ذاكرة الأمم: المنصات الإعلامية الجديدة بين الحفاظ على الهوية وفرض قواعد تنظيمية
ساهم انتشار فيروس كورونا المستجد في زيادة الاعتماد على الإنتاج الرقمي للأعمال الفنية، وساعد على زيادة الاستثمارات ودخول أسواق جديدة، وتعمق مفهوم السينما عبر الإنترنت والسينما المدفوعة. فاشتهرت منصات إعلامية استطاعت أن تخترق الشرق الأوسط ويزيد حجم استثماراتها على 17 مليار دولار، ومنها شبكة “نتفليكس” لعرض المحتوى الإعلامي للثقافات المختلفة.
وبالرغم من أهمية هذه المنصات من الناحية الترويجية للمجتمع المصري وخاصةً من خلال سلسلة الأفلام الوثائقية التي تم عرضها عن التاريخ المصري، فإنه لا يمكن إغفال الدور السياسي المتحكم في التوجهات الإعلامية التي تستخدمها الدول لخلق صورة ذهنية موحدة، ساعد فيها اقتصاديات الإعلام والتحكم في الإنتاج، فكانت شبكة نتفليكس بمثابة الملاذ المؤثر لخلق صورة جديدة وتعميق أفكار جديدة للجيل الحالي المشاهد الأول للشبكات الإعلامية الجديدة، فجاء حجم الإنتاج الإعلامي لتلك الدول والمحتوى المعروض يوضح الصورة المستهدفة التي تختلف مع قيم وتاريخ متعارف عليه.
فطبيعة الذاكرة الإنسانية ضعيفة وتتأثر بالإنتاج “المبهر” لبعض الأعمال التي تحاول مسح ذاكرة الأمم وبناء ذاكرة تعتمد على فكرة نبذ “الاختلاف” وخلق صورة نمطية “موحدة” لشعوب العالم، تمحو بها حضارات وأخلاق وديانات وتقوم على فكرة “العالم قرية واحدة” يتعاطف مع الشخصية الشريرة وينسى العدو الأصلي لأمته، وتخلق منهم أبطالًا بعيدًا عن حقائق تاريخية قامت عليها الأمم.
فنجاح شبكة نتفليكس في الوصول إلى 190 دولة جعلنا ننظر للأعمال المتنوعة التى تقدمها الشبكة من الناحية السياسية، وكيف استطاعت بعض الدول أن تستغل هذا النجاح لتغيير وتعديل صورتها الذهنية المرسخة في عقولنا على مر التاريخ، بجانب العمل على تغيير ثوابت مجتمعية دفعت العديد من الدول إلى فرض بعض القواعد التنظيمية لإلزام المحتوى بالقيم والأعراف المجتمعية. فكيف يمكن أن نستفيد من تلك المنصات مع تطبيق القواعد التنظيمية في ظل قواعد السوق الحر؟
تنافسية المنصات الرقمية المدفوعة
- الحجم السوقي للمنصات العالمية:
بدأت شركة نتفليكس كشركة ترفيهية رائدةEntrepreneur استطاعت أن تدرك مبكرًا تغير عادات المشاهدة وأن المستقبل سيكون رقميًا، فتخصصت في تزويد خدمات البث الحي والفيديو وتوصيل الأقراص المدمجة عبر البريد عام 1997، على يد “مارك راندولف” و”ريد هاستنجز”، وهو المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لنتفليكس، وهو من أصل يهودي أمريكي ديمقراطي ومن أكبر داعمي حملة هيلاري كلينتون الانتخابية المترشحة ضد ترامب والذي حذر من أن “رئاسة ترامب قد تؤدي لكارثة للابتكار”. وتوسعت نتفليكس في تقديم خدمة البث عبر الانترنت عام 2007، وفي عام 2013 بدأت في إنتاج الأفلام والبرامج التليفزيونية وتوزيع الفيديو عبر الانترنت.
وتشير التقديرات إلى أن شركة أبل ظلت مسيطرة على السوق، حتى غزت نتفليكس وسيطرت على نسبة الأرباح وحصدت المركز الأول بداية من عام 2010 فبلغت حصتها السوقية 44%، ومنذ ذلك الحين قادت القطاع بمعدل نمو سنوي بين 35 و40%.
ووصل صافي إيراداتها إلى ما يزيد على 4500 مليون دولار عام 2011.
وفي الربع الثاني من عام 2022، حققت Netflix إجمالي إيرادات بحوالي 7.97 مليار دولار أمريكي ، ارتفاعًا من حوالي 7.34 مليار دولار أمريكي في الربع المقابل من عام 2021، وبلغت الإيرادات السنوية للشركة في عام 2021 ما يقرب من 30 مليار دولار أمريكي، لتستمر في تحقيق نمو مستمر على مدار العقد الماضي.
وأشارت تقارير وكالة أبحاث السوق BMO capital Markets إلى تزايد حجم استثمارات شبكة نتفليكس في المحتوى الأصلي لخدمات البث إلى 17,3 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 2 مليار دولار عن عام 2019، ومتوقع أن تزيد إلى 26 مليار دولار بحلول عام 2028.
وهي أرقام ضخمة مقارنة بالمنافسين التقليدين مثل ديزني التى أنفقت عام 2019 على المحتوى نحو 19,6 مليار دولار، فتسيطر ديزني على 38% من شباك التذاكر الأمريكية والتى وصلت عام 2019 إلى 11.2 مليار دولار، والتى تأثرت بجائحة كورونا كثيرًا وتم تأجيل إنتاج العديد من الأعمال.
ونتفليكس ليست الخدمة الوحيدة التي تشهد إقبالًا بعد جائحة كورونا فهناك ديزني بلاس “خدمة البث الجديدة من شركة ديزني” والتي تجاوزت 50 مليون مشترك في وقت سابق، وهو رقم بعيد عن نتفليكس الذي وصلت إلى 195 مليون مشترك، وقال ريد هاستنجز، الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس، في مكالمة هاتفية مع شبكة CNN “لقد تأثرت كثيرًا بإنجاز ديزني لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا التنفيذ الجيد بالطريقة الجديدة وإتقانها.”
وبدأت شركة “Walt Disney DIS” مؤخرًا في تقديم خدمة البث من خلال “ديزني بلاسDisney + ” في 16 دولة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما زاد من حدة المنافسة السوقية والتي هيمنت عليها نتفليكس Netflix NFL” بأكثر من 6.8 مليون مشترك. وتحتل Starzplay ومقرها أبوظبي المرتبة الثانية حيث يبلغ عدد المشتركين أقل من مليوني مشترك، بينما تضم Amazon AMZN ما يقرب من 1.4 مليون مشترك، ومن المتوقع أن تحصل ديزني على المركز الثاني بقاعدة مشتركين تبلغ 6.5 مليون مشترك في المنطقة بحلول عام 2027، متخلفة فقط عن Netflix والتي من المحتمل أن يكون لديها قاعدة مشاهدين تبلغ 11 مليون مشترك، بحسب بيانات موقع “فينانس ياهو” نقلًا عن بيانات “ديجيتال تي في ريسيرش”.
- تنافسية المحتوى:
يمكن للمشتركين في المنطقة العربية مشاهدة آلاف الأفلام والمسلسلات والأصول الحصرية من Disney وPixar وMarvel وStar Wars وNational Geographic، وبرامج الترفيه العام، عبر ديزني بلاس؛ فيما تظهر الميزة التنافسية التي تقدمها نتفليكس هي تقديم محتوى أصلي من خلال الاعتماد على “الاستراتيجية المحلية Localization” بتقديم محتوى وإنتاج عربي، وعرضه بالترجمة أو الدبلجة بلغات أخرى بجانب المحتوى العالمي، في حين أن Disney + اعتمدت على استراتيجية التكيف Glocalization”” من خلال تعريب المحتوى الأحنبي عن طريق الترجمة دون أن تطلق أي عرض عربي بعد، على عكس شبكة نتفليكس التي اهتمت بإنتاج العروض العربية الأصلية مثل سلسلة “ماوراء الطبيعة” والأفلام الوثائقية مثل فيلم سقارة والذي استطاع أن يروج للسياحة المصرية. بينما اعتمدت شبكة ديزني على المخرجين العرب مثل مسلسل “مون نايت” للمخرج محمد دياب، والذي مزج بين الأفكار العربية وبالأخص المصرية والغربية.
فيما استطاعت نتفليكس أن تعتمد على ما يسمى “المحتوى الأصلي” للوصول إلى كافة الأذواق التي تتفق مع طبيعة الأسواق المستهدفة وكافة فئات الجمهور مع تقديم أفكارها الأساسية، وذلك من خلال عقد اتفاقيات تعاون حصرية مع عدد من شركات الإنتاج والفرق المعروفة بدايةً من Nickelodeon للرسوم والصور المتحركة، وشركة Studio Dragon، واستطاعت أن تتعاون مع CJ ENM الكورية الجنوبية باعتبارها السوق الرئيسي للتوسع في آسيا، إلى جانب شهرة الأعمال الفنية الكورية في العديد من الدول وعلى رأسها “الشرق الأوسط”، ولجأ ريد هاستينجز، الرئيس التنفيذي لشركة نتفليكس إلى زيادة الاستثمار في المحتوى الأصلي تحسبًا لتزايد المنافسة وفقدان المحتوى الأصلي، مع صعوبات عدم ترخيص بعض المحتوى الذي انخفضت معدلات مشاهدته وبالتالي فإن تكلفة شراء حقوق البث ستكون أكثر من عائد المشاهدة، وتستند هذه الإستراتيجية وفقًا لخبراء صناعة الإعلام بشكل أساسي إلى طموح الشركة في التفاعل مع المشاهدين من جميع أنحاء العالم.
وفي المقابل، تواصل ديزني الإنفاق بسخاء على تطوير خدماتها الموجهة للمستهلكين، ففي نوفمبر 2021، أعلنت عن خططها لإنفاق ما يقرب من 33 مليار دولار على تطوير المحتوى في السنة المالية 2022، وتعمل أيضًا Starzplay وفقًا لتصريحات الرئيس التنفيذي معاذ شيخ لرويترز بأن المنصة تعمل أيضًا على إنتاج محتوى عربي أصلي، لما للمنطقة من فرصة كبيرة للنمو، حيث بلغ معدل انتشار البث المباشر 10٪.
المنصات الرقمية بين بث القيم وحرية المحتوى:
أدى احتدام المنافسة بين المنصات الإعلامية، والتي جاء بعضها بدافع اقتصادي معلن، وسياسي خفي، وساعده تغير عادات المشاهدين والتي عمقتها جائحة كورونا، إلى لجوء الدول المختلفة إلى عدد من الإجراءات لحماية اقتصاديات السوق من ناحية، والقيم الثقافية والاجتماعية بما يتناسب مع روح السوق العالمية، والإنتاج الحر ومفاهيم الإبداع من ناحية أخرى، ويمكن طرحها في التالي:
- دول “ممنوع العرض“:
على الرغم من وصول شبكة نتفليكس إلى 190 دولة حول العالم، إلا أنها لم تستطع أن تدخل أسواق “الصين وكوريا الشمالية وسوريا وروسيا”، وذلك إما للقيود المفروضة من “الحكومة الأمريكية” أو حاجتها للحصول على إذن من حكومات تلك الدول كما في الصين التي لديها قواعد صارمة عندما يتعلق الأمر بالرقابة على الإنترنت.
- تركيا:
فرض قيود على البث: رأت بعض الحكومات أن المحتوى الذي يقدم هذه المنصات قد يتعارض مع “قيم المجتمع” وربما مع سياسات تلك الدول ومن ناحية أخرى كيفية فرض رسوم تنعش خزانة الدولة. ففي سبتمبر 2019، تقدمت شبكة نتفليكس بطلب للحصول على ترخيص للعمل في تركيا، بحسب “رويترز” بعد اطلاق نظام أردوغان قوانين البث عبر إعلان هيئة مراقبة الإذاعة والتلفزيون التركية (RTÜK) قواعد تنظيم البث عبر الإنترنت؛ مما أثار المخاوف بشأن الرقابة المحتملة في المستقبل. وتضمنت الإجراءات قيام خدمة بث الاشتراك في ولاية كاليفورنيا بإنشاء كيان محلي ودفع 0.5٪ من الإيرادات المتولدة في تركيا للحكومة، وقالت الشركة إنها تجري مناقشات لدفع رسوم مماثلة في إسبانيا وإيطاليا. ويتيح هذا المكتب المحلي بعدم عرض المحتوى قبل إنتاجه على الحكومة التركية، ولكنها تخضع لطلبات الحذف في حال طلب الحكومة ذلك.
مراقبة المحتوى: عقب فرض تلك القانون كان هناك عدة إرشادات على المحتوى فرضتها الحكومة التركية، مع إعطاء مهلة 30 يومًا للمنصة لتغييرالمحتوى، أو مواجهة تعليق تراخيصهم لمدة ثلاثة أشهر وإلغائها لاحقًا في حال عدم احترام الإرشادات، وأبدت محطة نتفليكس انفتاحًا مع ما أسمته “الرقابة الأبوية” لتعزيز معالجة مشكلات الرقابة المحتملة، وأعلنت في بيانٍ لها أن هدفها حماية الأطفال.
المحتوى الأصلي: نجحت نتفليكس في الوصول إلى الجمهور التركي والشرق أوسطي، بالتوسع في إنتاج البرامج التركية الاصل، وأطلقت مجموعة المحتوى “صُنع في تركيا” التي تتيح لأعضائها في جميع أنحاء العالم الوصول إلى المنتجات التركية. مثل العملين “Theprotector”، وThe Gift، حيث ساهمت الدراما التركية في زيادة أعداد المسافرين إلى تركيا وتوسع الزيارات، ولكن مع توسع أعمال المنصات الرقمية في نشر محتوى يتعلق “بالمثليين الجنسيين” منعت الحكومة التركية تصوير مسلسل “IF Only” للممثلة المعروفة بفاطمة في عالمنا العربي “بيرين سات”، لوجود أحد الشخصيات “مثلي الجنسية” وذلك عام 2020، وعقب 10 أشهر من المفاوضات ورفض تعديل السيناريو بحذف مشهد جنسي بين شخصيتين شاذين، التف عملاق البث على ذلك بتصوير العمل في نسخته الأسبانية.
وعلى النقيض، تنوعت الأخبار حول ادعاءات إلغاء بث نتفليكس في تركيا وهو ما تم نفيه في أبريل 2021، بجانب طرح دور الرقابة التركية في منع أو إلغاء أو حذف بعض المشاهد من مسلسل “عشق 101 aşk101/” بحذف مشاهد لـ “عثمان” بطل المسلسل بوصفه مثلي الجنسية، دون توضيح من المسؤولين في البلدين، ويبدو أن السياسة التي تفرضها نتفليكس على أعمالها قد جلبت نوعًا من الدعاية السياسية أو النقد الذاتي للحكومات نتيجة رفع شعار الحفاظ على قيم المجتمع من ناحية، وفرض الرقابة من ناحية أخرى.
منصة بديلة: حاولت الحكومة التركية استغلال نجاح الإنتاج التركي من خلال إعلان شبكة الإذاعة والتلفزيون التركية الحكومية (تي آر تي) إطلاق منصة بديلة لنتفليكس عام 2023، وذلك في محاولة لمواجهة ما تبثه الشبكة في عقول الشباب بحسب الخبراء المحليين، ولتعزيز مكانتها الدولية بحسب التصريحات التركية الحكومية، ولمواجهة التضليل الذي تمارسه تلك الشبكات في ظل هيمنة النظام السياسي والاقتصادي العالمي.
وبحسب مواقع إخبارية فإن نتائج استطلاع للرأي أُجري في 8 دول يتجاوز إجمالي سكانها ملياري نسمة تصدرتهم استراليا ثم الأميركيون، ثم السعوديون ثم الهنود على التوالي بدور الأفلام والمسلسلات التركية المعروضة عبر “نتفليكس” في تشجيع مشاهديها على زيارة تركيا، باعتبار تركيا الثانية عالميًا في تصدير الدراما إلى أمريكا اللاتينية والعالم العربي، واعتبار أن تدويل منصة تركية محلية سيسهم في نقل التاريخ والفكر التركي.
ولم تنجح محاولات سابقة لتركيا عام 2020 لإطلاق منصة “Exxen” التي أعلن عنها رجل الأعمال وصاحب أكبر الشركات الإعلامية التركية أجون أليجلي، نتيجة عدم حسم الاشتراكات ومعدلات البث وحجم المحتوى الذي قد لاتستطيع منافسته دوليًا، وربما تتفق مع الجمهور المحلي الذي يفضل الدراما التركية وعدم الاتجاه للدراما المترجمة بحسب الخبراء.
- آسيا “الهند وسنغافورة”:
الهند: عقب سلسلة من الاحتجاجات قادها قومية الهندوس المنتمين للحزب الحاكم الهندي “باراتيا جاناتا” ضد المحتوى المقدم من “أمازون، ونتفليكس Netflix and Amazon Prime Video” فرضت الحكومة الهندية قيودًا على المحتوى المعروض والتي تتضمن حذف أو الاعتذار عن محتوى بعينه، مع تعيين مسؤول محلي للتعامل مع الشكاوي الحكومية في مدة لا تزيد 15 يومًا وذلك في أواخر عام 2019، وتم طرح عدة شكاوى ضد بعض المحتوى الهندي الأصلي مثل مسلسل الجريمة “ميزابور” الأعلى مشاهدة بتهمة الإضرار بالمشاعر الدينية، وكذلك مسلسل “تاندوف” مما دفع حكومة “رئيس الوزراء مودي أنذاك أن اتخاذ إجراءات ضد تصويره للمدن الهندية بأنها وكر للجريمة والعنف، وطلبت الوكالة الوطنية للإشراف على حقوق الأطفال من Netflix التوقف عن بث برنامجها “Bombay Begums” بسبب ما وصفته بأنه تصوير “غير لائق” للأطفال وتصوير أطفال يتعاطون المخدرات، وأوقفت أمازون الموسم الثاني من مسلسل “Paatal Lok” عن الجريمة والفساد.
سنغافورة: دخلت نتفليكس سوق سنغافورة عام 2016، وتمتلك هيئة تطوير وسائل الإعلام المعلوماتية (IMDA) التي تفرض حصول مقدمي خدمات البث الرقمي على ترخيص، وتضع كود محتوى يضمن التصنيفات وقائمة مفصلة بالمحتوى المحظور وقوانين صارمة تحكم المحتوى الذي يعتبر مسيئا للدين أو العرق ويتعلق القانون بـ “حيازة الأفلام واستيرادها وصنعها وتوزيعها وعرضها”، فإذا تم انتهاك القواعد، يمكن للوكالة سحب المحتوى وفرض عقوبات، ونتيجة للظروف الانتخابية فرضت قانون للمعلومات المضللة عبر الإنترنت في مايو 2019، لمواجهة محاولات التزييف والتلاعب عبر الإنترنت، ووفقًا للسياسة المعلنة من شبكة نتفليكس بانها تحترم الثقافات المحلية وتقوم بإزالة البث وفقًا لأسباب تتعلق إما بحقوق البث أو مطالب الحكومة المحلية، وتركز الحكومة في سنغافورة على الأعمال التي تتناول المخدرات نظرًا للقيود الكبيرة المفروضة في البلاد، ففي عام 2018 تقدمت بطلب لحذف 3 أعمال من البث المحلي للمنصة الرقمية،
وفي 2020 قامت بإزالة عنوانين يحتويان على موضوعات مخدرات علنية مثل “Cooked with Cannabis”، وهو عرض واقعي يقوم فيه المتسابقون بخبز أطعمة مملوءة بالماريجوانا، والآخر هو الفيلم الوثائقي “رحلة سعيدة: مغامرات في مخدر”، والذي يضم عددًا من المشاهير المشهورين الذين يروون تجاربهم مع المخدرات، وفي 2019 طالبت بحذف عملان لاتهامهما بتقديم عناوين مخالفة للدين المسيحي وهما “The Last Temptation of Christ ، The Last Hangover”. وتحظر الدولة بعض الأفلام على أساس سياسي مثل الفيلم الوثائقي “to singapore with love”
- الولايات المتحدة وأستراليا والاتحاد الأوروبي:
الولايات المتحدة: في عام 2019، كان هناك اقتراح بوضع إطار تنظيمي جديد لمراقبة المحتوى على المنصات عبر الإنترنت. وتقول لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية (FCC) إن اللوائح كانت “غير ضرورية وقاسية” ولكنها كانت تسعى أيضًا إلى تقديم المزيد من اللوائح العملية.
استراليا: تمتلك هيئة الاتصالات والإعلام الأسترالية (ACMA) للوسائط التقليدية، ما يسمى بـ “مفوض أمان إلكتروني” للوسائط الرقمية، حيث يخضع المحتوى في الدولة لقانون خدمات البث لعام 1992 الذي يحتوي على إرشادات مفصلة وآلية للشكوى و”تصنيف مرفوض” ليتم حظره.
الاتحاد الأوروبي: على الرغم من عدم وجود لائحة محددة معمول بها حاليًا بالاتحاد الأوروبي، فقد تم تقديم توصيات لمعالجة المحتوى غير القانوني عبر الإنترنت، أدرجت ورقة الاتحاد الأوروبي حول “المحتوى غير القانوني والضار على الإنترنت” المحتوى الذي يمكن أن يكون مصدر قلق للأمن القومي، وكذلك التأثير على المراهقين والذي يحتاج للتحقق أو ما تسميه المنصة “الرقابة الأبوية” من خلال تحديد الوالدين لأطفالهم ما يمكن أن يشاهدوه.
- مصر ودول الخليج:
إجراءات تنظيمية: قدمت مصر ودول الخليج مؤخرًا طلبًا لمنصة نتفليكس بإزالة بعض المحتوى المخالف للقيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية، وهو ما ظهر في بيان المجلس الأعلى لتنظيم شؤون الإعلام المصري، للكشف عن نيته إصدار قواعد تنظيمية وتراخيص لمنصات المحتوى الإلكتروني مثل “نتفليكس” و”ديزني”، بجانب البيان المشترك لكلٍ من “الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية، ومكتب تنظيم الإعلام في الإمارات، وانضمت البحرين والكويت وعمان وقطر إلى طلب دول الخليج وكذلك لجنة الإعلام الإلكتروني في مجلس التعاون الخليجي، مع التلويح باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الشبكة في حال عدم الالتزام بالتوجيهات.
وتعتمد المملكة العربية السعودية على قانون “مكافحة الجريمة الإلكترونية”، والذي ينص على أن “المحتوى الذي من شأنه التأثير على النظام العام والقيم الدينية وعادات وخصوصية المواطنين عبر شبكة المعلومات أو الكمبيوتر” يشكل جريمة جنائية يُعاقب عليها القانون بالسجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، وخضعت الشبكة لطلبات الحكومة السعودية بعدم بث حلقة من البرنامج الكوميدي.
نقد المحتوى الأصلي: تعرض المنصة عددًا من الأعمال التي لاقت اعتراضًا واسعًا من المجتمع العربي وبعض التحفظات، في ظل الجدل حول حرية الرأي والتعبير وما تبثه المنصة من أعمال تهم الشباب والأطفال كذلك، مثل ما واجهه الموسم الخامس من مسلسل الرسوم المتحركة “Jurassic World Camp Cretaceous” لاحتوائه على وجود علاقة مثلية بين فتاتين من أبطال المسلسل، وهو ما لم يتم عرضه بشكل واضح في البث السعودي المحلي، بجانب ما أثاره بعض الأعمال الأصلية الموجهة للجمهور العربي مثل فيلم “أصحاب ولا أعز”، والنسخة المعربة من الفيلم الإيطالي “Perfect Strangers”، إمام لوجود شخصيات مثلية أو بعض المشاهدات التي اعتبرها الجمهور العربي غير لائقة بالمجتمع.
المنصات المنافسة: على الرغم من وجود منصتي “شاهد السعودية ووتش إت المصرية”، والتي تحتوي على إنتاج عربي ضخم، يعرض للجمهور المحلي والإقليمي، إلا أنها لن تستطيع أن تمحو وجود منصات دولية تعرض كافة التوجهات والتنوع الدرامي الضخم، فوصل عدد المشتركين في خدمات بث نتفليكس عالميًا إلى 222 مليون مشترك لعام 2021، مقارنةً بنحو 204 مليون مشترك عام 2020.
- إسرائيل:
منصة نتفليكس والإعلام المحلي: تتركز الصناعة الإعلامية في إسرائيل في صناعة التلفزيون بشكل كبير، وفي 2015 في وقت وصول Netflix ، كان من الممكن وصف سوق التلفزيون متعدد القنوات إلى حد ما بأنه احتكار ثنائي يهيمن عليه مزود الكابل Hot وموفر القمر الصناعي Yes. ، فهناك ما يقرب من 2.3 مليون أسرة في إسرائيل. تشترك حوالي 1.5 مليون أسرة في الخدمات التلفزيونية المدفوعة (55٪ مشتركون في Hot و43٪ مشتركون في Yes) ويوجد حوالي 11٪ من اليهود الأرثوذكس والمعروفين محليًا باسم الحريديم وهم غير مستعدين للانخراط في أي شكل من أشكال الثقافة العلمانية.
ويخضع كل من تلفزيون الكابل والأقمار الصناعية للتنظيم من قبل مجلس البث الكبلي والأقمار الصناعية الذي يعمل داخل وزارة الاتصالات، ويتسم تنظيم الإعلام الإلكتروني في إسرائيل بالتزامات ثقافية واقتصادية محددة. على سبيل المثال: يُحظر Hot وYes، مشغلي قنوات متعددة، من الحصول على حقوق توزيع حصرية للمحتوى الأجنبي، وأن الحصرية الوحيدة المسموح بها تتعلق بالبرمجة المحلية بهدف تشجيع الإنتاج المحلي والمنافسة على جودة المحتوى، ويشترط عليها إنفاق 8٪ من إيراداتهما السنوية في إنتاج محتوى تلفزيوني محلي.
وكان الوضع في إسرائيل مختلفًا من حيث استخدام منصة نتفليكس كأحد الوسائط الترويجية، بجانب الاعتماد على المنصات المحلية، فاستطاعت إسرائيل أن تعي أن الاستثمار في البحث العلمي هو الوسيلة لتغيير الصورة النمطية لها في المنطقة، والبدء في الترويج من خلال استخدام منصات عالمية، حيث تستثمر إسرائيل بشكل كبير في البحث والتطوير وفقًا للصحافة الإسرائيلية، فتنفق ما يقرب من 5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الأبحاث كل عام بحسب البنك الدولي، ويرى الخبراء أن التعاون في مجالات مثل دراسات ” علم النفس” أمر محوري في تعزيز السلام والتسامح. من خلال تعميق الدراسات حول الطبيعة البشرية لإحداث السلام.
فاهتمت بدراما الأعمال العسكرية لرسم الصورة البطولية وتغيير مفاهيم الأجيال في العالم حول صورة الرجل العسكري الإسرائيلي في المنطقة. للحد الذي حاولت فيه أن تغير من طبيعة الهزيمة في حرب أكتوبر، وكذا الصورة العنصرية التي رسمتها الصحافة حول يهود الفلاشا من خلال استخدام منصات تستطيع أن تغزو العالم، فكانت شبكة نتفليكس ملاذها.
وقدمت “نتفليكس” تجربة محلية باللغة العبرية، وصرح جوناثان فريدلاند، مدير الاتصالات في شبكة نتفليكس “تعرف إسرائيل وسائل ترفيه رائعة والآن أصبح من الأسهل مشاهدة البرامج المفضلة في العالم على Netflix في أي وقت وفي أي مكان وعلى أي جهاز متصل بالإنترنت وفي نفس الوقت مثل بقية العالم، مع إتاحة جميع الحلقات للمشاهدة مرة واحدة.”؛ فالدراما الإسرائيلية هي نوع معترف به عالميًا ولدى Netflix قائمة قوية من العناوين الإسرائيلية المتدفقة.
المنصات المحلية: تحاول الدول التواجد الدولي مع الحفاظ على ما تقدمه محليًا، فأشارت الصحف الإسرائيلية إلى أنه كان لا مفر من ظهور أول خدمة بث إسرائيلي، مصصم بهدف تغيير قواعد اللعبة، حيث أنشأ جوش هوفمان منصة ” IZZY” وهي منصة تهدف إلى بث محتوى إسرائيلي إلى بقية العالم، ومع ذلك فقد تم حظره للمشاهدين داخل إسرائيل.
وأوضح هوفمان – اليهودي الأمريكي أن منهجه ليس التنافس المحلي ولكن العمل معه”، وتقوم على بث أفلام وعروض عالمية تم إنتاجها في إسرائيل. إلا أنها مازالت في مرحلة التأرجح حيث ضم ما يقرب من 7000 مشترك مع أول شهر من انطلاقه، ووصفها هوفمان بأنها تدعم مفهوم “الصهيونية الجديدة” التي تقوم على الاحتفاء بالثقافة الإسرائيلية بدلًا من اللعب ببطاقة الضحية الناتجة من الهولوكوست، لتغيير الصورة من التعاطف إلى الاحتفال. وأضاف هوفمان أنه ليس لديه أجندة مثل “Netflix وYouTube “، ولكن سيعتمد على تغيير الصورة النمطية للصراع في إسرائيل ووضع الثقافة الإسرائيلية على الخريطة العالمية.
وهي الفكرة التي ظهرت في مسلسل “when heroes Fly” من إنتاج نتفليكس والذي يظهر الجانب الانساني والثقافي للجندي الإسرائيلي عقب حرب لبنان 2006، وكيف أن الحرب تخلف وراءها حالات نفسية معقدة لا يرغب الجميع في عيشها، وأظهرت الثقافة الإسرائيلية في التعايش بين اليهود الإشكناز والمزراحيين التي جمعتهم من خلال التجنيد الإجباري الإسرائيلي، لإلغاء الفواصل العنصرية التي تنتهجها اسرائيل، وجعلت من الممكن أن ينتهي الأمر بنخبة أشكنازية أو يهودي أرثوذكسي بأخذ الأوامر من آخر مزراحي في وحدة قتالية، وربطت هذه التجربة بين هؤلاء أبطال المسلسل كـ”أخوة مدى الحياة “، وهو ما ظهر أيضًا في مسلسل “أسرى الحرب “حيث يصور كل من العرضين بقوة الأهوال الصامتة لاضطراب ما بعد الصدمة بينما يصارع الجنود السابقون تجاربهم في زمن الحرب.”
دوافع وأسباب متبادلة
تقوم العلاقة بين المؤسسات والمنصات الرقمية والحكومات الدولة على المصالح المتبادل، والتي تعكس الرغبة الاقتصادية لتلك المنصات من ناحية، والأهداف الاجتماعية والسياسية لكافة الأطراف، فتقوم على تمرير بعض عناصر الخضوع للرقابة مقابل عرض محتوى دولي قائم على بث صور نمطية، وتدويل تلك الأفكار، ويمكن شرحها في الدوافع التالية:
أسباب سياسية: في حين تحاول تلك المنصات تصوير القواعد التنظيمية بأنها ضغوط سياسية، إلا أن تلك المنصات ذاتها تستخدم لبث أفكار سياسية في عقول المشاهدين، مما يجعل الصراع قائمًا بين حرية التعبير وفرض الرقابة؛ في الوقت الذي تستغل بعض الحكومات هذه الأفكار لصالحها، فيكون تطبيق الرقابة بشكل محدود فقط في بث المحتوى المقدم داخل الدولة، وهو ما يتم التلاعب به عبر استخدام المستخدمين VPN، وتحاول المنصة الآن تغييره، وهو ما يظهر في العدد القليل الذي ألغته المنصة بناءً على طلب الحكومات فأوضحت في تقرير الحوكمة الاجتماعية والبيئية بأنها أزالت 9 أعمال فقط على مدار 23 عامًا، بناءً على طلب من حكومات نيوزيلندا وفيتنام وألمانيا وسنغافورة والمملكة العربية السعودية.
وفي المقابل، جاء بعض قرارات الإغلاق في تركيا لفرض رقابة على المحتوى فقط ولكن حظر المواقع التي تنتقد النظام، فوفقًا لتقرير “Bans on the Web 2019” تم حظر ما مجموعه 408494 من بينها بعض محتوى Netflix في تركيا، وذلك عقب تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالسيطرة على منصات التواصل الاجتماعي أو إغلاقها بعد الحملة التي استهدفت عائلته من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
وبجانب الاسباب السياسية ترفض بعض الحكومات عرض المجتمع المثلي أو مجتمع الميم في الدول المشترك، بجانب الاسباب الدينية والاجتماعية والثقافية، وتشرح شبكة نتفليكس أنها تقدم محتوى متنوع يتناسب وكافة الثقافات، بالاستثمار في قوى عاملة وقاعدة محتوى تعكس تنوع جمهورها العالمي، فتقدم المحتوى المدبلج والمترجم بأكثر من 40 لغة، وقالت إن حجم البرمجة التي شاهدها المشتركون والتي لم تنشأ من وطنهم أو الولايات المتحدة قد ارتفع بنسبة 10٪ خلال عام 2019، كما نما محتوى اللغة الأجنبية في سوقها المحلي بالولايات المتحدة بنسبة 23٪ على أساس سنوي.
وتستخدم المنصة للترويج لأفكار سياسية، قد يدفع البعض لسحب الاشتراكات مثل الحملة التي قادها الجمهوريون بالولايات المتحدة، عقب الإعلان عن تعاقد نتفليكس مع ميشيل وباراك أوباما لإنتاج محتوى ترفيهي عبرها
وتحاول المنصة أن تروج لنفسها بأنها تحترم الثقافات المختلفة، وأنها لا تستطيع أن تقدم كافة المحتويات لكافة الأفراد، ويتم حذف المحتوى من العرض المحلي فقط داخل الدولة، أو الإنتاج الأصلي كذلك، كما حدث بسحب الشركة حلقة من برنامج باتريوت آكت للممثل الكوميدي حسن منهاج، والتي تم تداولها عالميًا بوصف البرنامج ذا مشاهدات لا تحصى عالميًا، وبالتالي فإن بث أفكار سياسية دولية تحرم منها فقط الدولة الأم وتتاح للعالم، فتنفي ذلك تهمة الأهداف السياسية للدول في منع العرض.
الخضوع للقيم المحلية والمصالح الاقتصادية: تتجاوب بعض الأحيان المنصات الرقمية لتلك العمليات التنظيمية في محاولة لعدم خسارة العدد الهائل من المشاهدين والتحايل على القيود الثقافية والمجتمعية، فتمتلك نتفليكس، في دولة الهند على سبيل المثال قاعدة مشتركين وتهدف لإقناع المزيد بالاشتراك، في ظل محاولات استقطاب 100 مليون مشترك بمعدل استثمار 400 مليون دولار؛ فيوجد أكثر من 570 مليون مستخدم للإنترنت في الهند وتعد الأكثر والاسرع نموًا لمنصات بث الفيديو فيتوقع أن تصل إلى أكثر من 28% بحلول عام 2024، أي ضعف النمو العالمي المتوقع، وفقًا لـ “نيويورك تايمز” وبحسب تقرير البيئة والمجتمع والحوكمة الخاص بـ”نتفليكس” لعام 2021، فإن المنصة امتثلت لنحو 7 طلبات حذف أعمال لها من الفلبين، وروسيا، وتركيا، وسنغافورة وفيتنام.
ويرى النقاد أن الإنتاج الثقافي يتعلق بحرية الرأي والتعبير، عكس المنتجات الاستهلاكية التي تتطابق والسوق المحلي، من خلال الاعتماد على الثقافة المحلية، ولكن في حال المنصات الرقمية ومع التوجه لإنتاج المحتوى الأصلي كبديل للترجمة أو الدبلجة لمواجهة قيود “حقوق البث والنشر وتجديد شراء المنتجات” فإنه يمكن تكيف المحتوى مع الطابع المجتمعي والذي يجب تأكيده في القيود المفروضة مستقبلًا.
فقد استطاع العمل العسكري الإسرائيلي “فوضى Fauda” 2017، تمجيد العسكرية الإسرائيلية وتشويه العرب ولعب دو الضحية الدينية التايخية، فيرسم المسلسل صورة القضية الفلسطينية بأنه صراع تاريخي/ ديني بين اليهود والمسلمين، وظهر ذلك من خلال التركيز على وصف الفلسطينين للإسرائيلين بالـ “اليهود”وهو من إنتاج الإسرائيلية”ماريافيلدمان” والتي انتجت العمل الدرامي الحربي ” No man’s land”، والذي ظهر لأول مرة في الولايات المتحدة كأحد أفلام Hulu الأصلية، حول تنظيم داعش الإرهابي وهي من تقف أيضًا وراء فيلم “The False Flag” ، والذي أوضحت أنها لجات للإنتاج مع تلك المنصات الكبرى نظرًا لصغر حجم الإنتاج في الداخل الإسرائيلي. واتسمت الرسائل الاسرائليلية التي حاول الجانب الإسرائيلي ابرازها في “التعاطف مع الجانب الإسرائيلي واصباغه بصفة البطولة والإنسانية، التعايش الإسرائيلي الفلسطيني، اختزال المقاومة في صورة حماس التي فقدت شرعيتها لدى العديد من الدول”. بشكل وصفه البعض بأنه استطاع أن يصل لقلب الجمهور الفلسطيني من خلال اظهار الحبكة ومفاوضات الرهائن ومشاهد القتل على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية، وتناول المسلسل كذلك كيف أن الفلسطينين يتعايشون بجوار إسرائيل في حياة طبيعية، حيث يستطيع أعضاء فرقة المستعربين الدخول والعيش سويًا، باستثناء ما يرتكبونه الفلسطينين كما يسمونهم “المشاغبون، والارهابيون” من حماقات؛ فيدفعون الثمن بسبب تلك أفعالهم، وهذا ما قاله الممثل والكاتب ليئور راز والذي يؤدي دور “دورون” في المسلسل كما جاء في تقرير “بي بي سي”.
وتنبع خطورة المحتوى المقدم كذلك، في احتوائه على مشاهد الميم، والمشاهد الجنسية والاغتصاب وقتل النفس وخطاب العنف وغيرها من المفاهيم التي تختلف مع الطبيعة والنسق المجتمعي مما يؤثر على النسق المعرفي للأفراد، وخاصة على مجتمع المراهقين الذين وجدوا في محتوى نتفليكس وأمازون التقارب مع حياتهم وتصوير أفكارهم، وبالتالي اعتبار تلك المشاهد ليس بالشكل الفج بحسب عينة الدراسة التي أجرتها د. داليا عثمان، وبالتالي دفع الحكومات لاتخاذ إجراءات لحماية الأفراد من تلك المضامين.
هذا بجانب احتواء برامج الأطفال على مشاهد تتعلق بالمثليين الجنسيين، ففي المجتمع العربي، جاء حظر البرامج على دافع قيم مجتمعية ودينية، من خلال رفض واضح لظهور مجتمع الميم أو المثليين الجنسيين، والذي ظهر في حظر وانتقاد متكرر للمحتوى المسيء مثل مسلسل ” Perfect strangers”، والذي اعتبرته العينة البحثية للبحث السابق من المحتوى المفضل لها، وتم منع العديد من أفلام ديزني الحديثة بحسب “نيويورك تايمز” ، بما في ذلك “Lightyear” و”Thor: Love and Thunder” و”Doctor Strange in the Multiverse of Madness” و”West Side Story” و”Eternals” ، من دور السينما في أماكن مختلفة عبر الشرق الأوسط لاحتوائهم على مشاهد “مثلية جنسية”، وعلى الرغم من حظره في أماكن أخرى ، فقد وصل فيلم “Eternals” إلى المسارح في الإمارات العربية المتحدة بعد أن قامت ديزني بتعديل العروض العامة للجمهور هناك، وهو ما دفع الشركة ذاتها بتجنب عرض مشاهد مثلية في نسخة الشرق الأوسط لسلسلة “Lightyear” أو “Baymax” لتجنب تأجيج الحساسيات الإقليمية. وهو ما حدث مع مسلسل الرسوم المتحركة “Jurassic World: Camp Cretaceous” ، الذي يتم بثه على Netflix بجعل المشهد المثلي ضبابيًا.
وفي تراجع حاد لاشتراكات الشبكة منذ 10 سنوات كشف تقرير اشتراكات الربع الثاني من العام الحالي، عن فقدان ما يقرب من 970 ألفًا مشترك، أرجعته الشركة لحملات المقاطعة وكذلك تزايد أسعار الاشتراكات، هذا بجانب عدم السيطرة على عدد الحسابات التي يمكن للمشترك الواحد الدخول بها. وبالتالي لن تقامر المنصات بفقدن مزيد من الجمهور.
وتضعنا الأسباب السابقة، أمام حقيقة ضرورة تنظيمية للرقابة على المحتوى المقدم، دون التوجه لسيناريو الحجب التام، كما تفعل بعض الدول، نتيجة محاولة استخدام المنصات الرقمية في الترويج للهوية والثقافة والسياحة العربية كما فعلت تركيا، والفيلم الوثائقي “سقارة”، إلا أن الوضع التنظيمي المقتصر على المحتوى المقدم للجمهور العربي يجب أن يعي سيناريو المغالطات التاريخية التي يتم استخدامه بشكل واسع في إنتاج محتوى عابر للقارات يصل بشكل جذاب للجمهور العربي لتمرير سياسيات ووقائع تاريخية مغلوطة، وهو ما ظهر في عدة برامج تحتاج لإنتاج محتوى أصلي عربي “عابر للقارات” للرد عليها، في ظل وصف الأعمال التاريخية الإسرائيلية على سبيل المثال نفسها بالدرامية كبديل لمفهوم الوثائقية باعتبارها أعمال قائمة على “الحبكة الدرامية” لتلافي الانتقادات في حال التنبه للأخطاء “التاريخية” والتي تستطيع أن تغير مفاهيم .. فكم منا يقرأ التاريخ وكم منا يشاهده!