تغير المناخ

شركاء التنمية: دور الشباب في رسم سياسات مواجهة التغير المناخي

أقر المجتمع الدولي بأهمية إشراك مجموعات مجتمعية مختلفة، في صنع السياسات البيئية في وقت مبكر خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية (المعروف باسم قمة الأرض) في عام 1992 وفي جدول أعمال القرن 21، تم تعيين تسع مجموعات رئيسة كقنوات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في العالم، كان من ضمنهم الشباب، الذي يبلغ عددهم وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة حوالي 1.2 مليار شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عامًا، يمثلون 16 في المائة من سكان العالم، وبحلول عام 2030، وهو التاريخ المستهدف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، من المتوقع أن يرتفع عدد الشباب بنسبة 7 في المائة، إلى ما يقرب من 1.3 مليار.

لذا تنعكس أهمية مشاركة الشباب في مواجهة التغير المناخي؛ حيث أوضحت دراسة حديثة للبنك الدولي أن ما يصل إلى 132 مليون شخص في جميع أنحاء العالم قد يقعون في دوائر الفقر المدقع بحلول عام 2030 نتيجة لتغير المناخ، و44 مليونًا بسبب تأثيره على الصحة، و33.5 مليونًا بسبب التأثير على أسعار المواد الغذائية و18.2 مليون بسبب تأثير الكوارث.

حقوق الأجيال القادمة

لتغير المناخ آثار خطيرة على مجتمعاتنا والبيئة من حيث التأثير على الزراعة، وتعرض الأمن الغذائي للخطر، وارتفاع مستوى سطح البحر، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية، وكثرة الكوارث الطبيعية “الفيضانات المفاجئة، والانهيارات الأرضية، وما شابه ذلك”. وسيمتد تأثير التغيرات المناخية على كل شخص في هذا العالم، وبشكل خاص الشباب؛ لأن الشباب سيعيشون جزءًا كبيرًا من حياتهم على الأرض التي تتغير ظروفها بشكل متزايد بسبب تغير المناخ، وستتأثر الأبعاد المختلفة لحياتهم بما في ذلك أمنهم ورفاهيتهم وحتى صحتهم العقلية، سلبًا من جراء تغير المناخ. إذ أظهرت الدراسات الحديثة كيف أثر تغير المناخ والظواهر الجوية المتطرفة سلبًا على الظروف الصحية الجسدية والعقلية للشباب، بمن فيهم الأطفال. بالإضافة إلى التأثير على الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش فيها الشباب. 

فعلى سبيل المثال، في المناطق النامية مثل إفريقيا، يتعرض الشباب، الذين يشكلون أكبر مجموعة سكانية وأكبر قوة عاملة بالقطاع الزراعي، لتهديدات وجودية متزايدة، حيث أدى تغير المناخ إلى تغيير الظروف البيئية مثل توافر المياه. وهو ما قد يفتح الباب أمام صراعات مرتقبة يكون الشباب قوامها الأساسي حول استخدام الموارد الشحيحة.

وللحد من هذه الأضرار على القارة الأفريقية، ومن منطلق الدور الريادي للدولة المصرية في توفير حياة كريمة لأفريقيا؛ قامت مصر بالشراكة مع أشقائها الأفارقة بإطلاق مبادرة “حياة كريمة لأفريقيا صامدة أمام التغيرات المناخية”، والتي تهدف إلى تعزيز تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس التابعة لها، ودعم جهود البلدان الأفريقية. كما تهدف المبادرة إلى إبرام الشراكات لتنفيذ العديد من المشروعات التي تجعل القارة الإفريقية قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، والتي منها تعزيز الحلول والتقنيات المبتكرة لتحسين نوعية حياة المجتمعات الريفية في إفريقيا، من أجل تحسين نوعية الحياة في 30% من القرى والمناطق الريفية الأكثر ضعفًا وفقرًا في القارة بحلول عام 2030، وستركز المبادرة على نظم (الزراعة – البنية التحتية – سبل العيش) المقاومة للمناخ، والتخطيط وتخصيص الموارد، بالإضافة إلى التركيز على إدارة مخاطر المناخ.

الدور الرقابي للشباب في مواجهة التغيرات المناخية

من ناحية أكثر إيجابية، يمكن النظر إلى الشباب على أنهم حماة بيئيون للمستقبل. إذ قاد الشباب عدة تحركات على مستوى العالم ضد تغير المناخ عبر أشكال مختلفة، وفي مقدمتها الدعاوى القضائية ضد شركات الوقود الأحفوري والحكومات. ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال رفع 21 مراهقًا من ولاية أوريغون دعوى قضائية دستورية ضد الحكومة الفيدرالية وصناعة الوقود الأحفوري في أغسطس 2015، بحجة أن حكومتهم فشلت في معالجة تغير المناخ، وانتهاك حقوقهم في الحياة، والحرية، والممتلكات، وفشل في حماية الموارد الأساسية في قضية حملت اسم “جوليانا”، وعلى نفس النهج؛ تم رفع دعاوى قضائية مماثلة في البلدان النامية، بما في ذلك كولومبيا وباكستان. 

علاوة على ذلك، قاد الشباب في بعض البلدان النامية الجهود لمواجهة التغير المناخي وعواقبه السلبية، مما دفع المؤسسات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى تمويل مختلف المشاريع البيئية التي يقودها الشباب في جميع أنحاء العالم.

كما يمكن للشباب المساعدة في وقف تغير المناخ من خلال المشاركة في أنشطة غرس الأشجار، ومبادرات إعادة التدوير، وزيادة الوعي حول تغير المناخ من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.

النموذج المصري في دعم العمل المناخي

الحديث عن تغير المناخ ما زال أمرًا غير شائعًا، لذا ينبغي زيادة الوعي وبناء شبكات ومؤسسات قوية مُكرسة لتبني الأفراد الذين يتخذون إجراءات بشأن القضايا المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق تعهدت 193 دولة ومنهم مصر على تحقيق “أهداف التنمية المستدامة” الـ 17، والتي تركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة بحلول عام 2030.

ويمكننا القول بأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا يقربنا فقط من معالجة تغير المناخ، ولكن أيضًا في المشاركة في جعل العالم أكثر سلامًا ومسؤولية اجتماعية، وهو الأمر الذي يتطلب مشاركة الناس من جميع البلدان والأجناس والطبقات الاجتماعية، وفي مقدمتهم الشباب بوصفهم اللاعب الوحيد المجهز جيدًا بما يكفي لتدفق المعلومات إلى جميع مستويات المجتمع، وتثقيف المواطنين بقضية التغير المناخي، وتطوير الحلول وتوسيع نطاقها.

لذا من المهم أن يعمل الشباب في المستقبل القريب، على تنفيذ المبادرات المختلفة التي انطلقت قبل وخلال قمة المناخ COP27 مثل المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية في مصر، ومبادرة المنتديات الإقليمية الخمسة، التي نتج عنها أكثر من 400 مشروع في خمسة أقاليم على مستوى العالم، فضلًا عن مبادرة أسواق الكربون الأفريقية.

وعلى أرض الواقع؛ تجلى نموذج مشاركة الشباب المصري في دعم العمل المناخي من خلال مبادرة “حياة كريمة” لتطوير الريف المصري التي أحدثت نقلة نوعية بالارتقاء بالريف المصري؛ وتحسين جودة حياة أكثر من 58 مليون مواطن؛ إلى جانب إحداث طفرة شاملة للبنية التحتية والخدمات الأساسية، وخلق واقع جديد من التنمية الشاملة المستدامة لهذه التجمعات الريفية المحلية، وراعت أيضًا في مشروعاتها وخططها الحفاظ على البيئة من خلال تعزيز جهود التكيف مع المناخ للتخفيف من حدته، وتعزيز مرونة المجتمعات الريفية وتحسين قدرتها على التكيف.

إذ تضم مبادرة «حياة كريمة» العديد من المشروعات منها: أنظمة الري والصرف الحديثة، وتبطين الترع، وتغطية المصارف، والمعالجة الثلاثية للصرف الصحي، وإنشاء وتطوير محطات تنقية مياه الشرب، وتدوير النفايات، والتوسع في الزراعة العضوية، وتراعي في كافة المشروعات استخدام الطاقة المتجددة، والعمارة الخضراء، والاستدامة البيئية، علاوة على مد القرى بشبكات ألياف ضوئية Fiber Optics لتوصيل خدمة الإنترنت فائق السرعة، وبناء أبراج الاتصالات، وتطبيق التحول الرقمي من خلال منظومة المجمعات الحكومية الجديدة، إلى جانب التوسع في مشروعات توليد الطاقة الشمسية.

وتعد مؤسسة حياة كريمة مؤسسة المجتمع المدني الوحيدة ضمن لجنة إدارة المبادرة الرئاسية حياة كريمة؛ وتجاوز عدد المتطوعين بها الـ 30 ألف شاب، وتقوم بتسويق كافة المشروعات التي تنفذ في المشروع القومي حياة كريمة كما تساهم في تنفيذ وتمويل ومتابعة المشروع القومي بالتعاون مع الجهات الشريكة، والتي عملت على زراعة أكثر من 100 ألف شجرة في كافة ربوع الريف المصري من الأشجار المثمرة؛ لمحاربة التغيرات المناخية وتقليل حرارة الهواء وتنقيته، وتخفيض سرعة الرياح، وزيادة التنوع البيولوجي الحضري، كما تدعم إعادة تدوير المخلفات كصناعة منتجات مختلفة من مخلفات النخيل، وأيضًا العمل على تنقية مياه النيل من كل المخلفات الضارة بالبيئة.

كما شاركت مؤسسة حياة كريمة قطاعات الدولة المختلفة في مبادرة “القرية الخضراء”، التي تستهدف تأهيل قرى «حياة كريمة» للتوافق مع أحدث المعايير البيئية العالمية، وكان باكورة العمل باختيار “قرية فارس” بأسوان، لتنفيذ المبادرة بها، كأول قرية خضراء ضمن مبادرة حياة كريمة تحقق أهداف التنمية المستدامة وزيادة الرقعة الخضراء لتكون نموذجًا يمكن تعميمه على 175 قرية الفترة القادمة.

هذا إلى جانب؛ إطلاق مصر الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050، وأيضًا نجاح استضافة مصر لقمة المناخ COP27 بمدينة شرم الشيخ خلال شهر نوفمبر الجاري والذي أبرز خلاله الشباب المصري جهدًا جليًا في تنظيم هذا الحدث العالمي، فاستحقوا تكريم الأمم المتحدة لهم، ومؤخرًا أشادت الـ “يونيسيف” بإطلاق مصر استراتيجية جديدة بمشاركة الشباب لمواجهة التغيرات المناخية.

إجمالًا لما سبق؛ نوصي بـ خلق بيئة تعريفية؛ فقبل البدء في العمل لمواجهة القضايا المتعلقة بالمناخ، ينبغي تزويد الشباب بالمعرفة والمهارات اللازمة من خلال المؤتمرات وورش العمل والحملات والندوات، وتشجيع المؤسسات المجتمعية التي يقودها الشباب في جميع أنحاء العالم لإطلاق المبادرات لخلق مجتمع أخضر وتطوير منتجات وخدمات صديقة للبيئة، إلى جانب مساهمة الحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية والمستثمرين بتقديم المنح أو القروض بدون فوائد أو رأس المال الاستثماري أو غير ذلك من أشكال الدعم العيني للمؤسسات الاجتماعية التي يقودها الشباب لمكافحة تغير المناخ. بالإضافة إلى إشراك الشباب في سياسات مواجهة التغير المناخي؛ والجلوس إلى طاولة المفاوضات عند اتخاذ القرارات وتضمينهم في صياغة السياسات المتعلقة بالمناخ وتنفيذها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى