تغير المناخ

“رسالة سلام للأرض” … حصاد المحطة النهائية في كوب 27

بعد مخاض طويل وجهود مضنية استمرت حتى ساعة مبكرة من فجر اليوم، وصلت قمة المناخ “COP 27” إلى محطتها النهائية، بعد اختتام فعالياتها بشكل رسمي خلال جلستها النهائية، وإصدار نصين رئيسين، النص الأول هو الإعلان الختامي الذي تضمن نصاً حول خفض انبعاثات غاز الميثان، أما النص الثاني فهو قرار حول تمويل الأضرار المناخية التي تتكبدها الدول الفقيرة، ينص على إنشاء صندوق لتمويل الخسائر والأضرار.

وقد تمكن المفاوضون أخيرا، بعد مد فعاليات قمة المناخ يوماً واحداً، من التوصل إلى استنتاجات بشأن أصعب بنود جدول الأعمال، بما في ذلك مرفق الخسائر والأضرار– على الرغم من أن كيفية تمويل هذه الآلية لا تزال قيد المناقشة–، بالإضافة إلى هدف التمويل لما بعد عام 2025، وما يُسمّى ببرنامج عمل التخفيف، الذي من شأنه تقليل الانبعاثات بشكل أسرع، وتحفيز الإجراءات المؤثرة، فضلا عن تأمين التأكيدات من الدول الرئيسية بأنها ستتخذ إجراءات فورية لرفع الطموح وإبقائها على الطريق نحو 1.5 درجة مئوية.

وقد نص البيان الختامي للقمة، على أن  95% من التزامات خفض البلدان انبعاثاتها تشمل غاز الميثان أو أنها ستفعل ذلك في المراجعة التالية، وأن 50 دولة قد طورت خططًا وطنية للميثان للقيام بذلك. من بين هذه الدول الخمسين ، البرازيل وفيتنام وكندا وفنلندا والسويد والنرويج والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – التي تمثل 27 دولة عضو – والتي نشرت خططًا في العام الماضي ، بالإضافة إلى الدول التي التزمت بنشر خطط قبل COP28 أو البدء في تطويرها. كذلك تم إطلاق طرق لمعالجة الانبعاثات من قطاعي النفايات والزراعة في الاجتماع الوزاري، ويركز المسار الزراعي بشكل كبير على تحسين كفاءة الإنتاج الحيواني ، والذي لن يكون له أي تأثير على الانبعاثات إذا استمر عدد الماشية في النمو.

هذا كله يضاف إلى المبادرات التي تم إقرارها خلال فعاليات القمة، ومنها “أجندة شرم الشيخ للتكيّف، ومبادرة العمل من أجل التكيّف في قطاع المياه والقدرة على الصمود (AWARe)، ومبادرة أسواق الكربون الإفريقية (ACMI)، وحملة تسريع التكيف مع التأمين، والتحالف العالمي للطاقة المتجددة، تحالف المحرّكون الأوائل (FMC) التزام الإسمنت والخرسانة”.

في تفاصيل وثيقة الإعلان الختامي، أعادت هذه الوثيقة التأكيد على هدف اتفاق باريس باحتواء ارتفاع متوسط الحرارة دون الدرجتين المئويتين بكثير مقارنة بمستويات ما قبل الحقبة الصناعية ومواصلة الجهود لحصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية. كما أشارت إلى أن تداعيات التغيّر المناخي ستكون أقل بكثير مع احترار قدره 1.5 درجة مئوية مقارنة بدرجتين مئويتين، وقرر مواصلة الجهود لحصر ارتفاع الحرارة بـ1.5 درجة مئوية.

كذلك دعا نص هذه الوثيقة إلى تسريع الجهود نحو خفض تدريجي لاستخدام الفحم غير المترافق بنظام التقاط الكربون وإلغاء الدعم غير المجدي للوقود الأحفوري، وتسريع الانتقال النظيف والعادل إلى الطاقة المتجددة. وتقرر إبرام اتفاقات تمويل جديدة لمساعدة الدول النامية على مواجهة الخسائر والأضرار من خلال توفير الموارد الجديدة والإضافية والمساعدة على حشدها.

في هذا الإطار أيضاً، تقرر إنشاء صندوق استجابة في حال حصول خسائر وأضرار، وتشكيل “لجنة انتقالية” مكلفة وضع الإجراءات العملانية لهذه التدابير الجديدة ومن بينها الصندوق الخاص، ترفع توصياتها إلى مؤتمر الأطراف المقبل نهاية العام 2023 في الإمارات العربية المتحدة. وتعتبر قضية “صندوق الخسائر والأضرار”، من أهم القضايا التي تمحورت حولها النقاشات خلال الساعات الأخيرة لقمة شرم الشيخ، ويمكن اعتبار إقرار هذا الصندوق بمثابة انجاز كبير يحسب لهذه القمة وللنصف الجنوبى من الكرة الأرضية، حيث جاء بعد نحو 27 عام من الجدل بين الدول المتقدمة والدول النامية بشأنه، وبعد مفاوضات مضنية تمت خلال قمة شرم الشيخ بين الدول الجزرية الصغيرة ودبلوماسيى الاتحاد الأوروبي، ويمثل تحول واضح في مواقف بعض الدول المتقدمة، التي كانت تخشى أن يؤدي هذا الصندوق إلى تحميلها أعباء مالية أكبر من طاقتها.

بشكل عام، يمكن تلخيص أهم ما ورد في البيان الختامي لقمة المناخ في النقاط التالية:

  • إنشاء صندوق استجابة في حال حصول خسائر وأضرار، وتشكيل “لجنة انتقالية” مكلفة وضع الإجراءات العملانية لهذه التدابير الجديدة.
  • تأكيد الالتزامات السابقة الخاصة بانبعاثات غاز الميثان.
  • إطلاق برنامج عمل جديد مدته خمس سنوات لتعزيز حلول تكنولوجيا المناخ في البلدان النامية.
  • إطلاق برنامج عمل التخفيف في شرم الشيخ، بهدف التعجيل بتوسيع نطاق طموح التخفيف وتنفيذها، وسيبدأ برنامج العمل فورًا ويستمر حتى عام 2030 ، مع عقد حوارين عالميين على الأقل كل عام.
  • طُلب من الحكومات إعادة النظر في أهداف عام 2030 وتعزيزها في خططها المناخية الوطنية بحلول نهاية عام 2023 .
  • المطالبة  بتسريع الجهود للإلغاء التدريجي للطاقة التي تعمل بالفحم دون هوادة والتخلص التدريجي من إعانات الوقود الأحفوري غير الفعالة، حيث يقر نص القرار بأن أزمة الطاقة العالمية غير المسبوقة تؤكد الحاجة الملحة إلى تحويل أنظمة الطاقة بسرعة لتصبح أكثر أمانًا وموثوقية ومرونة، من خلال تسريع التحولات النظيفة والعادلة إلى الطاقة المتجددة خلال هذا العقد الحرج من العمل.
  • اختتام الحوار التقني الثاني لعملية التقييم العالمي الأولى، وهي آلية لرفع الطموح بموجب اتفاقية باريس. سيعقد الأمين العام للأمم المتحدة “قمة طموح المناخ” في عام 2023 ، قبل اختتام التقييم في COP 28 العام المقبل.
  • إطلاق حزمة من 25 نشاطا تعاونيا جديدا في خمسة مجالات رئيسية: الطاقة ، والنقل البري ، والصلب ، والهيدروجين ، والزراعة.
  • الإعلان عن خطة بقيمة 3.1 مليار دولار أمريكي لضمان حماية كل شخص على هذا الكوكب من خلال أنظمة الإنذار المبكر في غضون السنوات الخمس المقبلة.
  • نشر فريق الخبراء رفيعي المستوى التابع للأمين العام للأمم المتحدة والمعني بالالتزامات الصافية تقريرًا، يعد دليل إرشادي لضمان تعهدات موثوقة وخاضعة للمساءلة من قبل الصناعة والمؤسسات المالية والمدن والمناطق.
  • إطلاق خطة تقودها مجموعة السبع تسمى مرفق تمويل الدرع العالمي لتوفير التمويل للبلدان التي تعاني من كوارث مناخية.
  • أعلان الدنمارك وفنلندا وألمانيا وأيرلندا وسلوفينيا والسويد وسويسرا ومنطقة والون البلجيكية عن 105.6 مليون دولار أمريكي كتمويل جديد لصناديق مرفق البيئة العالمية التي تستهدف التكيف الفوري مع المناخ. 

وخلال كلمته في الجلسة الختامية للمؤتمر، قال سامح شكري وزير الخارجية، إن مدينة شرم الشيخ على مدار أسبوعين، حظيت بتشريف المشاركين في قمة المناخ “كوب 27″، بحضور الآلاف، متابعاً “شارك رؤساء الدول والحكومات وأعضاء الوفود وممثلون عن المجتمع المدني وغيرهم.. من أجل هدف واحد لمواجهة التغير المناخي”. وأضاف “العمل الذي تم خلال أسبوعين في مؤتمر المناخي والنتائج التي تواصلنا إليها شهادة على إرادة جماعية.. نحن أسرة للأمم وقد عبرنا برسالة واضحة حول العالم بأن هنا في القاعة رغم الصعوبات واختلاف الرؤى والطموح.. ملتزمون بمواجهة التغير المناخي من خلال الدبلوماسية متعددة الأطراف”. وتابع سامح شكري “هناك من شكك في الوصول إلى نتائج وتراجع الإرادة.. تمكنا الارتقاء بالجهود والمسئوليات للاستجابة للجهود العالمية فيما يخص اتخاذ القرار السياسي”.

من جانبه، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أن خروج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، بقرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار خطوة مهمة نحو العدالة. وقال جوتيريش- في رسالة مصوّرة أوردها مركز أنباء الأمم المتحدة، في بيان، عبر موقعه الإلكتروني، اليوم الأحد، “من الواضح أن هذا لن يكون كافيا، لكنه بمثابة إشارة سياسية تشتد الحاجة إليها لإعادة بناء الثقة المنهارة”، مؤكداً أن منظومة الأمم المتحدة ستدعم الجهد في كل خطوة على الطريق. وأضاف أن هناك أولويات فيما يتعلق بالعمل المناخي، وهي تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحفاظ على حدّ 1.5 درجة مئوية لاتفاق باريس، وإنقاذ البشرية من السقوط عند “منحدر المناخ”. وتابع: “نحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات بشكل كبير الآن”، مشيرا إلى أن العالم بحاجة إلى تحقيق قفزة عملاقة في الطموح المناخي، ووضع حدّ لإدمانه على الوقود الأحفوري من خلال الاستثمار “بشكل كبير” في مصادر الطاقة المتجددة.

وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على الحاجة إلى الوفاء بالوعد الذي طال انتظاره بتقديم 100 مليار دولار سنويا لتمويل تحديات المناخ للبلدان النامية، وتوضيح خريطة طريق تتمتع بالمصداقية لمضاعفة تمويل التكيّف، مؤكدا أهمية تغيير نماذج الأعمال لبنوك التنمية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية. وجدد دعوته إلى عمل شراكات انتقالية عادلة للطاقة لتسريع التخلص التدريجي من الفحم وتوسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة، وهو ما دعا إليه في كلمته الافتتاحية في مؤتمر المناخ، وأوضح أن جميع البلدان تبذل جهدا إضافيا لتقليل الانبعاثات هذا العقد، بما يتماشى مع (حدّ) 1.5 درجة مئوية، داعيا المؤسسات الدولية والقطاع الخاص من أجل حشد الدعم المالي والتقني للاقتصادات الصاعدة الكبيرة، بهدف تسريع الانتقال إلى الطاقة المتجددة.

وقال جوتيرتش “نحن بالفعل في منتصف الطريق بين اتفاق باريس للمناخ عام 2015، والموعد النهائي المحدد لعام 2030.. نحن بحاجة إلى تضافر جهود الجميع لتحقيق العدالة والطموح، وأن هذا يشمل الطموح لإنهاء “الحرب الانتحارية” على الطبيعة التي تغذيها أزمة المناخ، وتتسبب في انقراض الأنواع وتدمير النظم البيئية. وأضاف “يمثل مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي الشهر المقبل اللحظة المناسبة لاعتماد إطار عالمي طموح للتنوع البيولوجي للعقد القادم، لتنبع منه قوة الحلول القائمة على الطبيعة والدور الحاسم لمجتمعات السكان الأصليين”، مضيفا أن المعركة المقبلة ستكون صعبة و”ستتطلب من كل واحد منا القتال في الخنادق كل يوم.. لا يمكننا انتظار حدوث معجزة”.

وقد وجه الاتحاد الأوروبي، اليوم الأحد، الشكر لمصر على جهودها في تنظيم مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، ومحاولتها الحثيثة للتوفيق بين المواقف التي بدت متباعدة للغاية في الأيام الأخيرة. وقال نائب رئيسة المفوضية الاوروبية فرانس تيمرمانس في الجلسة الختامية للمؤتمر “دعونا نلقي نظرة فاحصة على ما هو مطروح الآن على الطاولة الختامية لكوب-27 وأن نواجه أنفسنا بالحقيقة حتى لو لم نرغب في سماعها، فما تحقق حتى الآن لا يكفي لإحراز خطوة إلى الأمام من أجل البشرية وكوكب الأرض ولا يجلب جهودًا إضافية كافية من الجهات الرئيسية للانبعاثات لزيادة وتسريع تخفيضات الانبعاثات.

وأضاف تيمرمانس “أن ما تحقق حتى الآن لا يعالج أيضًا الفجوة المتسعة بين علم المناخ وسياساتنا المناخية، والاتحاد الأوروبي من جهته حاول سد هذه الفجوات وأظهر التزامه الطموح بالتوافق التام مع سيناريو تقييد الاحتباس الحراري عند 1.5 والقدرة على تحديث المساهمات المحددة وطنيًا”. وتابع “حاولنا أن نضعنا جميعًا على طريق ثابت نحو بلوغ هدف الـ 1.5. مع الوصول إلى ذروة الانبعاثات العالمية بحلول عام 2025، وعبرنا بشكل واضح عن نيتنا للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بلا هوادة. لقد سمعنا هذا الأسبوع أن أكثر من 80 دولة تدعم الآن هذا الهدف. والاتحاد الأوروبي لديه شراكات قوية ومثمرة مع العديد من الحاضرين هنا في شرم الشيخ ووقع بالفعل بعض الاتفاقيات الجديدة المهمة في هذين الأسبوعين الماضيين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى