سوريا

رسائل القصف الأمريكي لمواقع الحرس الثوري الإيراني في دير الزور

أعلن الجيش الأمريكي اليوم، عن تنفيذ ضربة جوية استهدفت منشآت تابعة للحرس الثوري الإيراني في دير الزور في سوريا، ويأتي هذا الإعلان بعد يوم واحد من مقتل ضابط رفيع من الحرس الثوري كان متوجهًا لتنفيذ مهمة استشرافية في سوريا، وما يضع علامات استفهام حول توقيت الهجوم، هو أنه يأتي في نفس اليوم الذي كان من المفترض أن تقوم واشنطن فيه بالإعلان عن ردها على مقترحات الأوروبيين فيما يتعلق باستئناف الاتفاق النووي مع إيران، ولكن إذا تم التعامل مع الضربة الجوية الأمريكية في دير الزور اليوم باعتبارها تأتي في إطار الرد على استهداف قاعدتي  حقل العمر والتنف الأمريكيتين في 15 أغسطس الجاري، فهذا يعني أن الاتفاق النووي غير مرتبط بمسألة الفعل الإيراني ورد الفعل الأمريكي، مع الإشارة إلى أن إيران لم تعلن مسؤوليتها حتى الآن عن استهداف القاعدتين الأمريكيتين. 

وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الولايات المتحدة منشآت ومناطق نفوذ تابعة للحرس الثوري الإيراني منذ وصول بايدن للبيت الأبيض، فقد نفذت ضربات مماثلة خلال يونيو من العام الماضي لمنشآت لقيادة العمليات ومخازن أسلحة تابعة للحرس الثوري في سوريا والعراق. حيث تعتبر المناطق الواقعة بين “البوكمال” و”الميادين” شرق دير الزور، مناطق منصاعة للنفوذ الإيراني حيث تم استهداف قاعدة حقل العمر الأمريكية التي تقع في حقل نفط اتخذت منه واشنطن قاعدة عسكرية لها.

وينضم للنفوذ الإيراني في تلك المنطقة القوات التابعة للنظام السوري وحزب الله اللبناني وكذلك عناصر تابعة للواء فاطميون الأفغاني. وحسب مراقبين فإن هذه المنطقة على حدة تضم حوالي 15 ألف مقاتل من الميليشيات العراقية والأفغانية وكذلك الباكستانية التي تدين بالولاء لإيران، التي نجحت في تعميق نفوذها في عدد من دول عبر تطبيق مفهوم “عسكرة التشيع”.

وحول تفاصيل العملية، ليس من المحدد حتى الآن ما إذا كانت الولايات المتحدة قد استخدمت طائرات مأهولة أم مسيرة، في تنفيذ العملية التي تم تنفيذها في الرابعة فجرًا باستخدام صواريخ شديدة الانفجار ودمرت مستودعات “عياش” و”معسكر الصاعقة” مركز ميليشيا فاطميون الأفغانية، وبحسب تصريحات الكولونيل  جو بوتشينو المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي، فقد استهدفت الضربات الجوية تسعة مخابئ للأسلحة وللأغراض اللوجيستية تابعة للحرس الثوري في محافظة دير الزور، ولكن الكولونيل أشار إلى أن المجمع التابع للحرس الثوري كان يضم مخابئ يتراوح عددها بين 11 إلى 13 مخبأ- وهو ما كان مستهدف من قبل الجيش الأمريكي الذي تراجع عن ذلك بعدما شوهدت جماعات من المدنيين تتحرك بالقرب من الموقع، ولم تشر المعلومات إلى وجود ضحايا للهجوم الذي تم تنفيذه. ولكن المرصد السوري صرح على العكس من ذلك- بأنه قد قتل 6 حراس للموقع ممن يحملون الجنسية السورية وغير السورية جراء العملية.

رسائل متعددة

  • تريد الولايات المتحدة من خلال الهجوم، التأكيد على رسالة مفادها أنها لا تستهدف إثارة الأمور في المنطقة، ولكنها في نفس الوقت لن تطبق سياسة ضبط النفس للتحكم في أي رد فعل على استهداف مصالحها أو مصالح حلفائها في المنطقة، سواء كان استهدافًا لقواعدها العسكرية أو عن طريق استهداف فصائل موالية لها.
  • ومن الرسائل الأخرى التي تريد واشنطن تضمينها في ضربتها الجوية، أن مضيها قدمًا في الاتفاق النووي لا يعني أنها ستسمح لطهران بتمديد نفوذها في سوريا، خصوصًا في دير الزور والمناطق التي تعتبرها واشنطن ضمن نطاقات نفوذها ومنها منطقة الشمال الكردي. ويتم الربط بين الحلف الكردي – الأمريكي وبين أنه من المرجح أن تكثيف الهجمات ضد مواقع الحرس الثوري في سوريا، قد تكون مرتبطة بالحديث عن شروع أمريكي يهدف إلى إنشاء “دولة سنية ” تحت الرعاية الأمريكية في الشمال السوري بعيدًا عن النفوذ التركي، وإنشاء دولة كردية شرق الفرات. ويفهم من هذا مشروع التقارب بين أنقرة ودمشق والتي جاءت على عجل كما يفهم منه التحذيرات الأمريكية لأنقرة من تنفيذ عملية عسكرية في الشمال السوري. 
  • ولذلك حملت الضربة رسالة طمأنة لحلفاء واشنطن في سوريا وعلى رأسهم الأكراد، بأنها باقية في سوريا، وتؤكد على تحجيم النفوذ الإيراني، ومن أجل ضمان استمرار هزيمة تنظيم داعش. خصوصًا أن القوات الكردية التي هزمت داعش في سوريا بالتعاون مع القوات الأمريكية – تخشى من عودة محتملة للتنظيم الإرهابي بعد أن عاد التنظيم للانتعاش في العراق.
  • من زاوية أخرى، يتم الربط بين العملية التي نفذتها الولايات المتحدة اليوم في دير الزور، وبين ما تم الإعلان عنه من مقتل ضابط في الحرس الثوري الإيراني فجر الإثنين الماضي،  والذي أشارت وسائل الإعلام الإيرانية إلى أنه سيتم نقله إلى طهران لتشييعه دون إضافة أي تفاصيل أخرى تتعلق بعملية الاغتيال، ولكن الضابط الذي كان يعمل مهندس للعمليات القتالية في جامعة أمير المؤمنين للعلوم والفنون القتالية التابعة للحرس الثوري، ليس الأول في سلسلة الاغتيالات التي تم تنفيذها ضد كبار الضباط من الحرس الثوري الإيراني، بدءًا من اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير 2020 على يد القوات الأمريكية، كرد فعل على تهديد مصالحها في المنطقة الخضراء في بغداد في ديسمبر من نفس العام، وهي نفس العملية التي قتل فيها أبو مهدي المهندس  نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي يضم الميليشيات العراقية التابعة لإيران، حيث كانت هذه العملية الأولى التي أسست لمجموعة من العمليات الأخرى التي تم فيها اغتيال قادة في الحرس الثوري سواء داخل إيران أو خارجها. فخلال مارس الماضي أعلنت وسائل إعلام إيرانية عن مقتل قياديين اثنين من الحرس الثوري جراء قصف إسرائيلي استهدف مناطق في العاصمة السورية دمشق، وأشارت إلى أن الضابطين اللذين قتلا هما العقيد مرضى سيد نجاد، و العقيد إحسان كربلائيبور، وفي مايو الماضي تم الإعلان عن اغتيال صياد خدائي العقيد في الحرس الثوري الإيراني داخل طهران في حادثة غريبة من نوعها، وجهت فيها إيران الاتهام للولايات المتحدة وحلفائها، في الوقت الذي أصدرت فيه واشنطن تقارير عن تنفيذ إسرائيل لعملية الاغتيال، ولذلك يرجح أن تل أبيب قامت بتنفيذ عملية اغتيال أبو الفضل عليجاني فجر الإثنين الماضي لأن نهج الاغتيالات أقرب لنهج إسرائيل في تقليم أظافر إيران.
  • استثارت الضربة الأمريكية رد فعل إيراني، تمثل في تحركات متزامنة في الميادين لفصائل إيرانية فيما بدا أشبه بعملية تحشيد قتالي لأي عملية محتملة من قبل القوات الأمريكية أو قوات سوريا الديمقراطية ” قسد”. خصوصًا أنه عقب الهجوم الإيراني على قاعدة حقل العمر، قام تنظيم قسد بتكثيف دورياته على جميع المحاور بمحيط الحقل خوفا من أي هجوم ثانٍ قد يستهدف القوات الأمريكية. كما استنفر مقاتلو حزب الله “العراقي” الموجودون بمنطقة المزارع في بادية الميادين، ووفقًا للمرصد السوري فقد أجرت ميليشيا فاطميون كذلك تدريبات جديدة لعناصرها على الاشتباك المباشر والاستهداف المدفعي متوسط وقريب المدى، بإشراف ضباط بـالحرس الثوري الإيراني في بادية الميادين غرب الفرات بريف دير الزور الشرقي، وجاءت العملية بهدف رفع الجاهزية لصد أي استهداف لها من جهة البادية، حيث تتموضع الميليشيات الإيرانية في منطقة غرب نهر الفرات للحصول على الإمدادات عبر الحدود العراقية من معبر ” البوكمال “.
C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\قمة العلمين\US-bases-in-Syria-omar-oilfield-1536x1144-2.jpg
  • اعتبرت الولايات المتحدة أن ما قالت إنه استهداف من إيران لقاعدة حقل العمر النفطية، يعد تهديدًا لمصالحها الاقتصادية التي تجنيها من عائدات النفط لأنه وبالنظر للقواعد العسكرية الأمريكية في سوريا نجد أنها تمثل ما يشبه الطوق المحيط بكل المناطق النفطية في البلاد. كما تتمركز في قاعدة التنف التي تم استهدافها خلال الشهر الجاري لوقوعها على الحدود مع العراق مما يمثل أهمية استراتيجية لواشنطن.

ختامًا، يمكن الإشارة إلى أن الأهمية الأكبر للعملية التي نفذتها الولايات المتحدة اليوم في دير الزور، أنها تنقل الوجود الأمريكي في سوريا، من مجرد أمر واقع تم الاعتياد عليه ومرتبط بالنمطية أكثر من كونه يرتبط بأي تحركات، إلى المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران في سوريا مما يرشح سوريا لمزيد من عدم الاستقرار، في وقت تتجه في التكهنات إلى محاولات عربية دؤوبة لعودة دمشق لمحيطها في جامعة الدول العربية. 

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى