مكافحة الإرهاب

تنظيم الإخوان واستمرار “عبقرية الفشل”

شهدت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية على مستوى تفاعلاتها الداخلية المرتبطة بالأزمة البنيوية التي يعيشها التنظيم وكذا تحركاتها المرتبطة بالداخل المصري وعلى المستوى الإقليمي العديد من التحركات اللافتة خلال الأيام الماضية، وهي التحركات التي اتخذت بعدًا تصعيديًا، خصوصًا مع عودة “الكماليين” إلى المشهد وبروز مؤشرات على سعي الجماعة إلى تبني تحركات مسلحة داخل مصر.

لكن اللافت أن جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير سعت بالتزامن مع هذه التطورات إلى مغازلة الدولة المصرية؛ استغلالًا لإطلاق الحوار الوطني في مصر، لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد في أكثر مناسبة كان آخرها المؤتمر الاقتصادي على أن الحوار الوطني لن يشهد مشاركة التنظيم الذي “فشل واستعدى الدولة المصرية وشعبها”، في هذا السياق تحاول هذه الورقة الوقوف على أبرز مرتكزات ومعالم التحركات الإخوانية الأخيرة، ورصد دلالاتها، سواءً على مستوى أزمة التنظيم الداخلية، أو على مستوى ارتباط هذه التحركات ببعض السياقات والتطورات المصرية والإقليمية.

ويبدو أن المصطلح الأمثل المعبر عن هذه التحركات الإخوانية هو “عبقرية الفشل”، وهو المصطلح الذي صكه لأول مرة  المفكر الفلسطيني خالد الحسن (أبو السعيد)، عندما نشر كتابًا يحمل هذا العنوان في ثمانينيات القرن الماضي، مشيرًا فيه إلى بعض النماذج والتجارب التي “تفنن أصحابها في تحقيق الفشل”، فما تقوم الجماعة به في الفترة الراهنة هو إعادة إنتاج لفشلها في السنوات الماضية، متجاوزةً السياق الإقليمي النابذ لها، والتفككات والانقسامات التي تُهدد مستقبل تنظيم الإخوان ووجوده.

استمرار متاهة الانقسام 

في إطار التطورات المرتبطة بالأزمة الداخلية لتنظيم الإخوان المسلمين، أصدرت جبهة اسطنبول بقيادة محمود حسين عبر موقعها الرسمي “إخوان اونلاين”، بيانًا في 25 أكتوبر، قالت الجبهة فيه إن “الجماعة عازمة على مواصلة مشروعها الوطني” وفق نص البيان، وشدد البيان على أن مجلس الشورى العام “الخاضع لسيطرة الجبهة” واللجنة القائمة بأعمال المرشد برئاسة مصطفى طلبة هي الجهات المسؤولة عن اتخاذ أي قرار استراتيجي أو توجه مستقبلي للجماعة، ومن ثم راح البيان يؤكد على أن التنظيم لم يتراجع عن مواقفه التي اتخذها في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، وأن أي تحرك متعلق بالداخل المصري من قبل الجماعة يجب أن يكون في إطار هذه القاعدة، وفق نص البيان.

ويبدو أن إصدار هذا البيان من قبل جبهة اسطنبول ارتبط من جانب بالأزمة الداخلية للإخوان، خصوصًا مع عودة “الكماليين” إلى المشهد وسعي الجبهة إلى احتواء تحركات هذه الجبهة الجديدة، أو التنسيق معها، فضلًا عن مساعي جبهة إبراهيم منير الحثيثة إلى مغازلة الدولة المصرية، أيضًا فقد ارتبط إصدار هذا البيان بالتطورات المرتبطة بالداخل المصري، خصوصًا مع الدعوات المزعومة للتظاهر في 11 نوفمبر المقبل، حيث خصصت الجبهة جانبًا كبيرًا من بيانها الأخير لمهاجمة الدولة المصرية، والتأكيد على أن أولويتها في المرحلة المقبلة تتمثل في قلب نظام الحكم والعودة إلى المشهد السياسي، في محاولة لتصدير صورة تتجاوز الواقع وتوحي بقوة الجماعة وقدرتها على إعادة مصر إلى دائرة عدم الاستقرار.

لكن التطور الأهم المرتبط بتفاعلات الإخوان الداخلية تمثل في عودة “الكماليين” أو ما يُعرف بـ “تيار التغيير” للمشهد الإخواني، وهي العودة التي عبر عنها عقد الجبهة لمؤتمر في 15 أكتوبر في إسطنبول، بالتزامن مع ذكرى مقتل القيادي الإخواني الراحل محمد كمال الذي كان مسؤولًا عن جبهة المكتب العام والأجنحة المسلحة للإخوان داخل مصر.

وقد كانت الدلالة الأهم المتعلقة بعودة “الكماليين” إلى المشهد مرتبطة باحتمالية سعي الإخوان إلى تفعيل وإحياء نهج العنف مرة أخرى، ويعزز من احتمالية هذه الفرضية إعلان القيادي بالجماعة رضا فهمي عن تأسيس ما عُرف بـ “جمعية ميدان”، وهي الجمعية التي أشار العديد من الدوائر إلى أنها بدأت في التنسيق مع العديد من الاتجاهات الإخوانية والسلفية في الخارج؛ للعمل على تبني استراتيجية جديدة تستهدف العمل على مخططات العنف والفوضى وتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل المصري في الفترة المقبلة.

فضلًا عن أن تسريبًا نشرته بعض وسائل الإعلام عقب المؤتمر بأيام لقيادي في التنظيم يُدعى “أبو إسلام” وهو اسم حركي أكد هذا المعنى بشكل واضح، فتحدث هذا القيادي الإخواني عن “عصر دماء جديد في مصر” وفق تعبيره. وعبر هذا التسريب عن خطط الإخوان الإرهابية في المرحلة المقبلة، وهي الخطط التي تتمحور حول السعي إلى إحداث حالة من الفوضى في مصر، مع التحرك لتفعيل اللجان النوعية المسلحة من أجل ممارسة أنشطة إرهابية في البلاد. 

حشد إخواني للتظاهر في مصر

كثفت اللجان الإخوانية وبعض قادة الجماعة في الخارج والشخصيات التي تدور في فلكها مثل المقاول الهارب محمد علي والإعلاميين محمد ناصر ومعتز مطر، في الأسابيع الأخيرة من الدعوات الفوضوية والعبثية التي تحث المصريين على النزول إلى الشارع والاحتجاج في يوم 11 نوفمبر المقبل، وقد لوحظ بهذا الخصوص أن الدعوات التي أطلقتها اللجان الإخوانية تبنت شعارات “ثورة الغلابة”، مع تدشين حركة وهمية سُميت بـ “غلابة”، تُركز في سرديتها الدعائية على الترويج لروايات ارتفاع الأسعار، وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

ويبدو أن التنظيم يسعى إلى استغلال الواقع الاقتصادي المأزوم الذي تعيشه كافة دول العالم ومنها مصر إثر تداعيات جائحة كورونا وكذا الأزمة الروسية الأوكرانية من أجل حشد الشارع وإثارة غضبه، وما يؤكد هذه الفرضية أن هذه اللجان وبالتزامن مع التركيز على الأبعاد الاقتصادية، تكيل التهم للدولة المصرية ومؤسساتها، وتُروج للرواية الإخوانية التي تتبناها الجماعة منذ ثورة يونيو 2013.

كذلك لم يكن اختيار تاريخ الحادي عشر من نوفمبر المقبل من قبل الجماعة للحشد وإطلاق دعوات للتظاهر، من باب الصدفة، بل يبدو أنه مُرتب بالتزامن مع استضافة مصر لقمة المناخ، وهي القمة التي تتصاعد بالتزامن معها احتجاجات نشطاء المناخ حول العالم، فالتنظيم يسعى من جانب إلى إرباك المشهد المصري قبيل القمة بما يُحرج الدولة المصرية وهو هدف رئيس للجماعة الإرهابية، ومن جانب آخر استغلال تركيز المجتمع الدولي على الداخل المصري، والترويج للرواية الإخوانية بخصوص الأوضاع في مصر، وهنا يُلاحظ النشاط الكبير الذي شهدته وستشهده المنصات الإعلامية الإخوانية في الخارج، وجماعات الضغط التابعة للتنظيم.

ومع التسليم بوجود بعض الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد كجزء من منظومة الأزمات العالمية التي أعقبت جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن فاعلية هذه الدعوات في التخديم على رؤية وأهداف التنظيم يظل خيارًا مستبعدًا، وذلك في ضوء بعض الاعتبارات:

1- إحدى المقاربات المهمة التي يجب وضعها في الاعتبار عند دراسة وضع ومستقبل تنظيم الإخوان المسلمين ومدى فاعلية تحركاته الآنية والمستقبلية تتمثل في الوقوف على معالم الوضع السياسي الحالي في مصر والذي يغلب عليه الاستقرار سياسيًا وأمنيًا والنجاح الكبير على مستوى السياسة الخارجية، وفي المقابل الوضع الحالي لتنظيم الإخواني وهو الوضع الذي يشهد حالة تشرذم وتفكك وهزائم كبيرة تعرض لها تنظيم الإخوان في السنوات والأشهر الأخيرة، وهو وضع يحول دون فاعلية أي تحركات للإخوان، حيث كانت حالة الفوضى التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 بيئة خصبة بالنسبة للجماعة استغلتها لتحقيق مشروع “التمكين” الخاص بها.

ذلك فضلًا عن أن الشارع المصري والعربي بشكل عام فقد إلى حد كبير الرهان على فكرة الاحتجاج والتظاهر كأداة للتغيير؛ وذلك في ضوء التجارب التي أعقبت ما عُرف بـ “الربيع العربي”، لما لهذا الخيار من تكلفة كبيرة على كافة المستويات، ويمكن التدليل على هذه الفرضية من فشل دعوات الإخوان السابقة للاحتجاج في مصر، فضلًا عن فشل حركة النهضة الإخوانية التونسية في الحشد ضد الرئيس قيس سعيد، وهو الحشد الذي كانت آخر دعواته في 15 أكتوبر.

2-  كان التنظيم يستند في تحركاته خلال السنوات الأخيرة إلى الدعم المقدم له من قبل العديد من الأطراف والقوى الإقليمية، ومع تغير مقاربات هذه الأطراف في مرحلة ما بعد قمة العلا في يناير 2021، وكذا التوجه التركي نحو تطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية، وهي المتغيرات التي أفرزت العديد من السياسات التحجيمية من قبل قطر وتركيا تجاه تنظيم الإخوان.

إطلاق منصات إعلامية جديدة

بالتزامن مع التحركات السابقة، تبنت جماعة الإخوان تحركات مكثفة على المستوى الإعلامي، حيث أعلنت خلال الأيام الماضية عن إطلاق منصتين إعلاميتين جديدتين، الأولى تحت اسم “الشعوب” والثانية تحت اسم “الحرية 11 – 11″، وهنا يوجد بعض الملاحظات الرئيسية:

1- تُشير كافة التقارير إلى أن ملكية قناة “الشعوب” تعود إلى جبهة اسطنبول بقيادة محمود حسين، وتُبث من العاصمة البريطانية لندن، ويديرها بشكل أساسي الإعلامي الهارب معتز مطر الذي أجبرته السلطات التركية على مغادرة البلاد، وأوقفت برنامجه على فضائية “الشرق”، في حين يقوم بتمويل الفضائية رجل الأعمال الإخواني مدحت الحداد المقيم في تركيا، والذي يعد أحد أبرز قيادات الجماعة والذراع المالية للتنظيم، ومن المحتمل أن تستقطب القناة مذيعين وإعلاميين آخرين من الموجودين في تركيا.

ويبدو أن إطلاق هذه القناة يأتي في ضوء بعض الاعتبارات وعلى رأسها التوجهات الجديدة لتركيا إزاء تنظيم الإخوان والتضييق على أنشطة التنظيم على الأراضي التركية، أما الاعتبار الثاني فيرتبط بالصراع الداخلي الإخواني وسعي جبهة اسطنبول إلى خلق منصة إعلامية جديدة في عقر دار جبهة لندن تُخدم على توجهات جبهة اسطنبول، أما الاعتبار الثالث فيتمثل في رغبة الجبهة في وجود منصة إعلامية تُعبر عنها وعن رؤيتها إزاء التطورات في المنطقة والعالم والداخل المصري.

2- جاء الإعلان عن السعي لإطلاق قناة فضائية جديدة تحت اسم “الحرية 11 – 11” بعد أيام قليلة من إطلاق قناة “الشعوب”، وفي هذا السياق يوجد احتمالان رئيسان حول ملكية القناة، الأول أشار إليه الإخواني الهارب عمرو عبد الهادي وبعض الحسابات الإخوانية ويتمثل في ملكية ودعم أيمن نور لهذه القناة، أما الاحتمال الثاني فيتمثل في ملكية “تيار التغيير” الإخواني لهذه القناة في إطار إعلان الجبهة الإخوانية الجديدة عن نفسها وعن قيادتها والأطر المؤسسية والإعلامية المعبرة عنها، في مسعى يستهدف منافسة الجبهتين الأخريين. وأيًا كانت الجهة الممولة والراعية للقناة، فإن أهداف الطرفين واحدة؛ إذ يتفق “نور” وجبهة التغيير حول أولوية الحشد ليوم 11 نوفمبر المقبل، وتبني أي تحركات من شأنها الترويج لاضطرابات داخلية في مصر.

وفي الختام، يمكن القول إن تنظيم الإخوان يسعى إلى تبني مقاربة تقوم بشكل رئيس على حشد وتجييش الشارع المصري للخروج إلى الشارع في إطار مساعي التنظيم للعودة للمشهد، وكذا تصعيد الخطاب الإعلامي ضد الدولة المصرية تخديمًا على ذات التوجه، لكن الأزمة الداخلية للإخوان وكذا السياق المصري والإقليمي، كلها اعتبارات تقلل من فاعلية هذه التحركات وتدفع باتجاه فشلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى