تغير المناخأفريقيا

سوق الكربون في أفريقيا

بينما يكافح العالم لمواجهة أزمة المناخ، بدأت أسواق الكربون الطوعية تلعب دورًا مهمًا في الجهود المبذولة لاحتواء انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. وعلى نحو متزايد، تقوم الشركات العالمية بدمج أرصدة الكربون التي تعكس تجنب أو إزالة الانبعاثات في جهودها للوصول إلى المعدل صفر من الكربون؛ بينما يتسارع النشاط لإنشاء سوق قوي وموثوق به لتوليد هذه الائتمانات والاتجار بها. 

كل هذا يمثل فرصة اقتصادية تحولية لأفريقيا. لا يمكن لسوق الكربون الطوعية العالمية الذي يعمل بكامل طاقته أن يولد عوائد جذابة على الاستثمار في البلدان الأفريقية فحسب؛ بل سيساعدها أيضًا على مواجهة التحديات البيئية الخاصة بها، من تعزيز الطاقة المتجددة إلى اعتماد أساليب طهي أنظف للحد من إزالة الغابات والحد من استهلاك الوقود الاحفوري.

أفريقيا والتلوث

بينما تمثل مساهمة أفريقيا 2-3% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم من مصادر الطاقة والمصادر الصناعية إلا أنها تتحمل تبعة التلوث العالمي؛ فقد شهدت بالفعل زيادات في درجات الحرارة بحوالي 0.7 درجة مئوية في معظم أنحاء القارة؛ الأمر الذي ظهر في صور كوارث طبيعية من موجات جفاف شديدة كما هو حادث في الصومال وشمال أفريقيا، ومواسم أمطار تتسبب في سيول وفيضانات كارثية مثل السودان وجنوب أفريقيا. وكذلك لم تسلم البحار والمحيطات المشاطئة للقارة الأفريقية من تبعات هذا التغير المناخي؛ فارتفعت درجة حرارة المياه مما يؤثر تراكميًا على الكائنات البحرية ودورة الحياة.

ومع التوقعات بأن درجات الحرارة سترتفع أكثر مستقبلًا؛ ستواجه أفريقيا مجموعة واسعة من الآثار، بما في ذلك زيادة الجفاف والفيضانات. وفي المستقبل القريب، سيسهم تغير المناخ في انخفاض إنتاج الغذاء والفيضانات وغمر المناطق الساحلية والدلتا، وانتشار الأمراض المنقولة بالمياه وخطر الإصابة بالملاريا، والتغيرات في النظم البيئية الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي.

ووفقًا لبنك التنمية الأفريقي AfDB؛ تخسر أفريقيا ما بين 5-15% من نموها الاقتصادي للفرد بسبب آثار تغير المناخ، وتواجه نقصًا كبيرًا في التمويل المناخي. من هنا كانت المطالبات الأفريقية للدول الصناعية بالحد من انبعاثات الكربون أمرًا بديهيًا؛ لكن اهتمام أفريقيا تطور بعد دخول آليات السوق على قضية المناخ.

ماهية سوق الكربون

هو نظام تجاري يمكن من خلاله للدول شراء أو بيع وحدات من انبعاثات الاحتباس الحراري في محاولة للالتزام بالحدود الوطنية المسموح بها للانبعاثات، وذلك بموجب بروتوكول كيوتو واتفاقيات أخرى، مثل الاتفاقيات الموقّعة بين دول الاتحاد الأوروبي. ويُعزى اعتماد هذا المصطلح لحقيقة أن ثاني أكسيد الكربون هو غاز الاحتباس الحراري السائد، ويتمّ قياس انبعاثات الغازات الأخرى بوحدات تسمى مكافئات ثاني أكسيد الكربون. تحسب بأطنان من مكافئ ثاني أكسيد الكربون أوtCO2e)) وهي حاليًا تمثل الجزء الأكبر من تجارة الانبعاثات.

في ظل هذه التجارة للكربون، تستطيع دولة لديها المزيد من انبعاثات الكربون أن تشتري الحق في انبعاث المزيد، وفي المقابل تبيع البلاد التي لديها انبعاثات أقل الحق في انبعاث الكربون إلى دول أخرى، وتعويض الدول عن تكاليف التحول عن استخدام الوقود الأحفوري والاتجاه نحو التحوّل إلى اقتصاد أخضر.”

لذا يمكن أن تكون سوق الكربون آلية لتوجيه استثمارات جديدة لطاقة آمنة ونظيفة في أفريقيا، ومساعدة الدول الأفريقية على تحقيق أهدافها الطوعية لخفض غازات الاحتباس الحراري. ولوحظ أن الوضع في أفريقيا يتسم بالتالي:

  •  تراجع الاستثمارات في قطاع الطاقة بشكل مزمن.
  • 3.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا يحتاج إلى الاستثمار في قطاع الطاقة لتحقيق أمن الطاقة.
  • المستويات العالية من فصل الأحمال وانقطاع التيار الكهربائي تأتي بتكلفة اقتصادية باهظة.
  • يكلف العجز في الطاقة في نيجيريا الاقتصاد ما يقرب من 1 مليار دولار سنويًا.
  • الاعتماد المستمر على إمدادات الطاقة المؤقتة -التي غالبًا ما تكون “غير نظيفة”- تسهم في ارتفاع متوسط ​​التكاليف وطويلة الأجل وانبعاثات الكربون.
  • لا يزال الاعتماد على الديزل والفحم مرتفعًا في غالبية البلدان الأفريقية -على الرغم من وفرة الموارد المتجددة- ومع ذلك تبنت ثمانية دول أفريقية على الأقل أهدافًا وطنية للطاقة المتجددة، وسن بعضها قوانين ولوائح تسمح “بتغذية التعريفات” الميسرة لتشجيع استخدام أكبر للطاقة المتجددة.
  • مستويات هطول الأمطار المتذبذبة على المدى الطويل، وتوافر النفط، وزيادة أسعار السلع؛ كلها عوامل تجعل لجوء الدول الأفريقية إلى سوق الكربون أمرًا ملحًا.

الاقتصاد الأخضر

تم تقديم فكرة سوق الكربون الطوعية للدول النامية ومنها الدول الأفريقية بوصفها الأقل مساهمة في التلوث البيئي والاحترار بشكل لا يمكنها رفضه. فهذه الدول نفسها تعاني من تدني مستوى التنمية الذي يتطلب استغلال المزيد من الوقود مستقبلا؛ وهو ما يعرض الكوكب للخطر. ولأن الدول الصناعية غير راغبة في تقليل حجم نشاطها الصناعي؛ فقد قدمت فكرة “سوق الكربون” وربطته بالتنمية عن طريق “الاقتصاد الأخضر”.

من هنا، تم بالفعل تنفيذ بعض المشروعات تحت شعار الاقتصاد الأخضر أهمها:

“ثقافة الشمس” Sun Culture عبارة عن منصة لتكنولوجيا المناخ للأسواق الريفية الناشئة التي جمعت 40 مليون دولار لتزويد المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة بإمكانية موثوقة للحصول على المياه والري والإضاءة وشحن الأجهزة المحمولة من خلال تكنولوجيا الطاقة الشمسية خارج الشبكة. تسمح أنظمة الري بالطاقة الشمسية الخاصة بهم للمزارعين في كينيا والأسواق الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بالانتقال من مضخات البترول والديزل التي ينبعث منها غاز ثاني أكسيد الكربون إلى مضخات تعمل بالطاقة الشمسية للري وخلق وظائف مستدامة في الزراعة أقل اعتمادًا على هطول الأمطار. 

تعمل Sun Culture على تطوير أعمالها الخاصة بائتمان الكربون لتقليل أسعار المستخدم النهائي وزيادة إمكانية الوصول إلى الأنظمة، وقد حصلت المنصة على المصادقة وفقًا لمعايير Verra. ومن المقدر أن ينتج المشروع ما يزيد على 2 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال فترة 2020 -2027. وتطمح المنصة إلى التوسع عبر العديد من الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى في السنوات القادمة، لتصل إلى مئات الآلاف من المحطات الشمسية التي تباع بحلول عام 2025.

KOKO Networks هي “منصة تكنولوجية لحماية الغابات الأفريقية”. تقود KOKO تحولًا للطاقة في كينيا، لتحل محل إزالة الغابات والفحم بالإيثانول الحيوي المستدام الذي يتم توفيره عبر منصة خدمات فريدة تشبه شركة الاتصالات المتنقلة من حيث الحجم والتطور. أكثر من 600000 أسرة تطبخ الآن باستخدام وقود KOKO، حيث تعمل عائدات الكربون على سد فجوة القدرة على تحمل التكاليف بدلًا من الإعانات الحكومية.

مشروع ممر كاسيجاو Kasigau Corridor REDD + للحد من إزالة وتدهور الغابات؛ وهو أول مشروع في شرق أفريقيا لسوق الكربون الطوعية. تقوم بتنفيذه شركة خاصة Wildlife Works Ltd منذ عام 1998. وقد بدأ بيع أرصدة الكربون فعليًا عام 2009. حيث تقع المنطقة (التي تغطي 500000 هكتار) لحيازات أراضي خاصة والمجتمعية في جنوب شرق كينيا. يُعد ممر كاسيجاو نقطة ساخنة للحياة البرية وأكبر ملاجئ للحياة البرية في كينيا.  خلق مشروع ممر كاسيجاو حافزًا اقتصاديًا لمالكي الأراضي والمجتمعات داخل الممر لحماية غاباتهم؛ إذ تدعم الشركة مالكي الأراضي والمجتمعات المحلية لتنفيذ خطط إدارة الغابات التي تستبعد الاستخدام المدمر لموارد الغابات. 

وبعد المرحلة التجريبية الناجحة الأولى (2008-2011)، توسع المشروع بشكل كبير عام 2010 من 30000 هكتار في غابة روكينجا Rukinga، إلى 170000 هكتار من غابات الأراضي الجافة المماثلة المملوكة لـ”المزارع الجماعية”. وقد تفاوضت Wildlife Works على اتفاقيات حقوق الكربون/ التسهيلات مع ملاك الأراضي لتنفيذ بيع أرصدة الكربون (بحوالي 9 دولارات للطن) في إطار سوق الكربون الطوعي. ويعود حق الكربون إلى مالك الأرض ولكن Wildlife Works تديرها وتبيع أرصدة الكربون نيابة عن المزارع. ومن ثم يتم تقاسم الإيرادات بين 3 مجموعات: 

  • 1/3 لأعمال الحياة البرية لتغطية التكاليف الإدارية، والسداد للجهات المانحة، ورسوم التحقق، والمدفوعات للحراس. 
  • 1/3 لمساهمي الأرض نقدًا كأرباح (تدفع 4 مرات / سنة).
  • 1/3 للمجتمعات من خلال تخصيص الميزانية لمجموعات المجتمع التي لديها أنشطة مدرة للدخل يديرونها بأنفسهم

ويسهم المشروع في خلق فرص اقتصادية جديدة، وزيادة الأمن الغذائي والمائي، وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم لتخفيف ضغط إزالة الغابات في منطقة المشروع، ويخدم أكثر من نصف مليون نسمة.

عيوب قاتلة

تكمن عيوب هذا النظام في الاتفاقية التي أخرجته للوجود بادئ ذي بدء؛ فلكي يمكن إقناع الولايات المتحدة بالتصديق على بروتوكول كيوتو تمّ إدخال مادة أسواق الكربون لتؤمّن للدول الصناعية (الملحق الأول) مزيدًا من المرونة في تحقيق أهدافها في خفض الانبعاثات. وكانت الفكرة تقوم على السماح لها بتوفير الأموال عن طريق شراء أرصدة “خفض الانبعاثات” من البلدان النامية بدلًا من أن تخفض الانبعاثات الخاصة بها، فبذلك، تدفع الدول المتقدمة للدول النامية لكي تحدّ من انبعاثاتها. وفي ذلك الوقت، كانت أوروبا معارضةً لاستخدامه، إلا أنها تملك اليوم أكبر سوق للكربون في العالم. بجانب أنّ الولايات المتحدة رفضت التصديق على بروتوكول كيوتو، وبذلك يكون العالم قد واجه مفهومًا معيبًا من حيث المبدأ والممارسة.

وبالرغم من تنامي سوق الكربون الطوعي VCMs بقوة في السنوات الخمس الماضية؛ حيث شهد العام الماضي زيادة بنسبة 50% في الطلب الحقيقي، وبناء عليه تجاوزت قيمة معاملات ائتمان الكربون مليار دولار لأول مرة؛ إلا أن إجمالي الاعتمادات الصادرة بين عامي 2015 و2021؛ حصلت أفريقيا منه على حوالي 11% فقط، ويأتي الجزء الأكبر منها من عدد قليل من المشاريع الكبيرة.

فضلًا عن أن هذا النظام يعني أن الدول البترولية الأفريقية مثل نيجيريا وأنجولا وليبيا.. إلخ لن تتمكن من استخدام ثروتها النفطية والفحم في التنمية المحلية، بل ستصدر تلك الثروات لتستخدم في الدول الصناعية الكبرى. علاوة على أن تلك الدول الصناعية لن تقوم بأي تعديلات على العمليات الإنتاجية للتقليل من الملوثات، وهو يخل بالمساواة بين الدول، ويخل بتحمل المتسبب في التلوث لمسؤولية أنشطته.

وفقًا للتقارير، يقدر أن أفريقيا يمكن أن تولد أكثر من 2 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون؛ وبسعر 20 دولارًا للطن من ثاني أكسيد الكربون؛ وبالتالي فالمستحق لدول أفريقيا قد يكون هذا أكثر من 45 مليار دولار، وهو ما لم تحصل عليه أفريقيا. وتم التقييم بأقل من السعر العالمي (9 دولارات) هذا قبل خصم التكاليف الإدارية للشركات الخاصة التي تدير هذه المشاريع.

وعمليًا، أحد آليات البروتوكول التي ترتكز على السوق وهي آلية التنمية النظيفة؛ قد باءت بالفشل؛ وقُدِّر أن ٢٠ إلى ٦٥ %من المشاريع لا تؤدّي إلى نتائج في خفض الانبعاثات. والأسوأ من ذلك أنّ هناك أدلة على أن أسواق الكربون تشجّع نمو الانبعاثات في البلدان النامية حيث تسعى المصانع والشركات الخاصة لإصدار الملوثات الكربونية للحصول على أموال حصص الكربون. 

وفي مجال الحفاظ على الغابات، هناك انتهاكات بسبب الشركات التي تستهدف الأخشاب فتخلي مناطق وتترك مناطق وبالتالي فلن يتم تفادي الحد من الاحترار والتغير المناخي. لكل ما سبق فإن دخول آليات السوق على اتفاقية المناخ أضر بالقضية ولن يحل مشكلة الاحترار والتغير المناخي التي تؤثر على الكوكب كله.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى