسها لم تعلق على الحدث حتى اللحظة.
ملاحظات رئيسة
في ضوء الغموض المحيط بعملية مقتل زعيم داعش الأسبق “أبو الحسن الهاشمي القرشي”، يمكن القول إن هناك بعض الملاحظات الرئيسة المرتبطة بهذه العملية، وذلك على النحو التالي:
1- تتمثل الفرضية الرئيسة المطروحة بعد ردود الفعل الأمريكية على العملية، في احتمالية قيام دوريات تابعة لقوات الجيش السوري الحر بدعم من واشنطن أو تركيا، باغتيال “القرشي” على هامش مواجهات مع عناصر تنظيم داعش، في محافظة درعا، دون العلم أن زعيم داعش كان من ضمن المقتولين.
2- استبق تنظيم داعش هذه المرة الولايات المتحدة في الإعلان عن مقتل زعيمه، على عكس ما يحدث عادةً عندما تقوم الولايات المتحدة أو أي قوى دولية باغتيال زعيم أحد التنظيمات، ويبدو أن تأخر الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا في الإعلان عن مقتل “القرشي” حتى لحظة إعلان التنظيم، كان يرتبط بشكل رئيس بالسعي للتأكد من هويته، وهو نفس ما حدث عقب مقتل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، حيث أعلنت الولايات المتحدة عن العملية بعد 4 أيام من تنفيذها، ويبدو أن التنظيم استبق الولايات المتحدة هذه المرة لأسباب داخلية خاصة به، فضلًا عن سعيه لقطع الطريق أمام واشنطن على مستوى توظيف العملية في الخطاب الإعلامي والسياسي لها، على غرار ما فعل الرئيس الأمريكي جو بايدن عقب اغتيال أيمن الظواهري.
ويبدو أن التأخر في الإعلان عن مقتل أبي الحسن الهاشمي القرشي، ارتبط بشكل أساسي بسعي أمريكي سوري للتأكد من هويته، وهو اعتبار يرتبط بحالة الغموض الكبيرة التي أحاطت بالرجل منذ توليه قيادة تنظيم داعش في 10 مارس 2022، خلفًا لـ “أبو إبراهيم القرشي”، فالرجل الذي عُد الخليفة الثالث لتنظيم داعش، لم يُكشف عن هويته حتى مقتله، إذ تضاربت الأقاويل بين من يذهب إلى أنه كان شقيق الزعيم الأول للتنظيم أبو بكر البغدادي، وبين من يذهب إلى أنه لم يكن شقيق “البغدادي” لكنه كان من قادة الصف الأول في داعش.
3- تنسف هذه العملية التكهنات والأخبار التي كانت تفيد بإلقاء تركيا القبض على “القرشي” في 26 مايو 2022، إذ أكد التنظيم نفسه فضلًا عن الولايات المتحدة، أن “القرشي” قُتل في قتال داخل سوريا، فضلًا عن أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد أشار في سبتمبر الماضي إلى أن “أنقرة ألقت القبض على الإرهابي بشار خطاب غزال الصميدعي”، واكتفى الرئيس التركي بالإشارة إلى أن “الصميدعي” من كبار قادة تنظيم داعش، دون القول بأنه زعيم التنظيم، فلو صحت هذه الفرضية، كانت تركيا ستعلن عنها بشكل فوري، لما تمثله من نجاح لجهود مكافحة الإرهاب التركية.
4- سارع تنظيم داعش بالإعلان عن تسمية “أبو الحسين الحسيني القرشي” كزعيم جديد للتنظيم، دون الإعلان عن أي تفاصيل حول شخصيته، حيث اقتصر الإعلان على مطالبة قواعد وأنصار التنظيم بمبايعته، وأضاف إلى اسمه لقب “القرشي” في محاولة لشرعنة هذا القرار، ويمثل هذا النهج استنساخًا لما حدث مع تعيين “القرشي” في 10 مارس الماضي، حيث يكتفي التنظيم بالإعلان عن اسم القائد الجديد، والإشادة به عبر بعض الصياغات الجهادية والمدح، دونما الإفصاح عن هويته، في استمرار لاستراتيجية “التعتيم” على مستوى قيادته الجديدة، منعًا للتوصل إلى هذه القيادة واستهدافها، وإطالةً عمرها.
ومن جانب آخر ترتبط مسارعة التنظيم بالإعلان عن الزعيم الجديد خلفًا لـ “القرشي”، محاولة لإعادة ترتيب البيت الداخلي لداعش، وغلقًا للباب أمام أي اضطرابات بنيوية قد تنشأ عن مقتله.
5- تمثل العملية الأخيرة الخاصة باغتيال “أبو الحسن القرشي” وقبلها اغتيال “أبو إبراهيم القرشي”، تأكيدًا على فشل استراتيجية التعتيم على القادة التي يتبناها التنظيم، لكن الدلالة الأهم التي تحملها عمليات الاغتيال المتكررة والدورية لقادة التنظيم، تؤكد وجود اختراقات أمنية لصفوف داعش، خصوصًا في ضوء الخلافات الكبيرة داخل صفوف التنظيم، وهي الخلافات التي يرتبط بعضها ببعض القضايا الفقهية (مثال على ذلك الخلافات بين التيار الحازمي والبنعلي)، والبعض الآخر بفكرة النفوذ والسلطة داخل التنظيم، وتتعاظم منطقية هذه الفرضية في حالة “أبو الحسن الهاشمي القرشي” في ضوء ما أُثير عن خلافات داخل التنظيم حول أهلية “القرشي” لقيادة التنظيم، خصوصًا مع الحديث عن إصابته بـ”شلل نصفي في الوجه”، فضلًا عن اعتراض العديد من الاتجاهات داخل التنظيم على عدم معرفة هوية الزعيم الجديد، وعدم معرفة نسبه.
تداعيات محتملة
تحمل عملية اغتيال “القرشي” العديد من التداعيات المهمة، خصوصًا في ظل السياق السوري الذي تأتي فيه، وذلك على النحو التالي:
1- على المستوى البنيوي لتنظيم داعش، تُعزز عملية مقتل “أبو الحسن الهاشمي القرشي” من حالة التأزم الكبيرة التي يشهدها التنظيم، خصوصًا ما يتعلق بأزمة القيادة داخل التنظيم، حيث شهدت السنوات الأخيرة اغتيال معظم قادة الصف الأول والثاني بالتنظيم، وتدفع هذه الأزمة بدورها باتجاه تنامي الخلافات داخل التنظيم حول الأسماء المطروحة لقيادة التنظيم في الفترات المقبلة.
2- دأب تنظيم داعش في السنوات الأخيرة عقب اغتيال قادته، على تبني استراتيجية “الانتقام أو النكاية”، وهي الاستراتيجية التي تقوم على تصعيد المنحى العملياتي الخاص به عقب اغتيال قادته، فمن جانب يستهدف التنظيم من هذه الاستراتيجية الانتقام، ومن جانب آخر يُحاول الظهور بمظهر القوة والتماسك، لكن العنصر الأهم بهذا الخصوص يرتبط بالسياق الحالي في سوريا، إذ أن منطقة شمال شرق سوريا تشهد حالة توتر وتصعيد كبيرة، مع تصعيد تركيا لعملياتها العسكرية التي تستهدف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وهو المناخ الذي يُقلل من حدة الضغوط المفروضة على داعش، ويمنحه فرصة لإعادة بناء خلاياه الإرهابية وصفوفه، ويزيد من قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية أو اختراق بعض المخيمات والسجون “استراتيجية هدم الأسوار”.
3- سوف تزيد هذه العملية التي أقرت الولايات المتحدة بأن قوات الجيش السوري الحر هي من نفذتها، من أسهم هذه القوات، الأمر الذي ستسعى تركيا “الحليف الرئيس للجيش السوري الحر”، لتوظيفه من أجل زيادة الرهان على هذه القوات في مقابل قوات سوريا الديمقراطية، وكذا التعاون مع قوات الجيش السوري الحر على مستوى التخديم على الأجندة التركية في الشمال السوري.
وفي الختام يمكن القول، إن عملية اغتيال زعيم داعش أبو الحسن الهاشمي القرشي، تطرح العديد من التساؤلات التي ترتبط أساسًا بالغموض الذي كان محيطًا بالرجل منذ توليه زعامة التنظيم، لكنها في المقابل تؤكد على الأزمة البنيوية الكبيرة التي يعيشها التنظيم الإرهابي، وكذا تحمل العديد من التداعيات التي تتجاوز في تأثيرها حدود بنية التنظيم الداخلية وإطار عمله الاستراتيجي، وتمتد لتشمل بعض التحركات والمتغيرات على مستوى الداخل السوري.