أفريقيا

قنبلة موقوتة: أزمة سياسية في بورندي تعيد شبح الحرب الأهلية

شهد مجلس النواب في بوروندي اليوم عملية تغيير رئيس الوزراء آلان غيوم بونيوني ليحل محله جيرفيه نديراكوبوكا وزير الأمن والشؤون الداخلية السابق، بعد ترشيحه من قبل رئيس بوروندي إيفاريست نداييشيمي الذي قد رشح رئيس الوزراء المقال سابقًا. وهو ما يعيد إلى الأذهان تاريخ بوروندي المليء بالاغتيالات الرئاسية والانقلابات والمذابح العرقية والحرب الأهلية الطويلة التي انتهت في عام 2006 وخلفت حوالي 300 ألف قتيل.

فقد واجهت بوروندي، البلد الواقع في وسط أفريقيا التي تتسم بعدم الاستقرار التاريخي؛ أزمات سياسية ومذابح عرقية وحربًا أهلية طويلة منذ الاستقلال قبل ستة عقود. وقد حذر الأسبوع الماضي الرئيس نداييشيمي من محاولة انقلاب تدار في أروقة المؤسسة العسكرية وتحاك ضده؛ بل طالبهم بتسليم أنفسهم. لكنه عاد ففاجأ الجميع بعملية الإقالة وترشيح رئيس الوزراء الجديد.

الوضع الداخلي في بوروندي

وقعت بوروندي، وهي واحدة من أصغر دول القارة حيث تبلغ مساحتها أكثر من 27800 كيلومتر مربع؛ في قبضة أزمة اقتصادية منذ اضطرابات 2015، مع نقص النقد الأجنبي ونقص السلع الأساسية مثل الوقود وبعض المواد الغذائية ومواد البناء والأدوية، علاوة على العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها بسبب سياسيات القمع للمعارضة. 

وقدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تعرض 1.7 مليون شخص في بوروندي من انعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن. بالإضافة إلى معاناة المواطنين من كوارث طبيعية مثل الانهيارات الأرضية والجبلية والفيضانات، الأمر الذي أسفر عن قدر أكبر من المواطنين في حالة تشرد. تشكل الزراعة العمود الفقري للاقتصاد، حيث يعمل نحو 80% من السكان في زراعة البن والشاي اللذين يشكلان نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد؛ لذا يعيش 75% من السكان البالغ عددهم 12 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقًا للبنك الدولي.

وتماشيًا مع الحرب الجارية في منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية ضد الصين؛ تحاول الولايات المتحدة الأمريكية والفاتيكان والاتحاد الأوروبي بما في ذلك بلجيكا وفرنسا تغيير نظام المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية – قوات الدفاع عن الديمقراطية الحاكم في بوروندي بسبب تعاطفه الواضح مع الصين وروسيا. وأحد الأهداف الرئيسة كذلك هو دعم رواندا عن طريق نشر انعدام الأمن (مثل منطقة الساحل في مالي)، وزعزعة الاستقرار والصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتغيير النظام في تنزانيا وبوروندي.

أطراف الصراع

أول أطراف الصراع هو الرئيس نداييشيميي (54 عامًا) تولى السلطة في يونيو 2020 بعد وفاة سلفه بيير نكورونزيزا بسبب ما وصفته السلطات البوروندية بأزمة قلبية. وقد أشاد به المجتمع الدولي لإنهاء سنوات من الانعزالية في بوروندي التي سادت تحت حكم نكورونزيزا الفوضوي والدموي. لكنه فشل في تحسين أمور كثيرة منها الملف الاقتصادي وملف حقوق الإنسان، ولا تزال الدولة الأفريقية التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة واحدة من أفقر دول العالم وأكثرها تكدسًا، هذا بالرغم من تمتعه بكافة الصلاحيات؛ إذ يتيح نظام الحكم الرئاسي كافة الصلاحيات لرئيس الجمهورية.

أما الطرف الثاني فهو آلان غيوم بونيوني رئيس الوزراء المقال (من مواليد 23 أبريل 1972)؛ شغل منصب رئيس وزراء بوروندي من 23 يونيو 2020 إلى 7 سبتمبر 2022. قادم من المؤسسة العسكرية؛ فقد شغل من عام 2015 حتى عام 2020؛ ثم منصب وزير الأمن الداخلي في مجلس وزراء بوروندي. وقد شارك بونيوني في القتال الذي اندلع بعد اغتيال الرئيس ملكيور نداداي؛ إذ كان عضوًا في قوة الدفاع عن الديمقراطية المقاتلة. وبعد وقف إطلاق النار، ترقى بونيوني في وزارة الداخلية حتى وصل لمنصب رئيس مكتب وزير الشؤون المدنية في مكتب الرئيس عام 2014. وفي يونيو 2020، صوّت برلمان بوروندي على قبول مقترح الرئيس نداييشيميي بترشيح آلان غيوم بونيوني لمنصب رئيس الوزراء.

أحد الأطراف الضالعة في الأزمة هو جيرفيه نديراكوبوكا، وزير الأمن والشؤون الداخلية السابق. لكن نديراكوبوكا، الذي حل محل آلان غيوم بونيوني رئيس الوزراء السابق يخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي لدوره في قمع المظاهرات أثناء الاضطرابات السياسية عام 2015. وبموجب الدستور في عام 2015، فرض الاتحاد الأوروبي قيودًا على السفر وتجميدًا للأصول على نديراكوبوكا وثلاثة آخرين بعد اتهامهم بالانخراط في أنشطة تقوض الديمقراطية قبل إعادة انتخاب الرئيس بيير نكورونزيزا المتنازع عليه في ذلك العام.

بداية الأزمة

بدأت الأزمة عندما ألمح للرئيس نداييشيمي بأن عصابة من القادة العسكريين تُعرف باسم “الجنرالات” تمارس السلطة السياسية الحقيقية في بوروندي، بل وتحاول عزله. وقد صرح بهذا التصريح في خطاب ألقاه عام 2021. ثم انتشرت رسالة صوتية للرئيس نداييشيمي تم تداولها بين مواطني رواندا الاسبوع الماضي وكان قبلها قد حذر نداييشيمي، الذي ظل في السلطة أكثر من عامين بقليل؛ من مؤامرة انقلابية تحاك ضده. 

وجاء هذا التحذير في اجتماع للحكومة بقوله “هل تعتقدوا أن جنرالًا في الجيش يمكن أن يتعرض للتهديد بالانقلاب؟ من هو هذا الشخص؟ أيا كان يجب أن يقع، وباسم الله، سأهزمه”. كما حذر هؤلاء الاشخاص بأنهم لن ينجحوا في مرادهم.

الأمر الذي تبعه هذا الأسبوع بعملية إقالة رئيس الوزراء وأحد كبار مساعديه ورئيس حكومته الجنرال جابرييل نيزيجاما في عملية تطهير. واتهم في التسجيل الصوتي بعض الناس بتخريب حكومته بالعمل على إفشال الجهود بحل مشكال ندرة السلع الأساسية التي أثارت استياء بعض البورونديين وخصوصًا بعد أزمتي انتشار وباء كوفيد-19 والحرب الأوكرانية التي أثرت على سلاسل التوريد؛ الأمر الذي أدى إلى معاناة بوروندي من ارتفاع التضخم والبطالة، مع نقص في الوقود والمواد الأساسية الأخرى منذ شهور.

وبالرغم من أن الرئيس ورئيس الوزراء قادمان من نفس الخلفية السياسية المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية – قوات الدفاع عن الديمقراطية؛ إلا أن رئيس الوزراء ومساعده من المحسوبين على صقور “الهوتو” في المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية الذي يسيطر على كل شيء في الحياة السياسية في بوروندي والذي ينتهج منحىً راديكاليًا عنيفًا.

ظهرت بوادر تلك الأزمة التي أسفرت عن الأحداث الصادمة التي انتهت بالإقالة؛ بسبب التغييرات السياسية التي فرضها نيداييشيمي رئيس بوروندي؛ فقد قام الرئيس بإعادة فرض القانون ومحاربة الفساد، ومن ثم أقال العشرات من مسؤولي الحكومة البارزين من عملهم لفشلهم في تحقيق الأعمال الموكلة لهم، الأمر الذي أثار حفيظة رئيس الوزراء ومساعده. 

وذلك انطلاقًا من حرص الرئيس نيداييشيمي على تحقيق التقدم؛ وهو ما ظهر في العلاقات الدولية من تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية؛ ورفع العقوبات التي فرضت بعد أحداث 2015. وفي رد فعل، انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه رئيس الوزراء آلان جيوم بونيوني وهو يتأسف على “الأفراد الذين يغتابونه” بدلًا من قول الأمور بصراحة ومباشرة في إشارة إلى تصريح رئيس الجمهورية السابق عن انقلاب يرتب في الخفاء.

ومن ثم حذر الرئيس البوروندي كرد فعل قائلًا: “لن يكون هناك أي انقلاب مرة أخرى والله شاهد … أولئك الذين يتمنون الأسوأ والضرر لبوروندي، يجب عليهم أن يستعدوا للهزيمة”. وقد تمت الموافقة على اقتراح رئيس الجمهورية بترشيح جيرفيه نديراكوبوكا بنسبة 100٪ من قبل الحضور من الجمعية الوطنية. بعد أن تم دعوة طارئة سرية للبرلمانيين مساء الثلاثاء 6 سبتمبر 2022، تم استدعاء وسائل الإعلام أخيرًا صباح يوم الأربعاء.

ماذا بعد الإقالة؟

وفقا للحق الذي يتيحه الدستور البوروندي لرئيس فيما يخص تعيين رئيس الوزراء بموافقة مجلسي البرلمان وفقًا للمادة 130 من الدستور؛ يمكن لرئيس الجمهورية أن يقيل رئيس الوزراء إذا لم يرق إلى مستوى هذه الصلاحيات. تلا ذلك التحفظ على رئيس الوزراء المقال ومعاونه؛ لكن لم يعرف حتى تاريخه مصير رئيس الوزراء المقال، وهو شخصية بارزة في حزب المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية – قوات الدفاع عن الديمقراطية، الجماعة المتمردة السابقة التي حكمت البلاد لسنوات. 

مما قد يعرض القوى السياسية المسيطرة على مقاليد الأمور في بوروندي “في حزب المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية” لخطر الانقسام. ومن ثم يمكن أحزاب المعارضة من الاستيلاء على الحكم؛ وهو الأمر الذي كان شبه مستحيل؛ إذ سيطر حزب المجلس الوطني على الحكم وكافة مقاليد الآمور، مما ترتب عليه إضعاف كل حركات المعارضة وهروب قادتها إلى الخارج بعيدًا عن بطش النظام الحاكم.

قد يتجه الحال في بوروندي كذلك إلى السيناريو الأسوأ؛ ألا وهو الحرب الأهلية مرة أخرى. وهو الأمر المرشحة له أغلب الدول الأفريقية؛ نتيجة لتاريخها القديم في هذا الشأن. وقد يبدأ هذا الأمر مجددًا من خلال أن يقوم رئيس الوزراء المقال داخل الحزب والحكومة بإشعال الوضع داخل الدولة ذات التاريخ الطويل من العنف والاحتراب الأهلي. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى