مصر

العلمين الجديدة.. طفرة أخرى في عالم العمران المصري

تشهد مدينة العلمين الجديدة منذ أواخر شهر يوليو الماضي حالة من النشاط السياسي؛ وذلك على إثر انتقال أجهزة الدولة المصرية إلى تلك المدينة المطلة على ساحل البحر المتوسط، حيث تعد الآن المقر الصيفي للحكومة المصرية. وتأتي العلمين في هذا الصدد كوريثة لمدينة الإسكندرية العريقة، والتي كانت حتى العام 1952م مقرًا صيفيًا للأسرة العلوية المالكة، وأيضًا مقرًا للحكومة المصرية في حينها، لتعود بذلك فكرة وجود مقر صيفي ثابت للحكومة المصرية وذلك بعد انقطاع دام لأكثر من سبعين عامًا.

ولقد استطاعت مدينة العلمين خلال الأسابيع الماضية -والتي تمثل الفترة الأولى من عملية تدشينها كمقر سياسي للدولة المصرية- أن تستضيف العشرات من الأحداث والاجتماعات المهمة على المستويين الرئاسي والحكومي، ومن أبرزها اللقاء الخماسي الذي عُقد في 22 أغسطس 2022 بضيافة كريمة من رئيس جمهورية مصر العربية، والذي حضره كل من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وملك البحرين، وملك الأردن، ورئيس وزراء دولة العراق. 

مدينة ذات طبيعة استثنائية

تقع مدينة العملين الجديدة على ساحل مصر الشمالي الغربي، بالقرب من نقطة التقاء خط الطول رقم 29 مع دائرة عرض رقم 31، وتتميز المدينة مكانيًا وإقليميًا بقربها من العديد من المدن المصرية الرئيسة كالعاصمة القاهرة الكبرى والتي لا تبعد عن سوى 270 كيلو متر، ومدينة الإسكندرية عاصمة البلاد الثانية والتي يفصلها عن العلمين الجديدة أقل من 120كم –انظر الخريطة التالية رقم 1– ولا تبعد المدينة كذلك عن مرسى مطروح سوى 170 كيلو متر وعن ميناء جرجوب الجديد 250 كيلو متر.

لذلك تتميز مدينة العلمين الجديدة بقربها من العديد من مواقع التنمية الاقتصادية الواعدة، ومنها مثالًا وليس حصرًا مشروع الدلتا الجديدة الزراعي والذي سيستهدف زراعة 2.2 مليون فدان، ومشروع استخرج الرمال السوداء الذي يتوقع أن يبلغ حجم إنتاجيته المستقبلية في منطقتي بلطيم ورشيد فقط بثمانمائة مليون متر مكعب، بالإضافة إلى توسط مدينة العلمين الجديدة لمختلف مشروعات التنمية والتطوير العمراني القائمة بنطاق الساحل الشمالي الغربي، وهو ما يجعلها مركزًا حضاريًا واقتصاديًا لتلك المشروعات.

أما من ناحية الوصف الداخلي، فنجد أن مساحة العلمين الجديدة تكاد تقارب 49 ألف فدان من الأرض، ولقد جرى تقسيم تلك المساحة تخطيطيًا إلى 14 حيًا متعدد الأنشطة، وقامت الجهات المختصة بجدولة الأعمال في مختلف أنحاء العلمين الجديدة على عدد من المراحل؛ وذلك للمساحة الكبيرة التي تتميز بها المدنية.

وتجري حاليًا جهود حثيثة لإكمال المرحلة الأولى من المشروع والتي ستضم 28 برجًا متعدد الاستخدامات، بالإضافة إلى ثلاثة تجمعات سكنية تناسب في مستوياتها أغلب شرائح المجتمع، وهي الحي اللاتيني ومنطقة عمارات الدون تاون Down Town ومنطقة الإسكان المميز.

ويجري كذلك تنفيذ مشروعات أخرى للاستفادة من الواجهة الشاطئية للمدينة على البحر المتوسط، والتي تتسم بشدة نقاء مياهها ذات اللون الفيروزي؛ لذلك تقوم الأجهزة المختصة في المدينة حاليًا بتشييد ممشى سياحي بطول 7 كيلو متر، بالإضافة إلى منطقة ترفيهية على مساحة 50 فدانًا. وستضم المدينة أيضًا منطقة تراثية تحتوي على مسجد كبير ذي طابع معماري مشابه لجامع محمد علي بالقاهرة، وكنيسة على الطراز البازيليكي، بالإضافة إلى مسرح روماني، ودار أوبرا، ومتحف أثرى، ومجمع سينمات، ومبنى قاعات لعقد المعارض

بنية تحتية قوية

اهتمت أجهزة الحكومة المصرية بدعم مدينة العلمين الجديدة بشبكة واسعة من البنى التحتية التي سيكون لها أثر قوي في إعادة تموضع المدينة على مدار السنوات القادمة؛ كي تكون واحدة من أهم التجمعات العمرانية والاقتصادية المطلة على ساحل البحر المتوسط. ولقد كانت البداية من خلال تقوية وتطوير شبكات الطرق المحيطة بالعلمين الجديدة، ومنها تحويل وتوسعة الطريق الدولي الساحلي، ليلتف هذا الأخير جنوب العلمين الجديدة ويمثل بذلك خط حدود يحيط بجوانب المدينة الشرقية والجنوبية والغربية –انظر الخريطة التالية رقم 2-.

ذلك بالإضافة إلى ربط المدينة من ناحية الجنوب بمحور الضبعة الجديد الذي يبلغ طوله 365 كم، والذي يتصل بأغلب شبكات الطرق المحيطة بإقليم القاهرة الكبرى. ذلك فضلًا عن تطوير وتوسعة طريق وداي النطرون – العلمين بطول 135 كم.

ويتم حاليًا تشييد مشروع القطار السريع في مرحلته الأولى والذي سيمتد من العين السخنة شرقًا إلى مرسى مطروح غربًا بطول 660كم، ليخترق هذا المشروع مدينة العلمين الجديدة في منتصفها، وسيسهل من عملية الترابط مع أقاليم القاهرة الكبرى والبحر الأحمر في رحلات دورية تقل مدتها عن ثلاث ساعات للرحلة الواحدة.

وسيضمن هذا الخط الحديدي كذلك نقل المواد الخام والمنتجات المصنعة من وإلى المدينة عبر الموانئ البحرية المحيطة مثل الإسكندرية وجرجوب، فضلًا عن تسهيل التواصل مع موانئ العين السخنة شرقًا.  وتقوم الدولة حاليًا بتطوير شامل لمطار العلمين الدولي؛ كي يتحول إلى مطار دولي ذكي قائم على أحدث التكنولوجيات التشغيلية والخدمية. 

الاقتصاد ركيزة أساسية

حرص مُصممو المدينة على وضع الأنشطة الصناعية والخدمية كأولوية استثمارية؛ وذلك لتحقيق التكامل بين البعدين السكني والاقتصادي لهذا المجتمع العمراني الناشئ؛ إذ يُتوقع أن تستوعب عند اكتمال كافة مراحلها نحو 1.6 مليون نسمة، وهو ما يزيد على تعداد سكان محافظة مطروح الحالي بنسبة 66%. ويستدعي ذلك خلق 400 ألف فرصة عمل على الأقل بمرور السنوات القادمة، وذلك إذا اعتبرنا أن متوسط تعداد الاسرة في العلمين الجديدة سيبلغ أربعة أفراد.

لذلك سيتم استغلال 5 آلاف فدان كمناطق صناعية بجنوب المدينة، وستجاورها 3 آلاف فدان كمناطق لوجستية ملحقة. وستتخلل انحاء المدينة مناطق للأنشطة التجارية والخدمية على مساحة إجمالية تبلغ 5 الاف فدان –انظر الخريطة التالية رقم 3- بالإضافة إلى مساحة ألف فدان ستُستغل كمراكز بحثية ومؤسسات تعليمية، وهو ما سيحول مدينة العلمين مستقبلًا إلى مركز لتطوير التكنولوجيا المتقدمة.

خريطة رقم 3: خريطة منظورية توضح مواقع المناطق التجارية والخدمية في إطار حدود العلمين الجديدة

وتركز العلمين الجديدة أيضًا على استغلال واحدة من أهم مواردها الطبيعية بالشكل الأمثل وهي المتمثلة في مياه البحر النقية والبيئة البحرية البكر؛ لذلك تم استغلال مساحة 7,770 فدان لتشييد منتجعات وفنادق شاطئية على الساحل الشمالي الشرقي للمدينة. ويتوقع أن تبلغ الطاقة الفندقية لتلك المنتجعات ما مجموعه 20 ألف غرفة فندقية، ولقد بدأ عدد من تلك المنتجعات فعليًا في فتح أبوابه للنزلاء ومنها فندق ومنتجع ريجال هايتس.      

مقر متكامل للحكم

قامت الجهات المختصة بتشييد مقر جديد للحكومة المصرية بمدينة العلمين الجديدة -انظر الصورة التالية رقم 4- على غرار المقر الصيفي الأثري للحكومة المصرية الواقع بمنطقة الرمل بمدينة الإسكندرية، حيث يضم المبنى جناحًا خاصًا لكل وزارة؛ وذلك كي يتمكن كل وزير وايضًا كبار رجال الوزارة من ممارسة مهامهم الوظيفية حال وجودهم في العلمين. 

ويحتوي المبنى كذلك على طابق مخصص لإدارة أعمال أمانة مجلس الوزراء ومكاتب لدولة رئيس الوزراء وفريقه الإداري، فضلًا عن وجود صالات للاجتماعات، وقاعات لعقد المؤتمرات الصحفية والندوات، ومركز إعلامي مجهز على أعلى مستوى.

ويجاور هذا المقر الحكومي قصر الحكم، والذي يتضمن مكاتب إدارية تابعة لمؤسسة الرئاسة المصرية، وقاعات لعقد الاجتماعات والمؤتمرات والقمم ذات المستوى الرفيع، بالإضافة إلى مهبط للمروحيات؛ لتسهيل تنقل حركة الشخصيات الكبرى وضيوف مصر القادمين من مختلف الدول الشقيقة والصديقة.

ختامًا، يمكننا الإيجاز أن مدينة العلمين الجديدة هي إحدى مدن الجيل الرابع المتقدمة التي ستمثل نمطًا متطورًا في مسيرة العمران المصري؛ إذ ستجمع تلك المدينة بين الأبعاد السكنية والاقتصادية والثقافية، وهو ما سيضعها في منافسة متكافئة مع كافة المدن القديمة الكبرى بعموم الجمهورية مثل مدينة القاهرة، والتي تعد إلى الآن المحور والقلب النابض لكافة عمليات إدارة وتطوير مقدرات الدولة على المستويين القومي والإقليمي، وهو ما لم تجنح أغلب المدن الجديدة الأخرى من الجيل الأول والثاني والثالث في أن تكافئها فيه؛ نظرًا إلى نقصان أو عدم وجود بعض الأبعاد التنموية بها سواء كانت اقتصادية أو ثقافية أو غيرها. 

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى