أوروبا

كيف شكلت ليز تراس الحكومة البريطانية؟

في السادس من سبتمبر 2022، أعلنت ليز تراس تشكيل الوزارة البريطانية، لتصبح ثالث سيدة تشكل الوزارة البريطانية ورابع رئيس وزراء من حزب المحافظين على التوالي، ليتم طي صفحة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، وتصفية التوتر داخل حزب المحافظين الذي أسفر عن 50 استقالة وزارية متتالية أجبرت جونسون على الاستقالة من رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة البريطانية، رغم تحقيقه نتائج تاريخية للمحافظين في انتخابات البرلمان عام 2019، إضافة إلى إنجاز خروج ناجح من الاتحاد الأوروبي.

تشكيل الحكومة الجديدة وفر فرصة لتراس من أجل إعادة ترتيب حزب المحافظين بعد الفوضى التي ضربته منذ عام 2016؛ على وقع تصويت الشعب البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، واستقالة ديفيد كاميرون، ثم إخفاق تريزا ماي في مفاوضات الاتحاد الأوروبي، ثم مرحلة بوريس جونسون التي لم ترتح لها دوائر غربية في أوروبا وأمريكا، عكس ليز تراس المنسجمة مع التوجهات النيوليبرالية لدوائر العولمة.

وكان أول ترتيبات تراس هو اختيار ثلاثة من المنافسين لها في انتخابات رئاسة حزب المحافظين في مناصب وزارية وبرلمانية، ورغم أنها أسماء لم تحظ بالصعود للتصفيات النهائية للانتخابات ولكن لها صدى واسع في القواعد الشعبية للحزب، وتتضمن هذه القائمة:

1 – سويلا بريفرمان ذات الأصول الهندية والتي تولت منصب وزيرة الداخلية خلفًا لـ بريتي باتيل التي تنتمي إلى أصول هندية أيضًا.

2 – كيمي بادنوخ وزيرة للتجارة.

3 – بيني موردونت رئيسة لمجلس العموم.

وتم عزل مؤيدي ريشي سوناك وجناحه بالكامل من مجلس الوزراء، مثل نائب رئيس الوزراء دومينيك راب، ووزير النقل جرانت شابس، ووزير البيئة جورج يوستيس، ورفضت تراس إعادة وزير الصحة المستقيل ساجد جاويد إلى مجلس الوزراء. وقلّمت تراس أظافر النجم الصاعد داخل الحزب ناظم زهاوي (من أصول كردية عراقية) والذي لمع في منصب وزير التعليم ثم وزير الخزانة في حكومة جونسون، حيث عينته تراس مستشارًا لدوقية لانكستر، ووزيرًا للمساواة.

وسعت تراس إلى الحفاظ على مهندس الإطاحة بـ تريزا ماي داخل الحزب، جاكوب ريس موج وذلك بتعيينه وزيرًا للأعمال. وقامت تراس بتصعيد حلفائها داخل الحزب إلى مناصب وزارية قيادية:

1 – كواسي كوارتنج وزيرًا للمالية.

2 – تيريز كوفي وزيرة الصحة ونائبة رئيسة الوزراء.  

3 – براندون لويس وزير العدل

وفى عودة لطقس بريطاني قديم، تم تعيين الكولونيل جيمس كليفرلي وزيرًا للخارجية، ليصبح أول وزير خارجية بخلفية عسكرية منذ انتهاء الحرب الباردة، وأول وزير خارجية من أصول أفريقية سوداء حيث تنتمي والدته إلى سيراليون، وهو لا يزال ضابط احتياط في الجيش البريطاني، وخدم وزيرًا للتعليم في حكومة بوريس جونسون، إضافة إلى وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما بين عامي 2000 و2020.

ولم تقم تراس باستبعاد المحسوبين على ديفيد كاميرون وتريزا ماي وبوريس جونسون لأسباب تنافسية داخل الحزب، ولكن من أجل تقديم نخبة جديدة من حزب المحافظين تثبت للرأي العام أن تراس هي فاصل بين القديم والحقبة الجديدة، وذلك استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث تسعي تراس للحفاظ على الأغلبية المحافظة للمرة الخامسة على التوالي بعد انتخابات 2010 و2015 و2017 و2019.

ورغم أن موعد الانتخابات المقبلة هو يناير 2025، ولكن تراس تدرك أنها تواجه نفس المطالب التي واجهها ماي وجونسون، التي تتلخص بقيام رئيس الوزراء غير المنتخب بحل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة من أجل الاستفتاء على قيادته للحزب والوزارة، ما جعل ماي لتذهب للانتخابات المبكرة عام 2017 وخلفها جونسون في الإجراء ذاته عام 2019، ما يجعل الانتخابات المبكرة القادمة حال الذهاب إليها هي ثالث انتخابات بريطانية مبكرة على التوالي في طقس غير مسبوق على الديمقراطية البريطانية.

وأتت وفاة الملكة إليزابيث الثانية وتنصيب الملك تشارلز الثالث لتعطي سببًا إضافيًا لحل البرلمان البريطاني، وذلك بعد انتهاء مراسم الحداد والتنصيب الرسمي للعاهل الجديد، وترتيبات ولاية العهد وانتقال التاج للمرة الأولى منذ سبعة عقود. ولم يسبق وأن ترأس أربعة ساسة من حزب المحافظين الوزارة البريطانية على التوالي منذ الرباعي ونستون تشرشل وانطوني ايدن ثم هوارد ماكميلان وأخيرًا اليكس دوجلاس هيوم ما بين عامي 1951 و1964.

حكومة نيوليبرالية من أجل الانتخابات

اختارت ليز تراس عناصر تنتمي إلى يمين الوسط واليمين الليبرالي بما ينسجم مع أجندة الليبرالية الجديدة “النيوليبرالية” المهيمنة على النظام الغربي في حقبة العولمة الأمريكية، حيث كانت الغلبة في المناصب الرئيسة للساسة من أصول افريقية وهندية، وغياب للرجال في المناصب الرئيسية مقابل حضور نسائي و”نسوي” موسع، على ضوء المسيرة الحقوقية لأغلب نساء وزارة تراس بما فيهم تراس نفسها في الأيدولوجيات النسوية والمساواة وحقوق المثليين والحريات الجندرية.

ومع هذا التنوع العرقي والأيديولوجي (أفريقي وهندي ونسوي)، المنتسب لقواميس الصوابية السياسية، فإن تراس سحبت الكثير من رصيد حزب العمال الذي يستند إلى قواعد انتخابية من الأقليات الافريقية والهندية والعربية، إضافة إلى طابور لا ينتهي من النشطاء الشباب والنسويات.

ورغم إزاحة رجالات ديفيد كاميرون وتريزا ماي وبوريس جونسون، وتغييب ريشي سوناك وساجد جاويد ورجالتهم، وتحجيم ناظم زهاوي؛ فإن تراس حافظت على بن والاس وزيرًا للدفاع، وكان الأخير من أبرز الأسماء القادرة على منافسة تراس في سباق رئاسة الحكومة، ولكنه فضل الانسحاب مقابل الاستمرار في مقعده الوزاري.

وكان أداء وبيانات وزارة الدفاع البريطانية خلال الحرب الأوكرانية قد أثلجت صدور البريطانيين وجعلت بن والاس نجمًا شعبيًا في المقاهي الإنجليزية، وينظر إلى والاس بوصفه خليفة محتملًا لتراس حال رحيلها عن رئاسة الحزب إذا ما خسرت الانتخابات المقبلة سواء عقدت في موعدها أو تم حل البرلمان.

اضطرابات في حزب العمال

في ضوء صعود ريشي سوناك ذي الأصول الهندية إلى المنافسة النهائية مع ليز تراس، ومن قبله صعود ناظم زهاوي ذي الأصول العراقية وزيرًا للخزانة؛ جرت موجة من المشاورات داخل حزب العمال، الحزب المعارض الرئيس في بريطانيا اليوم، من أجل استبدال رئيس الحزب والمرشح لرئاسة الوزارة متى صعد العمال لسدة الحكم.

وكان سياق هذه الاعتراضات أن كير ستارمر ليس يساريًا بما يكفي؛ إذ إنه ينتمي إلى اليسار الليبرالي، عكس ايد ميلباند الذي قاد الحزب ما بين عامي 2010 و2015 ثم جيرمي كوربين الذي قاد الحزب ما بين عامي 2015 و2020، إذ كان ايد ميلباند ينتمي إلى اليسار الجديد في الغرب حيث يتشدد هذا التيار في العودة إلى الجذور الشيوعية للفكر اليساري، بينما كان كوربين ينتمي إلى اليسار الماركسي العتيق.

وفي ضوء الوجوه الأفريقية والهندية والنسوية التي تذخر بها حكومة ليز تراس، تصاعدت الدعوات لإعادة تموضع حزب العمال من اليسار الليبرالي إلى اليسار المتشدد مرة أخرى، مع إفساح المجال لوجوه من المكونات غير البيضاء في المجتمع البريطاني لتصدر قيادة حزب العمال، وأن التقارب الأيديولوجي بين يمين الوسط واليسار الليبرالي تحت بوتقة النيوليبرالية سوف يسمح لـ ليز تراس أن تهزم كير ستارمر بسهولة إذا ما عقدت الانتخابات المبكرة اليوم.

الأصوات المتمردة داخل حزب العمال تسعى إلى عقد انتخابات رئاسية مبكرة داخل الحزب، وعدم انتظار موعدها الرسمي عام 2024؛ وذلك استباقًا لفرضية عقد انتخابات برلمانية مبكرة في بريطانيا.

ختامًا، نجحت ليز تراس في طي صفحات الحكومات الثلاث المحافظة التي سبقتها، وتصعيد نخبة جديدة داخل حزب المحافظين ومجلس الوزراء، وتهميش الأصوات القادرة على إزعاج رئاستها، والحفاظ على بديل مناسب لها داخل مجلس الوزراء دون أن يتحول إلى عنصر مناوئ لها، وبسط سيطرتها على أجنحة الحزب وتصعيد الموالين لها للمناصب القيادية، وأخيرًا تشكيل حكومة نيوليبرالية تخاطب الأفكار الجديدة في المجتمع البريطاني من أجل حشد القواعد الشعبية التي ذهبت إلى العمال والليبراليين من أجل التصويت لحزب المحافظين في الانتخابات البرلمانية المقبلة متى حان موعدها.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى