مكافحة الإرهاب

كيف يؤثر اختيار “محمود حسين” كقائم بأعمال المرشد على أزمة الإخوان؟

في مسعى واضح من جبهة إسطنبول الإخوانية لاستغلال وفاة إبراهيم منير الذي كان يشغل منصب القائم بأعمال المرشد العام لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي مطلع الشهر الجاري، أعلن مجلس الشورى العام المحسوب على جبهة إسطنبول، عن تكليف محمود حسين  بمهام القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، في خطوة تعكس سعي جبهة إسطنبول للسيطرة على مفاصل الجماعة، وتُكرس لحالة التشظي والانقسام التي يعيشها التنظيم منذ أشهر، خصوصًا  مع المعارضة المحتملة التي ستُبديها العديد من الاتجاهات الإخوانية لهذا القرار في الأيام المقبلة للقرار.

سياق قرار تعيين “حسين”

بدأ بيان جبهة إسطنبول بالآية الكريمة “والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون”، في محاولة لإظهار القرار وأنه نتاج شورى وإجماع بين فصائل الجماعة، وهو زعم ينفيه واقع الجماعة المأزوم إذ تنقسم الجماعة إلى ثلاث جبهات متناحرة، تتصارع فيما بينها وتُخون كل منها الأخرى، وأشار البيان في هذا السياق إلى أن مجلس الشورى العام وفي إطار انعقاده الدائم قرر تعيين محمود حسين كقائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان، وتقدم مجلس شورى الجماعة في البيان بالشكر للجنة التي كانت قد عينتها جبهة إسطنبول للقيام بأعمال المرشد، والتي كان يقودها مصطفى طلبة.

وفي سعي لتكريس شرعية الجبهة أكد البيان على أن المواقف الرسمية “للجماعة تُعلن من خلال موقع إخوان أون لاين” وهو الموقع الرسمي المعبر عن جبهة إسطنبول، وفي فيديو مُتلفز أعلن إبراهيم طلبة عن مشاركة اللجنة التي كانت تقوم بأعمال المرشد في اتخاذ هذا القرار ودعمها له، وهو نوع من التزييف إذ أن هذه الجبهة معينة بالأساس من قبل محمود حسين، ما يعني أن “حسين” هو الذي كان يتحكم في هذه اللجنة فعليًا .

واستند مجلس الشورى الموالي لجبهة إسطنبول في هذا القرار لنص المادة الخامسة من اللائحة الداخلية للإخوان، وهي المادة التي تنص على أنه “في حال حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد العام لمهامه يحل محله نائبه الأول ثم الأقدم فالأقدم من النواب، ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد”. ويحمل هذا القرار بعض الدلالات المهمة، وذلك على النحو التالي:

1- يرتبط تحرك جبهة إسطنبول على مستوى تعيين “حسين” كقائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان، في هذا التوقيت بالذات، بالسعي لاستغلال غياب إبراهيم منير عن المشهد الخاص بالجماعة، خصوصًا  مع عدم وجود إجراءات “مستدامة” أو “حاسمة” لجبهة لندن على مستوى اختيار خليفة “منير”، وإرساء الهيكل الإداري الخاص بها، وغياب أسماء كاريزمية بارزة تستطيع القيام بالأدوار التي كان يؤديها إبراهيم منير، وهي اعتبارات تمثل فرصة بالنسبة لجبهة إسطنبول تسعى لاستغلالها.

2- تُحاول جبهة إسطنبول توظيف المادة الخامسة من اللائحة الداخلية الخاصة بالجماعة، في مسعى لإضافة شرعية على قرارها بتعيين “حسين” كقائم بأعمال المرشد، الجدير بالذكر أن “حسين” نفسه في بداية أزمة الإخوان كان قد قد تقدم بنفسه ومعه 10 أعضاء من قيادات من مجلس شورى الجماعة، بطلب لتعديل المادة الخامسة من لائحة الجماعة، ما يعني أن توظيف هذه المادة في اللحظة الراهنة، يأتي كاستغلال لوفاة “إبراهيم منير”، في ضوء انطباق الشروط التي تنص عليها المادة على محمود حسين.

3- تسعى جبهة إسطنبول في إطار التنازع على الشرعية القائم بينها وبين جبهة لندن إلى تعزيز وزنها النسبي عبر الاستحواذ على منصب القائم بأعمال المرشد وما سينطبق على هذا المنصب ينطبق أيضًا  على منصب أمين التنظيم الدولي الذي ستسعى الجبهة في الأيام المقبلة للاستحواذ عليه، إلى جانب السعي إلى السيطرة على مصادر التمويل وزمام الأمور داخل الجماعة، وكذا التكريس لشرعية المنصات الإعلامية الخاصة بها وإظهارها على أنها المعبرة عن قرار الجماعة، وهي المنابر التي يُعد موقع “إخوان أون لاين” وقناة “وطن” أبرزها.

موقف جبهة لندن

في أول رد فعل لجبهة لندن تجاه قرار جبهة إسطنبول، أعلنت الجبهة في بيان مقتضب نُشر عبر الموقع المعبر عنها “إخوان سايت”، أن الجبهة تؤكد على أن  القائم بتسيير أعمال المرشد العام لجماعة الإخوان هو محيي الدين الزايط، لحين استكمال الترتيبات اللازمة بتسمية القائم بالأعمال، وفي إطار المواقف المعبرة عن جبهة لندن، أعلن الداعية الإخواني عصام تليمة – المحسوب على جبهة لندن – في مقطع مصور نشره عبر يوتيوب عن عدم شرعية هذا القرار، وأنه قرار باطل ويمثل انقلابًا  على الشرعية داخل الجماعة، متهمًا  محمود حسين بأنه يسعى منذ سنوات إلى السيطرة على الجماعة، والوصول إلى منصب المرشد العام لها، ومُتهمًا  القيادات الإخوانية المتحالفة مع محمود حسين، بخيانة الدين والجماعة، والجري وراء منافع مادية يُكرسها محمود حسين لهم.

ويؤكد هذا البيان على استقرار جبهة لندن على التركيبة المؤقتة التي أعلنتها في 5 نوفمبر، والمتمثلة في تعيين محيى الدين الزايط كقائم بأعمال المرشد العام للجماعة، ويُعاونه حلمي الجزار ومحمد البحيري ومحمود الإبياري، مع استمرار صهيب عبد المقصود كمتحدث باسم الجبهة، على أن تكون هذه التركيبة لحين انعقاد مؤسسات الجماعة والاستقرار على إطار هيكلي مستدام وواضح حاكم للجبهة.

القائم بأعمال المرشدالمعاونونالمتحدث الإعلامي
محيى الدين الزايطحلمي الجزار – محمد البحيري – محمود الإبياريصهيب عبد المقصود – أسامة سليمان

(الهيكل الإداري المؤقت لجبهة لندن عقب وفاة إبراهيم منير)

وفي هذا الإطار تُرجح كافة التقديرات التي تناولت مستقبل جبهة لندن إلى أن الجبهة سوف تتجه نحو اختيار محمد البحيري كقائم بأعمال المرشد، على أن يكون محيى الدين الزايط نائبًا  له، وأن يكون محمود الإبياري أمينًا  للتنظيم الدولي، وتُشير التقديرات إلى أن هذا الهيكل المحتمل يحظى بموافقة كافة قيادات جبهة لندن.

التداعيات المحتملة

يمكن القول إن هناك جملة من التداعيات المهمة التي ستترتب على قرار جبهة إسطنبول بتعيين “محمود حسين” كقائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان، ومن أبرز هذه التداعيات:

1- يدفع قرار جبهة إسطنبول الأخير باتجاه تفاقم أزمة الإخوان المسلمين، إذ أنه يُكرس لحالة الانقسام وتنازع الشرعية القائمة منذ أشهر، خصوصًا  مع موقف جبهة لندن المنتظر الرافض للقرار والغير معترف بشرعيته، فضلًا  عن أن القرار سوف يدفع على الأرجح جبهة “الكماليون” لإعلان موقفها منه، وهو الموقف الذي سوف يغلب عليه الرفض وعدم الاعتراف، وهو موقف يمكن استقرائه في ضوء عدم اعتراف هذه الجبهة بالأساس بالجبهتين المتصارعتين، وسعيها الإطاحة بهما، ولا يُستبعد في هذا الصدد أن تطرح الجبهة الثالثة في الأيام المقبلة إطار هيكلي ومؤسسي لها، وخارطة طريق خاصة بها على مستوى إدارة الجماعة، ومساعي استئناف العمل المسلح والنشاط الإرهابي في مصر.

2- سوف يستفز قرار جبهة إسطنبول، جبهة لندن ويدفعها باتجاه التحرك في الساعات والأيام المقبلة من أجل سرعة إعادة بناء الهيكل الداخلي الخاص بها، وتسمية قائم بأعمال المرشد خلفًا  لإبراهيم منير، وأمينًا  عامًا  للتنظيم الدولي، بما يُغلق الباب أمام استغلال جبهة إسطنبول لحالة الفراغ التي خلفت وفاة إبراهيم منير.

3- ربما تُحيي هذه القرارات والتحركات النوعية من جبهة إسطنبول فكرة مبادرات الصلح التي كانت تُطرح من قبل بعض شيوخ التنظيم الدولي للإخوان، سعيًا  لاحتواء الأزمة البنيوية الراهنة، ومنع تفاقمها، وغلق الباب أمام التصعيد المتبادل من قبل الجبهات المختلفة.

وفي الختام، يمكن القول إن قرار جبهة إسطنبول بتعيين محمود حسين كقائم بأعمال المرشد العام للإخوان يأتي في إطار سعي الجبهة للسيطرة على مفاصل التنظيم في أعقاب وفاة إبراهيم منير، وبعيدًا  عن الردود المحتملة من جبهة لندن، إلا أن المؤكد أن هذه الخطوة تدفع لمزيد من تكريس وتعميق الانقسام والأزمة التي تعيشها جماعة الإخوان المسلمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى