أفريقيا

دوافع طلب الرئيس الصومالي الدعم الأمريكي لإعادة الجنود الصوماليين من إريتريا

حاول الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية منتصف شهر سبتمبر 2022 الحصول على الدعم لإعادة الآلاف من القوات الصومالية التي تم تدريبها في إريتريا منذ عام 2019، وقد أثارت تلك الخطوة العديد من التساؤلات بشأن لماذا لم تعمل إريتريا على إعادة الجنود للصومال؟، وما هي دوافع طلب الرئيس الصومالي الدعم الأمريكي لإعادة الجنود؟ ، وهل ستتمكن الولايات المتحدة من الضغط على إريتريا لإعادة الجنود؟، وهل ستشهد العلاقات الصومالية- الإريترية  توترًا جراء طلب الصومال الدعم الأمريكي في الملف؟

كيف بدأت أزمة الجنود الصوماليين؟

جاءت فكرة تدريب القوات الصومالية في إريتريا من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي خلال زيارته إلى الصومال في 13 ديسمبر 2018، وقد رحب الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو بالخطوة، وبناء على ذلك تم إرسال الجنود الصوماليين إلى إريتريا في أوقات مختلفة بين عامي 2019 و2020. وقد شابت عملية تدريب الجنود الغموض والسرية؛ إذ تولت وكالة المخابرات الوطنية الصومالية هذه المهمة وليس وزارة الدفاع الصومالية. 

وفيما يلي استعراض لملامح الأزمة ومحاولة احتوائها: 

1 – ملامح أزمة الجنود: انتشرت أنباء تتحدث عن العملية السرية التي شابت مهمة الجنود الصوماليين، وأشارت إلى مشاركة الجنود الصوماليين الذين تلقوا تدريبات عسكرية في إريتريا في الحرب الإثيوبية ضد متمردي التيجراي إلى جانب الجنود الإريتريين، وهو ما أدي إلى تفاقم حالة الاحتقان في الداخل الصومالي، واندلاع مظاهرات جراء مطالبة أهالي الجنود الكشف عن مصير أبنائهم.

وكانت إدارة الرئيس الصومالي السابق فرماجو تحاول تهدئة الرأي العام الداخلي، وكانت تنفي الأنباء التي تتحدث عن إرسال الجنود الصوماليين إلى إريتريا. ولكن نجد أن حقيقة الأمر قد اتضحت عندما خسر فرماجو الانتخابات الرئاسية التي انعقدت في مايو 2022، فقد كشف عن القيام بإرسال 5000 جندي إلى إريتريا، وأنهم قد أكملوا تدريبهم في منتصف عام 2021. 

2 – مُحاولة استرجاع الجنود: يحرص الرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود على معالجة هذه الأزمة، فقد قام بزيارة رسمية إلى إريتريا في منتصف شهر يوليو 2022، وعقد لقاءات مع الجنود الصوماليين الذين تلقوا تدريبات عسكرية في إريتريا. ونجد أن الزيارة قد غلب عليها التصريحات الدبلوماسية؛ إذ أعرب الجانبان عن الاعتزاز بالجهود التي تعكس العلاقات الثنائية الخاصة والتاريخية، وأكد الرئيس الإريتري أن الجنود الصوماليين الذين تلقوا تدريبات عسكرية سيسهمون في مواجهة التحديات الأمنية في الصومال.

وقد أجلت إريتريا عودة الجنود الصوماليين؛ نظرًا إلى التوترات السياسية التي شهدها الصومال إبان تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وقد أسهمت زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى إريتريا في تخفيف حالة الاحتقان الشعبي؛ فعند عودته من الزيارة حرص على طمأنة أهالي الجنود، وأكد لهم على أن أبناءهم في حالة جيدة وسيعودون للبلاد.

مُحفزات الطلب 

في هذا الجزء من التقرير، نحاول معرفة المُحفزات التي دفعت الرئيس الصومالي لطلب المساندة الأمريكية فيما يتعلق بمسألة الجنود، فهناك مجموعة من الاعتبارات يمكن ذكرها على النحو التالي:  

أولًا: البعد الداخلي

1 – ضغط أهالي الجنود: تضغط عائلات الجنود على الحكومة الصومالية لإعادة أبنائهم؛ فهناك حالة من الغموض والضبابية بشأن مصير الجنود، ولا يعرف الأهالي ما إذا كان أبناؤهم على قيد الحياة أم لا، في ظل عدم وجود أي وسيلة تواصل بين الأهالي والجنود.  

2 – محاربة الإرهاب: نجد أنه من مصلحة الحكومة الصومالية عودة الجنود لإشراكهم في المعارك الداخلية التي تقودها لمكافحة أنشطة حركة الشباب الإرهابية، وخاصة مع تصاعد التهديد الإرهابي الذي تمثله الحركة في الآونة الأخيرة.

ثانيًا: البعد الخارجي

1 – عدم استجابة إريتريا: يبدو أن زيارة الرئيس الصومالي إلى إريتريا لم تسهم في حلحلة أزمة الجنود، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل لماذا تؤجل إريتريا عودة الجنود الصوماليين على الرغم من انتهاء تدربيهم العسكري؟ فنجد أن تأخير عودة الجنود الصوماليين قد يعطى فرصًا لتزايد صحة التقارير التي تزعم مشاركة الجنود إلى جانب القوات الإريترية في الحرب الأهلية في منطقة التيجراي الإثيوبية، والتي ترفضها الحكومة الصومالية والاريترية

فقد أفاد تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة في يونيو 2021 أن الجنود الصوماليين الذين كانوا يتلقون تدريبات عسكرية في إريتريا شاركوا في الصراع الدائر في إقليم التيجراي في إثيوبيا. وأشار الممثل الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إريتريا إلى أن هناك أدلة موثوقة على نقل قوات صومالية من معسكرات تدريب عسكري في إريتريا حيث رافقوا القوات الإريترية أثناء عبورها إلى الحدود الإثيوبية.

والجدير بالذكر أن اريتريا تنخرط في الحرب الدائرة في إثيوبيا الى جانب القوات الحكومية الإثيوبية ضد جبهة التيجراي، فهناك عداء تاريخي بين إريتريا وجبهة التيجراى، بالإضافة إلى احتضان إقليم التيجراي معارضة إريترية تعمل على تهديد أمن واستقرار النظام الحاكم الإريتري، وبالتالي التخلص من جبهة التيجراى يعزز من نفوذ الرئيس الإريتري في الداخل.   

2 – الرغبة في عدم معاداة الإدارة الأمريكية: يحاول الرئيس الصومالي الابتعاد عما يثير التوتر مع الإدارة الامريكية والاحتفاظ بعلاقات جيدة معها؛ بغية المساعدة في الحرب على الإرهاب، والحصول على مساعدات لدعم الاقتصاد الصومالي. ويتضح ذلك من خلال نهج الإدارة الصومالية الحالية في عهد حسن شيخ محمود التي ترغب في النأي بالنفس عن الصراعات في الإقليم، وهو ما اتضح من تصريحات الرئاسة الصومالية التي نفت مشاركة الجنود الصوماليين في الصراع بإقليم تجراي في إثيوبيا. فضلًا عن أن الرئاسة الصومالية لم تكتف بنفي مزاعم الانخراط في الصراع الإثيوبي، بل طلبت من الإدارة الأمريكية المساندة لاستعادة الجنود. وهنا نضع في الحسبان أن الإدارة الأمريكية قد فرضت عقوبات على النظامين الإثيوبي والإريتري على خلفية الانخراط في الصراع بإقليم التيجراي. 

وهنا نطرح تساؤلًا بشأن هل ستتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من الضغط على إريتريا لإعادة الجنود الصوماليين؟ يمكن الإجابة على هذا التساؤل من خلال تقديم فرضية بأن ملف عودة الجنود يقترن بالصراع في إثيوبيا، وأنه إذا تم احراز تقدم في حلحلة الصراع في إثيوبيا سينعكس إيجابيًا على ملف الجنود الصوماليين. ونضع في الحسبان أن هناك جهودًا دبلوماسية أمريكية يبذلها مايك هامر المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي لحث أطراف الصراع في إثيوبيا لوقف التصعيد العسكري، ودفع أطراف الصراع للمفاوضات لإيجاد تسوية سلمية للازمة.

استشراف مستقبل العلاقات الصومالية – الإريترية

في ضوء ما تقدم به الرئيس الصومالي لطلب الدعم الأمريكي فيما يتعلق باستعادة المجندين من إريتريا، نطرح تساؤلًا بشأن هل سينعكس ذلك سلبًا على مسار العلاقات الثنائية الصومالية- الإريترية، مع الأخذ في الحسبان أن النظام الإريتري لا يحتفظ بعلاقات ودية مع الإدارة الأمريكية.  

ويمكن استشراف مستقبل العلاقات الصومالية- الاريترية في ضوء السمات الشخصية التي يتسم بها الرئيس الصومالي الحالي حسن شيخ محمود، حيث يتسم بالحكمة، علاوة على أن سياساته تجاه دول الجوار تتصف بسياسة “صفر مشاكل”، وهو ما يمكن الاستدلال عليه إبان فترة ولايته الأولى (2012-2017). 

وبناء على ذلك، لن يعمل الرئيس الصومالي على إثارة التوتر مع دول الجوار لاسيما إريتريا؛ فهو يواجه تحديات في الداخل يعمل على حلحلتها، ويُعد ملف استعادة الأمن والاستقرار في الصومال وتقوية المؤسسات الأمنية وتعزيز قدراتها القتالية لمواجهة حركة الشباب الإرهابية على رأس أولوياته. ولذلك لن تنجر الإدارة الصومالية إلى خلق عداوة مع النظام الإريتري، ولا شك أن تحديد جدول زمني لإعادة المجندين الصوماليين سيسهم في احتواء الأزمة. 

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى