أفريقيا

تحديات وآمال على مكتب الرئيس الكيني الجديد

على الرغم من أجواء التفاؤل التي تعيشها نيروبي بعد انتهاء الانتخابات بسلام واختيار الرئيس الكيني الجديد في الانتخابات الأخيرة؛ إلا أن الرئيس وليام روتو لن يتمتع بتلك الأجواء لفترة طويلة، وذلك نظرًا لقائمة التحديات المتزايدة المطروحة أمامه. إذ تتمثل التحديات الداخلية في صراع دائر لم تحسمه نتيجة الانتخابات واقتصاد مضطرب يعاني من مشاكل شتى، فيما تمثل اضطرابات دول الجوار جوهر التحديات الخارجية.

وقد ركزت الحملة الانتخابية للرئيس روتو على تجديد الاقتصاد ورفع مستواه المتدني وخفض تكلفة المعيشة ومعدلات المتضخم خلال المائة يوم الأولى وخلق فرص عمل للشباب. لكن، أولاً يجب عليه التغلب على التحديات القانونية الوشيكة التي وضعها منافسه رايلا أودينجا، الذي رفض النتائج بالذهاب للمحكمة.

ماذا بعد الانتخابات؟

على الرغم من الإعلان عن حصول التحالف المؤيد لروتو على تأييد 163 نائبًا من أصل 290 نائبًا في الجمعية الوطنية، و24 في مجلس الشيوخ؛ زعمت مارثا كاروا المرشحة كنائبة رئيس عن تحالف أزيميو لا أوموجا المنافس الحصول على تأييد 180 نائبًا و22 عضوًا في مجلس الشيوخ؛ مما أثار جدلًا واسعًا.

وانتقلت المعركة الانتخابية إلى الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، حيث بدأ التنافس على منصب رئيس مجلس النواب ورئيس الجمعية الوطنية ومناصب عليا أخرى، بين الخصمين الكبيرين في كينيا “تحالف كينيا كوانزا” بقيادة الرئيس المنتخب وليام روتو، و”تحالف أزيميو لا أوموجا الكيني الواحد” الذي يترأسه رايلا أودينجا. والمقاعد المتصارع عليها بين التحالفين المتنافسين وزعماء الأغلبية والأقليات. وبحصول التحالفين الكبيرين المتنافسين على نسب متقاربة؛ ستكون الأقلية هي رمانة الميزان التي ستحسم إلى من ستميل الكفة في البرلمان.

فاز تحالف حزب التحالف الكيني الواحد، المعروف شعبيًا باسم “أزيموا لا أوموجا” بزعامة أودينجا بأغلبية في الجمعية الوطنية؛ لكن 10 من النواب المستقلين انضموا إلى جانب الدكتور روتو، على الرغم من أن جانب أودينجا قد لا يزال يتمتع بالأغلبية، حيث إن ستة من الأعضاء المنتخبين الذين انشقوا عن أحزابهم في وقت سابق، انضموا إلى معسكر روتو لكنهم ملزمون بالبقاء موالين لتحالف أزيميو لمدة ثلاثة أشهر بعد الانتخابات.

هذه الصورة للبرلمان الكيني قد تتسبب في إحداث شلل برلماني يعوق اتخاذ القرارات اللازمة، وذلك نتيجة للانقسام الواضح. إذ ستتعطل مشاريع تعديل القوانين ومشاريع القوانين الجديدة التي قد يتم تقديمها، لذا ستصبح أولى مهام الرئيس الكيني الجديد، توحيد الصف داخل البرلمان عن طريق عقد تحالفات.

ديون ثقيلة

يعاني الاقتصاد الكيني حاليًا من حالة ركود، مع ديون ثقيلة، ومعدلي تضخم وبطالة مرتفعين، وعملة غير مستقرة تؤثر بشدة على جهود التعافي. ومع رصيد ديون يزيد عن 70 مليار دولار – حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي – فإن كينيا على شفا أزمة ديون، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى تقديم نصيحة بوقف الاقتراض.

وقد اضطر البرلمان في عهد الرئيس السابق أوهور كينياتا؛ إلى رفع سقف الديون ثلاث مرات لتمويل العجز المستمر في الميزانية. وحاليًا، تم تحديد سقف للدين العام عند 10 تريليونات شلن كيني (83.6 مليار دولار)، مما يعد حملًا ثقيلًا على الحكومة القادمة، وتضييق فرصها في الاقتراض لتكملة الدخل المحلي. هذا في حال تمكنت الإدارة الجديدة من الحصول على موافقة من البرلمان برفع سقف الديون مرة أخرى بسبب الانقسام السياسي.

لكن الهيئة التشريعية ليست العقبة الوحيدة التي يتعين على حكومة روتو التغلب عليها لجمع الأموال من خلال الاقتراض. فهناك عقبة أخرى تكمن في العزوف المتزايد للمستثمرين المحليين لشراء السندات الحكومية بسبب انخفاض سعر الفائدة. وخلال الشهر الجاري انخفضت سندات الخزانة بنسبة 23% عن المستهدف، حيث طالب المستثمرون بمعدلات أعلى مما أجبر وزارة الخزانة على رفض معظم العروض. وفي يونيو الماضي، فشلت الحكومة في إصدار سندات دولية بقيمة مليار دولار بسبب زيادة التكاليف في السوق الدولية، واللجوء إلى المزيد من القروض الميسرة.

التحول الاقتصادي وتكلفة المعيشة

المتابع لخطابات روتو سيجد أنه وعد بإجراء تحول اقتصادي “من القاعدة إلى القمة” عبر دعم الشركات الصغيرة؛ لكن دوره كنائب للرئيس في الإدارة السابقة لا يقدم سوى القليل من المؤشرات على قدرته أو إرادته، للدفع من خلال السياسات الاقتصادية التحويلية وخاصة على المدى القصير. كما أن روتو والائتلاف الداعم له يؤمن إيمانًا راسخًا باقتصاد السوق وانسحاب الحكومة من تحديد الإنتاج والأسعار؛ وهو ما سيحول دون تحقيق ما وعد به الكينيون. وفي نفس الوقت سيواجه مشكلة استرضاء “المهمشين” بعد التعهد لهم بتحويل من خلال الاقتصاد من القاعدة إلى القمة.

وكون أغلب مناصري الرئيس روتو من “المهمشين” القادمين من قطاع الاقتصاد غير الرسمي والشباب الذين يكافحون من أجل توفير نفقاتهم اليومية؛ فمن المتوقع بعد فوزه أنهم يطمحون في الحصول على بعض المكتسبات؛ مثل الائتمان السهل، وتسهيل ممارسة الأعمال التجارية أو تخفيض الضرائب.. إلخ. لكن من غير العملي إحياء تلك لبرامج، حيث أظهر صندوق النقد الدولي نقصًا في الدعم، وحث على التدخلات المستهدفة بدلًا من ذلك. لذا يمكن توقع بعض العوائق الاقتصادية في الأشهر الستة الأولى، وفي ظل النمو الاقتصادي المنخفض سيحاول النظام الجديد موازنة وعوده بالواقع. 

ما يهم في الواقع هو كيفية استيعاب اللاعبين الاقتصاديين المحليين والأجانب الرئيسين. وهل سيتمكن روتو من تكوين تحالفات صداقات معهم؟ بعد أن هرب المستثمرون الأجانب من أسواق المال في مواجهة انخفاض قيمة العملة وعدم اليقين بسبب الصدمات الاقتصادية الخارجية، مما ترك سوق الأوراق المالية في حالة من عدم اليقين. علاوة على ما تعانيه كينيا من ضغوط شديدة في الميزانية في أعقاب صرف الإعانات للمواطنين، لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود والسلع بسبب تداعيات انتشار جائحة كوفيد-19 والحرب الأوكرانية.

بالإضافة إلى ذلك أدى انخفاض الأموال في الخزانة العامة وارتفاع تكاليف المعيشة، وانعدام الأمن الغذائي بعد أربعة مواسم ممطرة فاشلة التي أدت إلى “أسوأ جفافًا” منذ 40 عامًا. إلى ارتفاع معدل التضخم الشهري إلى 8.1%، وتعرض أكثر من أربعة ملايين كيني للمجاعة وهم بحاجة إلى مساعدة غذائية فورية، والتي ستتطلب 180.7 مليون دولار، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية. وفي الوقت نفسه، هناك ما يقرب من 27% من الكينيين في سن العمل عاطلون عن العمل، بينما يعمل أكثر من 61% في القطاع غير الرسمي، وكان الشباب هم الأكثر تضررًا.

العلاقات الدولية

من المتوقع أن تستمر سياسة كينيا الخارجية التي تم تطويرها عام 2014؛ وذلك كون روتو كان منخرطًا في رسم وتنفيذ هذه السياسة قبل الشقاق مع الرئيس كينياتا. وأهم محاورها تعزيز جهود الاستقرار والسلام الإقليميين، ودعم المبادرات العالمية لوقف التطرف العنيف. كما أنه من المتوقع الالتزام بالأركان الخمسة للسياسة الخارجية في كينيا وهي: دبلوماسية السلام، والدبلوماسية الاقتصادية، وقضايا الشتات، والدبلوماسية البيئية والثقافية.

وبصفته قادم من مكتب الرئيس السابق واستمر به خلال العشر سنوات الماضية، فقد اكتسب روتو خبرة نتيجة لمشاركته في مهام دبلوماسية. ففي مايو 2016، ألقى كلمة أمام القمة العالمية للعمل الإنساني في إسطنبول، تحدث فيها عن خطة كينيا لإغلاق مخيم داداب للاجئين في الشمال الشرقي. وفي سبتمبر 2016، ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهو ما سمح له بتكوين علاقات قوية مع الكتلة الغربية؛ حيث إنه على الرغم من  العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد السفر الدولي والاجتماعات مع الشخصيات البارزة على مدار العامين الماضيين في حكومة الرئيس أوهورو كينياتا؛ كان يتم استقبال روتو بحفاوة كبيرة من كبار مسؤولي العلاقات الأمريكية الأفريقية في البيت الابيض.

لذا حرص روتو خلال حملته الانتخابية على توضيح موقفه الرافض للعلاقات الكينية الصينية؛ حيث اتخذ موقفًا عدائيًا تجاه بكين، حتى أنه تعهد بإنهاء الاقتراض الحكومي من الصين. وكأنه يقدم أوراق اعتماده للكتلة الغربية.

العلاقات الإقليمية

من المتوقع أن تتسم سياسة روتو الإقليمية بتعزيز الانسجام في الإقليم مع حماية مصالح كينيا. وهذا وفق ما قاله أبابو ناموامبا، رئيس العلاقات الدولية في الحملة الرئاسية لروتو، إن تلك السياسة ستكون “قوية ومبدعة ومنخرطة في نشر السياسة الخارجية لكينيا. إن الجوار المباشر للشرق الأوسط والقرن الأفريقي سيحظى باهتمام خاص في المشاركة الثنائية ومتعددة الأطراف، لتقاسم الازدهار عبر الحدود والمسؤولية عن الأمن الإقليمي”. 

وعلى الجانب الآخر؛ بعد أن أعلنت لجنة الانتخابات (IEBC) فوز روتو في الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها بشدة، والتي رفض نتيجتها منافسه رايلا أودينجا؛ بدا أن رسائل التهنئة تظهر أصدقاء روتو. فقد اتصل الرئيس التشادي الانتقالي محمد إدريس ديبي، بالإضافة لإيمرسون منانجاجوا من زيمبابوي، وبول كاجامي من رواندا، وسامية سولو من تنزانيا، وأبي أحمد من إثيوبيا، وحسن شيخ محمود من الصومال، وإيفاريست نداييشيمي من بوروندي، وسلفا كير من جنوب السودان، وعمر إسماعيل جيله من جيبوتي. كما طور السيد روتو علاقات مع قادة مثل الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، ودينيس ساسو نغيسو من الكونغو برازافيل، لتعزيز جهود الاستقرار والسلام الإقليميين، كل هؤلاء ولم يتم حسم الرئاسة بعد. وليس أدل على نفوذ روتو من طلب إثيوبيا وساطة كينيا في صراعها الداخلي مع التيجراي.

توقعات مستقبلية

يمكن لروتو إذا استخدم التأثير الجيد أن يقلل من العوائق ويرتق رأب الانقسام، خاصة إذا تم حل أي نزاعات انتخابية وديًا. وذلك رغبة في عدم إثارة قلق كبار المستثمرين والشركات الصغيرة بسبب تغيير السياسات؛ لأن هذا قد يؤدي إلى ركود اقتصادي.

ويجب أن يكون النظام المقبل مستعدًا لتفريغ بالون “التوقعات الاقتصادية الكبيرة” الناتج عن الوعود التي قُطعت للجميع، ولا سيما المهمشون الذين قد يصابون بخيبة أمل اقتصادية خلال الأشهر الستة الأولى من حكم روتو. بعد ذلك، يمكن أن تتضح الرؤيا. كما يجب تطبيق سياسات مالية مثل تخفيض ضرائب القيمة المضافة ورسوم الاستيراد.

وعلى الصعيد الدولي إذا نفذ روتو سياسته مع الصين؛ فستواجه كينيا علاقة خلافية يمكن أن تعطل مشروعات التنمية المستقبلية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى