تغير المناخ

صندوق “الخسائر والأضرار”.. هل يعزز التوجه نحو العدالة المناخية؟

اختتمت الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (كوب 27) التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ في الفترة 6-19 نوفمبر 2022 مفاوضاتها بالاتفاق على تأسيس صندوق “الخسائر والأضرار”، لمساعدة “الدول الأكثر تضررًا” من التغيرات المناخية، لتحمل التكاليف المتزايدة للأضرار الناجمة عنها، كمحاولة منها لاجتياز ثلاثين عامًا من الرفض من جانب الدول المتقدمة التي تساهم بمعظم الانبعاثات العالمية. وبناء على ذلك، تم تشكيل لجنة تعمل على وضع آلية لمتابعة التفاصيل المتعلقة بكيفية عمل الصندوق ومصادر تمويله، من أجل إقرارها خلال مؤتمر الأطراف المقبل (COP28) في دولة الإمارات بنهاية 2023.

وقبل انعقاد قمة المناخ (COP27) بأسابيع قليلة، كانت هناك مطالب متكررة من جانب الدول النامية بإدراج بند “الخسائر والأضرار” على جدول أعمال المؤتمر، وهو ما حدث بالفعل خلال الجلسة الإجرائية للمؤتمر التي عقدت في 6 نوفمبر 2022 بطرح مصر مقترحًا لإدراج “بند الخسائر والأضرار” على جدول الأعمال، وهو المتعلق بتمويل الأضرار الناجمة عن تغير المناخ بالدول النامية. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تدرج فيها القضية على جدول أعمال مؤتمرات المناخ؛ وذلك لمعالجة الخسائر والأضرار والتعويضات التي تقدمها الدول المتقدمة للدول النامية والمتضررة بشكل أكبر من مخاطر التغير المناخي والتي لم تسهم بشكل كبير في الانبعاثات الضارة التي أدت إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.

جدل حول إنشاء صندوق “الخسائر والأضرار”

تم طرح فكرة صندوق ” الخسائر والأضرار ” لأول مرة في عام 1991، وكان ذلك بناء على اقتراح دولة فانواتو، وهي دولة جزرية منخفضة في المحيط الهادئ، من خلال إنشاء صندوق لتعويض ومساعدة الدول النامية من جراء التغيرات المناخية، لكن ظل هذا المقترح مرفوضًا لمدة ثلاثين عامًا من جانب الدول المتقدمة، وكانت هناك حالة من الرفض من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ خشية الدخول في دوامة من الالتزامات المالية، لكن الاتحاد الأوروبي تراجع عن موقفه في (COP27)، وأيد تأسيس الصندوق بموجب شروط محددة، من بينها أن تسهم فيه الصين التي تصنفها الأمم المتحدة دولة نامية، لكنها أيضًا ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم.

وخلال المؤتمر، قدمت بعض الدول التزامات تمويلية محدودة نسبيًا من أجل الخسائر والأضرار، وهي (الدنمارك وبلجيكا وألمانيا واسكتلندا) بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ولم تتعهد الصين بأي مدفوعات، علاوة على ذلك، تم تقديم مساعدات تمويلية من جانب الأمم المتحدة وبنك التنمية لمواجهة الخسائر والأضرار. وخلال الاتفاق على إنشاء الصندوق، كانت هناك حالة من الجدل حول بعض المسائل والتي تتمثل في:

● تحديد الدول المستفيدة من الصندوق: خلال الاتفاق على إنشاء الصندوق، كان هناك الكثير من الجدل حول الدول المستفيدة منه؛ إذ يريد الاتحاد الأوروبي أن تذهب معظم الأموال إلى الدول “المعرضة للخطر بشكل خاص” بدلًا من الدول النامية، والتي بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ تشمل على وجه الخصوص أماكن غير فقيرة مثل (الصين وسنغافورة)، بالإضافة إلى إشارة الاتحاد الأوروبي إلى أن الصين أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم.

● مصادر التمويل: خلال المؤتمر كانت هناك حالة من الجدل حول طلب الدول النامية بزيادة المساعدات المالية المقدمة من الدول المتقدمة عن 100 مليار دولار، وهو ما أكد عليه رئيس كينيا، وليام روتو، إن إخفاق العالم الغني في صرف 100 مليار دولار سنويًا من تمويل المناخ الذي وعد به في قمة كوبنهاجن للمناخ في عام 2009 كان بمثابة “تقصير غير مبرر”، (لم يصل إلى أكثر من 83 مليار دولار في أي عام واحد).

وبعد أن تم الاتفاق على إنشاء الصندوق، لم يتم تحديد مصدر التمويل بشكل رسمي، لكن من المتوقع أن يكون مصدر تمويل الصندوق هو المؤسسات المالية، بدلًا من الاعتماد على الدول المتقدمة، مع اقتراح بعض الدول أن تكون هناك صناديق أخرى قائمة بالفعل مصدرًا للنقد. كذلك طرح الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” بعض الأفكار مثل فرض ضريبة على الأرباح الاستثنائية لشركات الوقود الأحفوري، لكن خلال العام المقبل سيتم الاتفاق بشكل نهائي على آليه عمل الصندوق وتحديد مصادر التمويل، وهو ما ستتم مناقشته في (COP28).

كذلك دعا المؤتمر خلال اليوم الأخير “الإضافي”، بنوك التنمية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية الأخرى إلى إصلاح ممارساتها وتحديد أولوياتها، وتشجيعها على تحديد رؤية جديدة من خلال طرح قنوات وأدوات مناسبة لمعالجة حالة الطوارئ المناخية العالمية بشكل مناسب. لكن التوترات الجيوسياسية وما سبقها من الآثار الناتجة عن فيروس كوفيد -19 أدت إلى وجود صراع على المال في الدول المتقدمة، أما في الدول النامية، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أسوأ بكثير؛ نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب أن الخسائر والأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية دفعت إلى ارتفاع معدلات ديون العديد من الدول النامية لعمل مشروعات خضراء تسهم في تقليل آثار تلك التغيرات.

● الخسائر والأضرار التي يغطيها الصندوق: نتيجة تغير المناخ، حدثت خسائر فادحة بدول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وأكثر البلدان معاناة من ارتفاع درجات الحرارة والأحداث الجوية المتطرفة هي الدول الفقيرة والمتأثرة بالصراعات؛ فحسب تقرير لصندوق النقد الدولي، أودت الكوارث المناخية بحياة أكثر من 2600 شخص وأثرت على حياة أكثر من 7 ملايين آخرين وتسببت في أضرار مادية مباشرة بقيمة ملياري دولار في كل عام بدءًا من عام 2000.

هذا بالإضافة إلى أن الكوارث المناخية في هذه المناطق خفضت النمو الاقتصادي السنوي بواقع 1-2 نقطة مئوية على أساس نصيب الفرد، ومن المتوقع أن تصبح هذه الأحداث المناخية أكثر شيوعًا وحدة مع ارتفاع حرارة كوكب الأرض. وقُدّرت الخسائر المرتبطة بالمناخ مجتمعة على مدى العقدين الماضيين بنحو 525 مليار دولار، أو 20 %من الناتج المحلي الإجمالي، وتشير بعض الأبحاث إلى أنه بحلول عام 2030 قد تصل هذه الخسائر إلى 580 مليار دولار سنويًا.

هناك الكثير من الدول ذات ظروف مناخية قاسية، حيث يتسبب الاحترار العالمي في تفاقم التصحر والإجهاد المائي وارتفاع مستويات البحار، وقد أصبح هطول الأمطار أكثر تقلبًا، والكوارث المناخية كموجات الجفاف والفيضانات أكثر قسوة؛ ففي تونس، يتركز 90% من النشاط السياحي على الشواطئ المهددة بالتآكل والمعرضة لمزيد من الارتفاعات في مستويات البحار، وفي إيران، أدت موجة الجفاف في العام الماضي إلى إشعال الاحتجاجات حيث أجبر نقص المياه المزارعين على ترك العمل، وفي الدول المتأثرة بالصراعات مثل أفغانستان والصومال والسودان وكذلك باكستان حيث كانت المعاناة شديدة حيث أودت الكوارث المناخية بحياة أعداد أكبر أو ألحقت بهم الضرر.

وفي الختام، على الرغم من أنه خلال الاتفاق الذي تم في كوب 27 لم يتم تحديد ما يجب اعتباره “خسائر وأضرار” ناجمة عن تغير المناخ، والتي يمكن أن تشمل البنية التحتية والممتلكات المتضررة، فضلًا عن النظم البيئية الطبيعية أو الأصول الثقافية التي يصعب تقييمها؛ فإن إدراج بند الخسائر والأضرار لأول مرة على جدول أعمال القمة، والاتفاق على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار لمساعدة الدول الأكثر تضررًا يعكس الجهد المصري المضني في دفع الأطراف إلى التوافق من جانب، واستمرار الدول المتقدمة في محاولة التهرب من التزاماتها المناخية من جانب آخر.

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى