تغير المناخأفريقيا

التحديات المناخية على المناطق الحضرية الأفريقية والوقاية منها

بالرغم من أن الدول الأفريقية كلها تعاني من تبعات التغيرات المناخية؛ إلا أن العبء الأكبر في العمل على تطبيق خطط مقاومة الطوارئ المناخية يقع على المدن والمناطق الحضرية تحديدًا؛ كونها مصدر الطلب المتزايد باستمرار على الطاقة المدفوع بالتوسع الحضري السريع. هذا الطلب المتزايد في جميع أنحاء أفريقيا وخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى له أسباب عدة؛ من تدفق الناس إلى المدن بحثًا عن عمل وحياة أفضل لأنفسهم ولأسرهم، إلى التنمية الصناعية وحركة التحضر الالكترونية .. إلخ. وكلها أمور تحتاجها بالفعل المناطق الحضرية ولا يمكن الاستغناء عنها؛ بسبب عمل الحكومات الأفريقية على معالجة الفقر والبطالة وهي من الحقوق التي لا يمكن إنكارها ولا التهاون فيها.

يعيش  السكان في الغالب على هامش المجتمع ويتعرضون لضغوط مناخية مختلفة تضع عبئًا متزايدًا على الإدارة الحضرية. وفي الوقت نفسه، تعد المدن الأفريقية محرك النمو الاقتصادي ومركز الابتكار، حيث تقود الغالبية العظمى في عملية استخدام الطاقة في المنطقة عن طريق جذب الاستثمار سواء في التوسع الزراعي أو الصناعي، وبالتالي تلعب دورًا رئيسًا في معالجة فقر الطاقة وتوسيع نطاق الوصول إلى الطاقة المستدامة.

الاحتياجات الأفريقية للطاقة

تتوسع مدن أفريقيا بسبب كل من الهجرة والنمو السكاني، لكن توفير الوظائف والخدمات والإسكان الدائم لم يواكب ذلك التوسع. وبالتالي، فإن 65% من إجمالي العمالة في أفريقيا تعمل في القطاع غير الرسمي، حيث تقدم خدمات مثل البيع بالتجزئة على نطاق صغير، والإصلاح ..الخ في الشوارع أو من المنازل. أي أن ما يقرب من 56% من سكان الحضر -ضعف المتوسط ​​العالمي– يقطنون في مساكن عشوائية، والتي تُعرَّف على أنها نقص في السكن الدائم، والحرمان من الحصول على مياه الشرب المأمونة والمرافق الصحية الملائمة، وانعدام أمن الحيازة، وعدم كفاية مساحة المعيشة.

وتعد المدن الأفريقية من بين المدن الأسرع نموًا والأحدث في العالم. ومن المقرر أن يكون شخص واحد من بين شخصين سيضاف إلى سكان العالم بين اليوم و2040 أفريقيًا، وستصبح القارة أكثر مناطق العالم اكتظاظًا بالسكان بحلول عام 2023، متجاوزة الصين والهند.

C:\Users\ALAHLAWY\Downloads\total-population-by-region-china-africa-india-2018-and-growth-to-2040.png

من هنا نجد اليوم حوالي 600 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء، وحوالي 900 مليون شخص يفتقرون إلى الطهي النظيف. وبالرغم من الجهود الأفريقية والسياسات المتبعة وخطط الاستثمار؛ فإنها ليست كافية حتى الآن لتلبية احتياجات الطاقة لسكان أفريقيا بالكامل. وبالتالي رغم التقدم المحرز في العديد من الدول الأفريقية (مثل كينيا وإثيوبيا وغانا والسنغال ورواندا)؛ فإن الجهود الحالية والمخطط لها لتوفير خدمات الطاقة الحديثة بالكاد تتجاوز النمو السكاني، وفي عام 2030 سيفتقر 530 مليون شخص إلى الكهرباء ونحو مليار شخص إلى الطهي النظيف.[1]

يقدر عدد سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى بنحو 1.1 مليار شخص. يُعتقد أن عدد سكان المناطق الحضرية في المنطقة قد زاد بأكثر من ستة عشر ضعفًا بين عامي 1950 و 2018، ومن المتوقع أن تظل معدلات النمو السكاني في المناطق الحضرية عند أو فوق 3% سنويًا حتى عام 2040 (الأمم المتحدة 2018).

وبالتالي من المتوقع أن يكون معدل التحضر المرتفع هذا أحد المحركات الرئيسة لنمو الطاقة، حيث من المتوقع أن ينمو إجمالي الطلب على الطاقة الأولية في المنطقة بنسبة 2% سنويًا بين عامي 2018 و 2040. تنتج 143 مدينة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى 500 مليار دولار بما يمثل نصف الناتج المحلي الإجمالي. لذلك، من المنطقي تمامًا أن تركز سياسات الانتقال والطاقة النظيفة فقط على المدن والدور الذي يمكن أن تلعبه.[2]

https://www.theafricareport.com/media/2022/11/Screenshot-2022-11-02-at-15.18.43-e1667398811862.png

ومع ذلك، لا يتم إيلاء الاهتمام الكافي للدور الحاسم للمدن الأفريقية عندما يتم وضع سياسات لمكافحة الطوارئ المناخية على المستوى الدولي. حيث لا يتم تمثيل رؤساء المدن الأفريقية، مثل رؤساء البلديات، في تلك الفعاليات. وهذا يمثل فرصة كبيرة ضائعة. لم يكن دور المدن كحصون في أفريقيا ضد حالة الطوارئ المناخية أكثر أهمية من أي وقت مضى. والبيانات توضح السبب.

المدن الأفريقية بين نقص الطاقة والتغيرات المناخية

تتسبب التغيرات المناخية في الكثير من المشاكل التي تتضاعف بسبب تدني مستوى البنى التحتية للمدن الأفريقية، وبسبب نقص تخطيط المدن، ومع التغيرات المناخية يزداد الوضع سوءًا.

أولًا: البناء العشوائي في مخرات السيول يتسبب في غرق العديد من السكان مثلما حدث في الخرطوم عام 2021؛ أيضا المستوطنات غير القانونية المقامة على أراضٍ منخفضة تكون عرضة للفيضانات المستمرة مثل مستوطنة أولد فاداما في أكرا عاصمة غانا. ويعني الوضع غير القانوني للمستوطنة أن الحكومة ليست مسؤولة قانونًا عن تقديم الخدمات للسكان، ولا تستطيع تحصيل العوائد الحكومية والضرائب وما شابه لخطورة الوضع وانتشار العصابات مما يزيد من معاناة السكان.

ثانيًا: هطول الأمطار بكثافة يؤدي إلى إغراق المنازل وأماكن العمل، مما يؤدي إلى إتلاف الأصول وزيادة التعرض للأمراض المنقولة عن طريق المياه.

ثالثًا: الحرارة الزائدة ينتج عنها “الصوبة الزجاجية” حيث يؤدي امتصاص الحرارة بواسطة الأسطح إلى تعريض صحة سكان المنازل والأسواق سيئة التهوية للخطر.

رابعًا: يؤدي الجفاف المتزايد إلى الإضرار بإمدادات المياه، مما يؤدي إلى تفاقم مخاطر الحرائق في الأسواق والأحياء الفقيرة، بينما يقلل أيضًا من موارد الطاقة الكهرومائية، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم نقص الكهرباء.

خامسًا: سيؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر والمد والجزر إلى زيادة الفيضانات في المناطق الساحلية منخفضة الارتفاع في أفريقيا حيث سيزداد النمو السكاني في العقد المقبل.

الجهود الأفريقية

استجابت مدن أفريقيا جنوب الصحراء للدعوة إلى العمل وقد قطعت أشواطًا كبيرة في دفع التغيير السريع والمنهجي على الأرض. فعلى مدار السنوات الست الماضية انضمت أكثر من 292 حكومة بلدية في أفريقيا جنوب الصحراء إلى ميثاق رؤساء البلديات في أفريقيا جنوب الصحراء CoMSSA))، والتزمت طواعية بتنفيذ إجراءات المناخ والطاقة في مدنهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن برنامج العمل المناخي لأفريقيا بقيادة C40 Cities؛ يجمع 11 مدينة ضخمة في أفريقيا جنوب الصحراء والتي تعهدت بأن تصبح خالية من الكربون بحلول عام 2050.[3]

هذا الطموح المدفوع محليًا لا يخلو من التحديات الخاصة به؛ حيث نتج عن CoMSSA وC40 وضوح كبير بشأن خطط التنفيذ اللازمة للانتقال إلى مستقبل طاقة حضرية أكثر استدامة، الأمر الذي استتبع ضرورة العمل على النهج التالي:

  • تعزيز التخطيط الذي يحسن النقل العام ويقلل من الازدحام.
  • تنظيم المباني لتعزيز الكفاءة برامج استخدام الكهرباء على نطاق واسع ومبادرات كفاءة الطاقة في الصناعة، وتحسين كفاءة استخدام الكتلة الحيوية في الطهي.
  • العمل على توليد الطاقة المتجددة اللامركزية مثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح باقي الانواع النظيفة من الطاقة.

ومع ذلك، في جميع هذه المجالات الرئيسة، لا تزال الحكومات المحلية بحاجة إلى التمكين والاستفادة من تفويض الحكومات الوطنية للسلطات وإبداء الرأي في كيفية تحديد أولويات الاستثمار. تتمثل إحدى أولويات الاستثمار في توفير كمية كافية من الطاقة النظيفة والموثوقة والميسورة التكلفة، لا سيما لقطاعات الأعمال.[4]

ما نراه عبر تطوير المدن عبر أفريقيا جنوب الصحراء هو ارتباط وثيق بين نمو الناتج المحلي الإجمالي واستخدام الطاقة. ومع ذلك، لا تزال مدن أفريقيا جنوب الصحراء تستخدم طاقة أقل بكثير للفرد من المتوسط ​​العالمي، بسبب عوامل تشمل ضعف القدرة على تحمل التكاليف، وانخفاض معدلات الوصول للكهرباء، وانخفاض مستويات التنمية الاقتصادية. ستحقق مدن جنوب الصحراء الكبرى فوائد اقتصادية أوسع مع تأثيرات إيجابية عميقة على الإدماج الاجتماعي من خلال تقديم -من خلال التخطيط الدقيق- الطلب اللازم على الطاقة في اطار النسيج الحضري والأنشطة التجارية المتزايدة.

وهذا الطلب على الطاقة هو الذي يجب إشباعه، حتى لو لم يكن مصدر تلك القدرة قائمًا على مصادر الطاقة المتجددة. سيسمح توفير هذه الطاقة لقادة المدن بجذب الأعمال، وتعزيز رفاهية مواطنيهم، والأهم من ذلك، تمهيد الطريق لمجموعة من التدابير لجعل التنمية أكثر استدامة ودعم أهداف صافي الصفر الكربوني.

معالجة الطوارئ المناخية في أفريقيا: موازنة الموارد العالمية والمحلية

ركز تمويل المناخ في الغالب على تدابير التخفيف -استثمارات جديدة من شأنها أن تبقي العالم أقل من 1.5 درجة من الاحترار- ولكن مع الأحداث الجوية القاسية تضررت البيئة بشكل متكرر أكثر من أي وقت مضى، لذا يجب أن يكون هناك تركيز متساوٍ على التكيف والمرونة في التعامل مع أزمة المناخ التي تتكشف وتزداد سوءًا.

يقدر بنك التنمية الأفريقي أن فجوة تمويل البنية التحتية في القارة تبلغ حوالي 100 مليار دولار في السنة، لذلك يجب أن تكون المشاريع التي تركز على المناخ مستدامة. وبالنظر إلى الاحتياجات الملحة والموارد الحكومية المحدودة، يجب أن يلعب القطاع الخاص دورًا.

من هنا وضعت خطة تمويل Africa50، التي تهدف إلى الاستفادة من رأس المال والخبرات للاستثمار في القطاع الخاص من خلال تطوير مشاريع البنية التحتية الصديقة للمناخ والاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بما في ذلك محطات الطاقة الشمسية والطاقة المائية، وكذلك في قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والنقل واللوجستيات. كما أن خطة Africa50 تدافع عن انتقال الطاقة العادل في أفريقيا، والتي يجب أن تختلف في السرعة والعمق المسترشدين بموارد وقدرات الدول المتاحة.

وقد يكون ضعف البنى التحتية للمدن الأفريقية ميزة حيث ستتمكن من القفز من البنى التحتيى القديمة لأخرى تتبنى التنمية المستدامة الخضراء دون المرور بالأشكال التقليدية؛ كما فعلت بفعالية مع الهاتف المحمول والخدمات المصرفية. مثلما لا تحتاج إلى كابلات للإنترنت المنزلي بعد الآن، فقد لا تحتاج أيضًا إلى اتصال شبكة لتشغيل أجهزتك. علاوة على ذلك، يمكن للتقنيات المتطورة الآن مراقبة وتحسين كفاءة جميع البنية التحتية.[5]

هذا هو السبب في أن التحالف من أجل البنية التحتية الخضراء في أفريقياAGIA ، وهي مبادرة أنشأها بنك التنمية الأفريقي ولجنة الاتحاد الأفريقي بالشراكة مع Africa50 ومؤسسات تمويل التنمية العالمية مثل بنك الاستثمار الأوروبي، EBRD والمانحين مثل Rockefeller؛ تسعى إلى تحفيز مشاريع البنية التحتية على نطاق واسع والسرعة من خلال جمع ما يصل إلى 500 مليون دولار من رأس المال في مرحلة مبكرة من المشروع ورأس المال لإعداد المشاريع. قد يستفيد هذا من فرص الاستثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار، مما يدعم انتقال القارة إلى الصفر الكربوني.


[1] Africa Energy Outlook 2019, World Energy Outlook special report, International Energy Agency (Paris: November 2020)

[2] Addressing the climate emergency in Africa: balancing global and domestic resources, British International Investment (London: Oct. 2022)

[3] COP27 ends with limited progress on climate action, but unprecedented engagement of global mayors, (New York: 20th. Nov. 2022)

[4] C40 WORLD MAYORS SUMMIT (Buenos Aires: 19–21 October 2022)

[5] Africa50 Infrastructure Acceleration Fund

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى