مصر

انعكاسات البنية التحتية للتعليم على منظومة الإصلاح (2): الموارد البشرية

يمثل رأس المال البشري موردًا رئيسًا من موارد البنية التحتية للتعليم، ويحكم هذا المورد قيدان كبيران: الأول، إتاحة عدد من المعلمين والعاملين تتناسب وأعداد الطلاب، بحيث يتحدد على إثره نصيب المعلم من الطلاب وفق المعايير الدولية لجودة التعليم. أما القيد الثاني فيتمثل في تأهيل وتدريب هذه الموارد البشرية، وصقلها بالمهارات التي تسهم في نجاح العملية التعليمية. ومنذ انطلاق مشروع إصلاح التعليم عام 2018، شهدت إدارة الموارد البشرية في التعليم من معلمين وإداريين سياسات وإجراءات متواترة يشوبها بعض التَوتِّر. فما هو واقع الموارد البشرية لنظام التعليم؟، وكيف ينعكس هذا الواقع على منظومة الإصلاح المنشود؟

واقع الموارد البشرية لنظام التعليم

حدد الباب السابع من قانون كادر المعلم رقم (155) لعام 2007 ستة درجات وظيفية للتعليم هي: معلم مساعد، معلم، معلم أول، معلم أول (أ)، معلم خبير، ثم كبير معلمين. يقابل كل وظيفة درجة مالية معادلة وفق مدة زمنية تتراوح بين (3-5) سنوات فيما بين كل درجة وما تليها. ووفق البيانات الصادرة بأحدث كتب الإحصاء السنوي للعاملين بوزارة التربية والتعليم عام 2021، فقد بلغ إجمالي عدد المعلمين أكثر من 987 ألف معلم ومعلمة، مقسمين إلى (8) فئات كما هو موضح بالشكل (1). لا تضم هذه الفئات أعداد المعلمين ضمن درجة معلم مساعد، ولا يوضح كتاب الإحصاء السنوي سبب استبعاد هذه الفئة.

تعكس الفئات المدرجة بالشكل السابق نصيب الطلاب من المعلمين بحسب الساعات التدريسية. وتحدد المادة (22) من قانون كادر المعلم المعدل عام 2013 لكل درجة وظيفية نصابًا معينًا من عدد الحصص أسبوعيًا بحسب كل مرحلة تعليمية؛ فنصاب درجتي معلم مساعد ومعلم 24 حصة أسبوعيًا بالمرحلة الابتدائية، و21 حصة بالمرحلة الإعدادية، و18 حصة بالمرحلة الثانوية، وتقل هذه الأنصبة كلما ارتقى المعلم في الدرجة الوظيفية كما هو موضح بالجدول (1). 

على صعيد متصل، يُلزم القانون تخفيض نصاب المعلم إذا ما وُكِل إليه مهام الإشراف بمقدار حصتين أسبوعيًا، ما يعني أن جزءًا من عجز المعلمين يكمن في تحولهم إلى مشرفين. وتوضح بيانات أعداد المعلمين في مرحلة رياض الأطفال (ما قبل الابتدائية) أن نسبة المعلمين الذين لديهم نصاب قانوني كامل (24 حصة / أسبوعيًا) تبلغ 50.6% فقط، أي أن نحو نصف المعلمين بهذه المرحلة تقل أنصبتهم التدريسية عن الحد الأعلى، وترتفع نسبة المعلمين من ذوي النصاب المنخفض في المرحلة الابتدائية إلى 73.5% من إجمالي عدد معلمين المرحلة. وإذا ما كان مشروع إصلاح التعليم بالتعاون مع البنك الدولي يستهدف تطوير هذه المراحل وفق نظام التعليم الجديد (2.0)، فحتمًا ستؤثر هذه النسب سلبًا على فاعلية تنفيذ المشروع. 

وعلى خلفية العجز الناتج عن انخفاض أنصبة المعلم، أطلقت وزارة التربية والتعليم في يوليو المنصرم مسابقة للتعاقد مع 30 ألف معلم من تخصصات رياض الأطفال والتعليم الأساسي، وأصدرت بيانًا بإجمالي عدد العجز بمرحلة رياض الأطفال بوظيفة معلم مساعد حسب كل محافظة، وقد سجلت محافظات القاهرة، الشرقية، قنا، البحيرة، والقليوبية أعلى نسب عجز تخطت حاجز الألف معلم من إجمالي عجز بلغ أكثر من 15 ألف معلم، شكل (2).

إذا ما استبعدنا معيار التوزيع الجغرافي قد لا يبدو هذا العجز حقيقيًا مقارنةً بنسب المعلمين من ذوي الأنصبة غير المكتملة بمرحلتي رياض الأطفال والابتدائية، وتدلل على ذلك نسب الممارسين للتدريس من المعلمين لغير الممارسين وفق ما جاء بكتاب الإحصاء السنوي الصادر عن وزارة التربية والتعليم 2021، شكل (3). 

تنعكس الخصائص الديموجرافية للمعلمين على جودة التعليم، فللسن دور مهم في فاعلية الأداء التدريسي خاصة مع تطبيق المناهج الجديدة للتعليم (2.0) والتي تتطلب تطبيق مزيد من الأنشطة الصفية واللا صفية، لهذا اشترطت مسابقة التعاقد الأخيرة ألا يزيد سن المعلم المتقدم للوظائف المتاحة عن 35 عامًا، وبشكل عام يقع حوالي 50% من إجمالي المعلمين ضمن الفئة العمرية من (30 -40) عام، أي نحو 500 ألف معلم يافع يتمتع بقدرة كافية على التدريس، شكل (4).

أما على صعيد التأهيل المهني والذي يمثل القيد الثاني للبنية التحتية البشرية في التعليم، يمكن تحديد عائقين هما: التأهيل التربوي، والتخصص العلمي. ويظهر عجز التخصص العلمي في المراحل الابتدائية العليا والمرحلة الثانوية بنوعيها العام والفني لما تتطلبه مناهج هذه المراحل من تخصصات علمية متعددة، بيد أن المناهج الجديدة لنظام التعليم (2.0) استحدثت متطلبات تدريسية متطورة من نوعها استوجبت توافر مهارات تدريسية تجمع ما بين التخصصات العلمية والتكنولوجية كتلك التي يفرضها منهج (متعدد التخصصات) برياض الأطفال والمرحلة الابتدائية حتى الصف الثالث الابتدائي من المنهج المطور، أو مناهج المهارات الحياتية للصف الرابع الابتدائي. لذلك بالرغم من ارتفاع نسب المعلمين التربويين مقارنة بغير التربويين في بعض المراحل، شكل (5)، إلا أن هذه الكفايات التربوية أضحت غير كافية لملاحقة تطور المناهج ضمن منظومة الإصلاح.

دلالات وتوصيات

في ضوء ما تقدم من تحليل واقع الموارد البشرية لنظام التعليم المصري، ثمة دلالات وتوصيات يمكن استعراضها على النحو التالي:

ضرورة ربط الحافز بالأداء: مع بداية تطبيق مشروع إصلاح التعليم، أصدرت وزارة التربية والتعليم قرارًا بصرف حافز مادي لمعلمي الصفوف الأولى ورياض الأطفال بمقدار ألف جنيه شهريًا تم تخفيضها إلى 800 جنيه فيما بعد. وعلى الرغم من تحديد قواعد للصرف والاستحقاق في مقدمتها استيفاء نصاب الحصص، إلا أن إغفال ربط الحافز بالأداء المهني والتدريسي يسهم في تحول الحافز إلى حق مكتسب يتم صرفه باستيفاء الأوراق الإدارية، ويحول دون تحقيق تطور مهني ملموس في العملية التعليمية. 

إعادة الهيكلة: تعكس أعداد المعلمين الموكل إليهم مهام إشرافية داخل المدارس أهمية إعادة النظر في هذه الأعداد، بل وحصر المعلمين المشرفين في جميع المحافظات وإعادة هيكلتهم، خاصة وأن مهام المعلم المشرف تتفق كثيرًا ومهام أعضاء التوجيه الفني بالإدارات والمديريات التعليمية، ما يعني تداخل اختصاصات في غير محله، ينجم عنه انخفاض نسب أنصبة الحصص، ومن ثمة عجز في المدرسين.

تطبيق امتيازات للنوع الاجتماعي: تتفوق نسب المعلمات الإناث في كافة الدرجات الوظيفية بكافة المراحل التعليمية على نسب الذكور، وهذا يستدعي مزيدًا من بحث سبل توفير بعض الامتيازات مثل إلحاق دور حضانة بالمدارس لتستقبل أبناء المعلمات (الرضع)، ويمكن تطبيق هذه الامتيازات على بعض المحافظات ودراسة أثرها على فاعلية العملية التعليمية قبل تعميمها، كما يمكن أن تتولى نقابة المهن التعليمية بتطبيق هذا المقترح بوصفها تمثل صندوق تكافل اجتماعي للمعلمين.

تقنين الترقي الإداري: يعزى ارتفاع نسبة الممارسين للتدريس بمرحلة رياض الأطفال مقارنة بباقي المراحل إلى قيود اشتراطات الترقي للوظائف الإدارية، فأعلى وظيفة إدارية لمتخصصي رياض الأطفال هي مشرف رياض أطفال أو وكيل مرحلة فقط، ولا يجوز لهم التقدم لوظائف مثل مدير مدرسة. من هنا يمكن النظر في تعديل قانون كادر المعلم واشتراطات الوصف الوظيفي لكل وظيفة إدارية بحيث تشمل شرط أساسي وهو عدم الإخلال بالأنصبة التدريسية وما تخلفها من عجز في المعلمين. كذلك من الممكن تصفية الإدارات والمديريات التعليمية التي أصبحت تعج بمعلمين (موظفين) وقد أفرغت المدارس من الكوادر التدريسية بسبب القانون الذي يكفُل لكل من حصل على درجة معلم أول (أ) أن ينتقل للعمل كإداري، أو موجه فني بالإدارات والمديريات التعليمية. 

التحول الرقمي الكامل: تمتلك وزارة التربية والتعليم قاعدة بيانات ضخمة للمعلمين، فلكل معلم بيان حالة وظيفية إلكتروني، بيد أن هذا البيان يفتقر لحصر بيانات مهمة كالنِصاب التدريسي أو المسمى الوظيفي الفعلي للمعلم، أو أي بيانات مالية، ويقتصر فقط على بيانات أساسية مثل الاسم والرقم القومي والدرجة المالية والدرجة الوظيفية والعنوان والشهادات العلمية فقط. لذا من المهم تطوير هذه البيانات بما يسهم في سهولة حصر العجز الحقيقي للمعلمين سواء عجز تخصص أو إتاحة. ومن المهم أيضًا ربط مفردات المرتب والبيانات المالية الأخرى ببيان الحالة الوظيفية المميكن لمتابعة مدى استحقاق المعلمين لبعض الحوافز الخاصة.

امتيازات مالية مشروطة للتأهيل التربوي: تشترط وزارة التربية والتعليم الحصول على مؤهل تربوي للتعيين والترقي، وهذا يبرر ارتفاع نسبة المعلمين التربويين مقارنة بغير التربويين، بيد أن المؤهل التربوي يقتصر على الحصول على الدبلوم التربوي العام أو المتخصص في بعض الأحيان، وهذا الدبلوم لا يضمن تأهيلًا تربويًا حقيقيًا. لذا من الضروري أن يرتبط صرف الحوافز المالية للدراسات العليا وعلاوات التميز العلمي بالأداء التدريسي والمؤسسي، مع جذب هذه الكفاءات التي حصلت على الماجستير والدكتوراه بدافع شخصي لدعم منظومة إصلاح التعليم الجديدة سواء كمعلمين أو إداريين. 

 مجمل القول، تتطلب منظومة إصلاح التعليم أكثر من مجرد سد العجز المهني في البنية التحتية البشرية؛ فالتعليم المعاصر أضحى في حاجة ماسة إلى قوة بشرية تتمتع بمهارات وقدرات تتوافق وتحقيق أهداف الإصلاح، الأمر الذي يفرض بحث تجاوز التحديات التي تحول دون ذلك، علاوة على تطبيق مزيد من التحول الرقمي لصناعة قرارات قيمة قوامها التحليل العلمي.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

د. إسراء علي

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى